التصنيفات
التربية والتعليم

نبذه عن علم الهندسه الوراثيه .

خليجية

الهندسة الوراثية (بالإنجليزية: Genetic engineering‏) هي التقنية التي تتعامل مع الجينات، البشرية منها والحيوانية بالإضافة إلى جينات الأحياء الدقيقة، أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموزومات فصلاً وصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف زيادة كمية المواد الناتجةعن التعبير عنه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة.

الهندسة الوراثية (Genetic Engineering) علم يهتم بدراسة التركيب الوراثي للمخلوقات الحية, من نبات وحيوان وإنسان, بهدف معرفة السُّن (القوانين) التي تتحكم بالصفات الوراثية لهذه المخلوقات, على أمل التدخل في تلك الصفات تدخلاً إيجابياً, وتعديلها أو إصلاح العيوب التي تطرأ عليها.

وبما أن الهندسة الوراثية تعني التدخل المباشر بالتركيبة الفطرية للمخلوقات الحية, فإن هذا التدخل يثير عدداً من الأسئلة والتحفظات الفقهية والعلمية, فبعض الفقهاء يعتبرونه تغييراً في الخَلْق منهياً عنه شرعاً, وبعض علماء البيولوجيا يخشون من نتائجه المحتملة التي قد تهدد الحياة كلها علي سطح الأرض. ونحن في هذه المقالة نحاول مقاربة هذه الإشكاليات ولاسيما الفقهية منها.

1- تطبيقات الهندسة الوراثية:
لقد بدأ علماء البيولوجيا الجزيئية منذ أواسط الثمانينات من القرن العشرين الميلادي مشروعاً طموحاً أطلقوا عليه اسم مشروع الجينوم البشري (Human Genome Project(الصبغيات) البشرية, ومعرفة خصائص كل منها, وتحديد المورثات المتعلقة بعض الأمراض, وقد بدأ هذا المشروع بمبادرة من العلماء الأمريكين, ثم شاركت فيه بعض الدول الأوروبية, ثم آزرتهم اليابان, ومن المتوقع أن يستغرق المشروع عدة عقود, وأن يسفر عن نتائج تطبيقية رائدة في حقول الطب المختلفة.

وقد كشف العلماء حتى الآن الكثير من أسرار الشفرة الوراثية (Genetic Code) في الحيوان والنبات والإنسان, وأصبحوا قادرين بفضل اللّه تعالى على فعل شيء من التَّغيير في الصِّفات الوراثيِّة للمخلوق, كما تمكنوا من إنتاج أعضاء حية بالاعتماد على تقنية الهندسة الوراثية, بل تمكنوا أخيراً باستخدام طريقة الاستنساخ (التنسيل: Cloning) من إنتاج نُسَخ (Copies) من المخلوقات الحية انطلاقاً من خلايا غير جنسيَّة أخذوها من المخلوق الأصل.

ويأمل العلماء من تقنية الهندسة الوراثية أن تحلَّ لهم الكثير من المشكلات الطبية الراهنة التي لا يمكن حلُّها بغير هذه التقنية, ومن ذلك مثلاً إنتاج أعضاء بديلة (Substitute Organs) لاستخدامها في زراعة الأعضاء (Organ Transplantation) بدلاً عن الأعضاء التالفة أو المريضة, وذلك بأن يُنتج العضوُ المطلوب انطلاقاً من خلية حية تؤخذ من جسم المريض نفسه فتزرع في مزارع خاصة أو في جسم أحد الحيوانات, ثم تحرَّض على التكاثر من أجل تشكيل العضو المطلوب الذي سيُزرع في جسم المريض, وهي طريقة أفضل من الطريقة المتبعة اليوم, والتي يُؤخذ فيها العضوُ من أحد الأشخاص المتبرعين ويُزرع في جسم الشخص المريض المحتاج لهذا العضو.

ومن المعروف طبياً أن هذه الطريقة الأخيرة تسبب ارتكاساً شديداً في جسم المريض, وهو ما يعرف بظاهرة الرفض (Rejection)لعضو المزروع, مما يؤدي إلى فشل عملية الزرع في كثير من الحالات. كما يأمل العلماء في المستقبل القريب أن يتمكنوا من تسخير علم الهندسة الوراثية في الوقاية من الأمراض الوراثية, ومعالجة الكثير من التشوهات الخَلْقَّية التي مازالت إلى اليوم تشكل عبئاً اجتماعياً ونفسياً ومالياً ثقيلاً على المجتمع.) وهم يهدفون من ورائه إلى حلَّ رموز الشفرة الوراثية للإنسا, وضع الخريطة الوراثية التي تحدد مواقع الجينات (المورِّثات: Genes) على الكروموسومات

