فطر الله سبحانه وتعالى آدم وذريته من بني البشر على التعلم ، فيقول عز وجل في سورة البقرة " وعلم آدم الأسماء كلها " الآية، والقابلية للنمو والزيادة التي مُيز بها بنو آدم عن سائر الخلق؛ تمثلت في نعمة العقل، أول وأجل النعم، به يهتدي العبد إلى ربه، وبه أيضا تُعرف الآيات والسنن التي أودعها الخالق كونه، وبفطرة العقل يستدل المخلوق على عظمة مبدعه، فيقبل على عبادة ربه برغبة تدفعه إلى عمارة الأرض، ورهبة تحثه على توجيه سلوكه نحو إرضاء مولاه ( التعلم الفطري ) وفي هذا النوع من التعلم تنمو قدرات الفرد الطبيعية بتوازن ليتمكن من استغلال ما أودع الله فيه من قدرات ويستثمرها بما يعود عليه بالنفع أولا وعلى مجتمعه ثانيا . والتربية جزء من النظام الاجتماعي تهتم بإعداد الفرد الذي يساهم في بناء مجتمعه بإيجابية ليتمكن من الحياة بصورة كريمة يقدم فيها لمجتمعه بقدر ما يأخذ؛ وإذا كانت الأمة عبارة عن مجموعات من الأفراد؛ فإنه بحق وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة.
ما هي التربية المنشودة؟
من الخطأ أن نعمم أن التربية هي توظيف مثمر للأموال، فليست كل أنواع التربية ينطبق عليها هذا الوصف، فكم من تربية أعاقت النمو الشامل للمجتمع وكم من تربية أنتجت نفوسا محبطة لميادين الإنتاج عاجزة عن مواجهة تحديات الحياة. ولكن التربية المنشودة هي التي تحقق غايات و أهداف المجتمع وفق عقيدته وقيمه؛ ومن الطبيعي أن يأخذ هذا النوع من التربية جل اهتمام المجتمع، وذلك لأن المستقبل كما أشار جون توما في كتاب معلمون لمدارس الغد – " إنما يكون المستقبل للأمم التي تستثمر أعظم استثمار ذكاء شبابها، جميع شبابها "، والذكاء في أشمل تعريف له أنه العمل بهدف والتفكير بعقلانية والتفاعل المثمر مع المحيط، وهو الذي يحدد وظيفة العقل وينمو من خلال التجارب التي يكتسبها الفرد من البيئة، ويتأثر بعامل موروث. ويتفق هذا التعريف مع غاية التربية في إعداد الفرد المنتج في المجتمع " التفاعل المثمر مع المحيط " كما أن هذا التعريف يساعد في تحديد المهارات اللازمة لذلك، فعلى سبيل المثال؛ العمل بهدف يتطلب امتلاك الفرد لمهارات التخطيط وما يندرج تحتها من علم وفن ومنطق، كما أن التفكير بعقلانية يرتكز على تمكن الفرد من مهارات التفكير المختلفة، استدلالي، ناقد، إبداعي، ومهارات التفكير الفوق معرفي. وعلى الرغم من أن المهارتين السابق ذكرهما متداخلتان وتعتمد إحداهما على الأخرى وقد يكون مثار جدل الفصل بينهما؛ إلا أننا نتفق على أن كلتا المهارتين يعتمد عليهما الفرد في التعامل مع مشاكل الحياة للتغلب عليها بأساليب تتوافق مع قيم وعقيدة الفرد والمجتمع، ونتفق أيضا على إمكانية الحصول على المعرفة بدون تفكير، ولكن لا يمكن أن نفكر بدون معرفة، وأخيرا نتفق على أن العقل ( المخ ) جامع ذلك كله.
والعقل وظيفة ونشاط للمخ، فهو عضو يتحكم في سائر أعضاء الجسد، وينمو في مجال النشاط الجسمي والاجتماعي أثناء المرور بالخبرة، ونشاطه عبارة عن تكوين مجموعة من المعاني المنظمة المتكونة نتيجة لأنشطة سابقة ( عملية التفكير )، ووظيفته اقتراح الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترض حياة ذلك الفرد ( ناتج عملية التفكير ). وإذا كنا متفقين على أنه لا يمكن التفكير بدون معرفة، فإن هذا يعني أن المعرفة هي الوسيلة الوحيدة لتوجيه حياة الفرد بطريقة تمكن العقل من القيام بنشاطه في تكوين وترتيب المعاني بطريقة تمكنه من توليد معارف جديدة، لتنفيذ وظيفته في إنتاج الحلول الإبداعية لمشاكله في ظل التفاعل المثمر مع المحيط، و إذا كان المجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد الذين يتغلبوا على مشاكلهم بطريقة مثمرة لهم ولمجتمعهم؛ فإن هذا يعني أن المجتمع بكامله يتفاعل بطريقة منتجة تمكنه من مواكبات القفزات الحضارية والتعايش مع المجتمعات الأخرى بأسلوب فاعل يحافظ به على المورث العقدي والاجتماعي، وفعال ليكفل بواسطته استمرار السير قدما في المضمار الحضاري بإرادة الله.
