بسم الله الرحمن الرحيم .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونتوب إليه ؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أم بعد:
فإن من الأمور المحدثة في الأوقات المتأخرة هي قضية ما يسمى ( بالحب قبل الزواج ) تحت دعوى اكتشاف كل منهما شخصية الآخر قبل الزواج و نحو ذلك من الدعاوى . لذا كان لابد من تسليط الضوء الشرعي على هذه المسألة المهمة في حياة الفرد والمجتمع ؛ لأن الناظر بعين الحقيقة الشرعية يجد عناية الشارع بوضع الضوابط المتينة الرصينة ؛ في العلاقة بين الرجل والمرأة ؛ لذا نجد أن الشارع حرَّم النظر إلى المرأة الأجنبية إذا كانت ليست من ذوات المحارم , بل إنه جعل حدودًا لما ينظر إليه الرجل من النساء المحارم ما خلا الأزواج , ونجد أنه من جهة أخرى حرَّم الخلوة بالمرأة الأجنبية ؛ وحرَّم كذلك أن تمس يد الرجل يد امرأة لا تحل له ؛ ونحو ذلك من الاحتياطات والاحترازات كل ذلك صيانة للأعراض والأخلاق , ومن هذا المنطلق من الاستحالة ألا يكون للشارع حكم في مسألة ما يسمى بالحب قبل الزواج ؛ مع ما يترتب عليه من مخالفات شرعيَّة بينما نجد أن الشارع اعتنى بما هو دون هذه المسألة في الأهمية ؛ والتي هي من وسائل الوقوع في الحرام ؛ إن الناظر في هذه المسألة وهي مسألة ما يسمى بالحب قبل الزواج , يجد أنه يترتب عليه عدة محاذير منها :
( التبسط في الكلام ) بل ربما وصل التبسط بينهما إلى الكلام الفاحش ؛ الذي لا يجوز إلا بين الزوجين كل ذلك تحت دعوى معرفة طبيعة كل طرف في هذا الجانب ؛ ومن جانب آخر لايخلو الأمر من مقابلات بل وخلوة يحضر معها الشيطان ؛ وفي كثير من الأحيان تفقد المرأة عذريتها ؛ وعلى أقل الأحوال قد يقتصر الأمر على مقدمات الجماع , التي هي محرمة شرعًا بلا خلاف قبل إتمام عقد الرجل على المرأة .
إن المسلم إذا نظر إلى مسألة النظر إلى المخطوبة ؛ والقيود التي جعلها الشارع ؛ يدرك بجلاء حرمة ما يسمى بالحبِ قبل الزواج , لقد نظَّم الشارع مسألة رؤية المخطوبة ؛ ومن تلك التشريعات أنه اشترط حال النظر إلى المخطوبة حضور وليها ؛ أو من ينوب عنه من محارمها ؛ مع خروج المرأة إلى الرجل غير متجملة وأن يقتصر حديثه معها والعكس عند الحاجة إلى ذلك , بل إن المرأة إذا دخلت على الرجل لرؤيتها فإنه إذا رأى منها مايدعوه إلى نكاحها ؛ وكذا إن رأى عدم قبولها وجب عليه أن يأمرها بالخروج ؛ لأن رؤيته لها بعد ذلك قدر زائد عن الحاجة والقاعدة الشرعية تقول: ( إن ما جاز لعذر بطل لزواله ) ؛ فالخاطب إنما جاز له أن ينظر إلى المخطوبة للحاجة فإذا انتفت الحاجة رجع الأمر إلى أصله وهو عدم الجواز ؛ إلى غير ذلك من الضوابط التي وضعها الفقهاء في مسألة النظر إلى المخطوبة .
إننا لو تأملنا ما يجري تحت دعوى الحب قبل الزواج لو جدنا أنها مناقضة للضوابط الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه جملةً وتفصيلا ؛ وأن ما يمارس تحت هذه الدعوى لا يجوز إلا من رجل وامرأة حصل بينهما ذلك الميثاق الغليظ ألا وهو عقد النكاح .
أعلم علم اليقين أن بعض الناس يفعل ذلك مجاراة لعادات درج عليها أهل بلادهم ؛ لكن مما يجب أن يعلم أن العادات والتقاليد إذا كانت مخالفة للشرع ولو درج عليها الناس كلهم وأجمعوا على فعلها وإن كانت الأمة لاتجتمع على ضلالة في الغالب ؛ فإن هذه العادات لاعبرة بها ؛ كما قرر ذلك الإمام الطرطوشي _رحمه الله_ حيث قال ‘‘إن شيوع الفعل لاتدل على جوازه ‘‘ ثم إن المتقرر واقعًا يجدُ أن غالب الزيجات التي تُسبق بما يسمى بالحب قبل الزواج ؛ تنتهي بالفشل ؛ وقد أٌجريـت استبانة في إحدى الدول العربية حول هذه الظاهرة ؛ أعنى بها ما يسمى بالحب قبل الزواج وتم التركيز على نقطة ألا وهي نجاح هذا النوع من الزواج فتبيـن أن ما نسبته 87% من هذا النوع من الزواج ينتهي بالفشل؛ بينما الزواج الذي ؛ يسمى بالزواج التقليدي يسمى بهذا الاسم تنفيرًا منه ؛ والله المستعان وجد أن نسبة نجاح هذا الزواج مانسبته 93% وعلى كل حال فالخلاصة من ذلك أن الحب قبل الزواج محرمٌ شرعًا وهو من الاعتداء الذي نهى الله تعالى عنه بقوله ( إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) [ سورة المعارج 30 _ 31]
نسأل الله تعالى أن يصلحَ أحوال المسلميـن في مشارق الأرض ومغاربها والله أعلم .
وكتبـه : خالد بن إبراهيم الصقعبي .