أمراض القلب .. واختلافاتها بين الرجال والنساء
لقد تراكم الكثير من الدلائل التي تشير إلى أهمية وضع منطلقات محددة لفهم أمراض القلب بشكل مختلف بين جنس وآخر، أي بين الرجال والنساء.
غالبا ما يقال إن هموم القلب تؤثر بشكل مختلف على الرجال وعلى النساء.
إلا أن الأبحاث الطبية لا تركز الاهتمامات على قلب «الفارس» أو قلب «الحبيبة»، بقدر تركيزها على التمايز بين الجنسين في صفاتهما التشريحية والفسلجية، وتأثيرات هذه الصفات على أمراض القلب.
وهذا تغير ملموس عن عقود السنين الأولى التي أُجريت فيها الأبحاث على أمراض القلب، التي تمت غالبيتها باستبعاد النساء كلية، رغم أنها توصلت إلى نتائج مفيدة لكلا الجنسين.
ومن الصعب تماما إلقاء اللوم على الباحثين الطبيين لإهمالهم النساء، فقد كان الذكور يحتلون دوما رأس قائمة الأشخاص الذين تتوفر لديهم عوامل الخطر.
أما الآن فإن عدد الوفيات من أمراض القلب والأوعية الدموية (أي أمراض القلب والسكتة الدماغية) سنويا في الولايات المتحدة، يزيد لدى النساء مقارنة بالرجال.
وهكذا، وبعد أعوام من الأبحاث المستندة إلى جنس واحد، فقد أصبح واضحا بشكل جلي أن الاختلافات بين الجنسين هي التي يجب أن توجهنا لفهم الجوانب الكثيرة في عمليات درء أمراض القلب، وتشخيصها، وعلاجها.
اختلافات الأخطار
الرجال والنساء يتشاركون في الكثير من عوامل الخطر ذاتها، إلا أن بين الجنسين فروقا أخرى.
ـ التدخين: تقع هذه العادة في رأس قائمة عوامل الخطر المرتبطة بنمط الحياة للرجال والنساء على حد سواء. إلا أن التدخين يزيد من خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية وغيرهما، لدى النساء اللاتي يواظبن على تناول حبوب منع الحمل.
ـ الكولسترول: مستوى الكولسترول الخفيف LDL (الضار) فوق 130 مليجراما/ ديسيلتر، يُعتبر مؤشرا لخطر كبير لدى الرجال، بينما يعتبر معدل الكولسترول الثقيل HDL (الحميد) أقل من 50 ملغم/ ديسيلتر مؤشر إنذار للنساء. ومستوى الشحوم الثلاثية (أعلى من 150 ملغم/ ديسيلتر) هو عامل خطر مهم أيضا للنساء.
ـ ارتفاع ضغط الدم: حتى عمر 45 سنة، يزيد عدد الرجال الذين يعانون منه مقارنة بالنساء. إلا أن عدد النساء اللاتي يعانين منه يزداد منذ وصولهن إلى أواسط عمرهن، وبوصولهن إلى عمر 70 سنة، في المتوسط، فإن مستوى ارتفاع ضغط الدم لديهن يكون أعلى مما لدى الرجال.
ـ الخمول: لم يصرح سوى 30 في المائة من الأميركيين أنهم يمارسون الرياضة بانتظام، إلا أن الرجال يكونون عادة أكثر نشاطا بدنيا من النساء، وخصوصا في أعمار الشباب (18 إلى 30 سنة) والأعمار المتقدمة (65 سنة فما أكثر).
ـ الوزن الزائد: البدانة تقود إلى أمراض القلب، إلا أن أماكن تراكم الزيادة في الوزن مهمة أكثر من مقدارها.
فالوزن المتراكم في منطقة البطن، يفرز مواد تتداخل مع نشاط الأنسولين، ويشجع على إنتاج الكولسترول الضار، وهو أكثر ضررا وسموما من الوزن المتراكم في منطقة الحوض.
وتعتبر الكثير من السلطات الصحية قياس 35 بوصة (87.5 سم تقريبا) فأكثر لخصر النساء و40 بوصة (100 سم تقريبا) فأكثر لخصر الرجال، مؤشرا على أمراض القلب، أفضل بالمقارنة من مؤشر كتلة الجسم BMI.
ـ مرض السكري: إصابة الرجال والنساء به على حد سواء، تقود إلى مضاعفة خطر ظهور أمراض القلب. إلا أن السكري يؤدي إلى مضاعفة خطر توقف القلب الفجائي لدى النساء مقارنة بنسبة 60 في المائة لدى الرجال.
