إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ( 1. ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( 2. ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( 3 .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن ديننا الإسلامي الحنيف دين العلم والعمل، والأخلاق والقيم، والعقائد والأحكام والحلال والحرام، فإن أول آية نزلت على قلب محمد صلى الله عليه وسلم داعية إلى القراءة، وفيها ذكر للقلم الذي به الكتابة، ذلك أن القراءة والكتابة أساس العلم، وقاعدته الأولى، قال -تعالى-: ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ( 4 . ولذلك فقد حث الإسلام على العلم والتعليم، ورفع من شأن العلماء، وطلبة العلم، يقول الله – تعالى – : )شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يسأله الاستزادة من العلم، قال -تعالى-: ) وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (6 ورفع العلماء درجات، قال -تعالى-:) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ( 7. وأخبر أنه ضرب الأمثال للناس، ولم ينتفع بها ويعقلها إلا أهل العلم، قال -تعالى-: ) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ( 8. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم خيرية الأمة في العلم والتعليم؛ فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه"9.
أيها الناس: إن أهم ما يميز الشعوب، ويبرز الأمم، هو مستوى تقدمها العلمي، فمتى ما رأيت أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، أو مدينة من المدن كثر فيها المتعلمون العاملون، والمدركون لمسئولياتهم فإنك تجزم بأن تلك الأمة، أو ذلك الشعب أو تلك المدينة تسير على خط تعليمي جيد.. ومتى فشا الجهل، وقل العلم والمتعلمون، جزمت بأن خط التعليم في تلك الأمة أو ذلك الشعب، أو تلك المدينة فاشل.
ولكن هنا كأمر مهم يجب أن نعلمه وهو أن العالم أو المتعلم ليس هو من يحمل الشهادة فقط، إنما العالم والمتعلم هو من يحمل العلم، أما الشهادة مع العلم فلا بأس بها، وليست هي المقياس الصحيح على علم من يحملها، أو جهل من لا يحملها. فقد يكون من يحمل شهادة عليا لا يعرف كيفية الصلاة على الميت، أو كيفية الوضوء، أو ما أشبه ذلك، ومن لا يحملها قد يكون أعلم من ألف ممن يحملها في هذه الأيام.
كذلك يجب أن نعلم أن المقصود بالتعليم ليس تلقي المعلومات فقط، بل التعليم المقصود به نشر العلم بأسلوب جيد، وتربية المتعلم على ما تعلمه من أخلاق فاضلة، وتحذيره من كل أخلاق فاسدة.
والعلم والتعليم في الإسلام إذا أطلق فالمقصود به علم الكتاب والسنة، وليس في الإسلام منعاً من تعلم العلوم الحديثة، بل إن ذلك مما رغب في تعلمه الإسلام وجعلها من فروض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الآثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحد آثم الناس جميعاً.
أيها الناس: إنَّ كل أمة تستمد تعليمها من مبادئها وقيمها وأخلاقها وفلسفاتها، وإننا – معشر المسلمين – نستمد تعليمنا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا، ومن تاريخنا الصافي، ومن تراثنا العريق، ومن تجاربنا الفريدة، ومن حضارتنا الأصيلة. وهذا لا يعني الجمود وعدم أخذنا من غيرنا ما لا يتعارض مع كتاب ربنا، أو سنة نبينا من العلوم الإدارية، والتطبيقية، والتجريبية، ولكننا في المقابل لا نسمح أو نتسامح أن تلقي أصول عقيدتنا، أو مقوماتنا أو تصوراتنا أو تفسير قرآننا أو سيرة أو حديث نبينا، أو مناهج تاريخنا أو تفسير نشاطنا أو مذهب مجتمعنا، أو نظام حكمنا، أو منهج سياستنا، أو موجبات فننا، أو أدبنا، أو تعبيرنا… من مصادر غير إسلامية..
