هذه الجنة -أيها الإخوة- يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) أي: لا تتصور -يا أخي في الله- أن عملك هذا هو ثمن الجنة، لا. ليس عملك، فكر فيه، هذه الصلاة أديتها بجسدك، جسدك من الذي خلقه؟ الله، أجل أنت تعبد الله بجسدٍ خلقه الله، مالك الذي أنفقته من أين؟ من الله، أجل أنت تنفق من مال الله، كل ما تعمله من عمل صالح لو فكرت فيه، ورجعت في أسبابه تجده من الله، أجل ما من شيء تعمله إلا وهو من الله حتى تأخذ على هذا العمل الجنة. قال الصحابة: (ولا أنت يا رسول الله؟) لأن الرسول كان أعبد خلق الله، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وكان يذكر الله في جميع أحواله، وقد حمل هم هذا الدين، وواجه البشرية لوحده بهذا الدين ونصره الله، فهو أعظم البشر عليه الصلاة والسلام، ما من حسنة تجري في الأرض إلا وله مثلها في دواوينه، كل من عبد الله منذ بعثته إلى يوم القيامة له مثل عمله. هذا الرسول الكريم قالوا: ولا أنت، يعني: مع ضخامة عملك، ولا أنت؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). فالجنة ليس سببها ولا ثمنها عملك، ولكن سببها رحمة الله -نسأل الله أن يشملنا برحمته-. ولكن هناك أسباب تتعرض نيل رحمة الله عز وجل، فإذا عملت بهذه الأسباب كنت مؤهلاً لنيل رحمة الله التي بموجبها تدخل الجنة. أما أن تتصور أن هذه الأسباب هي التي تنال بها الجنة فلا، الجنة تنال برحمة الله، والرحمة تنال بالأسباب، فتعرض لرحمة الله بنيلها عن طريق فعل هذه الأسباب، والأسباب كثيرة مذكورة في كتب العلم، جاءت في القرآن وفي السنة، لكني استطعت أن أحصر منها اثني عشر سبباً وهي كالآتي:
الإيمان والعمل الصالح
أول سبب وأعظم سبب: الإيمان والعمل الصالح؛ لأن الله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:82] الإيمان: وهو التصديق والجزم بالقضايا التي أخبرنا الله عز وجل بها: الإيمان بالله، والإيمان بكتبه وبرسله وبملائكته، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره. هذه أركان الإيمان الستة. الإيمان بالجنة، والإيمان بالنار، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وبالجن، وبالصراط، وبالحوض، وبالكتب، وبمظلة الرحمن، وكل ما أخبر الله به من المغيبات نؤمن بها، معنى الإيمان: الجزم واليقين أي: تعقد قلبك على هذا كقضية لا نقاش فيها ولا شك. والعمل الصالح: هو فعل طاعة الله وترك المعصية. فبالإيمان والعمل الصالح تنال الجنة بإذن الله عز وجل.
التقوى
التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل أمره وترك نهيه. وقد سئل أحد السلف عنها فقال: [هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل ]. وسئل آخر عن التقوى؟ فقال: "أرأيت إذا دخلت في وادٍ كثير الشوك وأنت حافٍ ماذا تصنع؟ قال: أشمر وأجتهد، أجتهد أني ما أضع قدمي إلا في مكان ليس فيه شوك، قال: كذلك الدنيا؛ الدنيا كثيرة الأشواك أشواك المعاصي وأنت تعيش شمر عنها، فلا تقع عينك إلا في حلال، ولا تسمع بأذنك إلا حلالاً، ولا تتكلم بلسانك إلا في حلال، ولا تمد يدك إلا على حلال، ولا تسير بقدمك إلا في حلال، ولا تطأ إلا بفرجٍ حلال، ولا ينزل في بطنك إلا حلال؛ لأنك تقي، ولكن الذي ليس عنده تقوى يقع بعينه في الحلال والحرام، لا يتوقى من الذي ينظر إليه، والذي ليس عنده تقوى يسمع بأذنه الحلال والحرام، ويتكلم بلسانه بالحلال والحرام، ويطأ بفرجه في الحلال والحرام، ويمد يده على الحلال والحرام، ويسير برجله إلى الحلال والحرام، ويملأ بطنه بالحلال والحرام؛ لأنه ليس بتقي. يقول الله في أهل التقوى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].. إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17].. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً [النبأ:31].. إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34]. وكثير من الآيات التي ذكر الله فيها أهل التقوى وأن لهم الجنة -اللهم اجعلنا من أهلها ومن المتقين-. ومن السنة ما ذكر في سنن الترمذي وفي مسند أحمد حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) شيئان يدخلان الجنة، وشيئان يدخلان النار، الذي يدخل الجنة تقوى الله، تضطرب إذا رأيت امرأة في الناس فتتقي الله، لكن إذا رأيتها وطولت النظر إليها، فأين التقوى؟ إذا سمعت نغمة موسيقية ولو حتى مع الأخبار مباشرة تغلقها، هنا التقوى. الريال الواحد لو دخل عليك كأنه ثعبان نزل في جيبك فأخرجه، لا تريد إلا الحلال، هذا التقي. الصلاة: إذا سمعت الأذان يتقطع قلبك إذا تأخرت حتى لو كتفت وأنت تريد الصلاة هذا هو التقي. وماذا مع هذا؟ حسن الخلق، يقول المفسرون: لماذا جاء حسن الخلق مع التقوى؟ قالوا: تقوى الله للتعامل مع الله، وحسن الخلق للتعامل مع الناس؛ لأن من الناس من عنده تقوى، لكن عنده سوء خلق، تجده تقياً لا يسمع الحرام، ولا يأكل الحرام، ولا يمشي في الحرام، لكن أخلاقه سيئة: سيئة مع أهله، سيئة مع العمال عنده، سيئة مع الجيران، سيئة مع الإخوة، سيئة مع الناس كلهم، لا يسلم شخص من شره، هذا -والعياذ بالله سيئ- ولهذا كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة، وفي الحديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جواظ جعظري مستكبر) عتل جواظ أي: لا أحد يريده ولا أحد يحبه، ولهذا إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله اسأل: كيف أنت عند الناس هل أنت محبوب؟ هل أنت كريم؟ هل أنت صاحب خلق؟ هل أنت لا تسب ولا تشتم ولا تلعن؟ سبحان الله! بعض الناس تجد عنده جوانب تقوى طيبة، لكن أخلاقه سيئة. لا بد أن تجمع بين الأمرين: أن تكون ذو تقوى مع الله، وذو خلقٍ حسنٍ مع الناس. وأكثر ما يدخل الناس النار الفم؛ لأن فيه اللسان وهو منفذ الحرام، والفرج؛ لأن فيه شهوة غالبة، وشهوة طاغية، تتعلق بالنساء، وقد تتعلق أحياناً باللوطية، وهي جريمة منكرة، يقول عبد الملك بن مروان : والله لولا أن الله أخبرنا بخبر قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً؛ لأن هذه الجريمة تأنفها حتى البهائم، ما رأينا حماراً يركب حماراً وهي حمير، ولا قرداً يركب قردا، ولكن الإنسان إذا ضل عن الله وعن سبيل الله، وعن طريق الله عمل هذه الفاحشة، ولذا توعد الله من عملها باللعن، والطرد، والإبعاد عن رحمته: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) والحديث في مسند أحمد سبعة إلا هؤلاء وكررها ثلاث مرات، واللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله. وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وعقوبته في الشرع: بعض أهل العلم قالوا: حرقاً، وبعضهم قال: القتل، وبعضهم قال: الرمي كما يرمى الثيب، وبعضهم قالوا: يرمى من أعلى مكانٍ شاهق، كما صنع الله عز وجل في قوم لوط، فإن الله عز وجل أرسل عليهم الملائكة فحملتهم وقراهم إلى أن بلغوا بهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً [هود:82-83] أي: معلمة عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83]. تلك الحجارة لقوم لوط والظالمين من بعدهم واللعنة ليست بعيدة منهم، وقد ورد أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتزت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماء وتقرأ سورة الإخلاص حتى يسكن غضب الرب، هذه جريمة منكرة. أما جريمة الزنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له). وقال أيضاً: (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة). وقال أيضاً: (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار). وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) -والعياذ بالله-.
طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
الحديث في صحيح البخاري ، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). الجنة أمامك طريقها من عند محمد صلى الله عليه وسلم إذا أطعته دخلت الجنة، وإذا عصيته رفضت دخول الجنة، طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كل مما أمر الله به وأمر به رسوله وكله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. بعض الناس تثقل عليه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من حرمانه وخذلانه من التوفيق، وأعطيكم أمثله على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: إعفاء اللحية، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها، وقال: (قصوا الشوارب (.. (أكرموا اللحى (.. (أرخوا اللحى (.. (اسدلوا اللحى (.. (أعفوا اللحى).. كل هذه أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، هي ليست قضية شعر، حتى بعض الناس يظن أننا نتعصب عند الشعر، لا -يا أخي- هي قضية انتماء واعتزاز وفخر بمتابعة هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وما دام أمرك الرسول وقال: (أعفوا اللحى) أكثر من عشرة أحاديث: (أعفوا اللحى) ..(أكرموا اللحى) ..(أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) وأنت تحلقها، كيف؟!! لا أعفيتها، ولا أسدلتها، ولا أرخيتها، ولا أكرمتها، إكرام اللحية أن تبقى في وجهك؛ لأن وجهك أكرم منطقة عليك، لكن حلقها إهانة؛ لأن الحلق أين يكون؟ إما في دورة المياه، أو في الغسالة، ثم تذهب إلى أماكن النجاسات، أو عند الحلاق، والحلاق إذا حلق اللحية يضعها تحت قدمه، ثم يأتي بالمكنسة ويكنس الشعر، من وجهك إلى المكنسة، وبعد ذلك يأخذها ويضعها في القمامة، هذه لحى المسلمين، وإلى سيارة البلدية ثم تحرق، هل هذا إكرام للحية -يا إخوان-؟ لا يجوز، فلا بد أن تكرم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، إذا أردت أن تدخل الجنة بإذن الله، ولا يعني كلامي هذا أن الذي يحلق لحيته لا يدخل الجنة، لا. نقول: الذي يصلي ويقوم بالواجبات الإسلامية، ويطيع الله عز وجل هذا إن شاء الله أنه من أهل الخير، لكن يكمل ذلك بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء لحيته؛ لأنه لا توجد مشقة عليه في إعفاء اللحية، فاللحية ليست ثقيلة، والله إنها لا تساوي عشرة جرامات أو عشرين جراماً، خفيفة جداً، المشقة في الحلق؛ لأن الحلق كل يوم وأنت تحلق، أنت تريدها تموت وهي تريد تحيا، فتبقى حية إلى أن تموت، فأنت أعفها مرة واتركها. أحد الشباب قال لي: أنا أريد أن أترك لحيتي يا شيخ، لكن لحيتي تطلع مثل الدبابيس، قلت: طبعاً مثل الدبابيس؛ لأنك تحلقها، لكن هي تحاربك كلما حلقتها صارت مثل الدبابيس، لكن أعلن الهدنة وألق السلاح وهي سوف تطلع بعد ذلك مثل الحرير، قال: كيف؟ قلت: انتظر فقط واتركها، فتركها وإذا بها بعد ما اطمأنت وعرفت أنه لن يعتدي عليها أعلنت هي الهدنة أيضاً، ونبت الشعر وصار مثل الحرير، لكن عندما تحلقها وتريدها تطلع مثل الحرير، لا. أنت تؤذيها وهي تؤذيك، مهما كان، فهذه جزء من طاعة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: رفع الإزار وعدم إرخاء الثوب، فإن هذا مرضاة لله، وكذلك تقوى لله، (فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بأن يرفعوا أزرهم؛ لأن هذا من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. فطاعة الرسول سببٌ من أسباب دخول الجنة، يقول الله عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً [النساء:69-70] أي: مع النبيين في الجنة بإذن الله عز وجل.