2- مشروعية الهندسة الوراثية :
إن البحث في الهندسة الوراثية مباح شرعاً إذا كان يستهدف كشفَ سُنَنِ الله في الخلق وفهمها وتسخيرها فيما ينفع العباد, شأنه في هذا شأن بقية البحوث التي يجريها العلماء لفهم الظواهر الكونية المختلفة, والقاعدة العامة في هذا قول الحق تبارك وتعالى:(قُلْ سيروا في الأَرْضِ فانْظُروا كيفَ بَدَأ الخلق) سورة العنكبوت 20, وقوله تعالى (قُل انْظُروا ماذا في السَّموات والأرضِ) سورة يونس 101, بل إن البحث في حقل الهندسة الوراثية مندوب شرعاً لما ثبت من فائدة الهندسة الوراثية في معالجة بعض المشكلات المرضيَّة في الإنسان والحيوان والنبات كما أشرنا آنفاً, وهذا ما يجعل تطبيقات الهندسة الوراثية ضرباً من ضروب التداوي المشروع , إضافة إلى أن الهندسة الوراثية بات مستنداً موثوقاً به في بعض قضايا الطب الشرعي, مثل إثبات علاقات النَّسَب أو البنوة ونحوها.

وبناء على هذه التطبيقات المفيدة للهندسة الوراثية فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 15-11 رجب 1419ه الموافق 31 أكتوبر 4 نوفمبر 1998م, قد أجاز: "الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه أو تخفيف ضره, بشرط ألا يترتب على ذلك ضر أكبر".. كما أجاز المجلس شرعاً "استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية وسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان, شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أيِّ ضر ولو على المدى البعيد بالإنسان أو الحيوان أو البيئة".

3- محاذير الهندسة الوراثية:
إن جواز البحث في الهندسة الوراثية، وجواز الاستفادة من تطبيقاتها العلاجية, يجب ألا ينسينا المحاذير العديدة التي قد تنجم عنها, والتي ما فتئ العلماء المختصون يحذرون منها ومن آثارها الخطيرة التي قد تتعذر السيطرة عليها, ومن تلك المحاذير نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

إن الهندسة الوراثية قد تسفر عن توليد سلالات (Races) جديدة من المخلوقات الحية, وهذه السلالات يمكن أن تُشكِّل خطراً على التوازن الحيوي في الأرض,أو أن تكون سبباً لانتقال بعض الأمراض الخطيرة إلى الإنسان إذا ما زُرعت فيه أعضاء حيوانية معدَّلة وراثياً, كما أن النباتات والأغذية المعدلة وراثياً قد تشكل خطراً على صحة الإنسان, في شهر فبراير من عام 1999م صوَّت المجلس الأوروبي للشؤون الطبية بالإجماع على تحريم وقف تجارب واختبارات زراعة أعضاء الحيوانات المعدَّلة وراثياً في الإنسان, بعد نشر العديد من التقارير العلمية التي تفيد بأن الأنسجة الحيوانية لبعض الحيوانات (الخنزير بخاصة) تحتوي على فيروسات مندمجة مع المادة الوراثية,

مما أثار مخاوف العلماء من انتقال هذه العوامل إلى الإنسان, وحدوث أوبئة عالمية تتعذر السيطرة عليها, كما أن البروفيسور أرباد بوزتاي من جامعة كامبردج البريطانية نشر في شهر يوليو من عام 1998 بحثاً مستفيضاً كشف فيه أن فئران التجارب التي غذيت على البطاطس المنتجة بالهندسة الوراثية لمدة عشرة أيام قد أصيبت بضعف واضح في جهاز المناعة, مع أضرار متفاوتة في بقية أجهزة الجسم.

صعوبة التنبؤ بنتائج التجارب التي تجرى في حقل الهندسة الوراثية وانعكاساتها على الأجيال القادمة, وعلى الرغم من (أن هذه التجارب بسيطة في الوقت الحاضر, فإنها يمكن أن تُهَدِّد حريَّة الإنسان وجوده في المستقبل, لأنها تسعى إلى السَّيطرة على مورِّثات الإنسان والتَّحَكُّم فيها مما يعني أنها ستسيطر على إرادته وقد تهدد وجوده الإنساني).

إن الأخطاء التي قد تنجم عن الهندسة الوراثية هي أخطاء غير عكوسة (Irreversible) أي أنه لا يمكن تصحيحها لو حدثت, وهذا ما يستدعي المزيد من الحذر والحيطة قبل إجراء التجارب في هذا الحقل لأنها قد تنتج سلالات من المخلوقات الخطرة, كالجراثيم والفيروسات ونحوها, فتنتشر في البيئة ويتعذر بعد ذلك القضاء عليها.