ـ متلازمة التمثيل الغذائي (الأيض): إن وجود ثلاثة من الأعراض الخمسة لهذه المتلازمة (البدانة في منطقة البطن، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستوى الشحوم الثلاثية، وقلة مستوى الكولسترول الحميد HDL، وارتفاع مستوى السكر في الدم أو وجود مقاومة للأنسولين) خطير على النساء أكثر من الرجال، ويؤدي إلى زيادة خطر النوبة القلبية القاتلة ثلاث مرات لديهن، كما يزيد 10 مرات من احتمال ظهور السكري.
ووجود بدانة في منطقة الخصر مع ارتفاع مستوى الشحوم الثلاثية، خطير بشكل خاص للنساء.
ـ عوامل الخطر النفسية: إن عمق الصلة بين القلب والعقل لا تزال تدرس بعمق. إلا أن هناك ما يكفي من الدلائل التي تشمل بعض العوامل المسهمة في حدوث أمراض القلب، مثل التوتر المزمن، الكآبة، وانعدام الدعم الاجتماعي.
ولا يكون أي من الجنسين أفضل من الآخر، إلا أن الأبحاث تشير إلى أن بعض العوامل تكون طاغية التأثير لدى الرجال، وبعضها الآخر لدى النساء.
والتوتر هو حِمل متساوٍ في تأثيره على الجنسين، إلا أن النساء يتعرضن للكآبة أكثر مرتين من الرجال ويعانين الإحباطات العاطفية.
وفي الواقع فإن الحالات التي أعلن عنها حول «متلازمة القلب المنكسر» (فقدان القلب لوظيفته فجأة بسبب المرور بتجربة عاطفية شديدة، ثم عودة القلب إلى سابق عهده) تكون منحصرة في النساء الأكبر سنا.
وظل الغضب والعداء يُعتبران منذ زمن طويل عوامل خطر لدى الرجال، وذلك لأن أكثر الدراسات على أمراض القلب استبعدت النساء منها.
وقد وثقت الدراسات حقيقة أن الرجال ينعدم لديهم على الأغلب الدعم الاجتماعي ـ خصوصا بعد التقاعد ـ مقارنة بالنساء.
ـ الالتهابات: الالتهابات المزمنة تُعتبر الآن هي التي تهيئ لظهور الترسبات المرتبطة بتصلب الشرايين.
وتوجد لدى النساء معدلات أعلى بكثير من الحالات المرضية التي تقود إلى ظهور التهابات ضئيلة لكن متواصلة.
وعلى سبيل المقال فإن مرض الذئبة lupus يزيد بأكثر من الضعف من خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية لدى النساء.
اختلافات خفض الأخطار
الرجال والنساء الذين يرغبون في حياة صحية للقلب يمكنهم وضع برامج مناسبة لنظامهم الغذائي وتمارينهم الرياضية. إلا أن توجهاتهم تكون مختلفة في ما يخص حبوب الأسبرين.
الأسبرين الصغير الجرعة يجب أن يتوفر على الأرفف لدى الرجال المعرضين للخطر قبل 10 سنوات من تناول النساء له. فالرجال المعرضون لخطر النوبة القلبية عليهم تناوله يوميا منذ عمر 45 سنة، إلا أن على النساء تناوله بعد عمر 55 سنة وذلك لدرء حدوث السكتة الدماغية. ولكلا الجنسين ينبغي الموازنة بين فائدة الأسبرين وأخطاره على الجهاز الهضمي.
اختلافات مجريات الأمراض
لقد أظهرت دراسات البيولوجيا الجزيئية، وكذلك عمليات التصوير العالية التقنية، وجود فروق بين عملية ظهور أمراض القلب لدى الرجال ولدى النساء.
ولدى كلا الجنسين، فإن الترسبات المرتبطة بتصلب الشرايين ـ وهي مجموعة تضم الكولسترول، خلايا الدم البيضاء، والأنسجة الضامة ـ تتراكم في مناطق جدران الشرايين التاجية التي تعرضت للأضرار بسبب الالتهابات.
ولدى الرجال فإن الترسبات تتجه للتراكم بشكل غير متجانس، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور تجمعات، أو تكتلات، مختفية تنبثق من جدار الأوعية الدموية مؤدية إلى انسدادها. أما لدى النساء فإن الترسبات تتراكم بشكل أكثر تجانسا على جدران الوعاء الدموي.
وتحدث النوبات القلبية لدى الرجال على الأغلب نتيجة تهتك الترسبات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق خثرة تؤدي إلى انسداد مجرى الدم في الشريان التاجي.
أما لدى النساء فإنها على الأغلب تنجم عن انجراف الترسبات على شكل قطع صغيرة منها، تقود إلى تكوين خثرات دموية صغيرة.
كما يحدث لدى النساء أكثر من الرجال في الغالب، مرض الأوعية الدموية الميكروية (الصغيرة جدا)، وهو تضيق أو تصلب تفرعات الشرايين التاجية التي تقوم بتغذية عضلة القلب.