الاستقامة
الاستقامة هي: عدم الانحراف، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] أي: سر مستقيماً من أول الطريق ولا تلف يميناً ولا شمالاً إلا إلى الله، فلا تسمع الأغاني ولا تنظر إلى الحرام، وكذلك لا تأكل الربا، وحافظ على الصلاة في وقتها؛ لأن ذلك هو الطريق إلى الجنة بإذن الله، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] فالاستقامة من أسباب دخول الجنة. ويقول عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14]. وفي مسلم حديث عظيم عن سفيان الثقفي قال: قلت: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل أحداً بعدك؟ قال: قل آمنت بالله ثم استقم) إذا سألك شخص وقال لك: بالله عليك، دلني على طريق توصلني إلى الطائف ولا أضيع فيها، قلت له: امضِ في الخط الفلاني ولا تلف يميناً ولا شمالاً، وإذا رفض السماع منه ثم لف يميناً، فإنه سيصل إلى جدة ، لا إلى الطائف . كثير من الناس الآن يدلهم الشيطان على الطريق إلى جهنم -والعياذ بالله- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم) رواه مسلم .
طلب العلم
ومن ذلك حضور مجالس الذكر؛ فإنك إذا حضرت مجالس العلم فإنك لا تسمع إلا قال الله قال رسوله، ما الذي جاء بك إلى إلى هذا المجلس؟ لا يوجد أي هدف -ولهذا أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم التوفيق والإخلاص والقبول- يعني: ما أتألى على الله؛ لكن إن شاء الله لا أقول إلا أنكم جئتم لله؛ لأنه لا يوجد فيها نفع من منافع الدنيا، كل شخص جاء من أجل الله عز وجل، لطلب العلم، وحضورك لهذا المجلس تلتمس فيه طريقاً إلى الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم : (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا حديث صحيح. وفي صحيح مسلم حديث في الصحيح: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وغشيتهم الرحمة) رحمة الله التي بسببها يكونون من أهل الجنة بإذن الله عز وجل. فطلب العلم عظيم، ولهذا قال العلماء: طلب العلم طريق إلى الجنة؛ لأنه ينير لك الطريق، وطريق الجنة لا يمكن أن تراه إلا بنور، والنور هو العلم، فإذا قرأت كتاب الله، وقرأت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قرأت كتب الفقه، والسيرة، والتوحيد، وعرفت الطريق سرت فيه، لكن من الذي لا يسير في طريق الجنة الآن؟ الجهلة بالله، الذي يمر عليه شهر وما يقرأ فيه آية من كتاب الله، ولا يسمع موعظة، ولا يذكر الله، هذا الشيطان يلعب عليه؛ لأنه أعمى يقوده بخشمه إلى النار -والعياذ بالله- لكن إذا جاء إليك وعندك إيمان وعندك علم ما يقدر عليك، لماذا؟ لأن عندك نور أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22].
بناء المساجد ابتغاء وجه الله
الحديث في صحيح البخاري : (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة). قال أهل العلم: هذا الحديث فيه بشرى، أن من بنى لله مسجداً أنه من أهل الجنة، لماذا؟ قالوا: لأن الله لا يبني لك بيتاً في الجنة ويجعلك في النار، إذا كان بيتك في الجنة فإنك ستدخل فيه. أجل بناء المساجد من أعظم القربات، لكن بشرط: وهو أن يبتغي به وجه الله، قد يبني شخص مسجداً طويلاً عريضاً؛ لكن يبتغي به ثناء الناس، أو يبتغي به الضرار، كمسجد الضرار الذي بناه المنافقون من أجل محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا. تبتغي بهذا المسجد وجه الله، تريد بيتاً في الجنة، تريد يعمر هذا المسجد بطاعة الله، يذكر فيه الله، وتحتسب كل ما يؤدى فيه من عمل صالح؛ لأن بناء المساجد من أعظم القربات، ما من مسجدٍ تبنيه لله عز وجل -أيها المسلم- إلا ولك أجر الذي يصلي فيه، وأجر الذي يقرأ القرآن فيه، هذا المجلس المبارك الآن فيه حسنات وجميع هذه الحسنات لصاحب هذا المسجد، فضل عظيم -يا إخواني- وبعد ذلك إذا مت لا ينقطع هذا الأجر عليك، أجل إذا كان عندك إمكانية ابنِ مسجداً في مكانٍ لا يوجد فيه مسجداً، لا تذهب تبني في مكان لا يحتاج فيه إلى هذا المسجد، أو تبني في مكان سيبني فيه غيرك، لا ابن وليكن خارج المملكة؛ لأن بلاد العالم الإسلامي بحاجة إلى المساجد، لقد زرت والله -أيها الإخوة- بعض البلدان الإسلامية وجدتهم والله يصلون ويسجدون في الطين، ما عندهم حتى قطعة فراش على الأرض ويصلون، نحن -والحمد لله- مساجدنا كثيرة، والدولة حفظها الله تبني المساجد، والمحسنين يبنون المساجد في بلادنا، إذا عندك إمكانية ابن، وبعد ذلك تكلفة المساجد في تلك البلدان رخيصة جداً، أي: بعشرة آلاف تبني أكبر مسجد، أو بعشرين ألفاً تبني مسجداً كبيراً -فيا أخي- اختزن من راتبك قليلاً وابن مسجداً ليكون سبباً من أسباب دخولك الجنة. والحديث في صحيح البخاري : (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة).