(إن الإسلام يتسامح في أن يتلقى المسلم عن غير المسلم، أو عن غير التقي من المسلمين في علم الكيمياء البحتة، أو الطبيعية، أو الفلك، أو الطب، أو الصناعة، أو الزراعة، أو الأعمال الإدارية، والكتابية وأمثالها، وذلك في الحالات التي لا يجد فيها مسلماً فقيهاً يأخذ عنه في هذا كله. كما هو واقع من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم الناشئ من بعدهم عن دينهم ومنهجهم وعن التصور الإسلامي لمقتضيات الخلافة في الأرض – بإذن الله- وما يلزم لهذه الأمة الخلافة من هذه العلوم والخبرات والمهارات المختلفة. ولكنه لا يتسامح في أن يتلقى أصول عقيدته، ولا مقومات تصوره، ولا تفسير قرآنه وحديثه، وسيرة نبيه، ولا مناهج تاريخه وتفسير نشاطه، ولا مذهب مجتمعه، ولا نظام حكمه، ولا منهج سياسته، ولا موجبات فنه، وأدبه وتعبيره.. إلخ. من مصادر غير إسلامية، ولا يتلقى من غير مسلم تقي يثق في دينه وتقواه في شيء من هذا كله)10.
أيها الإخوة الفضلاء: كما تعلمون أنَّ العلماء – رحمهم الله – قد قسموا العلوم إلى علمين علم يجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة، وهو ما يعبرون عنه بالواجب العيني، ويمثلون له بتعلم الطهارة والصلاة، وتعلم صفة الحج لمن كان ناوياً عليه، قادراً عليه، والبيوع الصحيحة والفاسدة لمن كان يعمل بهذا المجال. وواجب كفائي، إذا قام من يكفي من المسلمين سقط عن الباقين، ويمثلون له بأداء الشهادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإيجاد الصناعات والحرف والعلوم التي تحتاجها الأمة، وإعداد القوة بأنواعها، ونحو ذلك مما يحقق مصلحة عامة، فإن قام به بعض المسلمون نجوا ونجوا جميعاً، وإن لم يقوموا به أثم القادرون عليه، وعذر العاجزون.
أيها المسلمون: إن التعليم الذي هو أساس البناء هو التعليم المستمد من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية. وهو التعليم الذي يعلم الطالب بعض المعاني التي يزكى بها نفسه، ويصلح بها أخلاقه، وذلك بأن يكون محافظاً على الصلوات المكتوبات في المسجد مع الجماعة، ومعلماً أو متعلماً لكتاب الله، ومحافظاً على الأذكار والأوراد المأثورة، ومبتعداً عن جلساء وقرناء السوء، وجاداً في تعلمه وتعليمه، وتدينه ودعوته، فلا يغضب لنفسه، وإنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله، بعيداً عن الكبر والفخر والعجب، متواضعاً في غير مسكنة، باراً لوالديه، ممتثلاً لأوامر الله ورسوله، ومجتنباً لنواهيهما.
أيها المؤمنون: لقد حِكيت ودُبرت ضد التعليم الإسلامي مؤامرات كثيرة، وذلك من خلال ما يسمى بإصلاح التعليم – إفساد التعليم -، وادعاء البعض أن كل ما جاء من الغرب صالح وجيد، وأن كل الذي عند المسلمين قديم وغير مواكب لما عليه الغرب من التطور –زعموا-، و تقليل عد الحصص الدراسية لمادتي القرآن الكريم واللغة العربية، وجعلهما مادتين لا يكون بهما رسوب الطالب ونجاحه، وفي المقابل العناية والاهتمام بالمواد العلمية كمادتي اللغة الإنجليزية، والرياضيات.. أضف إلى ذلك غياب الهدف الواضح من العملية التعليمية لدى المخططين والمبرمجين للعملية التعليمية، واختلاط الطلاب بالطالبات في المدارس والجامعات، فإلى الله المشتكى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجلين إلى جنات النعيم، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فهذه نداءات ونصائح نوجهها إلى المسؤلين عن التعليم، وإلى الأساتذة الأفاضل، وإلى الآباء والأمهات، وإلى الطلبة المتعلمين، فنقول: اتقوا الله – أيها المسئولون عن التعليم – في أنفسكم، وفي دينكم، وفي أمتكم، فإنّا كنّا أذل قوم على هذه البسيطة؛ فأعزنا الله بهذا الدين، فهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ثم اعلموا أن دوركم خطير، وعليكم أن تكونوا أمناء في حمل الرسالة التي حملكم الله إياها؛ وأبت السموات والأرض والجبال من حملها، قال الله -تعالى-: ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ( 11. وقال -تعالى-: ) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ( 12. وأعظم الخيانة أن تفسدوا عقائد أبناء هذه الأمة:) وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(13. ولتعلموا أن ثوابكم عظيم إن أنتم أحسنتم في أداء مهمتكم، فأصلحتم المناهج التعليمية، وجردتموها من كل ما يخالف مبادئ وأصول الإسلام، وعملتم على إيجاد الرجال الصالحين المصلحين الذين يحققون الهدف من التربية والتعليم.. وفي المقابل وزركم كبير، وذنبكم عظيم؛ إن أنتم اكتفيتم بالجاه والسلطان، وفرطتم في أداء الأمانة التي أودعكم الله إياها، ولم تقودوا الدنيا بدين الله عز وجل، واسمعوا إلى ما قاله نبيكم صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، فكلكم راع ومسئول عن رعيته" 14. وعن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " 15.
