خديجة بنت خويلد
(أول نساء الرسول صلى الله عليه وسلم)
سيدة نساء العالمين في زمانها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية الملقبة بالطاهرة، وهي أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن به وهي التي آزرته وصدقته عندما كذبته قريش وعادته.
مواقفها العظيمة إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم لنصر دين الله أكثر من أن تعد أو تحتويها نبذة كهذه وأكتفي هنا بذكر موقفها عندما أخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث له في الغار عندما أوحي إليه أول مرة.
روى الإمام البخاري في صحيحه وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه عندما رجع رسول الله صلى الله وسلم أول ما أوحي إليه من غار حراء (فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد – ابن عم خديجة- وكان امرأ تنصر في الجاهلية فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال لها: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى (أي في الغار). فقال ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا) .
ولنسمع من المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف كانت زوجته خديجة في نصرته ونصرة دين الله قال صلى الله عليه وسلم: (آمنت إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس).
(فكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به فخفف الله بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلا تثبته وتهون عليه أمر الناس).
تزوجها رسول الله في أول شبابه وكان عمره خمسا وعشرين سنة وعمرها أربعين وعاشت مع الرسول خمسا وعشرين سنة ورزقت منه ابنين وأربع بنات هما القاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة. وأتى جبريل عليه السلام رسول الله فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من نصب لا صخب فيه ولا نصب.
فلما جاءت خديجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها:إن الله يقرأ على خديجة السلام. قالت: خديجة بنت خويلد إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام.
وقفت إلى جانب رسول الله تنصره وتعينه على احتمال الشدائد وأقسى ضروب الأذى.
ولما ماتت خديجة وعمه أبو طالب تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب فقد كانت خديجة له وزير صدق على الإسلام. توفيت بمكة المكرمة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد أن بلغت من العمر خمسة وستين عاما. فقد كانت- رضي الله عنها- مثالا عظيما للزوجة الصالحة المؤمنة.
سودة بنت زمعة
(الكريمة المهاجرة)
هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية.
من فواضل نساء عصرها، كانت قبل أن تتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له: السكران بن عمرو.
أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم زوجها معها، وهاجرا إلى الحبشة، فلما توفي عنها، جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله ألا تتزوج؟.
فقال صلى الله عليه وسلم: ومن؟ قالت خولة: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك. قال:
اذكريها علي (أي اخطبيها لي).
فانطلقت خولة إلى سودة وأبوها شيخ. فحيته .
فقال لها: من أنت؟.
فقالت خولة بنت حكيم. فرحب بها. ثم قالت له: إن محمدا بن عبد الله بن عبد المطلب، يذكر سودة ابنة زمعة.
فقال: هو كريم، فما تقول صاحبتك؟.
قالت: هي تحب ذلك.
فقال لها: قولي له فليأت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها، ولما تزوجها كانت في حالة الكبر حتى أنها بلغت من العمر حين تزوجها عليه الصلاة والسلام الخامسة والخمسين رضي الله عنها. وعن ابن عباس- رضي الفه عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب سودة وكان لها خمسة صبية أو ستة، فقالت: والله ما يمنعني منك وأنت أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يتضاعى . هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشيا.
فقال لها:- يرحمك الله- !! إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل، صالح نساء قريش أحناهن على ولد في الصغر، وأرعاهن لبعل في ذات يده. ولما كبرت سودة وعلمت مكان عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت يا رسول الله جعلت يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت منه في حل، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة وبقيت في عصمته صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها. روت سودة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث أخرج لها منها في الصحيحين حديث واحد، وفي رواية أن البخاري روى لها حديثين، وروى عنها عبد الله بن عباس ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، وروى لها أبو داود والنسائي. وتوفيت سودة- رضي الله عنها- بالمدينة في شوال سنة 54 هـ في خلافة معاوية وفي رواية أنها توفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي رواية أنها توفيت سنة 55 هـ.
ولما توفيت سودة سجد ابن عباس رضي الله عنهما فقيل له في ذلك فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم آية فاسجدوا وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم).
عائشة بنت الصديق
(المبرأة الصديقة بنت الصديق)
إنها عائشة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات من حادثة الإفك، وكانت أم المؤمنين من أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه وأكثرهن تلقيا للعلم عنه فقد كانت- رضي الله عنها- من أعلم الناس بتعاليم الإسلام. قال الزهري: (لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المومنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل . وكانت- رضي الله عنها- زاهدة في الدنيا، فقد أخرج ابن سعد من طريق أم درة قالت: (أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة فقلت لها أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه فقالت: لو كنت أذكرتيني لفعلت) .