ما هي المشكلة؟
ليس الخلل في نظام التدريس التقليدي فقط، ولكن المشكلة تكمن في تغير الظروف المحيطة بالتعليم دون أن يتلاءم نظام التدريس مع المستجدات، فالانهيال المعرفي، والتدفق الفكري، والضخ الفضائي؛ قلل من دور المدرسة كمصدر وحيد للمعارف ودفع البعض للمناداة بالا مدرسية، وإيجاد بدائل للتعليم كالدروس عبر شبكة الإنترنت، أو عبر الفضائيات، وقد ذهب بعض أولياء الأمور إلى أن نمط تعليمنا قد يعيق نمو القدرات التي أودعها الله في الطفل؛ فإذا كان الإنسان مفطورا على التعلم، وإذا كان الفرد يمتلك ما لا يقل عن مائة وعشرين قدرة عقلية! فكيف نفسر عزوف الطلاب عن التعليم؟! وكيف نعلل انخفاض دافعيتهم للتعلم، في الوقت الذي تغيرت البيئة التعليمية إلى الأفضل!، وتحسنت ظروف عمل المعلم!، وتوفرت مساعدات التعليم ومساعدات التعلم!! هل هذا يعني أننا نمارس أنماط تعليم أو تدريس لا تتوافق مع فطرة العقل للتعلم؟ أو هل يشير ذلك إلى عدم تطور المقررات الدراسية لمواكبة المتغيرات؟؟ قد نتفق أو نختلف على السبب؛ ولكن الذي نتفق عليه جميعا أن لأبنائنا استعداد للتعلم لأن الله عز وجل خلقهم كذلك، ونقر أيضا أن أعظم استثمار يمكن أن نقدمه لمستقبل أمتنا هو في عقول ناشئتنا؛ فإن العصر الذي نعيشه محكوم بقوة العقل وأصالة الفكر؛ فقوة العقل تعتمد على عمق الخبرات الغنية التي يحتويها العقل، وسلامة الفكر تأتي من نمو القدرات العقلية المستودعة فيه.
مستقبل المدرسة أم مدرسة المستقبل؟؟
يبدو للمعايش قفزات هذا العصر أن المدرسة حققت أهدافها، بدليل الانتقال من عصر الصناعة إلى عصر تفجر المعرفة فعصر انهيال المعلومات في فترات زمنية قصيرة، كما أن المعارف الإنسانية أضحت تتضاعف كل ثلاث سنوات ونصف؛ وقد تكون هذه شواهد صادقة على زيادة قدرة الأفراد على التفكير نتيجة زيادة المعارف المتاحة، وهذا بدوره أدى لتكوين أنماط جديدة من التفكير فولدت معارف أكثر، الأمر الذي زاد من أعباء التربية في اختيار الخبرات الغنية المناسبة لإعداد فرد يتفاعل بإيجابية مع معطيات المستقبل بكل ما يحمله من تغير سريع. والواقع يشير إلى أن المدرسة تعاني من عدم قناعة المجتمع بمخرجاتها، فهذه صرخات اللا مدرسية أصبحت تتوالى من أولياء الأمور وعلى الخصوص التربويين منهم! وهذه الدافعية للتعلم قد انخفضت لدى المعلمين والطلاب! وهذه الكآبة تعلو وجوه أبنائنا يوم السبت..! وهذا التعليم الذي يعيق القدرات ولا ينميها!!
وقد يكون الفيصل بين المدرسية واللا مدرسية هو " مدرسة المستقبل "، المدرسة التي تعد الفرد لمواجهة التغير المستمر في عصر تدفق المعلومات، وتسخيره لصالحة ولصالح مجتمعه. ففي دراسة مستقبلية للتعليم في عصر المعلومات، ، قدمت في استشراف مستقبل العمل التربوي في دول الخليج، أشارت إلى صفات إنسان مجتمع المعلومات بأنه:
1-متفرد وغير نمطي. من الطبيعي أن تدفق المعلومات سوف يؤدي إلى تباين وتنوع في الأفكار الناتجة من الأفراد، وهذا بدوره يساعد في التخلص من النمطية المخلة.
