التصنيفات
منوعات

أعظــم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

خليجية

أعظم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرة الأبدان،
وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مر الزمان،
وليكن لنا في سيرة نبيكم خير أسوة، وذلك بترسم خطاه والسير على نهجه والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
[الأحزاب:21].

في أول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسول في الخطب والمحاضرات ووسائل الإعلام،
ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ في أيام معدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمال والأخلاق،
بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تتردد على الألسنة دون فقه لمعنى الهجرة وعمل بمدلولها.

خليجية

إن الهجرة معناها لغةً:

مفارقة الإنسان غيره ببدنه أو بلسانه أو بقلبه.

ومعناها شرعاً:

مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة.

وهي من ملة إبراهيم الخليل خليجية حيث قال:
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
[الصافات:99]
أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر خليجية ببعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى،
والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق،
كما جاء في دعائه لربه:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
[إبراهيم:37].

خليجية

والهجرة من شريعة محمد خليجية

حيث أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لمّا اشتد عليهم الأذى من الكفار في مكة فخرجوا إلى أرض الحبشة مرتين فراراً بدينهم،
وبقى النبي في مكة يدعو إلى الله ويلاقي من الناس أشد الأذى، وهو يقول:
رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً
[الإسراء:80]،
فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة وأذن لأصحابه بالهجرة إليها،
فبادروا إلى ذلك فراراً بدينهم وقد تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله،
وقد أثنى الله عليهم ومدحهم ووعدهم جزيل الأجر والثواب،
وصارت الهجرة قرينة الجهاد في كتاب الله خليجية،
وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فرّوا بدينهم وتركوا أعزّ ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وباعوا ذلك لله خليجية وفي سبيله وابتغاء مرضاته.

وصار ذلك شريعة ثابتة إلى أن تقوم الساعة فقد جاء في الحديث:
{ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها }،
فكل من لم يستطع إظهار دينه في بلد فإنه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.

خليجية

وقد توعد الله من قدر على الهجرة فلم يهاجر،
قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
[النساء:97-99].

فهذا وعيد شديد لمن ترك الهجرة بدون عذر،

وهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين،
وأنه ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي يترك الهجرة قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض، وهذا اعتذار منهم غير صحيح لأنهم كانوا يقدرون على الهجرة فتركوها، ولهذا قالت لهم الملائكة توبيخاً لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .

فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع فيها ذلك،
فإن بلاد الله واسعة ولا تخلو من بلاد صالحة،
قال تعالى:
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً
[النساء:100]
أي مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، ويعوضه الله بها عما ترك في بلده من المال، كما قال تعالى:
وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
[النحل:42،41].

خليجية

ومن أنواع الهجرةهجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه خليجية:
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:5]،
الرجز: الأصنام.
وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها.

وقال النبي خليجية:
{المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه }.

أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها.

خليجية

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم،
قال الله تعالى:
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [المزمل:10]
أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك:
وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه.

خليجية

ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية،
حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله،
وكذلك الهجرة إلى رسول الله باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به.

وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة.

خليجية

فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:

هجر أمكنة الكفر…
وهجر الأشخاص الضالين…
وهجر الأعمال والأقوال الباطلة..
وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.

فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي،
أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛
فهم يتحدثون عن هجرة الرسول وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان،
وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!

خليجية

يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة،
بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم،

فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟

فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.

قال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
[الأنفال:74].

خليجية

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فضيلة الشيخ
صالح بن فوزان الفوزان




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.