وعن هشام بن عروة بن القاسم بن محمد: سمعت ابن الزبير يقول: (ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضمته مواضعه ..)
وفي فضل عائشة- رضي الله عنها- قال صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) .
وعندما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، وشعر بأنه قد آن الأوان للرحيل. وكان يقول وهو يطوف عد نسائه سائلا أين أنا غدا؟ أين أنا بعد غد استدعاء ليوم عائشة فطاب نفوس بقية أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن جميعا. بأن يمرض حيث أحب فوهبنا أيامهن لعائشة. فسهرت عليه تمرضه وحانت لحظة الرحيل ورأسه صلى الله عليه وسلم في حجرها. قالت عائشة تصف هذه اللحظة(إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وبين سحري ونحري) ودفن صلى الله عليه وسلم حيث قبض في بيتها وعائشة بعده تعلم الرجال والنساء، وتشارك في صنع التاريخ الإسلامي إلى أن وافتها المنية في السادسة والستين من عمرها في ليلة الثلاثاء لسبع مضين من رمضان سنة سبع وخمسين من الهجرة .
رضي الله عن سيدة نساء العالمين وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر.
حفصة بنت عمر
(حارسة القرآن)
حفصة بنت عمر بن الخطاب أخوها عبد الله بن عمر لأبيها ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام بخمس سنين تزوجت خنيس بن حذافة السهمي أسلم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وهاجرت حفصة معه إلى المدينة فشهدا بدرا وخرج يوم أحد فأصابته جراحة فمات. ولما رأى عمر أن ابنته تأيمت لقي عثمان بن عفان فعرضها عليه فقال عثمان: مالي في النساء حاجة.
فلقي عمر رضي الله عنه أبا بكر الصديق فعرضها عليه فسكت. فغضب عمر ووجد على أبي بكر. وانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه عثمان بن عفان، وكشف عما كان من أبي بكر بن أبي قحافة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة. ثم خطب رسول الله حفصة فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب فقال له: لا تجد علي في نفسك فإن رسول الله كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لتزوجتها.
وتزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزواج النبي على حفصة سنة ثلاث من الهجرة. وحفصة وعائشة رضي الله عنهما هما اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيها (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل).
وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، وقت حادثة التظاهر، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك، وقالت: (إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة) .
ثم عادت إلى الأمن والسكينة والاطمئنان بعد أن عفا رسول صلى الله عليه وسلم عنها، وعندما انتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى وخلفه أبو بكر الصديق، كانت حفصة هي التي اختيرت من أمهات المؤمنين جميعا لتحفظ أول مصحف خطي للقرآن الكريم .
أقامت أم المؤمنين حفصة عاكفة على العبادة قوامة صوامة حتى ماتت في عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه- فصلى عليها مم بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة وتبعها مروان إلى البقيع حتى فرغ دفنها مع أمهات المؤمنين.
زينب بنت خزيمة الهلالية
(أم المساكين)
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث ينتهي نسبها إلى قيس عيلان عامرية هلالية. أمها هند بن الحارث حميرية زوجها الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي فطلقها وتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث، فقتل عنها يوم بدر شهيدا. ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وكان ذلك على رأس واحد وثلاثين شهرا من الهجرة. أصدقها النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم.
وكانت حجرة زينب مجاورة لحجرة حفصة بنت عمر بن الخطاب ولكنها لم تمكث إلا ثمانية أشهر وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهرا من الهجرة فصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع. وكان عمرها ثلاثين سنة. وكانت أول من دفن من أمهات المؤمنين .
هند بنت أبي أمية
(ابنة زاد الركب)
أم سلمة هند بنت أمية بن المغيرة المخزومية كانت تحت زوجها وابن عمها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وهي من السابقين إلى الإسلام .
رافقت زوجها إلى الحبشة فرارا بدينها ولما عاد إلى مكة و الهجرة مع زوجته إلى المدينة صدها قومها وانتزعوها منه هي وابنها سلمة، ثم انتزع بنو الأسد آل سلمة ابنها من أمها بالقوة حتى خلعوا فكانت كل يوم تخرج إلى الأبطح تبكي حتى شفع فيها شافع من قومها فأعطوها ولدها فرحلت بعيدا ووضعت ابنها في حجرها وهاجرت معه.