2-ممارس للتفكير الناقد. يتطلب عصر الانهيال المعرفي والضخ الفضائي، فرد يعيد النظر في ما يقرأ، أو يسمع، أو يشاهد.
3-قادر على التعليم الدائم والذاتي والشامل. من المتوقع أن يصاحب النمو المعرفي الهائل للأفراد؛ تغير واسع في شبكة المهن، وهذا يعني أنه من المستحيل أن تتوقف معارف الفرد عند عمر معين، بل يجب عليه الاستمرار في التعلم وبرغبة حتى يضمن الاستمرار في مهنة.
4-مبدع ومبتكر.
5-إيجابي ومتعاون.
وتشير دراسة مستقبلية أخرى؛ إلى أن القرن الحادي والعشرين يتميز بصناعات المقدرة العقلية، وقد وصفت بأنها تشمل دراسات البرمجة والإلكترونيات، وعلوم الحاسب، وعلوم الطيران، وكما يلاحظ فإن جميع الحقول السابقة تعتمد على العقل البشري كمادة خام رئيسة منفذة ومطورة لهذه الصناعات وإذا كانت رسالة التربية في أن نعد أبناؤنا لزمن غير زماننا؛ فإن الواجب التربوي يفرض علينا مربين، وإداريين أن نوجه اهتمامنا نحو تنمية مهارات التفكير عموما لدى الناشئة، وخاصة العمليات العقلية العليا منها. وفي دراسة مستقبلية قدمت في ندوة استشراف العمل التربوي في دول الخليج، بعنوان الاتجاهات المجتمعية العامة ذات الصلة بالتربية والتعليم؛ أشارت بأن "التربية الحقيقية هي التي تغوص في أعماق الإنسان لتكشف طاقاته فتغذيها وتنميها إلى أقصى حدود الإنماء، آفاقها تتعدى العلاقة بين المعلم والطالب، وحدودها تتخطى الروابط بين الآباء والأبناء، إنها تمثل المواطنة بكل ما في هذه الكلمة من معان"
كيف السبيل:
الذي يهمنا من الدراسات السابقة هو أن مدرسة المستقبل يجب أن تركز جهودها على:
أولا : العمل على تنمية رغبة الطلاب في التعليم، وزيادة دافعيتهم للعمل من أجل التعلم، فمن السهل أن تقود الحصان إلى الماء ولكن ليس من السهل أن تجبره على الشرب.
ثانيا : تركيز المعلمين على تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب من خلال المحتوى المعرفي ( المقررات الدراسية )، وهذا يتطلب أن نغير نظرتنا إلى المقرر من أنه هدف يجب على الطلاب أن يتجرعوا جميع محتوياته، إلى أنه وسيلة لتنمية قدرات التلاميذ على التفكير الإيجابي والمنتج، فتزداد ثقتهم بأفكارهم، وتتحسن صورهم عن أنفسهم، فتزداد دافعيتهم للتعلم.
وعلى الرغم من أن التوجه إلى تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب، توجه تربوي عالمي، إلا أن الدين الإسلامي كانت له الريادة في حث العقل على التفكر والتدبر والتبصر في آيات الله، بل أن الخالق سبحانه وتعالى وصف أولئك المتفكرين والمكتشفين لعظمته وبديع صنعه بأولي الألباب، ومن هذه القاعدة، يمكن القول أن تنمية مهارات التفكير لدى الطلاب من خلال التفكر في آيات الله؛ واجب ديني مفروض علينا الاهتمام بتحقيقه ( مجال وجداني ) أضف إلى ذلك، أن غاية التعليم في دول الخليج؛ تركز على رعاية العقيدة الإسلامية في نفوس الناشئة ( نفس المجال ) وإذا كان دين الإسلام دين يعتمد على إيقاظ الفكر في آيات الله للتدبر والتفكر (طريق المعرفة )؛ فإن هذا يجعل العمل على تنمية مهارات التفكير في خلق الله لدى الطلاب ضرورة تربوية، تفرضها المسلمة المتفق عليها أننا لا يمكن أن نفكر بدون معرفة.