الذهاب إلى المساجد
الحديث في الصحيحين : (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة، كلما غدا أو راح) هذا العمل وظيفة راقية، شغلة ليست سهلة، ويسمى هذا الرجل من رواد المساجد المرابطين الذين ينتظرون الصلاة بعد الصلاة، إذا ذهب يصلي أعد الله له نزلاً وكذلك إذا رجع من المسجد كان له نزل آخر: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً) ما هي النزل؟ قالوا: ضيافة وكرامة في الجنة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها-.
الإكثار من السجود -يعني: الصلاة-
ورد في صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي وقد كان خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بت ليلةً عند باب غرفته صلى الله عليه وسلم أنتظره بالوضوء يقول: فلما توضأ خرج فرآني، فقال: يا ربيعة سلني؟ قلت: أمهلني يا رسول الله! فجلس يفكر وبعد ذلك قال قلت: يا رسول الله! أسألك مرافقتك في الجنة) يقول: أريد أن أكون معك هناك، أما نحن الآن فهممنا محدودة في الدنيا وشهواتها وملذاتها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك؟ -أي: تريد شيئاً آخر؟- قال: ما هو إلا ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود) فدل الحديث على أن كثرة السجود -أي: كثرة الصلاة- سببٌ من أسباب دخول الجنة.
الحج المبرور
هذا في إمكاننا والحمد لله ونحن نقيم في مكة ، وبإمكان المسلم أن يحج كل سنة، لكن المصيبة أن أحد الإخوة أخبرني أنه يعرف قريباً له من أهل مكة إلى الآن ما حج، وعمره ستين سنة، وكلما جاءت سنة قال: السنة الثانية، ماذا بك؟ قال: زحمة، يريد أن نفضي له مكة ثم يحج ، خلق من عباد الله الصالحين يزاحمونك في طاعة الله، نعمت المزاحمة، إذا كان شخص بجوارك يزاحمك وأنت تطوف ويزاحمك وأنت تسعى ويزاحمك وأنت ترمي .. نعمت المزاحمة تلك، بل سأفتح له المجال؛ لأنه ضمني وضمه عمل صالح، لكن بعض الناس تصيبه حساسية من حين ينظر إلى الناس يخاف ويرهب ويصارع، حتى أن بعضهم يذهب يرمي الجمرات وكأنه ذاهب ليصارع، ليس هكذا -يا أخي- إذا كان هناك زحام ارفع رأسك من أجل أن يأتيك الهواء، نعم بعد ذلك امش مع الناس أينما مشوا، المهم لا تسقط فقط، وإذا سقطت ومت تبعث يوم القيامة ملبياً، كل واحد يبعث وهو يخاف وأنت تبعث تقول: لبيك اللهم لبيك، هذا الفضل العظيم هو الحج المبرور وجزاؤه في الصحيحين : (الحج المبرور ليس له جزاء عند الله إلا الجنة) وقال أيضاً: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري و مسلم .
قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة
لحديثٍ أخرجه النسائي وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة : (من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت) حديث صحيح، هذا الحديث كنت أقرؤه ولا أعرف درجته من الصحة، وإذا سألني شخص عنه أكون في شكٍ منه، لماذا؟ لأنه حديث عمله سهل وجزاؤه عظيم: (من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت) وإذا بي أطلع عليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة أنه صحيح، وقد رواه النسائي بسندٍ صحيح، قراءة آية الكرسي لا تكلفك وقتاً في قراءتها عقب كل صلاة مهما كنت مشغولاً.