وفي غزوة أحد أصيب زوجها بجرح عميق وبعد شهور توفي من هذا الجرح، وكانت أم سلمة عندها من الأولاد من زوجها أربعة هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة خطبها بعد ذلك أبو بكر- رضي الله عنه-فلم تقبل. وكان رسول الله يفكر في أمر هذه المرأة الكريمة والمؤمنة الصادقة والوفية الصابرة.
وبينما كانت تدبغ إهابا لها في أحد الأيام استأذن عليها رسول فأذنت له، ووضعت له وسادة من أدم حشوها ليف، فقعد عليها وخطبها إلى نفسها فقالت: مرحبا برسول الله اني امرأة غيرى (غيورة) وإني مصيبة وأنه ليس أحد من أوليائي ساهد وأنا كبيرة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما قولك: إني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك أني غيرى فسأدعو الله يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني. وأما ما ذكرت من الكبر فأنا أكبر منك. فقالت أم سلمة بنت زاد الراكب لابنها سلمة: يا سلمة قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أني لا أنقضك مما أعطيت أختك فلانة.. رحبين وجرتين ووسادة. تروجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام بتربية أيتامها فكان الأب الرحيم.
كانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات، ومن ذلك ما حدث يوم الحديبية حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتحروا بعد أن فرغ من توقيع عقد الصلح مع وفد قريش ولم يفعلوا وحرر النبي طلبه بالنحر ثلاث مرات دون أن يجيبه أحد. فدخل على أم سلمة وهو حزين، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره فقالت- رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك.
فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً.
وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها وقد كانت تبلغ من العمر أربعاً وثمانين سنة فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً رضي الله عنها.
زينب بنت جحش
(أطول زوجات النبي يدا)
أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب، أمها أميمة بنت المطلب اسمها برة، ولما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها زينب ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم كانت عند زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن طلقها زيد زوجها الله تبارك وتعالى نبيه بنص كتابه، بلا ولي ولا شاهد قال تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) [الأحزاب:37].
كانت رضي الله عنها، صالحة، تقية، صادقة، وقد شهدت لها بذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت: (وكانت زينب امرأة صناع اليدين فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله.. لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل) وفي صحيح مسلم عن عائشة أيضاً قالت: (كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت امرأة خيرا من زينب أتقى لله، وأصدق حديثاً وأوصل للرحم، وأعظم صدقة رضي الله عنها) .
وعن برزة بنت رافع قالت: (أرسل عمر إلى زينب بعطائها. فقالت:غفر الله لعمر، غيري كان أقوى على قسم هذا. قالوا: كله لك. قالت: سبحان الله ! واستترت منه بثوب وقالت: صبوه واطرحوه عليه ثوبا، وأخذت تفرقه في أرحامها وأيتامها، وأعطتني ما بقي، فوجدناه خمسة وثمانين درهما. ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا .
فتوفيت- رحمها الله- قبل أن تدرك عطاء العام التالي.
لقد قال صلى الله عليه وسلم لأزواجه: (أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا..) فكنا إذا اجتمعن بعده نمد أيدينا في الجدار، نتطاول: فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب بنت جحش، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة).
حضرتها الوفاة سنة عشرين ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة فرحم الله زينب أطول أزواجه صلى الله عليه وسلم يدا.
جويرية بنت الحارث
(امرأة عظيمة البركة على قومها)
(جويرية بنت الحارث) هي برة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية.
سماها رسول الله جويرية. وكان صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق. عندما أسرت مع قومها وعشيرتها في غزوة بني المصطلق أو المريسيع. فلقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون على مهاجمته، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية. فلما سمع الرسول بهم خرج إليهم في شعبان سنة ست من الهجرة حتى لقيهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس، واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل، ونجا من نجا، وأسر أكثر القوم، وغنمت الأموال، وعندما كانت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وكاتبته على نفسها، فأتت النبي تستعينه كتابتها فقال لها صلى الله عليه وسلم: فهل لك في خير من ذلك؟. قالت: وما هو يا رسول الله. قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فبلت.
ثم خرج الخبر إلى الناس أن رسول الله تزوج جويرية بنت الحارث.
فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا ما بأيديهم فبلغ عتقهم مائة بيت. لذا قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.
وذكر ابن حجر في الإصابة عن قوة إيمان جويرية رضي الله عنها فقال: جاء أبوها فقال للرسول: إن ابنتي لا يسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنت؟).
