التصنيفات
منوعات

أزمة تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها

أزمة تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها

قد يكون تعلم اللغات الأجنبية والتفاعل الحضاري الإنتاجي من خلالها أحد أهم سمات المعاصرة والتكيف وشروط الحياة الراهنة والتي تقتضي استنباط قنوات فاعلة مع شرط التواصل الحضاري من موقع التآثر وليس الانفعال السلبي فقط مع العالم المحيط والذي قد يكون أحد أهم معالمه هو تحوله إلى قرية صغيرة يحكم العلاقات فيما بين جزئياتها تقنيات المعلومات وثورة الاتصالات والأتمتة ، وفي خضم تلك الضرورة قد يكون تعلم اللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الإنكليزية أحد أهم الأولويات الضرورية للقيام بتلك المهمة مع التأكيد على جوهرية توجيه تلك الأولوية من خلال التجذر النوعي لتلك المهمة انطلاقاً من حاجات المجتمع والفرد الذي يعيش في ذلك المجتمع استناداً إلى أنّ المعرفة بأشكالها المختلفة ومن ضمنها اللغات الأجنبية كائن عضوي يشترط ارتباطه بهدف معرفي إبداعي ذي طابع إنساني اجتماعي وإلاّ غدا تهويمات معرفية تدور في فلك التزويق الشكلي أو الترف البرجوازي الصغير دون مدلول إنتاجي لها على أرض الواقع بالنسبة للمجتع والإنسان على حد سواء

النزعة الانسحاقية في تعلم اللغات الأجنبية :

إنّ تبصراً في ما يجري من سعي محموم لدى الكثير لتعلم اللغة الأجنبية ، والذي غالباً يتم من خلال الأجنبية الأكثر شيوعاً والمتمثلة في الدورات الدراسية المحمومة والمكثفة والتي تستنزف القدرات المادية للشرائح الشعبية البسيطة المهتمة بتعلم اللغات الأجنبية ، والذي يمكن لنا أن نوصف الحدود العامة التي يقع ضمنها ذلك الاتجاه السائد في تعلم اللغات الأجنبية بالمحورين التالين :

أولاً : التعليم السطحي :

والذي يركز على مواضيع حياتية محضة قد لا يستفيد ولا يحتاجها المتعلم طيلة حياته ، والتي لا ضير منها إن كانت تعطى وفقاً لصيغة قواعدية سليمة تمهد لاتساع قدرة المتعلم على فهم اللغة بشكل مضطرد ، ولكن الأزمة تكمن في تلك النزعة التي تبصر في لغة الأجنبي لغة لانتصار حضاري هو طرفه القوي ونحن الآخرون المهزومون ، مما يستدعي منا تماهياً انسحاقياً وتقمصاً للسلوك ( الحضاري ) للمنتصر بعجره وبجره وملبسه ومأكله وصولاً إلى لغته ، والتي هي بالتأكيد هنا ليست لغة مثقفيه ، وإنّما لغة الشارع ومصطلحاته والتي هي بالتأكيد ملائمة لمتابعة الأفلام السوبرمانية الخارقة لأبطال الكاوبوي ، ولكنها سوف تقف خرقاء أمام أي مقال في Sunday Times أوGuardian The كمثال .

ثانياً : فن الثرثرة :

والمتمثل في تلك الموضة الجديدة والتي تعتمد تعلم العبارات والجمل كقوالب جاهزة تحفظ للاستعمال الصم ( chunks theory ) دون تحليل قواعدي لأصول تكوينها ، وبمعنى آخر تشترط تغيب اللغة الأم التي تتعلم فطرياً ثم تنمى قواعدياً ، لصالح استنباط نموذج لغوي جديد يراد له أن يصبح هو العفوي ، والذي كان نتيجته هو الاستخدام المتزايد والمخزي للمفردات الأجنبية حتّى أصبحت أكثرية من جيل الشباب فاقدة لمفردات ( عفواً ، حسناً ، وشكرا ) من لغتها ومستبدلة إياها بتلك الموجودة في اللغة الأجنبية بطريقة توحي بخطورة تغير في سلوك وعي الجيل الذي يناط به الحفاظ على وجود الأمة وقدرتها على إعادة إنتاج ذاتها حضارياً وبشكل متجدد

الإخفاق البنيوي :

إنّ نظرة متفحصة للتكون الأولي لذلك الإخفاق في تعليم اللغات الأجنبية ومعاوضته بتلك النزعة المحمومة للدورات الدراسية التي ذكرناها آنفاً تنقلنا إلى أنّ المسببات تتوزع عمقاً وسطحاً في ما آلت إليه الأمة ومجتمعاتها وطموحها النهضوي ، ولكن هناك جملة أسباب هي الأكثر وضوحاً والأكثر قابلية للتعديل لوجود الهياكل القادرة على إصلاح العطب إن أريد لها أن تكون كذلك ، وفيما يلي نشير إلى أهمها :
وهو إخفاق مثلث التكوين في التعليم المدرسي والجامعي : والذي يشمل فترة زمنية تمتد من التعليم الابتدائي وحتّى الثانوي وصولاً إلى مرحلة التعليم الجامعي ويمكن الإشارة إلى ذلك الإخفاق بمحاوره الكبرى :
أ إخفاق المناهج المحدثة والمطورة والتي انساقت ( ربما دون دراية القائمين عليها ) في ركاب العولمة وأزمة الانسحاقية التي ذكرناها فأصبحت مفرغة من المحتوى الضروري للتعلم المتدرج للغة وبمنهج قواعدي تحليلي وانزلقت إلى تعلم مسطح واستذكار لبعض العبارات وأساليب الكلام المبسط والسطحي في كثير من الأحيان ، على الرغم من أنّ المناهج الدراسية القديمة والتي ظلّت تدرس حتّى عام 1995 في سورية والتي أخذت عن مراكز بحثية مرموقة كانت قادرة على إعطاء الكثير إذا تمّ تجاوز العقبات الأخرى التي تعيق إمكانيات ذلك العطاء .
ب إنّ انخفاض مستوى التأهيل الحقيقي لدى خريجي المعاهد المتوسطة وحتّى لدى بعض الجامعيين لأسباب تتعلق بآلية التأهيل الجامعي والمتوسط ودون الدخول في تفاصيل ذلك وانخفاض المردود المادي الضروري للمدرس للبقاء على قيد الحياة ، أو تأهيله النفسي للعطاء الجيد مما يجعله مضطراً للخضوع إلى منهج تهميش التعليم المدرسي الأساسي ، والاتكاء على الدروس الخصوصية التي أقل ما يقال عنها هو أنّها تجارية آنية يصعب لأن تكون مقدمة لتأسيس معرفي حقيقي عند الطالب .
ج إخفاق سياسات الهروب نحو الأمام المستمرة في جامعاتنا :
لقد تفاوت سياسات التعليم الجامعي للغات الأجنبية في السنين السابقة مدّاً وجزراً مع غلبة واضحة للجزر الأكاديمي والإنتاجي ، والذي كان آخره القرار بتخصيص مادة دراسية من تلك التي تدرس باللغة العربية لتدرس باللغة الإنكليزية في جامعة دمشق والذي اعتبر تراجعاً عن شرف السبق لجامعة دمشق بالتعليم باللغة العربية ، والذي كان محاولة خاطئة لتجاوز الفشل الذريع الذي حصدته حص اللغة الإنكليزية ، والتي كان يجب العمل على تفعيل أدائها بدل الانتقال إلى تدريس مادة من المقرات الجامعية في كل سنة دراسة باللغة الإنكليزية ، حيث أنّ حصة اللغة الإنكليزية تستطيع أن تكون شاملة لعدة عناصر بنائية ضرورية في اللغة الأجنبية بحيث تعطي شمولية في التعليم ، بدل محاصرة الطالب لكي يدرس مادة علمية واحدة في تخصصه باللغة الأجنبية دون الاكتراث بضرورة تعلمه اللغة الأجنبية بشمولية .

نحو أفق للتعليم الخلاّق

وهنا يمكن لنا أن نشير إلى جملة من الأطروحات التي تنطلق من رؤية مبدئية محركها هو اليقين بأن العمل المستمر والديناميكية الدؤوبة في توجيه حركة للعمل منظومة فقط بالسعي إلى الهدف الأشمل في بناء المجتمع والإنسان ، متجاوزة كل الحدود والحواجز البيروقراطية البائسة لإنضاج كل الرؤى والطروحات الأولية لتنتقل إلى أفق الإبداع الذاتي انطلاقاً من نتاجها الخصب الذي سوف يأتي عند انطلاق عملية العمل الفاعل وليس الشكلي :
التركيز على مفهوم اللغة الثقافية أي اللغة التي تستند في جوهرها على محورية تعلم القراءة والكتابة والترجمة المقتدرة باللغة الأجنبية ، مع تعلم أساليب التعبير القواعدية الفصحى في اللغة الأجنبية وليس فن الثرثرة ولغة الشارع السطحية ، والذي يكون أساساً بالاستناد إلى مناهج محترمة وتقليدية ، توضح بشكل سنيد أساساً إلى الهدف التأسيسي المعرفي الضروري لتغترس ضمن آليات التفكير والعلم الذي يختزنه الطالب والمتعلم عموماً دون الخضوع إلى منهج الانسياق غير المدقق مع بعض التقليعات التي تقترحها بعض المراكز البحثية والتي تستند أساساً في نتائجها على دراسات إحصائية مبتورة في معظم الأحيان ومسيرة من قبل مصالح الشركات الكبرى التي يهمها تسويق العولمة في المقام الأول دون أن يعنيها في معظم الحالات نشر المعرفة أو تفعيل مناهج تعميم نشر المعرفة عالمياً .
تشجيع عملية الترجمة والتوطين الحضاري للمعرفة والتوثيق الإلكتروني للمترجا ، مع نشر جزء منها باللغة الأصل حيث يمكن للقارئ العربي الاطلاع والمقارنة مما يجعله أكثر ثقة بقدرة لغته على تأمين التواصل الحضاري الضروري مع العالم بالإضافة إلى إمكانية الاطلاع والمقارنة من النص الأصلي مما يحفز عملية التعلم المعرفي اللغوي في آن معاً ، وأذكر في ذلك المقام التجربة الناجحة لمجلة المستندات الطبية والتي صدرت باللغتين الإنكليزية والعربية وظلت مصدراً للمعرفة العلمية واللغوية لطلاب الطب في سورية وللأطباء لمدة عامين على الأقل ثم وللأسف وئدت بسبب البيروقراطية المتحجرة كما هو الحال لكثير من طموحاتنا الوطنية و الإنسانية .
إعادة الاعتبار لضرورة تفعيل التعليم الأساسي المدرسي بتعديل تدريجي لما هو غير ملائم في المناهج وأسلوب إعطائها مع التأكيد على ضرورة رفع الدخل المادي للمدرس وتأهيله علمياً وتربوياً .
تفعيل حص اللغة الأجنبية في الجامعات وعدم إعطائها إلى المبتدئين من خريجي اللغة الإنكليزية والفرنسية ليحاضروا عن اللغة الأجنبية في الفروع الأكاديمية الأخرى حيث بالتأكيد هم عاجزون عن مقاربة مصطلحاتها وروحها كما في الفروع العلمية التطبيقية والهندسية والطبية والذي يمكن استبداله عبر قيام أساتذة من الفرع الأكاديمي نفسه بتعليم اللغة الأجنبية أو إيفادهم للخارج لتعزيز قدراتهم اللغوية إن لم يتوافر فيهم من يستطيع ذلك .
وإنّ التجربة السابقة لكلية الطب في جامعة دمشق تمثل تجربة ناجحة في هذا المضمار يمكن الاستعانة بها لمن يصعب عليه اجتراح الخطوة الأولى الضرورية والملحة والتي هي جزء من عملية استنهاض وتنوير يشترط القيام بها في لحظة أصبح إحصاء التهديدات التي تنال بشكل مباشر من طموح الأمة في الوجود عملية شبه مستحيلة ، ولكن بالتأكيد يبقى واجبنا بالعمل للدفاع عن ذلك الطموح هو الفعل الضروري دائماً والذي يستطيع أن يغير المستحيل إذا أريد له أن يكون كذلك .

*د . مصعب عزّاوي
طبيب كاتب صحفي ( سورية ، بريطانيا )




خليجية



يعطيكي العافية

تقبلي ودي ومروري




منوؤرين حبيبآتي~



يعطيك اآآلف عآآآآآآآآآآآآفية ياعسل

~~~~~~~~(():,.)




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.