وقفات هامة مع بداية العام الهجري الجديد
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذَهَبَ يوم ذَهَبَ بعضك".فكل عام يمضي من أعمارنا نقترب به من الموت
من الأمراض الاجتماعية الشائعة في مجتمعاتنا كثرة تأجيل الأعمال والتسويف في أدائها، حتى تمر الأيام والسنون الطويلة ولم نفعل شيئًا، ونحن لا ينقصنا العلم، بل ينقصنا الشروع في العمل بما نعلم .
وكان عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- حريصًا على أداء الواجبات والأعمال وعدم تأجيلها، وذات يوم قال لَهُ أحد أبنائه: لو أخرَّتَ عمل هذا اليوم إلى غد فاسترحت؛ فقال : قد أجهدَنا عمل يوم واحد، فما بالك بعمل يومين مجتمعين .
وقال الشاعر :
إن أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا *** ندمت على التفريط في زمن البذر
وبوب البخاري -رحمه الله- باب "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه"، وذكر فيه حديث أنس: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرُّ منه حتى تلقوا ربكم"
والمقصود لا يأتي زمان إلا والذي بعده أَشَرُّ، مثل كثرة الفتن وابتعاد الناس عن معين الشريعة وانغماسهم في المعاصي كلما مرت السنون والأعوام، وهذا من حيث الأعم .
ويقول عبد الله بن مسعود معلقًا على حديث "لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة": "لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علمًا من اليوم الذي مضى قبله؛ فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون".
وها نحن أولاء نودع عامًا هجريًّا بعد انقضائه، ونستقبل عامًا جديدًا..
وتمر الأيام والأعوام..
ومع بداية العام الجديد قد يكون شاهدا لك أو عليك ولا بد فيه من عمل
فعلينا استدراك ما فات من العمل واستغلال مواسم الخير واستثمار الطاعات
ويهمنا هنا أن نتذكر أن بإمكاننا استثمار تلك الأوقات والأنفاس في ذكر الله عز وجل وفي الدعاء والتوبة وفي الكلمة الطيبة والصدقة ونفع الناس حتى لا نكتب من الغافلين وحتى ترجح تلك الحسنات ميزان أعمالنا عند الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم لا سيما إذا علمنا أن من رحمة الله أنه يضاعف الحسنات بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء .
ولن أطيل عليكم وإنما هي وقفات ربانية أذكركم بشيء منها وأقدمها بين يديكم عسى الله أن يرزقنا وإياكم الأخذ بها واغتنامها وذلك مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: [وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون] التوبة
التقويم الهجري وكيف تم
التاريخ الهجري ليس مجرد طريقة لحساب الزمن بل هو رمز وهوية لأمتنا الإسلامية،فتاريخنا مرتبط بأحداث عظيمة، مرتبطة بالشهور الهجرية مثل شهر رمضان المبارك
والملاحظ لسير الأمم يرى أن التاريخ من أهم ما تحرص عليه الأمم؛ لذلك يقوم علماءالدين في مختلف الملل والنحل على التقويم والعناية به من حيث الحساب والمواقيتوالأعياد والمناسبات وبداية كل شهر ونهايته أن التقويم الهجري القمري تقويم رباني سماوي كوني قديم قدم البشرية، يتم بحركة كونية ربانية، ورسم خطاها ربنا جل شأنه بقوله: "هُوَ الَّذِي جَعَلَالشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَالسِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"يونس
وحدد أيضا عدد الشهور بقوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَشَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَاأَرْبَعَةٌ حُرُمٌ… )التوبة
أول من استعمل التقويم الهجري في الإسلام
أن أول من أرخ بالهجرة في الإسلام هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة سبع عشرة للهجرة
فقد أخرج الحاكم عن الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لهاتاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قالبعضهم: ابدأووا برمضان فقال عمر: بل المحرم، فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه
الذي حدا بالفاروق رضي الله عنه ، وكرام الصحابة في خلافته ، إلى اختيار حدث الهجرة منطلقاً للتأريخ الإسلامي ، رافضين اتباع الروم أو الفرس ، ومؤثرين الهجرة على سائر المناسبات النبوية الأخرى كالمولد والبعثة والوفاة .
ولقد خلّد القرآن الكريم الهجرة النبوية واصفاً إياها بالنصر لرسوله : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )
حكم تخصيص آخر العام الهجري بعبادة من صيام أو دعاء أو استغفار أو غير ذلك
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولمسلم وعلقه البخاري: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ومن البدع التي انتشرت في هذه الأزمان المتأخرة تَقَصُّدُ بعض الناس وتخصيصُهم آخر كل عام هجري بأداء بعض العبادات كالصيام والدعاء والاستغفار، وربما أوصى بعضهم بعضاً بذلك في المجالس أو عن طريق رسائل الجوال أو غيرها، ودافعهم إلى ذلك اعتقادهم أن صحائف أعمال كل سنة تطوى في آخرها فيحبون أن تكون خاتمة صحائفهم خيراً، وهذا العمل منهم هو من جملة الأعمال المحدثة المبتدعة المخالفة للسنة
لأسباب منها:
1- أن العبادة إذا ورد الأمر بها مطلقاً دون تحديد لوقتها،فإن تقصد تخصيص وقت لها بلا دليل يعتبر من البدع
2- أن هذا الفعل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أصحابه والتابعين وأئمة الإسلام فهل نحن أحرص منهم على الخير
3- القول بأن صحائف العام تطوى في آخره، دعوى تحتاج إلى بينة وبرهان
حكم التهنئة بابتداء العام الهجري
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ما حكم التهنئة بالسنة الهجرية وماذا يرد على المهنئ ؟
فأجاب رحمه الله :
إن هنّأك احد فَرُدَّ عليه ولا تبتديء أحداً بذلك هذا هو الصواب في هذه المسألة لو قال لك إنسان مثلاً نهنئك بهذا العام الجديد قل : هنئك الله بخير وجعله عام خير وبركه ، لكن لا تبتدئ الناس أنت لأنني لا أعلم أنه جاء عن السلف أنهم كانوا يهنئون بالعام الجديد بل اعلموا أن السلف لم يتخذوا المحرم أول العام الجديد إلا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انتهى
المصدر إجابة السؤال رقم 835 من اسطوانة موسوعة اللقاء الشهري والباب المفتوح الإصدار الأول اللقاء الشهري لفضيلته من إصدارات مكتب الدعوة و الإرشاد بعنيزة .
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في التهنئة بدخول العام الهجري :
الدعاء للمسلم بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه في المناسبات كالأعياد لا بأس به لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودّد ، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم . قال الإمام أحمد رحمه الله : لا ابتدئ بالتهنئة فإن ابتدأني أحد أجبته لأن جواب التحية واجب وأماالابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه .