محاطاً بإطار الباب في غرفة نوم بوارو وقف ضيف غير منتظَر، مغطى من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بالغبار. حدق الرجل بوجهه الناحل المضني للحظة، ثم ترنح وسقط على الأرض.
من كان هذا الرجل؟ أكان يعاني من صدمة أم هو الإجهاد فقط؟ ولكن الأهم من ذلك كله: ماذا كان المقصود بالرقم 4 الذي خُربش بخط سيء على امتداد الصفحة مكرَّراً مرات ومرات؟!
كثير من الأحداث ينتظر بوارو
الفصل الأول
كم أدهشني رؤية أولئك القوم على مقاعدهم الخشبية يعبرون القنال هادئين , فإذا وصلوا انتظروا حتى ترسو السفينة ثم قاموا إلى متاعهم يجمعونه دون ضجيج .
أما أنا فلا أبقى هادئا و لو حينا من الوقت , فإذا صعدت لسطح السفينة أراني قد بدأت اقلق و اضطرب , و يحل في شعور أن الوقت قصير جدا لا يكفي للراحة و القعود فأنطلق اجمع حقائبي و أحركها من مكان للآخر , و إذا نزلت إلى الصالة لكي آكل طعامي فإنني ازدرده بسرعة و ربكة مخافة أن تصل السفينة فجأة و أنا ما أزال في الأسفل.
ربما كان هذا مما أورثتنيه الحرب, فقد كنت حين آخذ إجازة قصيرة أجعل اهتمامي أن استأثر نفسي بموقع قريب من المخرج لكيلا اخدر بضع دقائق ثمينة من إجازتي القصيرة ذات الثلاثة الأيام أو الخمسة .
في صباح ذلك اليوم من تموز كنت اقف جنب الحافة أراقب المنحدرات الصخرية البيضاء في دوفر و هي تقترب رويدا رويدا . لقد أثارني مشهد المسافرين يجلسون على مقاعدهم بكل هدوء و لم تتحرك مشاعرهم و لا رفعوا عيونهم ليروا منظر وطنهم الأول , ربما اختلفت حالهم عن حالي قليلا , فأكثرهم بلا شك جاء من اجل قضاء عطلة نهاية الأسبوع في باريس , في حين أقيم أنا بعيدا في مزرعة كبيرة في الأرجنتين منذ سنة و نصف , حيث حققت نجاحا كبيرا , و استمتعت مع زوجتي بحياة حرة بسيطة في أمريكا الجنوبية .
و راقبت ذلك الشاطئ المألوف يدنو رويدا رويدا بشعور من القلق و الشوق , انه اثار في نفسي ذكريات و ذكريات قد نزلت في فرنسا قبل يومين من اجل بعض الاعمال الضرورية , و ها أنا ذا في الطريق إلى لندن , و الواجب أن امكث فيها بضعة اشهر , حيث الوقت يتسع أن ازور أصدقائي الأقدمين لا سيما صاحبي الضئيل الحجم ذا الرأس البيضاوي و العينين الخضراوين : هيركيول بوارو .
و عزمت أن أفاجئه بزيارتي هذه مفاجأة مقصودة و إن كانت رسالتي الأخيرة التي بعثتها إليه من الأرجنتين تلمح إلى رحلتي التي اتخذت القرار بشأنها على عجل بعد مواجهتي لبعض المصاعب في العمل.
.. ترى ماذا يصنع بوارو حين يراني ؟
أيقنت انه غير بعيد أن يكون في مقر عمله ؛لأن الوقت الذي كانت قضاياه تضطره للسفر من شمال إنكلترا إلى جنوبها قد انقضى , و لم يعد يرضى أن تأكل قضية واحدة كل وقته , فقد ذاع صيته و اشتهر , و استطاع وصول أهداف كثيرة , و حقق كثيرا من طموحه , ثم إن الوقت يهيئه ليصبح ((مستشارا فذا في التحري و التحقيق)) تماما مثل الطبيب المختص الشهير في شارع هارلي !