المحافظة على السنن الراتبة
لما في سنن الترمذي و صحيح الجامع عن أم حبيبة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) وهي: أربع قبل الظهر -يسمونها الرواتب- واثنتين بعدها، واثنتين بعد المغرب، واثنتين بعد العشاء، واثنتين قبل الفجر، هذه اثنتي عشرة ركعة. يقول ابن القيم رحمه الله: من طرق باب ربه كل يومٍ ثلاثين مرة إذا أوتر بواحدة؛ لأن اثنتي عشرة ركعة هذه رواتب وسبع عشرة ركعة فرائض، أربع في الظهر وأربع في العصر، وثلاث في المغرب، وأربع في العشاء هذه خمس عشرة، واثنتين في الفجر صارت سبع عشرة ركعة، وتكون مع الرواتب تسعاً وعشرين ركعة، فإذا أوترت بواحدة تطرق باب ربك كل يوم ثلاثين مرة تقول له: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول ابن القيم : فإنه جدير أن يفتح له -إن شاء الله-. فهذه اثنتي عشرة ركعة من الرواتب، إذا حافظت عليها بنى الله لك بيتاً في الجنة، فاحفظها -يا أخي- ولا تضيعها؛ لأني أسمع وأعلم أن بعض الشباب يقول: إنها نافلة -أي: سنة- يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، سبحان الله! هي سنة سنها الحبيب، وبها تجبر الصلوات، ويتمم لها ما نقص من عملك الصالح، هل تضمن أنك تصلي العشاء أربع ركعات وما توسوس فيها لحظة؟ لا. فإذا أتيت يوم القيامة وحوسبت على صلاتك ونقصت الفريضة يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟) فإذا وجدوا نوافل يجبر نقصك، وإذا لم يجدوا شيئاً خسرت والعياذ بالله.
أعمال خاصة بالمرأة
هذا السبب خاص بأخواتنا المؤمنات من النساء، حيث يمكن للمرأة أن تشارك في الأسباب الإحدى عشرة، يمكن أن تبني مسجداً، وأن تكثر من السجود والصلاة، وأن تحج حجاً مبروراً، وأن تقرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، وأن تصلي اثنتي عشرة ركعة، وأيضاً الإيمان والعمل الصالح، وتقوى الله، كل هذه أعمال مشتركة، لكن هناك أعمال مميزة لها تدخلها الجنة ليست للرجال. جاء في صحيح الجامع للسيوطي وصححه الألباني، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) ثمانية أبواب وهي تدخل من أي بابٍ شاءت، ما هو السبب؟ أربعة أشياء: إذا صلت خمسها، وصامت شهر رمضان، وحصنت فرجها عفيفة لا تعمل شيئاً من الحرام، بعد ذلك تطيع بعلها، ليس عليها جهاد، ولا صلاة في المسجد في جماعة، تكاليف الشرع على الرجل أضعاف أضعاف ما على المرأة، المرأة الله عز وجل رحمها ورحم ضعفها، وكلفها بما تقدر عليه، ولكن مع هذا يقول عليه الصلاة والسلام: (اطلعت على النار فوجدت أكثر أهلها النساء، قالت امرأة: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكفرن العشير، وتكثرن اللعن) العشير: هو الزوج، بدل أن تطيعه تكفره بمعنى: تجحده، وتنسى فضله. وتكثرن اللعن أي أن غالب النساء إلا من رحم الله كثيرات اللعن، تلعن ولدها وتلعن أبناءها وتلعن زوجها، بل بعضهن تلعن نفسها!! والعياذ بالله. هذه هي بعض الأسباب الموصلة إلى رضوان الله عز وجل، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي أسباب سهلة ويسيرة، كما قال عليه الصلاة والسلام لـمعاذ بن جبل : (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) ولا تبدو هناك -أيها الإخوة- أية صعوبة، وإنما قد تكون هناك صعوبة في البداية، وإذا سار الإنسان في طريق الإيمان والالتزام فإنه سيجد الطريق سهلاً ميسراً معاناً من قبل الله عز وجل.
:sdgsdg:
وجعله في ميزان حسناتكـ ان شالله