بسم الله الرحمن الرحيم
حفظ الله رسوله صلى الله عليه وسلم بحفظه ورعايته حتى من الاشياء العادية ، والعادات المرعيَّة فقد حدث أن سقط جزء من الكعبة ، واجتمعت قريش ، وهمَّت لتجديد ما وَهَىَ من الكعبة ، وقاموا بتقطيع الأحجار اللازمة من جبل أبى قبيس المجاور للكعبة ، واشتركت بطون قريش كلها في نقل هذه الأحجار إلى البيت الحرام ؛ ليكون لهم جميعاً شرف القيام بهذا العمل العظيم
فاشترك صلى الله عليه وسلم مع عمِّه العباس في النقل ، وكان كل واحد يحمل حجراً من الحجارة البيضاء الكبيرة ، وكانت طريقة الحمل أن يخلع أحدهم جلبابه أو يطويها ويضعها على كتفه ويضع عليها الحجر :
{ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عمه ، وكان سائراً أمامه ، ففوجىء العباس بالرسول قد وقع على الأرض مغشيَّـاً عليه ، وعندما أفاق ، قام وأنزل جلبابه ، فقال له : شمِّر عن جلبابك ، فَقَالَ : لا ، قَالَ : لمَاذَا ؟ ، قَالَ : لَقَدْ ظَهَرَ لى مَلكٌ ، وَأمَرَنى أَنْ أسْتَرَ عَوْرَتِى}[1]
وهذا الكلام وهو ما زال في شبابه لم يبلغ خمس عشرة سنة ، ومن يومها لم تظهر للرسول صلى الله عليه وسلم عورة – والعورة ليس السوءة – لكن لم يظهر أي جزء من جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم ، حتى أنه بعد أن تزوَّج السيدة عائشة قالت :
{كَانَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ ، وَ أغْتَسِلُ مَعَهُ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ ، وَ لا يَرَى مِنِّى ، وَ لا أَرَى مِنْهُ}[2]
لأن الأنبياء عند الغسل يغتسلون من فوق القميص ، ولا يتعرَّون ، فيخلع الجلباب ، ولكنه يظلُّ بالقميص ، ويغتسل به ، حتى عند غسله صلى الله عليه وسلم ، احتاروا ؟ كيف نغسِّله؟ وقد قال :
{يُغَسِّلُنِى عَلِىٌّ وَ العَبَّاسُ ، أَهْلُ الْبَيْت ِ، فَاحْتَارُوا مَاذَا نَفْعَلُ؟ فَسَمِعُوا نِدَاءاً ، يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَ لايَرِوْنَهُ : (لا تُعَرُّوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَغَسِّلُوهُ مِنْ فَوْقَ ثِيَابِه}[3]
فعرفوا أنه من الملائكة ، وكذلك بنت النبي السيدة فاطمة عند موتها ، استحمت ، واغتسلت ، ولبست ملابسها ، ونامت متجهة إلى القبلة ، وقالت لسيدنا على : سأموت الآن ، فلا أحد يغسِّلنى ، ولا ينزع ملابسى ، فقد غسَّلت نفسى ، وماتت ، وعلى هذا لم تغسَّل ، فما بالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمن هذه اللحظة ورسول الله ممنوع أن يتعرى أى جزء من جسده الشريف صلوات الله وسلامه عليه
وكذلك تولى الله حفظه في صباه : حتى أنه عندما أراد أن يفرج عن نفسه ، وقال للغلام الذى يرعى معه :
{أُحْرُسْ لى غَنَمِى ، لأذْهَبَ إلى هَذَا الْعُرْسِ لأشَاهِدَهُ ، فَـذَهَبَ إلى الْعُرْسِ ، وَعِنْدَمَا جَلَسَ نَامَ ، وَلَمْ يَسْتَيْقَظُ حَتَّى لَسَعَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ في اليَوَمِ التَّالى ، فَعَادَ ، فَقَالَ لَهُ : رَأيْتَ الْعُرْسَ ؟ ، فَقَصَّ لَهُ مَا حَدَثَ ، وَبَعْدَ عِدَّةِ أيْامً ، أُقِيْمَ عُرْسٌ آخَرٌ ، فَـذَهَبَ إليْهِ ، فَحَدَثَ لَهُ مَا حَدَثَ فِيمَا سَبَقَ ، فَلَمْ يَذْهَبْ إلى عُرْسٍ بَعْدَ ذلِكَ أبَداً}[4]
فقد حرسه الله من اللهو البريء فقد حفظه الله حتى من هذه الأشياء : فهو الذى حفظه حتى من اللهو ، ومن اللعب ، ومن السجود لصنم ، ومن شرب الخمر ، حتى أن أعمامه غضبوا منه لأنه لا يذهب معهم إلى أصنامهم في أعيادهم :
{فأرسَلوا إليْه عَمَّاتِه ليَشْدُدْنَ عليه أنْ يذْهَبَ مَعْ أعْمَامِه ، فَمَا زِلْنَّ بِهِ حَتَّى أرْغَمْنَهُ عَلى الذِهَابِ وَ الْحُضُورَ مَعَهُمْ ، فَلمَّا ذَهَبَ إلى الصَّنَمِ رَأى سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ وَ قَالَ لَُه (مَا جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا؟ إذْهَبْ) ، فَغُشِىَ عَلَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ سَيِّدِنَا جِبْرِيلَ ، وَعِنْدَمَا أَفَاقَ قَالُوا لَهُ مَاذَا حََدَثَ؟ قَالَ : رَأيْتُ شَخْصَاً يَقُولُ لِى : لا تَسْجُدْ وَ ارْجَعْ}[5]
ومن يومها لم يرجع إلى صنم من هذه الأصنام ، ومن هنا فقد كانت الملائكة تتولاه وترعاه وتحرسه برعاية الله