كان بوارو يسخر دائما من الفكرة الشائعة عن كلب ((الدموم)) الإنساني الذي يتعقب المجرمين و يقف عند كل اثر قدم , و سوف يقول ((لا يا صديقي هيستنغز , ذاك من فعل جيرود و أصحابه , أما أسلوب هيركيول بوارو فهو خاص به : التنظيم و المنهجية و ((الخلايا الرمادية )) إذا جلسنا نحن على مقعدنا نستريح نستطيع أن نرى أمورا غفل عنها آخرون , و نحن لا نقفز إلى النتيجة قفزا كما يصنع ((جاب)) الكفء ))
كان لدي خوف أن يكون بوارو مسافرا لكني كنت اطرد هذه الوساوس المقلقة , و حين وصلت لندن أودعت متاعي في فندق و انطلقت بالسيارة مسرعا إلى العنوان القديم …
أي ذكريات ممتعة أثارها هذا المكان في نفسي !
و انتظرت بشيء من القلق كي أزجي التحية لصاحبة البيت الذي كنت اسكنه , ثم انطلقت اصعد الدرج درجتين درجتين , و طرقت باب بوارو إذا بصوته المعهود يهتف:
ادخل …
و دخلت فإذا بوارو أمامي وجها لوجه , و ما إن رآني حتى سقطت من يده حقيبة سفر و ارتطمت بالأرض لشدة المفاجأة , و صاح :
هيستنغز ! هيستغز!
اقبل علي و عانقني عناقا حار , و دار كلامنا غير مترابط و لا مقبول : هتاف و أسئلة لاهفة و أجوبة متبورة و كلام عن رحلتي و رسائل , كله اختلط اختلاطا عجيبا! و سألته أخيرا حين هدأنا من ثورة الشوق قليلا:
– أرى أن في غرفتي القديمة شخصا ما , و احب أن اقعد معك هنا مرة أخرى .
تغير وجه بوارو من هول المفاجأة :
– يا إلهي! أية فرصة سيئة التوقيت هذه .. انظر حولك يا صديقي ..
لأول مرة لاحظت الأشياء التي حولي : صندوق ضخم على الطراز القديم ناحية الحائط , و إلى جواره عدة حقائب مصفوفة كل حسب حجمها , و قد أعدت للسفر حتما لا خطأ في ذلك ..
– هل أنت راحل ؟
– اجل ..
– أين؟
– إلى أمر كيا الجنوبية..
صحت بانفعال :
– نعم تلك مهزلة مضحكة , أليس كذلك ؟ أني مسافر إلى ((ريو)) في البرازيل , و كنت في كل يوم أقول : لن اكتب شيئا في رسائلي حتى تكون مفاجأة لصديقي الطيب هيستنغز حين يراني ..
– و متى ستذهب
نظر بوارو إلى ساعته :
– في غضون ساعة واحدة
– أتتذكر انك تقول : ((ليس هناك ما يقنعني بإنجاز رحلة بحرية طويلة ))؟
ارتجف بوارو و قد اغمض عينيه و قال :
-لا تحدثني في ذلك ,طبيبي يا صديقي , يؤكد لي أن الإنسان لن يموت من رحلة كهذه , أنت تعلم أنني لن ارتحل مرة أخرى أبدا .. و جذبني نحو المقعد و أردف : سوف تعلم كل ما حدث أتدرى من هو أغنى رجل في العالم ؟ روكفلر؟ هذا أغنى من روكفلر انه آبي ريلاند ..
– ملك الصابون الأمريكي؟
– أجل , لقد اتصلت بي إحدى سكرتيراته و قالت إن عصابة تمهد لعمل احتيال ضخم يرتبط بشركة كبيرة في ريو , و هو يرجوني أن أحقق المسألة في ساحتها فرفضت و قلت : إذا كانت الحقائق بين يدي فسوف اقطع عندئذ برأي خبير مستشار , لكنه رد علي بأنه لا يستطيع تقديم الحقائق , و أن علي أن أسعى بنفسي لكشفها حين اصل عنده, و قد كان هذا يكفي أن يلغي الصفقة من البداية , لان من الوقاحة الصرفة أن يملي على هيركيول بوارو ما ينبغي فعله . لكن الأجر الذي عرضه علي كان مذهلا جدا … لأول مرة اشعر أن المال يغريني !
