التصنيفات
منوعات

الاجازة الصيفية با ترى بماذا ستقضى؟؟؟؟

" بسم الله الرحمن الرحيم "

الإجازة الصيفية، يا ترى بماذا ستُقضى؟؟ لابن عثيمين رحمه الله

الخطبة الأولى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة،
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في زمرته يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعرفوا قدر الأوقات التي هي خزائن أعمالكم،
بادروها بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان وانصرام الزمان،
إن كل يوم، بل كل ساعة، بل كل دقيقة،بل كل لحظة
تمر بكم فلن ترجع إليكم، وإن كل يوم وساعة ودقيقة ولحظة تمر بكم
فإنها قصر في أعماركم ودنو لآجالكم، فانتبهوا عباد الله لهذه الحقيقة،
فما هي إلا سويعات ولحظات، ثم إذا بكم قد حلَّ بكم المنون وندمتم
على ما فرطتم من الأعمال الصالحة في الأوقات التي يمكنكم أن تعملوا بها صالحاً، إ
ن هذه الحقيقة يغفل عنها كثيرٌ من الناس فانتبهوا لها.
أيها الناس، إن المعلمين منا والمتعلمين يستقبلون في هذه الأيام إجازة السنة الدراسية والإجازة الصيفية،
فيا ترى بماذا ستُقضى هذه الإجازة؟
إن من الناس من يقضيها في بلده لا يغادرها في رحلات ولا أسفار،
ولكن يتفرغ لأعماله الخاصة، وإني أوجه الخطاب لهؤلاء أن يحرصوا على أن تكون إجازتهم إجازة عمل بنَّاء،
إجازة عمل نافع، إجازة تحصيل للمصالح الدنيوية
إما في مراجعة علوم يودون التخصص فيها،
وإما في اجتماع على درس ثقافة عامة،
وإما في الحضور إلى المكتبات للاستزادة من العلم،
وإما في اشتغال بمصالح دنيوية مع أوليائهم في حراثة أو تجارة أو غير ذلك،
وإن من الناس من يقضي الإجازة بالسفر إلى مكة والمدينة ونِعم السفر هذا،
يذهبون إلى مكة والمدينة للعمرة والصلاة في المسجد الحرام والصلاة في المسجد النبوي،
وزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بعد الصلاة في المسجد هذا من أفضل الأعمال،
فإن النفقة فيه مخلوفة، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والصلاة في المسجد الحرام؛
المسجد الذي فيه الكعبة أفضل من مائة ألف صلاة، وإنما يختص هذا الفضل
في المسجد الذي فيه الكعبة دون غيره من مساجد مكة وبقاعها؛
لأن الله – تبارك وتعالى – قال:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ [الإسراء: 1]،
وقد أُسرى بالنبي – صلى الله عليه وسلم – من الحِّجر؛ الذي هو جزء من الكعبة،
وفي صحيح مسلم عن ميمونة زوج النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم
– أنها سمعت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقول عن المسجد النبوي:
"الصَّلاَةُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ"(1)،
ومن المعلوم أن مسجد الكعبة هو البناية المحيطة بها،
أي: المسجد الذي يسميه الناس الحرم،
أما مساجد مكة وجميع ما كان داخل أميال مكة
فإنه لا شك أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الحل؛
ولهذا لما نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – الحديبية
وبعضها حل وبعضها حرم كان نازلاً في الحِل ولكنه عند الصلاة يدخل إلى الحرم،
أي: إلى داخل حدود الحرم، إنني أوجه الخطاب إلى هؤلاء الذين يتوجهون إلى مكة والمدينة
أن يخلصوا النية لله عز وجل، وأن يحرصوا على تطبيق سُنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -،
وأن يتبعوا هَدْيَه، فإن العبادة لن تكون صحيحة ولن تكون مقبولة حتى تُبنى على هذين الأساسين:
الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
فليحرصوا على الصلاة في أوقاتها، يصلونها قصراً من حين الخروج من بلدهم إلى أن يرجعوا إليه
ولو طالت المدة إلا أن يُصلوا خلف إمام يُتِم الصلاة،
فإنه يلزمهم الإتمام تبعاً لإمامهم، سواء أدركوا الصلاة معه من أولها أم من أثنائها؛
لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"(2)،
وإذا كانوا في البلد الذي سافروا إليه لزمهم الحضور إن كانوا من أهل الجماعة وإن كانوا مسافرين،
أما إذا فاتتهم الصلاة فإنهم يصلون قصراً أي:ركعتين في الرباعية الظهر والعصر والعشاء،
سواء طالت مدة إقامتهم في هذا البلد أو قصرت؛
لأن نبينا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لم يحد للناس حداً فيقول لهم:
إن أقمتم كذا وكذا فاقصروا، وإن زدتم كذا وكذا فأتموا، لم يرد عنه ذلك في حديث صحيح ولا ضعيف،
وإنما أقام النبي – صلى الله عليه وسلم – إقاماتٍ مختلفة كلها يقصر فيها الصلاة،
أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة،
وأقام فيها عام حجة الوداع وهي آخر سفرة له عشرة أيام يقصر الصلاة أربعة أيام قبل الخروج إلى منى
والباقي قبل أن يرجع إلى المدينة، أما الجمع للمسافر فإن كان سائراً فهو أفضل من تركه أي إذا كان يمشي
فالأفضل أن يجمع، فيجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء،
إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له، والأيسر له هو الأفضل،
سواء كان جمع تقديم أم جمع تأخير، أما إن كان نازلاً فَتَركُ الجمع أفضل وإن جمع فلا بأس،
وإذا وصل إلى الميقات أو حاذاه في الطائرة فليُحرم بأن ينوي الدخول في النسك،
والأفضل أن يغتسل الإنسان في الميقات وإن اغتسل في بيته قبل أن يركب سيارته أو الطيارة
فإن ذلك كاف إن شاء الله؛ لقِصَرِ المسافة بل لقِصَرِ المدة بين خروجه من بلده ووصوله إلى الميقات،
فإذا وصل إلى مكة فليبادر بأداء العمرة فليطف بالبيت ويُصلي ركعتين خلف المقام
وإلا ففي أي مكان من المسجد ثم يسعى بين الصفا والمروة يبدأ بالصفا ويختم بالمروة،
ومن المعلوم أن الطواف والسعي كل واحدٍ منهما سبع أشواط وبعد السعي يُقصر أو يحلق رأسه
ويكون التقصير شاملاً لجميع الرأس لا لجهة واحدة منه، ثم إذا كان الإنسان من نيته
أن يخرج من مكة من حين انقضاء العمرة كفاه الطواف الأول عن طواف الوداع،
وإن مكث في مكة بعد انتهاء العمرة ولو يسيراً فلا يخرجن حتى يطوف للوداع؛
لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لاَ ينصرف أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ"(3)،
وقد سَمَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – العمرة حجاً أصغر،
وإذا كانت المرأة حائضاً عند الوصول إلى الميقات فإن كانت تظن أنها تطهر قبل خروجهم من مكة فإنها تغتسل وتُحرم
ولكن لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر وتبقى على إحرامها حتى تطوف بالبيت وتسعى وتُقَصِر،
ومعنى قولنا: تبقى على إحرامها؛ أنها تتجنب جميع محظورات الإحرام، أما الثياب فلها أن تُغيرها وتلبس غيرها،
وأما إذا كانت لا تظن أنها تطهر قبل خروجها من مكة فإنها لا تحُرِم،
ولكن إن قُدِّر أنهم تأخروا في مكة وطهرت قبل خروجهم منها وأحبت أن تأتي بعمرة من التنعيم فلا بأس،
أما المدينة النبوية مهاجر رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –
وموضع دفنه وبعثه صلى الله عليه وسلم،