وحتى عندما تكون الشرايين التاجية نفسها سليمة فإن مرض الأوعية الدموية الميكروية بمقدوره الحدّ من تجهيز القلب بالأوكسجين، الأمر الذي يؤدي إلى الذبحة الصدرية أو غيرها.
الاختلافات في الأعراض
عندما تعاني الشرايين التاجية الانسداد جزئيا أو كليا، ولا تتلقى عضلة القلب ما يكفي لعملها، من الأوكسجين، فإن الجسم يشعر بذلك. وقد يعاني الرجال والنساء في هذا الوضع من الذبحة الصدرية، وهي العلامة الكلاسيكية لمرض الشرايين التاجية التي تتسم بأعراض آلام في الصدر، والتعرق البارد، والدوران، وأعراض أخرى.
إلا أن النساء يعانين أكثر من الرجال في الأغلب أعراضا أقل شدة، مثل شعورهن بالإجهاد عموما وبأعراض شبيهة بالإنفلونزا. كما أن أحد أنواع الذبحة الصدرية الذي يظهر في أثناء النوم العميق أكثر شيوعا لدى النساء من الرجال.
الاختلافات في التشخيص
– عندما يصل مريض لديه أعراض لأمراض القلب إلى العيادة الطبية، يجب إجراء عدد من الاختبارات ابتداء بتخطيط القلب الكهربائي، ثم اختبار الإجهاد، حينما يمشي المريض على دواسة كهربائية في أثناء تخطيط قلبه.
– التخطيط الكهربائي للقلب لن يرصد على الأكثر أمراض القلب لدى النساء مثلما يرصدها لدى الرجال، إلا أن اختبار الإجهاد النووي في أثناء تصوير تدفق الدم إلى القلب قبل القيام بالتمرين الرياضي ثم بعده مباشرة، هو أكثر موثوقية للنساء.
– تصوير تضيق الشرايين التاجية: أشعة إكس التي تصور انسدادات الشرايين التاجية تُعتبر المعيار الذهبي للتعرف على مواقع الانسدادات لدى الأشخاص الذين جاءت نتائج اختبار الإجهاد لديهم إيجابية، إلا أن ذلك لا ينطبق على النساء، لأنهن يعانين أكثر انسدادَ الأوعية الميكروية المغذية لعضلة القلب.
– تصوير الأوعية بالموجات فوق الصوتية IVUS يشمل إدخال مرسلة مستجيبة نحو الشريان التاجي لتصوير مقاطع من جدرانه، وبمقدور هذه الوسيلة العثور على التضيقات التي حدثت بسبب الترسبات المرتبطة بتصلب الشرايين.
– دراسات احتياطي تدفق الدم عبر الشريان التاجي التي تجرى بقياس التغير في تدفق الدم استجابة لزيادة الطلب عليه، يمكنها أن تؤشر إلى قدرات الأوعية الدموية الميكروية في تجهيز القلب بالدم الكافي لها. الاختلافات في العلاج
– للنساء اللاتي لديهن تضيقات متجانسة على طول الشرايين التاجية أو مرض الأوعية الميكروية، يكون تغيير نمط الحياة مع تناول الأدوية الخيار العلاجي الوحيد.
أما للنساء اللاتي لديهن مناطق متضيقة محددة تسد الشرايين التاجية فان فتح مجاز موازٍ للشرايين المسدودة أو عملية إزالة التضيقات جراحيا ستقوم بفتح الشرايين، إلا أن هذه الوسيلة لا تعرض على النساء بل على الرجال.
والنساء اللاتي يخضعن لهاتين العمليتين يكُنّ بعمر 10 سنوات أكبر عادة من الرجال الذين تجرى لهم.
الخلاصة
لا تزال أمراض القلب من الأمراض القاتلة الأولى رغم أن معدل الوفيات بها انخفض بنسبة 25 في المائة عما كان علية نهاية التسعينات في القرن الماضي، وذلك بفضل السيطرة على عوامل الخطر: ضبط الكولسترول وارتفاع ضغط الدم، وتحسن العناية الإسعافية، وتطوير الأدوية ووسائل العلاج.
الرسالة الموجهة إلى الرجال: كل الوسائل متوفرة لكم، والنظام الغذائي والتمارين الرياضية هما الأفضل، ثم إجراء الفحوصات وتناول الأدوية.
الرسالة الموجهة إلى النساء: نمط الحياة الصحي هو الأساس خصوصا إن كانت في الوزن في الخصر حالات التهاب أو زيادة.
إن كنتن مصابات بالكآبة اطلبن المساعدة. وإن كنتن تشعرن بالتعب، أو الوجع، أو تقطع النفس، اطلبن المساعدة أيضا.
دمتم فى حفظ الله