–
لقد كان الأجر ثروة طائلة , و لا تنس أن عندي إغراء آخر غيره أنت يا صديقي قد كنت عجوزا وحيدا في عام و نصف هي غيبتك , ثم أنني تحققت لي شهرة تامة , ففكرت في نفسي : لماذا لا آخذ تلك المكافأة و ابحث عن القرار في مكان ما و عندي صديقي القديم ؟
تأثرت كثيرا من نظرت بوارو إلي و تابع كلامه :
– من اجل ذلك قبلت , و في ساعة من الزمن يجب أن أغادر المكان لألحق القطار الذي يقلني حيث السفينة تلك إحدى عجائب الزمن , أليس كذلك؟ لكنني اعترف إليك أنني ربما كنت ترددت لو لم يكن الأجر كبيرا جدا , حيث أنني بدأت أخيرا في إنجاز تحقيقات غاية في الخطر و الإثارة .. قل لي : مالذي يقصد عادة بعبارة ((الأربعة الكبار))؟
– أظن أن هذا المصطلح جاء أصلا في مؤتمر فرساي , ثم نعرف الأربعة الكبار المشهورين في عالم السينما , و هذا الاصطلاح يقال أيضا في بعض الحفلات و الأعياد
– حسنا , لقد سمعت هذه العبارة يوما ما لكن تفسيرا مما ذكرت لا ينطبق عليها , يبدو أنها تعني عصابة دولية من المجرمين أو شيئا يتعلق بهذا الصنف فقط ..
سألته عندها دون تردد :
– فقط ؟ ماذا ؟
– أتخيل أن ذلك الشيء قوي و ضخم , تلك فكرة صغيرة لدي فحسب , هيا .. يجب أن أكمل حزم الأمتعة , فالوقت يقترب
فقلت أرجوه:
– لا تذهب ألغ التذكرة و تعال معي على متن سفينتي نفسها التي سأغادر عليها بعد شهرين .
أشاح بوارو بوجهه عني بعد أن رمقني بنظرة قاسية فيها تأنيب و قال :
– كأنك لم تفهمني تماما , لقد قلت كلمة . ألا تدرك هيركيول بوارو ؟ لا شيء ينبغي أن يعيقني الآن إلا الموت .
همست حزينا :
– و هذا ما لا أتوقعه , و أرجو ألا يختم الأمر بشيء طارئ في اللحظة الأخيرة
و ما لبثنا كلانا بعد برهة صمت قصيرة أن سمعنا صوت حركة مريبة في الغرفة الأخرى , فصحت :
– ما هذا الصوت؟
رد بوارو سريعا :
– يا إلهي كأنك قلت ما تعلم ((شيء طارئ في اللحظة الأخيرة )) : شخص غريب في غرفة نومي
– كيف دخل إليها ؟ ليس لتلك الغرفة باب إلا الباب الذي يوصل إلى هنا !
– ما أقوى ذاكرتك يا هيستنغز هيا إلى الاستنباط ..
– إنه الشباك .. إذن هو لص ؟ لا بد أنه تسلق إليه بصعوبة بالغة , لكن هذا أشبه بالمستحيل
و اتجهت صوب الباب حذرا أستطلع , غير أن حركة مقبض الباب من الداخل أوقفتني ذهلا ..فتح الباب قليلا قليلا و بان رجل يكاد يملأ المدخل و الوحل يغطي بدنه من رأسه حتى أخمص قدميه . وجهه كان شاحبا و عليه علامات الإرهاق و الإعياء .
حدق إلينا ثم ترنح و سقط , فهتف بوارو :
– الليمون بسرعة
و جلبت كأس الليمون و اجتهد بوارو أن يسكب في فمه شيئا قليلا منه , ثم حملناه إلى الأريكة , و ما لبث أن فتح عينيه بعد دقائق و نظر نظرة ذاهلة لا تبدي شيئا , سأله بوارو :
– ماذا تريد يا سيد؟
فتح الرجل فمه , ثم نطق بصوت غريب كلمات :
– السيد هير .. كيول .. بوارو , 14 _ شارع فاراوي ؟ ..
– نعم نعم , أنا هو ..
يبدو أن الرجل لم يفهم شيئا , و أعاد عبارته الأولى باللهجة ذاتها :
– السيد هيركيول .. بوارو , 14 _ شارع فاراوي ..