ففيها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها قبره وقبر أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما –
والثلاثة كلها في مكان واحد حجرة أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -،
وفيها البقيع، وفيها قبور الشهداء في أحد
ومن بينهم أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب
عم رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – رضي الله عنهم – أجمعين،
وفيها المسجد الذي أُسس على التقوى:
مسجد قباء الذي كان النبي – صلى الله عليه وسلم -يأتيه كل يوم سبت ماشياً وراكباً،
فهذه خمسة مواضع في المدينة يُؤتى إليها وما سواها فلا أصل لزيارته،
لا المساجد السبعة التي يزعمون، ولا مسجد القبلتين، ولا غير ذلك، كل هذا لا أصل لزيارته،
فهذان صنفان من الناس في قضاء الإجازة
الصنف الأول: من يبقى في بلده،
والثاني: من يُسافر إلى الأماكن المعظمة مكة والمدينة،
أما الصنف الثالث: فمن يُسافر لغرض شرعي؛ كزيارة قريب يصل بها رحمه، وكالسفر لطلب العلم،
وكالسفر لعيادة مريض، أو إصلاحٍ بين الناس، أو موعظة الناس وتبصيرهم بدينهم في القرى والبوادي،
ولا يخفى ما في صلة الرحم من الثواب العظيم، فمن وصل رحمه وصله الله – عز وجل -،
ولا يخفى ما في السفر لطلب العلم، فإن "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"،
أما الصنف الرابع: فهو من يسافر للترفه بما أنعم الله به عليه في الرحلات
وهذا نوعان،
النوع الأول: من يُسافر إلى داخل البلاد في المناطق الريفية
ولا سيما في جنوب المملكة فهذا قد نفع نفسه بالترفه بما أنعم الله به، وأذن فيه،
ونفع بلاده بدفع النفقات فيها مما يقوي اقتصادها، وينفع أفرادها،
ولكن عليه أن يتقي الله بأداء الواجبات، واجتناب المحرمات،
فيصلي من تلزمه الجماعة مع الجماعة،
ويحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبعد عن سفاسف الأمور وسفاهة العقول،
أما النوع الثاني – وما أدراك ما النوع الثاني! إنه الخطر العظيم الجسيم -:
وهو من يسافر إلى خارج البلاد ولا سيما بلاد الكفر التي دمرت بالكفر، والمجون، والفجور، ومسكرات العقول،
ومفسدات القلوب، لا يُسمع فيها أذان، ولا تُقام فيها جماعة صلوات، وإنما هي نواقيس النصارى، وأبواق اليهود،
فيرجع وقد تلوث فكره بهذه الأعمال، ونقص إيمانه، وخسر ماله، وسلب عقله بما افتتن بها فيما رآه من متاع الدنيا وزهرتها،
فيكون ممن بدلوا نعمة الله كفراً، واستعانوا بما رزقهم الله من المال والصحة على معصيته،
فخسر دينه ودنياه، وهم بذلك العمل المشين قووا اقتصاد هؤلاء الأعداء، وأدخلوا عليهم الفرح والسرور؛
حيث كانت بلادهم مرادة ومصيدة لمن يفد إليهم، فليحذر العاقل اللبيب أن يكون من هذا النوع،
وليعلم أن هؤلاء المسافرين إلى بلاد الكفر وإن نعموا أبدانهم بما نالوه من الترف، فقد أتلفوا أرواحهم،
وفقدوا راحتهم بما حصل لهم من التعب الفكري والقلق النفسي إذا فقدوا هذا برجوعهم إلى أوطانهم،
وربما يكونون قد لوثوا أدمغتهم، ولا أقول قد غسلوا أدمغتهم؛ لأن الغسل تطهير،
ولكن صواب العبارة أن يقال: لوثوا أدمغتهم بما سمعوا أو شاهدوا من أفكار وأخلاق،
ولا شك أن هذا سيكون له تأثير على النشء الصغار الذين صحبوهم،
فإن الصغار لن ينسوا هذه المشاهدات والمسموعات،
فليتقِ الله أمرؤ في نفسه، وليتقِ الله في أهله، وليتقِ الله في مجتمعه
إن هذه اللوثات والقاذورات إذا رجع بها إلى بلده فسوف يؤثر على من حوله وعلى كل من يتصل به




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.