ثم اعلموا أن المنصب وبالاً على صاحبه إذا لم ينفقه في طاعة الله عز وجل .. فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بالعروة الوثقى، واحذروا فعل ما يغضب الله، فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واعلموا أنكم غداً بين يدي الله موقوفون، وعلى تفريطكم نادمون، وبأعمالكم مجزيون، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون؟!.
وأنتم – أيها الأساتذة الأفاضل – دوركم عظيم وأكبر من أن تبذلوا جهدكم في إيصال وتبليغ المواد الدراسية إلى الطلبة دون تميز بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والغث والسمين، وإلا كنتم مشاركين في الإثم لمن وضع هذه المواد الدراسية.
وأنتم مسؤولون بين يدي ربكم فبماذا أنتم مجيبون، قال -تعالى-: ) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (16. وقال صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح: " إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع؛ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " 17. ولتعلموا أن مهمتكم وعملكم هذا من أشرف الأعمال وخصوصاً في وقت الغربة هذا، ولكن لا بد لكم من علم وعمل وبصيرة: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(18.
وأمتنا اليوم في حاجة ماسة إلى أساتذة ومعلمين يؤمنون بالله حق الإيمان، ويراقبون الله في جميع حركاتهم وسكناتهم، ويخلصون في عملهم كل الإخلاص، وتكون حياتهم خير مثال لما يدعون إليه. فالإيمان والعقيدة لها المكانة الأولى، والأهمية الكبرى في اختيار المعلم. والمقدرة العلمية والمؤهلات العلمية فحسب لا تكفي إذا خلا الإنسان من معاني الإيمان، وكان في مقام القدوة للطلبة والتلاميذ. والمدرس والمعلم هو في المقام الأول داعية لا يمل ولا يكل، مؤمناً لا يرتاب ولا يشك، لا يخلوا درسه من ربط بمعاني الإيمان، ويفتتحه ويختمه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفعل ذلك وهو يدرس الحساب أو الجغرافيا أو الانجليزي، فلا أمانة أكبر ولا مسؤولية أعظم، وأشد خطراً وأعمق أثراً في مستقبل الأمة من المعارف والتعليم، فهي مركز الأعصاب، وبيدها توجيه الأمة التوجيه الديني والخلقي والحضاري.
أنتم – أيها المدرسون المخلصون – ليس من الشرف أن تتركوا وتفروا من هذه المسؤولية، فإذا تركتكم وفررتم منها فستتركونها لكل معلم ملحد، أو جاهل بحقيقة دينه، وبما ينبغي أن يقدم وما ينبغي أن يؤخر من مادته الدراسية للمتعلمين، فتكونون بذلك قد زدتم الطين بلة، وتكونوا بمثابة لوحة نخرة في سفينة في عرض البحر، ومعول هدم في بناء شامخ، وقس على ذلك كل من لا تتفق حياتهم مع دين الله، فالزلة الواحدة قد تُردي أمة بأسرها، وتُحدث التفسخ والفوضى في جسدها.. أيها المعلم عليك أن تجمع بين الفقه في دينك والمعرفة به، وبين التعمق في المادة التي تقوم بتدريسها، وتعرف إلى إخوانك الأساتذة، وتودد لهم بغية نصحهم وإسداء الخير لهم، وحتى يقوموا هم كذلك بدورهم في إبلاغ الحق إلى الخلق.