و فطن علماء التربية من الغرب لأهمية الوجدان كمدخل مهم لتحسين وتنمية الرغبة في التعلم، فيشير رينيه أوبير، في كتابه التربية العامة أن هناك مبدأ ناظم للتفكير ( مدخل التعلم )، ذلك هو الإنسان وعلاقته بالكون، وبلوم في تصنيف الغايات التربوية يقدم تحليلا مفصلا عن أهمية الوجدان في التعلم؛ فيشير إلى أن الفصل بين المشاعر والأحاسيس من جهة والمعارف من جهة أخرى أمر غير ممكن من حيث الواقع، لأن المعارف التي يمتلكها الفرد تجاه شيء ما أو تجاه أمر ما هي التي تحدد اتجاهاته وميوله لذلك الشيء، وبالمقابل فإن ميوله واتجاهاته الإيجابية لذلك الأمر تزيد من رغبته لمعرفة المزيد عنه !! . وقدم أيضا تصنيف للأهداف السلوكية الوجدانية معتبرا أن مدى تحققها لدى المتعلمين مؤشر هام للحكم على نجاح العمل التربوي، كما يعتقد كثيرا من علماء النفس التربوي أن الإنسان يتعلم ما يرغب بسهولة، بغض النظر عن مدى صعوبة أو سهولة ما يتعلمه. وهذه المسلمات تدفع بنا إلى الاعتقاد بأن الجهود يجب أن تتركز على جعل المدرسة " كل المدارس " مكانا مشوقا، يأتي إليها الناشئة بحماس ورغبة، يجدوا فيها ذاتهم، ويكتشفوا مواهبهم؛ ويمارسوا الأنشطة التربوية التي تنمي القيم الاجتماعية لديهم، فتشحذ عقولهم بمعارف تنظم تفكيرهم وتساعدهم على ابتكار الجديد .
أهمية نظام التدريس:
أشار جروم برونر في كتابه العملية التعليمية إلى أن الذي يتأثر بطرائق التدريس التي ينتهجها المعلم هم الطلبة متوسطي ومنخفضي الأداء ( بطيئي التعلم )، كما أنه من الثابت أن الدافعية للتعلم تنخفض عند نفس الفئة من الطلاب؛ وهذا يدل على أن الدافعية للتعلم تتأثر بدون شك بأساليب التدريس التي يتبعها المعلم. وقد عرف برونر التدريس الجيد من هذا المنطلق، بأنه ذلك النوع من التدريس الذي يرفع الحد الأدنى من مستوى الطلاب؛ أو كما وصفه رياضيا بأنه التدريس الذي يحقق 70% من الأهداف عند 70% من الطلاب في 70% من الوقت.
والعمليات والمواقف التعليمية تمثل أدوات لمهنة التدريس، بمعنى أن جملة التداخلات ( مثيرات واستجابات ) التي تحدث بين المعلم وطلابه سواء داخل الصف أو خارجه، تمثل الوسائط التي تتحول بها المفاهيم المجردة إلى مدركات حسية، فحب الوطن، والمثابرة، والتفاني؛ مفاهيم مجردة يمكن أن تتحول إلى مدركات حسية، كما هي الرغبة في تعلم المزيد؛ يتعلمها الطلاب بملاحظة معلميهم أثناء المواقف المدرسية، فيتمثلونها أثناء عملهم للتعلم، فيقبلوا على الأنشطة التعليمية برغبة تدفعهم إلى مزيد من المعرفة المرتبطة بالتفكير ( التعلم بالملاحظة ـ المنهج المخفي ) وهنا تتكون الاتجاهات الإيجابية للتعلم. فنظام التدريس أحد أكثر الأنظمة التربوية الفرعية التي تؤثر في سلوك الطالب وتشكله، ففي دراسة نشرت في مجلة القيادة التربوية، بعنوان التدريس للسلوك الذكي؛ أشار الكاتب إلى أن دور المعلم في تنمية تفكير الطلاب لا يظهر إلا من خلال الأسئلة الصفية التي يلقيها أثناء أنشطة عرض الدرس.
حل المشكلة:
يبدو أن تشكيل إنسان عصر المعلومات، وعصر صناعات المقدرة العقلية يعتمد أساسا على عدد من المتغيرات؛ المقررات، البيئة، تنوع مصادر التعلم، وغيرها؛ إلا أن المنفذ لذلك كله هو المعلم، والمًشكل لسلوك الطالب هو طرائق التدريس التي يتبناها فهي التي تنمي الرغبة في التعلم أو توقفها؛ فالأولوية في التطوير تكون لطرائق التدريس بطريقة تلبي احتياجات الفترة القادمة والتي تنحصر بعد تعميق الإيمان بالله سبحانه وتعالى في الأهداف التالية:
-
تنمية الرغبة في العمل للتعلم ( التعلم الذاتي ).
تنمية قدرة الطلاب على التفكير ( تنمية مهارات التفكير الإبداعي ).
تنمية مهارات الاتصال لدى الطلاب ( أدوات التفكير ).