قال: بلى فأتاها أبوها فذكر لها ذلك فقالت: اخترت الله ورسوله .
وروى ابن هشام أن أباها الحارث أسلم وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وتوفيت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث سنة خمسين من الهجرة وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة، وصلى عليها مروان بن الحكم عامل معاوية- رضي الله عنه – على مدينة رسول الله ودفنت بالبقيع مع أمهات المؤمنين رحمها الله رحمة واسعة.
صفية بنت حيي
(الحليمة العاقلة الفاضلة )
هي صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية من سبط اللاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ثم من ذرية رسول هارون عليه السلام، كانت شريفة عاقلة، ذات حسب وجمال ودين كانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها، فتزوجها كنانة الربيع بن أبي الحقيق النضري فقتل كنانة يوم خيبر، وسبيت صفية فيمن سبي من النساء فقادها بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ابنة عم لها، ومر بهما على ساحة امتلأت بالقتلى من يهود. وتماسكت صفية بترفع ولم تجزع ولم تصرخ كما فعلت ابنة عمها التي صكت وجهها صارخة وحثت التراب على رأسها.
ثم جيء بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفية في حزنها الصامت، والأخرى معفرة بالتراب ممزقة الثياب لا تكف عن النواح فقال صلى الله عليه وسلم وهو يشيح بوجهه عنها: (أغربوا عني هذه الشيطانة) .
وقعت صفية في سهم بعض المسلمين في غزوة خيبر فقال: أهل الرأي والمشورة: هذه سيدة بني قريظة لا تصلح إلا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فعرضوا الأمر على الرسول فدعاها وخيرها بين أمرين: إما يعتقها ويتزوجها فتكون زوجة له أو أن يطلق سراحها فتلحق بأهلها فاختارت- رضي الله عنها- أن يعتقها وتكون زوجة له. فأسلمت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكرمها رسول الله بعد أن أسلمت لجبر خاطرها في قتل أبيها وأخيها وزوجها وأنقذ شرفها من الأسر فقدمت إخلاصها وحبها لهذا النبي الأمين. كانت صفية حليمة عاقلة فاضلة. دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك؟.
قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان مني وتقولان: نحن خير من صفية نحن بنات عم رسول الله وأزواجه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا قلت لهن: كيف تكن خيرا مني وأبي هارون، وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وعندما اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه فقالت صفية: إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي. فغمزن (فغمزنها) أزواجه ببرهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن مضمضن فقال نساء النبي عليه السلام: من أي شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة. ولما حاصر المتمردون بيت عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وصنعت أم المؤمنين صفية معبرا بينها وبين منزل أمير المؤمنين عثمان فكانت تنقل الطعام والماء وهو في محنة الحصار.
توفيت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه- فدفنت بالبقيع مع نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
رملة بنت أبي سفيان
(الوافية لدينها)
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان- رضي الله عنهما- أم المؤمنين زوجة وبنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت رضي الله عنها صادقة متمسكة بالإسلام وتعاليمه ولا تقدم على ذلك أقرب الأقربين إليها فعن الزهري، قال: (لما قدم أبو سفيان المدينة) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة. فلم يقبل عليه. فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، طوته دونه.
فقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك .
كانت تحت زوجها عبيد الله بن جحش وقد هاجرت مع زوجها إلى الحبشة، وهناك تنصر زوجها فوقفت وقفة المرأة المؤمنة بالله ورسوله وانفصلت عنه. ولقد وجدت رضي الله عنها من الشدائد والأهوال في الحبشة، وخافت أن يبطش بها والدها أبو سفيان إذا رجعت من الحبشة وهو من كبار رجال قريش وسيدها المطاع، وأمها سيدة قريش هند بنت عتبة، مات زوجها على ردته النصرانية وازدادت الشدائد عليها فتركت أمرها إلى الله والله يحميها ويرعاها.
ولما علم رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام: كتب إلى النجاشي ملك الحبشة ليزوجه إياها فأبلغها النجاشي ذلك ففرحت فرحا شديدا بهذه البشارة العظيمة. وأمهرها عنها، أربعة آلاف درهم وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة. وتم عقد الزواج الذي قام بتولي عقد النكاح عثمان بن عفان- رضي الله عنه-. وكانت أم حبيبة مع الوفد القادم، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك سنة ست أو سبع هجري وكانت قد بلغت الأربعين من عمرها.