4-الضوابط الشرعية للهندسة الوراثية:
بناء على هذه المحاذير, وبما أن قضايا الوراثية هي قضايا مستحدثة تطرق أبواباً جديدة تماماً لم يسبق لأهل الفقه أن واجهوها من قبل, وبما أن تلك القضايا تترتب عليها أحكام شرعية عديدة, لهذا فإنَّ التجارب والدراسات والبحوث التي تجرى في حقل الهندسة الوراثية يجب, إلى جانب الضوابط العلمية التي يقرها أهل البيولوجيا, أن تخضع لبعض الضوابط الشرعية التي نوجزها فيما يلي:

بما أن الهندسة الوراثية يمكن أن تُغيِّر التركيبةَ الفطريَّةَ التي رَكَّبَ الخالقُ عزَّ وجلَّ عليها خَلْقَه, فيجب أن يكون حاضراً في أذهاننا ونحن نخوض في حقل الهندسة الوراثية ذلك الوعيد الخبيث من إبليس بإغواء آدم لتغيير خلق اللّه, حيث قال: }ولآمرنَّهُم فليُغَيِّرُنَّ خلقَ اللّه{ سورة النساء 119, وهذا يعني أن نحذر من الوقوع في المحظور, فلا نرتكب مثل هذا التغيير الشيطاني, كأن نستهدف بالهندسة الوراثية مثلاً إنتاج سلالات بشرية متفوِّقة (Supermen) ذات صفات خارقة للعادة كما يتخيَّل بعض العلماء, فإنَّ هذا الفعل قد يُخِلُّ بالتركيبة العضوية والاجتماعية والنفسية لبني البشر.

وإذن فإن التغيير المستهدف بالهندسة الوراثية يجب أن يكون مشروعاً, كأن يكون لعلاج تشوه أو مرض, أو لإنتاج أعضاء بديلة تنفع في زراعة الأعضاء, وما شابه ذلك من الأغراض المشروعة التي بيَّنا بعضها في السطور السابقة, وقد أكد مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المشار إليه آنفاً أنه "لا يجوز استخدامُ أيٍّ من أدوات علم الهندسة الوراثية وسائله في الأغراض الشَّريرة والعدوانيَّة, وفي كلِّ ما يَحْرُمُ شرعاً, ومن ذلك العبث بشخصيَّة الإنسان ومسؤوليته الفردية أو التَّدَخُّل في بينة المورثات بدعوى تحسين السُّلالة البشرية".

يجب على المشتغلين بالهندسة الوراثية أن يتجنبوا الممارسات المحرَّمة, مثل التجارب التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب ونحوها.

يجب أن تخضع شتى التجارب والتطبيقات العملية التي تجري في حقل الهندسة الوراثية للإشراف العلمي والشرعي الدقيق من قبل هيئة شرعية علمية متخصِّصة تضم علماء متخصصين بالهندسة الوراثية إلى جانب فقهاء متمرسين بالفقه الطبي, وذلك منعاً لاستغلال هذا العلم في أغراض غير مشروعة, ودرءاً للأخطار المحتملة التي قد تنجم عن العبث في هذا الحقل الحيوي الدقيق.

من الحكمة عدم التسرع بإبداء الرأي الشرعي في المسائل المتعلقة بالهندسة الوراثية, وإرجاء الحكم فيها حتى تستبين أبعادها بصورة جلية لا تحتمل اللَّبس(5), وعندئذ يمكن تحرير الحكم الشَّرعي لكل مسألة منها, وهذا الحكم يجب أن يكون مدعماً بالأدلة الشرعية الوافية, وأن يصاحبه ذكر التحفظات الشرعية إذا لزم الأمر.

بما أن الإسلام يحض على العلم في شتى أبوابه, فإن مواصلة الدراسات والبحوث في حقل الهندسة الوراثية أمر مندوب, لما فيه من آمال عريضة تعد بعلاج الكثير من الآفات المستعصية التي لم يهتد الطب إلى علاج ناجع لها حتي الآن.

الخلاصة:
إن الهندسة الوراثية علم حديث يبني عليه العلماء الكثير من الآمال, ولكنه في الوقت نفسه علم ينطوي على محاذير فادحة, ولهذا يحتاج إلى الكثير من التروي والتأمل قبل إصدار الأحكام الشرعية فيه, سواء كانت بالحِلِّ أم الحُرْمَة, علماً بأن معظم دول العالم قد حظرت مبدئياً إجراء بعض تجارب الهندسة الوراثية التي يتخوف العلماء من نتائجها على بني البشر, بل على الحياة كلها فوق كوكبنا الجميل.. الأرض!

خليجية
م/ن




خليجية



يسلمؤوؤو حبيبتي}



خليجية