إن الله جعل لكل شيء آفة وإن آفة الذاكرة النسيان , وهو آفة من أفات العقل وضعف يعتري الإنسان فتفوت عليه بعض الأمور بسبب السهو و النسيان , ثم تعود له الذاكرة وتحضره المعلومة أو يذكره غيره بما نسي ليصحح حاله ويعود إلى تقويم وضعه , فكان النسيان حالة عابرة وليست حالة مستقرة , فالنسيان لا يقع كثيرا ومن الطبيعي أن يتكرر حصوله من الإنسان , وقد يجد الإنسان أحيانا الحرج من هذا التقطيع في نشاط الذاكرة ثم التواصل من جديد ولكنه يبدو طبيعيا إذا كان تكراره في الحدود المعقولة , وهذا العارض هو دليل على ضعف الإنسان وبشريته.
فصاحب الذاكرة القوية يملك حافظة نشطة ومتماسكة يتمكن بها من حفظ كثير من المعلومات بل تصل أحيانا إلى استيعاب المجلدات الكثيرة من الكتب وملايين المعلومات , ويستطيع استحضارها بسهولة , ويروى أن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله يحفظ ألاف الأحاديث متنا وإسنادا وغيره الكثير من الحفاظ لكتاب الله والمحدثين من أمثاله , ويروى عن الإمام البخاري القصص العجيبة في قوة الحفظ والاستذكار , ولكن مع هذا كله يتسلل شيء من السهو والنسيان إلى ذاكرة الإنسان , والفرق بين السهو والنسيان واضح وجلي حيث أن السهو هو حالة من النسيان الخفيف ينتج منه عدم التركيز بسبب انشغال الذهن في أمر أخر , فيظن أنه فعل الذي يقصده وهو في الحقيقة لم يفعله كالذي يسهو في الصلاة فإن الشيطان يشغل الإنسان عن صلاته فيذكره بأمور تصرفه عن التركيز في الصلاة فيمضي على أنه أدى الصلاة أداء كاملا وهو لم يفعل ذلك , وهناك من الشياطين من يتخصص في إشغال المصلي عن صلاته ويسمى خنزب , أما النسيان فهو على درجات فأقله السهو وأكثره عدم التذكر لبعض الأحداث التي وقعت بتاتا , وأوسطه من إذا ذكرته بالأشياء التي حدثت فربما يتذكر وأحيانا بصعوبة .
والسهو في الصلاة ( أي النسيان الخفيف ) هي حالة بشرية تعتري الناس حتى الأنبياء بسبب أنهم بشر , فقد ذكر الألباني في صحيح النسائي بسند صحيح عن عبدالله بن مسعود قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، فزاد فيها أو نقص ، فلما سلم قلنا : يا نبي الله ! هل حدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ فذكرنا له الذي فعل ، فثنى رجله فاستقبل القبلة ، فسجد سجدتي السهو ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : " لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم به . ثم قال : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فأيكم شك في صلاته شيئا فليتحر الذي يرى أنه صواب ، ثم يسلم ، ثم يسجد سجدتي السهو " .
والشيطان يعمل على أفساد روح الصلاة بتضييع الخشوع والحضور فيها فلا يزال الشيطان يشغل ذهن المصلي ويذكره بأمور من الدنيا حتى يغيب عن واقع الصلاة فلا يدري في أي ركعة هو أو كم بقي منها , ذكر البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , " إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، فإذا قضي أقبل ، فإذا ثوب بها أدبر ، فإذا قضي أقبل ، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه ، فيقول : اذكر كذا وكذا ، حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ، فإذا لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا ، سجد سجدتي السهو " , فسجود السهو هو ترغيم للشيطان فإن الله يقبل عمل المؤمن وإن تخلله سهو ونقصان فيجبره بسجود السهو وهذا من رحمة الله , ولو طلب منه الإعادة كلما سها فلن تسلم له صلاة فسيبقى في الإعادة في أكثر الفروض , ولكن الله رحيم بعباده ويعلم ضعفهم فطيب خاطرهم بسجدتين خفيفتين تجبر ما فات ولا إعادة عليه .
