التصنيفات
منوعات

الإختلاط في التعليم . مفاسد أخلاقية وأضـرار تربو

الاختلاط في التعليم.. مفاسد أخلاقية وأضرار تربوية

من قواعد الشرع المطهر أن الله سبحانه إذا حرم شيئاً حرم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه؛ تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه أو القرب من حماه، والوقاية خير من اكتساب الإثم والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة. ولو حرم الله أمراً وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك. وفاحشة الزنى من أعظم الفواحش وأقبحها، وأشدها خطراً وضرراً وعاقبة على ضروريات الدين؛ ولهذا صار تحريم الزنى معلوماً من الدين بالضرورة (1) قال الله عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ? إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [سورة الإسراء: 32]، يقول العلامة السعدي رحمه الله: "والنهي عن قربان الزنى أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" (2).

لقد حرم الإسلام جميع الأسباب والطرق، وكل الدواعي والمقدمات التي تؤدي للوقوع في الفاحشة. ومن أعظم تلك المقدمات، وأخطر تلك الدعاوى: اختلاط النساء بالرجال، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنى" (3)، ويقول سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "إن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر" (4)، ويقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "فالدعوة إلى نزول في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي ومن أعظم آثاره: الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنى الذي يفتك بالمجتمع، ويهدم قيمه وأخلاقه" (5)، ويقول فضيلة الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "إن الاختلاط من أسباب وقوع الفساد وانتشار الزنى"، ولهذا حرم الإسلام الاختلاط؛ يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط، وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه" (6)، ثم أورد سماحته عدداً من الأدلة من القرآن الكريم على ذلك (7)، كما أورد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم عليه رحمة الله عدداً من الأدلة من الكتاب على تحريم الاختلاط وبين وجه الدلالة منها (8).

أما من السنة فقد جاءت أحاديث صحيحة صريحة في تحريم الأسباب المفضية إلى الاختلاط وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ومنها: تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها…، وتحريم سفر بلا محرم…، وتحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر…، وتحريم دخول الرجال على النساء حتى الأحماء وهم أقارب الزوج …، وتحريم مس الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام…، وتحريم تشبه أحدهما بالآخر (9).

إن من حرص الشارع على التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم: أن رغب في ذلك حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا (10) فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» (11)، وما ذاك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف (12)، قال الإمام النووي رحمه الله: "وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال وذم أول صفوفهن لعكس ذلك" (13).

وعندما خرج رسول الله من المسجد فرأى اختلاط الرجال بالنساء في الطريق قال عليه الصلاة والسلام للنساء: «استأخرن فإنه ليس لَكُنّ أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق» (14)، فكانت تلصق بالجدار حتى إن ثوبها يتعلق بالجدار من لصوقها وعلى هذا سارت نساء المسلمين، لاعهد لهن بالاختلاط بالرجال حتى حدثت أول شرارة لذلك في التعليم من خلال المدارس الأجنبية.

إن جذور الاختلاط في التعليم بين الجنسين في الدول الإسلامية ترجع لقدوم المدارس والجامعات الأجنبية "التنصيرية" إلى بعض بلاد المسلمين التي ما لبثت مع مرور الزمان أن تحولت إلى مدارس وجامعات مختلطة بين الطلاب والطالبات بعد أن كانت غير مختلطة في بداية إنشائها .

ثم كانت الدعوة لاختلاط الجنسين في المدارس والجامعات على أيدي بعض أبناء المسلمين ممن افتتنوا بما لدى الكفار من تقدم علمي؛ فظنوا أن هذا من آثار الاختلاط فرفعوا راياتهم منادين ومدافعين عن الاختلاط.

بدأ الاختلاط في دور التعليم والجامعات في بلاد المسلمين منذ نحو قرن من الزمان، ولم يكتمل القرن الماضي الهجري إلا وأغلب الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس في ديار المسلمين مختلطة وسلمت بعض بلاد المسلمين من الاختلاط في دور التعليم منها: بلاد الحرمين زادها الله تمسكاً بشرعه؛ حيث نصت المادة (155) من وثيقة سياسة التعليم الصادرة في عام 1390ه على الآتي:

"يمنع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلا في دور الحضانة ورياض الأطفال" (15).

وهي بهذه السياسية التي رسمتها لنفسها من عدم الاختلاط في مراحل التعليم، والتي تستمدها من أحكام الإسلام قد سلمت من الآثار السلبية للاختلاط، والتي تعاني منها جل البلاد التي يوجد بها الاختلاط إسلامية كانت أو غير إسلامية.

هذا ويمكن أن نوجز أهم تلك الآثار السلبية للاختلاط في النقاط الآتية:

1- ارتكاب الفواحش، وفعل القبائح:

في دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت فيها أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحاً (بالحرام) وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدراسة تزايد معدل الجرائم الجنسية (الزنى) والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة (16).

وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحاً (48%) من تلميذات إحدى المدارس الثانوية (17).

هذه هي ثمار التعليم المختلط الزنى بالرضى أو الإكراه، ثم الحمل منه، ثم الإجهاض أو ولادة الأطفال اللقطاء، ثم الانحرافات السلوكية لهؤلاء الأطفال، ثم الجرائم العدوانية لهم كباراً. وهكذا في سلسلة طويلة من المشاكل الأخلاقية، والأخطار الأمنية التي تكلف المجتمع كثيراً.