تنمية مهارات القيادة ( المبادرة ).
تنمية الرغبة في العمل الجماعي ( روح الفريق _ الانتماء ).
زيادة الوعي بأهمية الوقت ( الفرق بين التبعية والتحكم ). -
تطوير مناخ صفي يحقق مبدأ الفعالية ( المناخ الاجتماعي الانفعالي).
قد يبدو للوهلة الأولى أنه من الصعب إيجاد طريقة تدريس تحقق جميع الأهداف السابقة من خلال المحتوى المعرفي الذي يقوم المعلم بتدريسه، إلا أن الممارسة الفعلية لبعض أساليب تنمية مهارات التفكير الإبداعي والوافدة إلى حقل التربية من سوق العمل؛ أثبتت جدواها في تحقيق تلك الأهداف، فعلى سبيل المثال؛ خطوات العصف الذهني أحد الوسائل التي انتقلت من مجال التسويق إلى قاعة الدراسة وساهمت في زيادة رغبة الطلاب في التعلم، كما ساهمت في تحسين صورة الطالب عن نفسه، إضافة إلى أنها وسيلة لتنمية مهارات التفكير الإبداعي.
أشار الدكتور جروان في كتابه الموهبة والتفوق والإبداع إلى أنه يصعب حصر التعريفات التي وردت في الإبداع، وما يهمنا هنا هو الإبداع من منظور تربوي كما أورده د. جروان عن تورنس بأنه التعليم الإبداعي وهو:
عملية تساعد المتعلم إلى أن يصبح أكثر حساسية للمشكلات وجوانب النقص والثغرات في المعرفة أو المعلومات واختلال الانسجام وتحديد مواطن الصعوبة وما شابه ذلك، والبحث عن حلول، والتنبؤ، وصياغة فرضيات واختبارها، وإعادة صياغتها، أو تعديلها من أجل التوصل إلى نتائج جديدة ينقلها المتعلم للآخرين. أما الإبداع من منظور شخصي، كما أشار المرجع السابق فهو:
الإبداع سمات استعدادية تضم طلاقة التفكير ومرونته والأصالة والحساسية للمشكلات، وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات. وهي قدرات يمكن تدريب الطلاب عليها خلال المواقف والأنشطة الصفية
أهمية تنمية مهارات التفكير الإبداعي:
تمثل تنمية قدرة الطلاب على التفكير الإيجابي أهم أهداف التربية عموما بل إن البعض يرى أن تنمية قدرة الطلاب على التفكير بطريقة تعينهم على التغلب على مشاكل الحياة التي تواجههم تمثل الغاية النهائية للتربية. وينظر علماء النفس إلى أن كل فرد مبدع، أو له قابلية للإبداع إذا هيئت له الظروف المناسبة لهذه العملية ( كاج& بيرلاينر )، وقد تظهر الفروق بين الأفراد في درجة الإبداع، فالاختلاف بين الأفراد في الإبداع كميا. والإبداع كما يشرحه دي بونو في كتاب التفكير الإبداعي؛ بأنه طريقة العلم حيث دائما تبحث عن معلومات جديدة أو تطبيقات جديدة لمعلومات متوفرة، ومن وجهة النظر هذه؛ فإن العمل على تنمية مهارات التفكير الإبداعي تمثل طريقة التدريس المناسبة، اعتمادا على القاعدة التي تنص على أن طريقة التدريس يجب أن تكون تواءم لطريقة بناء المعرفة الإنسانية، وطريقة بناء المعرفة الإنسانية كما أشار دي بونو هو الإبداع، وعلى طرائق التدريس أن تتواءم مع هذا البناء وتركز على تنمية مهارات التفكير الإبداعي.
مهارات التفكير الإبداعي:
أورد د. جروان في كتاب تعليم التفكير مفاهيم وتطبيقات، ثلاث مستويات للتفكير، المستوى الثالث منها عبارة عن مهارات يمكن تنميتها ورعايتها لدى الأفراد وهي:
qمهارات تصنيف بلوم.
qمهارات التفكير الاستدلالي.
qمهارات التفكير الناقد.
qمهارات التفكير الإبداعي.
qمهارات التفكير الفوق معرفي.
ويعّرف التفكير الإبداعي بأنه نشاط عقلي مركب وهادف توجهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة من قبل، ويتميز بالشمولية والتعقيد. ويتكون من مجموعة من المهارات وهي:
vالطلاقةFluency وهي القدرة على توليد عدد كبير من البدائل أو المترادفات أو الأفكار أو الاستعمالات بسرعة وسهولة عند الاستجابة لمثير معين. وللطلاقة صور متعددة، فقد تكون طلاقة لفظية، أو طلاقة أشكال أو طلاقة معاني ( فكرية )، وللطلاقة اللفظية أهمية خاصة عند دي بونو، فقد اعتبرها في كتاب تعليم التفكير أحد أهم أدوات التفكير؛ حيث أشار إلى أن الطلاقة والقدرة على التعبير المرادف تعتبر أهم أدوات التفكير، ولجلسات العصف الفكري أو الذهني دور في إكساب الطلاب هذه المهارة.
vالمرونة Flexibility يهتم التفكير الإبداعي بكسر الجمود الذهني الذي يحيط بالأفكار القديمة، وهذا بدوره يقود إلى تغير الاتجاهات والميول، حيث يتم تعديل السلوك، كما أشار الأثر إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والعقل البشري كما وصفه دى بونو بأنه بيئة صالحة تسمح للمعلومات أن تتشكل في أنماط مختلفة.
vالأصالة Originality تعتبر هذه المهارة أكثر المهارات ارتباطا بالتفكير الإبداعي، وجوهر الأصالة كما يشير كينث هوفر في كتاب دليل طرائق التدريس في المرحلة الثانوية؛ في القدرة على إنتاج أفكار غير مألوفة، وتعرّف في موقف ما؛ بأنها استجابة غير متوقعة وغير مألوفة. وتنتج مثل هذه الاستجابات نتيجة قدرة العقل على صنع روابط بعيدة وغير مباشرة بين المعارف الموجودة في النظام الإداركي. وقد تندرج مهارة الاستقلال تحت الأصالة إذا نظرنا إلى التفرد كمعيار للأصالة وهذا التفرد أو مخالفة الآخرين ناتج من القدرة الأعظم على الإدراك ورؤية المواقف من زوايا مختلفة، وعليه فإن الحساسية للمشكلات يمكن إدراجها تحت الأصالة أيضا.
vالإفاضة Elaboration وهي القدرة على إضافة حلول أو أفكار متنوعة حول مشكلة محددة أو موقف معين. وهذه المهارة تنمى بتدريب الطلاب على إبقاء المشكلة في أذهانهم حتى بعد أن يتوصلوا إلى حلول، ويظهر أن لخاصية المثابرة التي أشار إليها هوفر ينتج عنها الإفاضة.
العصف الذهني:Brian Storming
يعرّف كينث هوفر في المرجع السابق، العصف الذهني بأنه مجموعة من الإجراءات تعني استخدام العقل في دراسة مشكلة وتقديم كل الحلول الممكنة حولها، بجمع كل الأفكار حول هذه المشكلة. ويعرّفه حسين محمد حسنين في كتاب أساليب العصف الذهني، بأنه استجابات وردود أفعال لفظية ( من كلمة أو عدة كلمات )، أو غير لفظية ( كالرسم، أو الكتابة، أو الحركة ) من شخص واحد أو عدة أشخاص ( طلاب، أو متدربين ) لمثيرات مقدمة من مصدر مثير ( معلم، أو مدرب ) لتحقيق هدف أو أكثر ( حل مشكلة، أو تقديم إقتراحات، أو إعداد جدول أعمال ). وتعتمد خطوات العصف الذهني على فلسفة أوردها حسنين ( مرجع سابق ) في نقاط كالتالي:
üالناس هم الأساس.
üالجميع مسؤول.
üالجميع لديه شيء ما.
üالحلول موجودة لدينا.
üنستطيع أن نعمل ذلك.
üالاعتماد على الذات.
üحلول مشاكلنا يجب أن تبدأ منا.
üالوقت هو المال.
üالجميع له حق المشاركة.
üالناس ليست طبولا جوفاء وأقرب إلى الأرض.
كما أشار أيضا إلى أن بعض أسباب استخدام العصف هو:
§التمرس على التفكير بسرعة.
§تنمية مهارات التفكير الإبداعي.
§لتوليد الأفكار.
§لكسر الجمود.
§للإحاطة الشمولية.
§لضمان مشاركة الجميع.
§لإيجاد بدائل.
§للتهيئة الذهنية.
§لشد الانتباه.
§لتحدي العقول.
§لحل المشكلات:
ومن الملاحظ أن دواعي استخدام أساليب العصف هذه تتوافق مع أهداف التدريس المشار إليها سلفا لإيجاد إنسان عصر المعلومات، والمؤهل لخوض غمار صناعات المقدرة العقلية.