حاول بوارو أن يختبره بأسئلة مختلفة لكن الرجل لم يكن يجيب عن الأسئلة , و حينا كان يردد كلمته السابقة , فأشار بوارو أن يتصل بالهاتف :
– اطلب الدكتور ريدجوي كي يحضر فورا
لم تمض بضع دقائق حتى كان الطبيب يدخل مسرعا , فبيته كان في زاوية الشارع:
– ما هذا كله ؟
سرد له بوارو موجزا و بدأ الطبيب يفحص زائرنا الغريب الذي كان في غيبوبة لا يدرك ما يجري حوله , قال د.ريدجوي حين انتهى:
– آه حالة تثير التساؤل ..
همست: حمى دماغية ؟
صاح الطبيب منكرا :
حمى دماغية ! لا شيء عندنا اسمه حمى دماغية , ذلك كلام الروائيين فقط لا , إن الرجل أصابته صدمة ما , ثم جاء إلى هنا و قد سيطرت عليه فكرة ملحة ليجد السيد بوارو
قلت بلهفة :
– إذن فهو احتباس الصوت بسبب إصابة لحقت الدماغ ؟
لم يثر هذا السؤال الطبيب كما فعل سؤالي الأول , لكنه لم يجب بل دفع للرجل قلما وورقة :
– دعونا نرى ماذا سيفعل
لم يفعل شيئا لبضع لحظات , ثم بدأ يكتب فجأة و بصورة محمومة , ثم كف و ترك الورقة و القلم يسقطان من يده فالتقطهما الطبيب و نظر فيها و هز رأسه :
– لا شيء هنا , رقم ((4)) فقط بصورة غير واضحة , اثنتي عشر مرة , و في كل مرة يكون الرقم أكبر من الآخر , يريد _ على ما يبدو _ أن يكتب 14- شارع فاراوي .. إنها حالة مثيرة للاهتمام
لكن هل – يا ترى – تسمحان أن يبقى هنا إلى ما بعد الظهر؟ أنا مضطر الآن أن أذهب إلى المستشفى , و سوف أعود بعد الظهر لأصنع ما ينبغي بشأنه , هذه قضية تستحق الاهتمام و أود كشف سرها
و حدثته بأمر سفر بوارو و رغبتي مرافقته إلى ساوث هامبتون فقال :
– حسنا دعا الرجل هنا , إنه لن يتسبب بأذى فهو يعاني من إعياء ثقيل , و ربما ينام ثماني ساعات متواصلة ,سأكلم جارتكم الطيبة السيدة فنفيس وأسألها أن تعتني به
و خرج الدكتور ريدجوي مسرعا بخفته المعهودة و أتم بوارو حزم أمتعته و عينه تلحظ الساعة :
– الوقت يمضي سريعا , تعال إلى هنا يا هيستنغز , لن أدعك تقول بأنني تركتك دون عمل ,إنها مشكلة غريبة حقا .. هذا الرجل الغريب من هو ؟ و من أين جاء ؟ آه ! وددت أن لو أضحى بسنتين من عمري من اجل أن تتأخر السفينة يوما واحدا , إلى الغد بدلا من اليوم , ثمة شيء يثير السؤال و يدعو إلى الاهتمام لكن الوقت ثمين .. الوقت .. ربما تقضي أيام بل اشهر قبل أن يصبح الرجل قادرا على تسمية حاجته
– سأبذل جهدي يا بوارو سوف أكون بديلا كفئا عنك
– نعـ .. نعم
دهشت لرده الذي بعث في نفسي شكوكا , أخذت الورقة و قلت مرحا :
– لو كنت كاتبا لحبكت قصة من هذه الورقة و كلمتك التي قلتها سابقا و أسميتها ((لغز الأربعة الكبار)) و كنت أضرب على الأرقام المكتوبة و أنا أتكلم ..
أصابتني رعشة حين نهض مريضنا فجأة من غيبوبته و جلس و قال بصوت واضح :
– لي شانغ ين
في حين أوحى شكله أنه نائم و صحا من نومه فجأة
نهاني بوارو أن أكلمه , استمر الرجل يتكلم بصوت واضح جمهوري و كأنه يلقي درسا أو يقرأ بيانا مكتوبا
– لي شانغ ين زعيم العقول الأربعة الكبار , إنه القوة الضابطة و الآمرة , و لذلك فقد سميته رقم ((1))أما رقم ((2)) فذكره باسمه قليل , و لذلك رمزه (($))علامة الدولار , و رمزه أيضا شريطان و نجمه , فيحق لنا أن نحدس أنه أمريكي , و هذا يمثل قوة الثروة , ثم يبدو أن رقم ((3)) هو امرأة بلا شك , و هي فرنسية و ربما تكون واحدة من نصف العالم الجديد ,ربما لا أجزم بهذا و رقم ((4)) …
بح صوته و تلعثم لسانه و كف عن الحديث فاقترب منه بوارو يحثه على الكلام :
– نعم ,رقم ((4)) ..
كانت عيناه مثبتين على وجه الرجل الذي ساده الرعب و قال الرجل يلهث :
– المدمر!
تشنج فزعا و سقط مرة أخرى و غاب عن الوعي , همس بوارو :
– يا إلهي لقد كنت أذن على صواب , كنت على صواب …
حاولت أن أتكلم :
– تظن …؟
– هيا احمله معي إلى السرير , لا املك أن أضيع دقيقة واحدة و إلا فاتني القطار .. آه! ليتني لم اقل كلمتي لكان –حينئذ- نقض السفر بضمير مرتاح لكن الوعد حق , هيا يا هستنغز
أودعنا هذا الزائر الغريب برعاية السيدة بيرسون و انطلقنا مسرعين في السيارة فأدركنا القطار
و بينما كان القطار يشق طريقه إلى ساوث هامبتون اخذ بوارو ينظر عبر النافذة كأنه في حلم : يصمت حيناو ينطق حينا آخر إلا انه على كل حال لم يسمع كلمة واحدة من حديثي له
و كان حينا يصحو فجأة فيلقي علي كومة نصائحه و إرشاداته و يرجوني أن أداوم مراسلته و إبراقه دوما
و قطع القطار مسافة طويلة نحو ساوث هامبتون دون توقف على الطريق , وبعد أن اجتاز مقاطعة ووكنغ حل بيننا صمت طويل حتى توقف القطار فجأة عند إشارة ضوئية فاهتاج بوارو فجأة وصرخ :
– يا إلهي !هذا رائع ! قد كنت أبله , الآن فهمت , العناية الإلهية أوقفت القطار بلا شك , اقفز يا هيستنغز قلت لك :اقفز!
و بسرعة خاطفة فتح باب العربة و قفز من القطار على السكة الأخرى و صرخ بحزم :
– هات الحقائب و اقفز , هيا بسرعة
لم املك إلا طاعة بوارو دون تفكير , فقفزت ! و ما أن وطئت قدماي الرصيف حتى كان القطار ينطلق كالبرق , و قلت له بنبرة ساخرة :
– و الآن يا بوارو هلا فهمتني كل هذه الحركات التي لم افهم منها أي شيء ؟
– يا صديقي قد رأيت الضوء
فقلت أنا لما يقول منكر :
– هذا واضح جدا عندي
– يجب أن يكون واضحا , لكني أخشى أن الأمر ليس تماما كما قلت , على كل حال فلو حملت حقيبتين من هذه أتدبر أنا البقية .
يتبع
مشينا على الأقدام قليلا , ثم ركبنا سيارة الى البيت , لأن المكان الذي توقف القطار عنده لم يكن بعيدا عن موقف السيارات
و في غضون نصف ساعة كنا في طريق عودتنا السريعة المثيرة المدهشة الى لندن
تلطف بوارو بي يجتهد أن يخفف من حيرتي , و قال :
– ألا ترى يا صديقي ؟ لم اكن أري من قبل ما تبين لي , إنها مؤامرة ذكية قد أحكمت خيوطها من اجل دفعي لأخرج من طريقهم!
– ماذا ؟
– اجل بخطة ذكية متقنة اختاروا المكان المناسب و الأسلوب بعناية فائقة و فطنة لم تسبق , انهم يخافونني .
– من هم ؟
– عصابة الشياطين الأربعة الذين صنعوا اتحادا شريرا يعمل في غفلة من القانون: رجل من الصين و ثري أمريكي و امرأة فرنسية و رابع معهم .. ادع الله أن نصل الى البيت سريعا يا هيستنغز
– هل تظن ان زائرنا في خطر ؟
– اني جازم بذلك!