أيها المعلم: اعتبر المدرسة أو المعهد أو الكلية ساحة من ساحات الدعوة، بل هي من أعظمها، والدال على الخير كفاعله؛ يقول الله عز وجل: ) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ( 19.
أيها الآباء الكرام: إن مهمتكم لا تقتصر على مجرد الإتيان بالطعام والشراب والملبس والمسكن لأبنائكم، وإنما مهمتكم ما قاله الله – تعالى – في كتابه الكريم 🙂 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ( 20. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال صلى الله عليه وسلم : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع "21.
فالواجب عليكم يا أولياء الأمور أن تأمروا وتحثوا أهليكم وأولادكم على طاعة الله، وأن تنهوهم وتحذروهم من ارتكاب معصية الله عز وجل .
أيها الأب: أعِنْ ابنك على بِرِّك، وتعاهده بحفظ كتاب الله، وعلمه العلوم الواجبة، حتى تكون بمثابة المقياس والميزان بالنسبة له، وحتى لا يصبح كحاطب ليل. وقد علمت ورأيت بعض الشوائب التي أشيبت بها المناهج الدراسية، فإذا لم تكن عندك الدراية أو الكفاءة على ذلك فخذه لمن يعلمه، ويميز له بين الغث والسمين، والحق والباطل، والسنة والبدعة..
أيها الطلبة: تذكروا دائماً أنكم تتعلمون لتستحقوا سعادة الدنيا والآخرة، ولتنقذوا أنفسكم وأهليكم من النار، ومن سخط الجبار، ومن الحياة الجاهلية، ولتخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأنكم ورثة الأرض إذا صح شأنكم… وإياكم والتقليد الأعمى، فلا يقلدن أحدكم أحد في دينه: إن آمن آمن، وإن كفر كفر، ولا يكن أحدكم إمَّعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساؤوا أساء، ولكن وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم.
أيها الطلبة: عليكم بالرجوع إلى ما كان عليه قائد البشرية، وهادي الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، فإن كل خيرٍ في اتباع من سلف، وكل شرٍ في اتباع من خلف، وما لم يكن يومئذٍ ديناً فليس اليوم ديناً، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
أيها الشباب : إن الأمر جِدٌّ لا هزل فيه، قال الله – تعالى – : ) خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (22 فخذوا العلم بقوة، قال الله ليحي – عليه السلام -: ) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ( 23. فلا وقت تضيعونه في القيل والقال، والتطلع لصور النساء، وقراءة القصص الغرامية والبوليسية، ومصاحبة قرناء السوء.. واحرصوا أن تكونوا أحد أولئك السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " وشابٌ نشأ في طاعة الله "24.
ولن يتم لكم ذلك إلا بأن تخلصوا عملكم لله، وتقصروا آمالكم، وتضعوا آجالكم نصب أعينكم، وتبتعدوا عن آفات الغرور والكبر والعجب، فإنَّهنَّ مهلكات، وتفقهوا قبل أن تسودوا؛ لأنكم عما قريب – إن شاء الله – ستقودون الأمة 25 . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
——————————————————————————–
1 – آل عمران(102).
2 – النساء(1) .
3 – الأحزاب(70 – 71).
4 – العلق (1 – 4).
5 – آل عمران.(18)
6 – طـه(114).
7 – المجادلة(11).
8 – العنكبوت(43).
9 – رواه البخاري والترمذي وأبو داود.
10 – معالم في الطريق لسيد قطب صـ (176). دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع.
11 – الأحزاب(72)
12 – النساء(58).
13 – البقرة (281)
14 – رواه البخاري ومسلم.
15 – رواه مسلم.
16 – الأعراف(6).
17 – رواه ابن حبان وصححه الألباني في غاية المرام رقم (271).
18 – يوسف(108)
19 – آل عمران(110).
20 – التحريم(6) .
21 – رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (466).
22 – الأعراف(171).
23 – مريم(12).
24 – رواه البخاري ومسلم.
25 – من كتاب (إرشاد الطالب لتحقيق أهم المطالب) لسعيد عبد العظيم صـ (96) وما بعدها. بحذف وزيادة. الناشر مكتبة الإيمان للطبع والنشر والتوزيع.