2- تخنث الرجال واسترجال النساء:

عندما يختلط الذكور والإناث في المدارس والجامعات يأخذ كل جنس من صفات وأخلاق الآخر؛ فيتخنث الرجال ويسترجل النساء وهذا مالاحظه المسؤولون عن التعليم؛ فقد أعلن وزير التعليم الفلبيني "ريكارد جلوديا" أنه يرغب في تعيين عددٍ أكبر من المدرسين الذكور لتدريس التلاميذ الذكور؛ حتى يتحلوا بصفات الرجولة بدلاً من الصفات الأنثوية التي يكتسبونها من مدرساتهم (18).

كما أن اختلاط الطلاب بالطالبات في المدارس يؤدي إلى استرجال النساء ففي الدراسة التي أعدتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين اتضح أن السلوك العدواني يزداد لدى الفتيات اللائي يدرسن في مدارس مختلطة (19)، وتخنث الرجال يقضي على الرجولة لديهم، فيصاب بعضهم برقة وميوعة قد تتجاوز ذلك إلى التشبه بالنساء، كما أن استرجال يجعلها تفقد حياءها الذي هو بمثابة السياج المنيع لصيانتها وحفظها، ثم تتدرج إلى محاكاة الرجال في تصرفاتهم وأفعالهم ونتيجة ذلك النهائية الشذوذ في كلا الجنسين واكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء كما هو الواقع في كثير من البلاد التي كثر فيها الاختلاط والمسترجلات من النساء المتشبهات بالرجال. والمخنثون من الرجال المتشبهون بالنساء ملعونون على لسان رسول الله ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء» (20)، وفي حديث آخر: «لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء» (21).

3- انخفاض مستوى الذكاء:

تبين من خلال مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من مدارس ألمانيا الغربية وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى وعلى العكس من ذلك تبين أن مدارس الجنس الواحد (غير المختلطة) يرتفع الذكاء بين طلابها (22).

4- ضعف الإبداع ومحدودية المواهب:

في دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في بون بألمانيا تبين منها: أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لايتمتعون بقدرات إبداعية، وهم محدودو المواهب، قليلو الهوايات، وأنه على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد (غير المختلطة) (23) والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر عن الإبداع والابتكار.

5- إعاقة التفوق الدراسي:

لاحظ المختصون التربويون أن الاختلاط بين الطلاب والطالبات في المدارس يعوق التفوق الدراسي؛ فعمدوا إلى فصلهم في عدد من المدارس كتجربة فماذا كانت النتيجة؟، كشفت النتيجة أن البنين عندما يتم فصلهم عن البنات… يحققون نتائج أفضل في شهادة الثانوية العامة وأثبتت التجربة الفعلية والنتائج التي أسفرت عنها: أن عدد البنين الذين نالوا درجات مرتفعة تزايد أربع مرات على ماكان سيكون عليه الحال لو أن الفصل كان مختلطاً (24).

وقد أظهرت دراسة بمعهد "كيل" بألمانيا أنه عندما حدث انفصال… كانت البنات أكثر انتباهاً، وأصبحت درجاتهن أفضل كثيراً (25).

6- قتل روح المنافسة:

ذكرت الدكتورة "كاولس شوستر" خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس (البنين في مدارس البنين والبنات في مدارس البنات)، يؤدي إلى استعلاء روح المنافسة بين التلاميذ أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع (26).

بعد ذكر هذه الآثار السلبية لاختلاط الطلاب بالطالبات في المدارس والجامعات التي هي قليل من كثير بقى الرد على قضية تطرح بين الفينة والأخرى قد يظن أنه لاعلاقة لها بالاختلاط في التعليم وهي مهدها وأساسها تلكم القضية هي "تعليم النساء للبنين في الصف الأول والثاني الابتدائي"، وقد رد على هذه القضية كثير من التربويين رجالاً ونساءً ممن عملوا في سلك التربية والتعليم، كما رد عليها العلماء والمشايخ حفظهم الله تعالى.

يقول سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:

"أرى من واجبي التنبيه على ما في هذا الاقتراح من الأضرار والعواقب الوخيمة… وذلك أن تولي النساء تعليم الصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي إلى اختلاطهن بالمراهقين والبالغين من الأولاد الذكور؛ لأن بعض الأولاد لايلتحق بالمرحلة الابتدائية إلا وهو مراهق وقد يكون بعضهم بالغاً؛ ولأن الصبي إذا بلغ العشر يعتبر مراهقاً ويميل بطبعه إلى النساء؛ لأن مثله يمكن أن يتزوج، ويفعل ما يفعله الرجال. وهناك أمر آخر وهو أن تعليم النساء للصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي إلى الاختلاط، ثم يمتد ذلك إلى المراحل الأخرى فهو فتح لباب الاختلاط في جميع المراحل بلا شك" (27).

قلت: فليتنبه لما قاله سماحة الشيخ من يدعو إلى تعليم النساء للبنين في الصف الأول والثاني الابتدائي، وليعلم أنه بدعوته تلك يفتح باب الاختلاط في جميع المراحل ولو بعد حين.

بقي أن يقال: ما ذكره معالي الشيخ الدكتور- صالح بن عبدالله بن حميد من أن التربية لباس يفصل على قامة الأمة، متسق مع تعاليمها وآدابها وأهدافها التي تعيش من أجلها، وتموت في سبيلها… لباس منسجم مع مبادئها ومعتقداتها وتاريخها… وأن التربية ليست عملية بيع وشراء، وليست بضاعة تصدر أو تستورد، وأن الأمم لتخسر أكثر مما تكسب حينما تعمد في تربيتها لناشئتها ورسمها لمناهجها على استيراد المناهج ووضع الخطط بعيداً عن أصالتها ومبادئها وتاريخها (28).

_____________________________

منقوووول للفائدة …