حيتنا السيدة بيرسون حين وصلنا و هي تنظر إلينا بدهشة و استغراب سألناها عن الضيف دون اكتراث بدهشتها فأجابت بان حاله حسنة و صحته تدعو الى الطمأنينة
صعدنا الى البيت و علينا بعض علائم الراحة , عبر بوارو الغرفة الأولى متجها الى الأخرى , ثم ناداني بصوت متهدج غريب ينطق بالفزع :
– هيستنغز انه ميت!
ركضت إليه و صدري يهتز من هول المفاجأة , الرجل ما زال مستلقيا كما تركناه و كان ميتا منذ بعض الوقت !
خرجت مسرعا في طلب الطبيب , و كنت اعلم أن الدكتور ريدجوي ليس في عيادته , فدعوت طبيبا غيره قريبا حضر معي في الحال ..
– انه ميت تماما , هل هو صديق لك ؟
– .. اجل , لكن ما سبب وفاته؟
– يصعب تحديده ربما يكون نوبة مرضية , وفيه بعض علائم الاختناق , هل عندكم خط غاز ممتد الى هنا ؟
– كلا بل ضوء كهربائي ليس غير
– و الشباكان مفتوحان تماما أيضا , كأنه مات منذ ساعتين , انتم ستخبرون الشرطة أليس كذلك ؟
و خرج الطبيب و قام بوارو بالاتصال اللازم , ثم اتصل بصديقنا القديم المفتش جاب و سأله الحضور
و لم يمض وقت طويل حتى حضرت السيدة بيرسون و عيناها جاحظتان من الدهشة و العجب , قالت :
– بالباب رجل من المصحة العقلية , هل اجعله يدخل ؟
أشار لها بالموافقة , و دخل رجل ضخم الجسم في زي خاص , قال بمرح :
– صباح الخير يا سادة , لقد علمت أن عصفورا من عندي طار عندكم , لقد فر ليلة أمس..
بوارو : قد كان هنا
– و هرب مرة أخرى ؟
كان سؤاله باهتمام ..
– بل مات
ظهرت علائم الطمأنينة على الرجل , و قال بتكلف :
– هذا خير لنا جميعا ..
– و هل كان خطيرا ؟
– إن كنت تقصد انه نزاع للقتل فليس هو كذلك , بل مسالم و هو ذكي جدا لكنه مليء بالأسرار , و الظاهر أن الجمعية الصينية السرية هي التي أسكتته !
شعرت بالرعدة تسري في جسدي ثم قلت :
– كم مضى عليه و هو على هذه الحال؟
– قرابة السنتين
قال بوارو-بهدوء – : ألم يخطر ببال أحد انه ربما يكون عاقلا ؟
سخر الرجل و قال :
– لو اكن عاقلا ما كان في ضيافتنا , انهم جميعا يزعمون انهم عقلاء
ثم دخل الرجل و عرف الجثة و قال :
– الآن علي أن اذهب لأتخذ الخطوات اللازمة , لن ندع الجثة عندكم طويلا , أرجو أن تساعدوا الشرطة في التحقيق , شكرا لك يا سيدي
و انسل الرجل من عندنا
وصل جاب بعد بضع دقائق , كان واثقا من نفسه و أنيقا على عادته:
– أنا مستعد للعمل يا سيد بوارو , كنت أظنك ذاهبا الى الشواطئ المرجانية ..
– هل تعرف هذا الرجل من قبل ؟
سادت الدهشة و الحيرة نظرات جاب الفاحصة الى الجثة , ثم قال بنبرة فيها خوف و ارتباك :
– كأني اعرفه .. دعني أرى .. إن لي ذاكرة اعتز بها .. آه ! انه مايرلنغ! مايرلنغ رجل الاستخبارات السرية , ذهب الى روسيا قبل خمس سنوات و انقطعت أخباره , كنا نظن انه قتل !
و هم جاب أن يخرج فقال له بوارو :
– كل شيء يبدو معقولا , لكنه مات ميتة عجبا !
اخذ الهواء و قد هب عبر النافذة المفتوحة يداعب الستائر في حين جعل بوارو ينظر الى الجثة بعبوس واضح :
– هل فتحت النافذة ؟
– لا لم افعل لقد كانت مغلقة
– كانت مغلقة لكنها مفتوحة الآن , ما معنى ذلك ؟
– شخص ما دخل من النافذة ..