ومن شدة تقواها رضي الله عنها أنها أرسلت إلى أمهات المؤمنين قبل وفاتها تستحلهم مما قد يكون وقع بينهن من شحناء.
عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة تقول: دعتني أم حبيبة عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلت: غفر الله لك ذلك كله وحلك من ذلك، فقالت: سررتني سرك وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت مثل ذلك .
توفيت بالمدينة سنة 42 هـ وقيل سنة 50 هـ- رضي الله- عن أم حبيبة وأرضاه.
مارية القبطية
(أم إبراهيم عليه السلام)
هي مارية بنت شمعون القبطية، أم إبراهيم ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. لم تحظ بلقب أم المؤمنين لكنها حظيت بشرف أمومتها لإبراهيم وبالزواج والصحبة.
ولدت في بلدة جفن القريبة من (أرضنا) بصعيد مصر. أمها نصرانية رومية.
انتقلت مارية مع أختها سيرين وقيل شيرين إلى قصر المقوقس عظيم القبط في مطلع شبابها الباكر.
وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم برسالة إلى المقوقس ملك مصر، مع حاطب بن أبي بلتعة قرأ المقوقس الكتاب في عناية وتوقير، ثم التفت إلى (حاطب) وأخذ يسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم و أوصافه.. لم يعلن المقوقس إسلامه، خوفا على ضياع ملكه. ولكنه بعث مع حاطب بجاريتين (وهما مارية وأختها سيرين)، وعبد خصي يقال له مابور، وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا، وبعث ببغلته الشهباء (دلدل) وحماره عفير، وبعسل من بنها، وببعض العود والند والمسك. وعندما عاد حاطب بكتاب المقوقس وهديته، أعجب النبي صلى الله عليه وسلم بمارية، و اتخذها سرية، ووهب أختها لشاعره حسان بن ثابت الأنصاري وسرعان ما سرت البشرى في أنحاء المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر مولودا له من مارية القبطية.
ثم ولد إبراهيم وفرح به أبوه، فلما كان سابع عق عنه صلى الله عليه وسلم لكن مارية لم تنج من غيرة ضرائرها. قالت عائشة رضي الله عنها. (ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت الحارثة ابن النعمان الأنصاري، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها. فجزعت فحولها إلى العالية . وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا، ثم رزقها الله الولد وحرمناه منه). وعندما مرض إبراهيم قبل بلوغه العامين وقيل كان عمره ستة عشر شهرا . فجزع أبواه. ثم انطفأت جذوة الحياة فيه، فحمله النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في حجره، كانت وفاة إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة عشر في بني مازن، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه في البقيع.
ثم وفاة أمه مارية- رضي الله عنها- في المحرم سنة ست عشرة من الهجرة رحمها الله رحمة واسعة .
ميمونة بنت الحارث الهلالية
(آخر أمهات المؤمنين)
هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير العامرية الهلالية ينتهي نسبها إلى قيس عيلان بن مضر.
أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرش. وهي (أكرم عجوز في الأرض أصهارا).
أصهارها: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وحمزة والعباس ابنا عبد المطلب، رضي الله عنهما، وحمزة وعلي ابنا أبي طالب، رضي الله عنهما وكان لها أصهار آخرون، لهم مكانة رفيعة في قومهم، هم: الوليد بن المغيرة، وأبي بن خلف، وزياد بن عبد الله بن مالك الهلالي. كانت تحت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي الجاهلية، ثم فارقها فخلف عليها أبو رهم بن عبد العزى فتوفي عنها. وكانت تسمى برة بنت الحارث الهلالية وهي أخت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب. وسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة. وفي رواية أن ميمونة هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى فيها: (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)) .
بعد أن أتم صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء. وقد أقام بمكة ثلاثة أيام جاءه وفد من قريش يكلمونه في الرحيل من مكة. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم. وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه. قالوا: لا حاجة لنا في طعامك.
فاخرج عنا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أبا رافع مولاه ليأتيه بميمونة، وقد وافاه بها في سرف وهو موضع قرب التنعيم، فبنى بها هناك. هذا ما رواه يزيد بن الأصم .
كانت وفاتها سنة إحدى وخمسين على الأرجح فحملها ابن عباس وجعل يقول للذين يحملونها. ارفقوا بها، لا تزعزعوا، ولا تزلزلوا وارفقوا بها فإنها أمكم، حتى دفنها بسرف في الظلة التي شهدت بناء النبي بها. وكانت قد أوصت أن تدفن بسرف رضوان الله عليها .
( منقووووول)
لانو تكرر عندي