المبادئ المطبقة في جلسات العصف الذهني:
يشير كينث هوفر ( مرجع سابق ) إلى أن الإبداع عملية مفرّدة، ولكن يمكن تسريعه وتشجيعه، ومن الوسائل المتبعة في تسريع مهاراته؛ عمليات اقتراح الحلول والأفكار التي تحدث في جلسات العمل الجماعي ولكن هناك مبادئ يجب مراعاتها عند تطبيق هذه الجلسات ( د. جروان مرجع سابق ) وهي:
oتأجيل الحكم على أي فكرة مطروحة أثناء المرحلة الأولى من عملية العصف.
oالكمية تولد النوعية؛ فمزيد من الأفكار المعتادة يولد نوعية جيدة من الأفكار التطبيقية أو الإيجابية.
القواعد المتبعة في جلسات العصف:
إن أهم ما يميز أساليب العصف، أنها قائمة على العمل الجماعي وهذا يتطلب تهيئة المجموعة "الزمرة"، وخاصة في الجلسات الأولى من العصف، وهناك أربع قواعد يجب مراعاتها (د. جروان ) وهي:
1)لا يجوز انتقاد الأفكار من أي عضو مهما بدت سخيفة وتافهة.
2)التشجيع على إعطاء أكبر قدر ممكن من الأفكار.
3)التركيز على الكم بالتحفيز على زيادته.
4)الأفكار المطروحة ملك للجميع، بمعنى أنه يمكن اشتقاق أو تركيب فكرة أو حل من فكرة مطروحة سابقا.
الخطوات المتبعة لتطبيق جلسات العصف.
يشير دي بونو إلى أن قدرة الفرد على تكوين روابط بعيدة وغير مباشرة بين المعارف المتوفرة " التفكير الإبداعي " ليس نظاما سحريا للعقل، بل يمكن أن يتدرب المرء على استخدام التفكير الإبداعي بطريقة عملية ومدروسة، ولكي تكون جلسات العصف الفكري ناجحة عموما يجب مراعاة الخطوات التالية:
أ.تحديد المشكلة. Identifying The Problem مما لا شك فيه أن وضوح المشكلة عند الزمرة من أهم عوامل نجاح جلسة العصف، وعلى المعلم أن يختار مشكلة نوعية محددة لا مشكلة عامة، فعلى سبيل المثال؛ كيف أكتب مقالا؟ يمثل مشكلة عامة وواسعة جدا، ويمكن تضيقها، باقتراح عدد من المشاكل الأقل على هيئة أسئلة، مثلا؛ كيف أحسن كتابتي؟ كيف أثير اهتمام القارئ ؟ أو كيف أبرز الأفكار الرئيسة في كتابتي؟ ومن المفيد أن تطرح المشكلة على هيئة أسئلة محددة وواضحة، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسئلة التي تبدأ بأدوات الاستفهام ماذا؟، لماذا؟، أين؟، كيف؟ مفيدة جدا في حث الطلاب على اقتراح الأفكار. ومن العوامل التي تزيد من فعالية الجلسة بعد تحديد المشكلة، تهيئة الزمرة للجلسة بتوضيح القواعد المتبعة، وأن يراعى في كل زمرة أو مجموعة التكافؤ من حيث الفروق الفردية، وأن تنوع قيادة الجلسة بتغير الرئيس من جلسة إلى أخرى، كما يجب أن ينبه قائد الجلسة إلى الترحيب بدمج الأفكار، والترحيب بالأفكار الجريئة والغريبة.
ب.استخدام الأفكار اللاقحة Afterthought من الخصائص الأساسية للفكر الإبداعي مرحلة لا تتطلب أي مجهود يذكر تسمى مرحلة الحضانة؛ وهي فترة زمنية قد تطول وقد تقصر، يقوم فيها اللاشعور بتكوين الروابط البعيدة والغير مباشرة بين المعارف المتاحة في العقل، وتليها مرحلة الإشراقة ( Illumination ) وهي ما نعبر عنها بالفكرة الإبداعية. ولكي يمر الطلاب بمثل هذه الخبرات على المعلم أن يقوم ببعض الإجراءات عند نهاية الجلسة، مثل؛ التأكد من عدد الأفكار التي تم جمعها، وتصنيفها إلى فئات، والطلب من الطلاب إبقاء المشكلة في أذهانهم بحثا عن حل جديد ( واجب إلى الجلسة المقبلة ).
ج.معالجة الأفكارProcessing Ideas في هذه الخطوة يتم جمع الأفكار بما فيها اللاقحة، ثم يعاد تصنيفها وإعادة صياغتها بأسلوب جديد ( لجنة صياغة من الطلاب ) وفق معايير محددة تبلغ للطلاب، مثل؛ مراعاة الإيجاز في صياغة الفكرة، واحتواءها على عنصري الجدة والغرابة، وأن تكون مقبولة ومعقولة.