– هذا جائز لكنه ليس ما يشغل بالي , إنما راع انتباهي أن النافذتين مفتوحتان لا واحدة!
اندفع نحو الغرفة الأخرى ثم صاح كمن وجد شيئا :
– نافدة غرفة الجلوس مفتوحة أيضا , و قد كنا تركناها موصدة .. ها ..
مال فوق الجثة و اخذ يتفحص فم القتيل بدقة ثم قرر واثقا :
– شيء ما ألقم في فمه ليسكت ثم سم !
شعرت بالصدمة و أوجست خوفا في جسدي , قلت :
– بعد التشريح نعرف الحقيقة
– لن نعرف شيئا , لأنه مات من استنشاق حمض البروسيك الحاد سريع التطاير بعد أن لصق بفمه تماما , ثم هرب القاتل بعد أن فتح الشبابيك كلها . الأطباء سيسجلونها ميتة طبيعية و لن يجدوا أثرا يعرفونه و سوف يسدل النسيان على رجل الاستخبارات السرية الذي مضت على اختفائه خمس سنين !
ثم اهتز بوارو فجأة و هو ينظر الى ساعة الحائط :
– توقفت عند الرابعة ! لقد عبث بها شخص عبثا مقصودا !
– ترى لماذا فعلوا ذلك ؟ من اجل التضليل ؟
– لا يا صديقي اعمل فكرك , شغل خلايا دماغك الرمادية مايرلنغ كان ينتظر الموت المحتوم , كان في صدره أشياء خطيرة , لقد استطاع أن يترك علامة واضحة قبل أن يلفظ أنفاسه ..رقم ((4)) ((المدمر)) ..آه لقد جاءتني فكرة ..
اندفع سريعا نحو الغرفة الأخرى و امسك بالهاتف و طلب هانويل:
– هنا مستشفى الأمراض العقلية ؟ لقد علمت بهروب مريض من المستشفى اليوم .. هل سمعت يا هيستنغز ؟ لم يطرأ أي هروب !
– لكن القيم الذي التي .. هل تظن ؟..
– المدمر , انه رقم ((4))
فقدت قدرتي على التركيز , شعرت أنني لا أستطيع الكلام , حاولت لملمة نظراتي المشدوهة , حاولت النظر في بوارو, و حاولت خرق الصمت الذي سببته لي المفاجآت المذهلة و نطقت :
– سوف نعرفه إذا رأيناه في أي مكان آخر , مازلت اذكر ملامحه جيدا , كان رجلا ذا شخصية حازمة
سخر بوارو بي :
– حقا يا عزيزي ؟ بل كان قوي الجسم ذا وجه احمر و شارب غليظ و صوت شخن , في المرة القادمة لن تجد فيه صفة من هذه الصفات , سيغير لون شعره , و يتخذ طقم أسنان صناعيا رائعا , و أذنين عجبا , و نظرات مختلفة .. كشف الهوية ليس سهلا يا صاحبي .. في المرة القادمة ..
– هل تظن أن بعد هذه المرة مرة قادمة ؟
كان وجه بوارو يفيض حزما و جدا و هدوءا ,و كانت ملامحه تنطق بالعزم و الإصرار , لكن فيه ذهولا و شرود ,ثم تحدث بنبرة قوية:
– أنها مبارزة حتى الموت يا صاحبي, نحن في جانب و الأربعة الكبار قبالتنا , لقد ربحوا الجولة الأولى , ربما لكنهم ما استطاعوا أن يبعدوني من طريقهم , عليهم أن يحسبوا لهيركيول بوارو ألف حساب ..
يتبع
شكلو ما في حدا بيحب لقراية
مع انو نحنا هلأ بوقت كتير بنحتاج فيه القراية
وهيا شي ممتع مستغربة انو ما حدا طلب مني اكمل الرواية
هاي اغاثا كريستي معقول
بجد بنات صدمتوني
نحنا هلأ بنلاحق الموضة بس عالقليل انلاحق شي من الماضي وما زال بالحاضر ورح يضل للمستقبل
صدقوني ما في اروع من انك تعبي وقت فراغك برواية او حتي قصة قصيرة
انشالله بنلاقي ردود وكملها لانها كتير رائعة من روائع اغاثا كريستي
تحياتي
الله يعطيك العافيه
رح نزل تكمالتها مشان الكل يقراها