التصنيفات
منوعات

أنا والفتاة قصة جميلة رائعة

منذ مدَّة وأمِّي تريد أن نغيِّر أثاث غرفة الجلوس في بيتنا؛ نظرًا لانشغالي الدائم بالعمل والدِّراسة لم أستطع أن أخرج معها لاختيار الأثاث الجديد، اليومَ بدايةُ إجازة نصف السَّنة، الطقس بارد لا يوحي لك إلاَّ بالبقاء في البيت مع كأس مشروب ساخن وكتاب للمُطالعة، كنت في ذاك اليوم مريضة، وليس لي رغبة في فِعْل أي شيء، لكن أمِّي أصرَّت على أن نذهب اليوم إلى معرض الأثاث، ولِبِرِّ الوالدَيْن أحكام، نزَلْتُ على رغبة أمي، وخرَجْنا، كانت آثارُ المرض بادية على وجهي، كان وجهي شاحبًا والْهالات تحت عيني بارزة وخطواتي ثقيلة، فالشُّروع في رسالة الدكتوراه كان يلتهم كلَّ وقتي، وعملي في التدريس الْتَهمَ البقية الباقية من أعصابي، وهذا يوم إجازتي، لَم أحْظَ فيه بِما كنتُ أُمَنِّي النَّفس من راحة ونقاهة.

رافقَنا أبي وأختاي، كان مَعْرِضًا كبيرًا، فيه عدد كبير من المعروضات، فَهِمت أنَّ بقاءنا هنا سيطول، تنقَّلْنا بين أرجاء المعرض، كانت أمي تسألني عن رأي في بعض المعروضات، كنتُ أجيبها، لكنِّي لم أكن حاضرة الذِّهْن معها، كان التَّجوال بين أروقة المعرض، هذه غرفة جلوس، وهذه غرفة نوم، وهذه غرفة أطفال… كان يسحبني لاسترجاع ما فات من العُمر والذِّكريات، بين ديكور وديكور، تتوارد عليَّ مراحل حياتي المختلفة، وبين لونٍ ولون، أستحضر أيام السعادة وأيام الحزن.

لا تسألوني: كيف أَوْحى لكِ الأثاثُ بكلِّ هذا؟ فأنا لا أعرف، كنتُ أسأل نفسي: هل يوجد شيء في حياتي يَجِب أن أغيِّره؟ هل أنا في الطريق الصحيح؟ كنت مرسلة النَّظر أمامي أتلمَّس طريقي خلف معْطف أمِّي، وكلماتها في أذني تتسل إلى أفكاري فتُبَعثرها، لكنِّي سرْعان ما أعود، وبينما كنت أُجَوِّل بصري بين المعروضات وقعَتْ عيني على غرفة نومٍ جميلة، ما أجْمَلَها! طراز كلاسيكي مع لمسةٍ من الفخامة، تسمَّرَت قدماي أمامها، ورأيتُ كأنَّ بيني وبينها طريقًا مظلمًا طويلاً.

نعم، لقد أوحت إلَيَّ بحلم بسيط جميل، كدْتُ أنساه، لقد تذكَّرتُ كم كنت أفكِّر في بيت صغيرٍ يُؤوي حلم الزواج، حلم كدتُ أنساه، ها أنا اليوم في السادسة والعشرين من عمري، أكلَتِ الدِّراسة والتدريسُ أجملَ السِّنين من عمري، لم أترك لِنَفسي المَجال أن أَمْضي نحو ذاك الحلم، أختاي اللتان تَصْغُراني: إحداهما تزوَّجَت، والأخرى مَخْطوبة، وأنا أحرق نفسي في رسالة الدكتوراه، أحسَسْتُ بدمعةٍ بدأَتْ تتشكَّل في عيني، وغُصَّة تتألف في صدري، لكني تذكَّرتُ الله، وحَمِدْتُه على كلِّ حال، وردَّدْتُ في نفسي ما كنت أردِّده دائمًا كلَّما فاتني شيءٌ من حطام الدنيا؛ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 17].

وبينما أنا أُلَملم نفسي، وأَهُمُّ بالالتفات عن غرفة النَّوم الجميلة، إذا بفتاةٍ ومعها رَجُل، عرفتُ من تصرُّفاتِهما أنه خاطبها، كانا يشاهدان غرفة النَّوم تلك، سبحان الله! عرَفْتُها، عرَفْتُ الفتاة، عندما دخلتُ الجامعة أوَّل سنة وجدْتُها هناك، كانت قد سبقَتْني للجامعة، وعندما خرَجْتُ تركْتُها هناك، فأنا لَم أرسب أيَّ مرَّة، هذه الفتاة كنت أراها دائمًا بصحبة شابٍّ معنا في الجامعة، كانا لا يَفْترقان، وكانت "قصَّة الحب" التي تجمعهما يتداولها كلُّ الطلبة والطالبات في الجامعة.

لم تكن متحجِّبة، وكانت تصرُّفاتُها توحي بالميوعة، كنتُ كلَّما رأيتُها تأسَّفْتُ لِحالها ودعوت لها بالهداية، كنتُ طالبةً هادئة وخجولة، مرَّت سنواتي الأربع في الجامعة متشابهة رتيبة هادئة، لم أَكُن أبقى في الجامعة إلاَّ لِحُضور المُحاضرات، وأنصرف عند انتهائها كالسَّهم إلى البيت مباشرة، كنتُ حديثة عهد بالالتِزَام والتديُّن، وكانت قراءةُ الكتب الدِّينية وسماع دروس ومحاضرات المشايخ شغلي الشاغل.

والحمد لله كنتُ متفوِّقة جدًّا في الدراسة، وتخرَّجْتُ وأنا الأولى على الدفعة، وكنتُ كلَّما أرى تلك الفتاة أقول: يا ليتها تدرك خطأها، وعندما رأيتُها اليوم لم أعرف ماذا أقول؟ هي كما تركتُها، غيرُ محجَّبةٍ، متبرجةٌ، لم يتغيَّر فيها شيء قِيدَ أَنْمُلة.

آه، عفوًا، نسيتُ، الذي تغيَّر هو الشاب الذي معها فقط، فالخاطب "سعيد الحظ" الذي يرافقها لَم يكن ذاك الشابَّ الذي عرفْتُه معها طيلةَ سنوات الجامعة، وأنا أيضًا لَم أتغيَّر، بقيت ثابتة على طريق الدِّين، بل – والحمد لله – لقد حقَّقْتُ حلمي بحفظ أجزاءٍ من كتاب الله، وحققت حلمي بزيارة بيت الله الحرام، أما حلم الزَّواج فلم يتحقَّق، الزواج عندنا يلزمه تنازُلات عن الثَّوابت، ثوابت لم أكن أرضى بأن أضحِّي بِها، رغم إلحاح أمِّي عليَّ أن آخذ الأمور بساطة، و"ألاَّ أعقِّد الأمور" على حدِّ قولها.

كانت الفتاة وخاطبُها يحومان حول غرفة النَّوم، يبدو أنَّها نالَتْ إعجابَهما، لقد اشترَيَاها، أمَّا أنا فاستعَذْتُ بالله من الشيطان الرَّجيم، ولَحِقْتُ أمي؛ لأشتري لها ما تريد.

الكاتبة أسماء .م




قصة بسيطة و قصيرة لكنها جميلة و مفيدة°°°°° مشكورة اختي الغآلية على سردها



حلوه كلش



عبقرية عصرها

اليك كلماتي

تسلمو يا حبايبي

نورتوني بتواجدكم بموضوعي ….




موضوع نايس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.