د.تنفيذ الأفكارImplementing Ideas يعتمد مدى تنفيذ الأفكار الناتجة من جلسة العصف على الهدف من الجلسة فعلى سبيل المثال؛ عندما يكون الهدف من الجلسة الاهتداء إلى أفكار جديدة ومبتكرة لتحسين البيئة التعليمية، يمكن وضع خطة للتنفيذ بعد جمع ومعالجة الأفكار وذلك بتقسيم طلاب الفصل إلى مجموعات تتولى كل مجموعة تنفيذ فكرة معينة. ويبدو أن للأفكار الناتجة من جلسات العصف دور في تبنى الأفراد بعض السلوكات المرغوبة في مجال العلاقات الإنسانية، فكيف يضبط الإنسان نفسه ويحافظ على هدوءه عند الغضب؟ سؤال يمكن أن ينتج أفكارا مهمة ليتبنها جميع الأعضاء.
فوائد تطبيق جلسات العصف.
يعتبر هذا الأسلوب مفيد تربويا في التالي:
1.يمكن لهذا الأسلوب أن يفتح المجال أمام الجهد الجماعي الخلاق.
2.يولد الحماسة للتعلم، فبواسطة السيطرة على الخيال يتقدم معظم الطلاب بسرعة.
3.ينمي مهارات الاتصال لدى الطلاب.
4.ينمي مهارات القيادة لدى الطلاب.
5.ينمي الوعي بأهمية الوقت.
6.يساعد المعلم على إدارة الصف.
معوقات تطبيق جلسات العصف:
يبدو أن كثيرا من معوقات التطبيق تزول عندما تكون هناك قناعة لدى المعلمين ورغبة في تغيير أنماط تفكيرهم، وإعادة تنظيم المفاهيم التربوية الحديثة بما يساعد على النمو الشامل للفرد في الأبعاد المختلفة للخبرة. والواقع أن هناك عائقا رئيسا يتمثل في عدم خبرة المعلمين في ترجمة وربط محتوى المقرر الدراسي بمشكلات حياتية تثير اهتمام الطلاب لتوليد الأفكار وابتكار الحلول، ولكن الممارسة الواعية والجادة تجسر الفجوة الواقعة بين التنظير والتطبيق.
خاتمة:
يعرف العلم بأنه نشاط إنساني يتطلب مهارة عقلية، وقد حث الدين الإسلامي على استخدام العقل للتفكر والتدبر في آيات الله، وهو في الواقع أمر للمؤمن بأن يتعلم ذلك لأنه لا يمكن أن نفكر بدون معرفة. وتهدف عملية التفكير عموما إلى جمع المعلومات والربط بينها لتوليد معارف جديدة أو تكوين أنماط تفكير جديدة، وهذه القدرة التي أودعها الله في العقل ( توليد المعارف الجديدة، أو تكوين أنماط التفكير الجديدة ) قد يعاق نموها إذا استخدمنا أساليب تدريس تعتبر العقل آلة لحفظ المعلومات فقط أو لحفظ أنماط سائدة من التفكير.
إن تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى الطلاب؛ هي في الواقع تدريب للفرد على ابتكار أنماط تفكير جديدة، بتنظيم أو إعادة تنظيم المعارف، كما أن تنمية هذه المهارات يساهم في زيادة وعي الفرد بقدراته، ويكسبه ثقة في نفسه تعينه على التغلب على مشاكل الحياة في المستقبل، وهذا يمثل غاية التربية.
والعصف الذهني من أساليب سوق العمل المستخدمة في إنتاج أفكار تساهم في التغلب على مشاكل التسويق، ونظرا لأثاره الإيجابية في تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى المشاركين، فقد حظي باهتمام بالغ في الحقل التربوي، وأصبح من أساليب التدريس التي تعمل على نمو مهارات التفكير الإبداعي لدى الطلاب؛ وهو عبارة عن مجموعة متناسقة من الإجراءات الصفية التي يخططها وينفذها المعلم مع الطلاب لتعمل على تشكيل شخصية إنسان عصر المعلومات.
ومن المناسب أن يتعاون كل من المعلم والمشرف لتخطيط دروس تنفذ على هيئة جلسات عصف ذهني، لمواضيع مختارة من المقررات الدراسية، ورصد أثرها على زيادة رغبة الطلاب في التعلم، وزيادة تحصيلهم الدراسي.