وأحيانا تكون الزيادة ركعة كاملة على الصلاة المفروضة فلا اعتبار بتلك الزيادة ويكفي بعد السلام أن يسجد سجود السهو , فقد ذكر مسلم في صحيحه عن عبدالله ابن مسعود أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا . فقلنا : يا رسول الله ! أزيد في الصلاة ؟ قال " وما ذاك ؟ " قالوا : صليت خمسا . قال " إنما أنا بشر مثلكم . أذكر كما تذكرون . وأنسى كما تنسون " ثم سجد سجدتي السهو .
وإذا كان الفاصل بين الصلاة المنتهية والتذكر للنقص قريب فلا بأس بأن يعود ويكبر ويأتي بالركعة الناقصة ثم يسلم ويسجد سجود السهو , فقد ذكر مسلم في صحيحه عن عمران بن حصين أنه قال : سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات ، من العصر . ثم قام فدخل الحجرة . فقام رجل بسيط اليدين . فقال : أقصرت الصلاة ؟ يا رسول الله ! فخرج مغضبا , فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم .
وأحيانا يتشكك المصلي فلا يدري أيهما فعل هل صلى ثلاثا أو أربعا فعليه أن يبني على ما ترجح عنده ثم يتم صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو , فقد ذكر الطحاوي في شرح معاني الأخبار بسند صحيح عن عبدالله ابن مسعود أنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتمه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم " .
وللناس أن يتثبتوا من صلاتهم إذا حصل شك في الصلاة فيسأل بعضهم بعضا حتى يعرفوا الخلل الذي وقع في الصلاة ثم يعودوا إلى صلاتهم ويتمون نقصهم , فقد روى ابن حجر العسقلاني في الإمتاع بسند حسن عن ذو اليدين السلمي أنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى لهم إحدى صلاتي العشي , وهو الظهر , فسلم من ركعتين ، ثم قام وأتبعه أبو بكر وعمر , وخرج سرعان الناس من المسجد , فلحقه ذو اليدين , فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال : ما نسيت ولا قصرت , ثم التفت إلى أبي بكر وعمر فقال : ماذا يقول ذو اليدين ؟ قالوا : صدق يا رسول الله ! فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين , ثم سجد سجدتي السهو .
ومن قام ناسيا عن جلوس التشهد ولم يتذكر إلا وهو قائم منتصب فلا يرجع وإن سبح الناس بل عليه إكمال صلاته ثم يسلم ويسجد للسهو , أما إذا تذكر أثناء نهوضه قبل أن يستتم قائما ورجع فليس عليه شيء في ذلك فقد ذكر الألباني في صحيح الجامع عن المغيرة بن شعبة أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , " إذا سها الإمام فاستتم قائما فعليه سجدتا السهو , وإذا لم يستتم فلا سهو عليه " .
والأصل المتابعة للأمام في الصلاة إذا ترك الجلوس للتشهد الأول واستتم قائما فعلى من خلفه النهوض ومتابعته , فقد ذكر الألباني في أصل صفة الصلاة بسند حسن صحيح عن الشعبي قال : أنه صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم وقال : هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسجود السهو هي سجدتان لا تزيد حتى لو تكرر السهو في الصلاة أكثر من مرة ذكر الألباني في صحيح الجامع بسند حسن عن عمرو وحده عن أبيه عن ثوبان مولى رسول الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم " , قال الجمهور : لو سها سهوين فأكثر كفاه سجدتان للجميع ، وبهذا قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد – رضوان الله عليهم – وجمهور التابعين .
واجبات الصلاة وهي ثمانية : جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام ، وقول سمع الله لمن حمده للإمام ، وقول : ربنا ولك الحمد ، وقول : سبحان ربي العظيم في الركوع ، وقول : سبحان ربي الأعلى في السجود ، وقول : رب اغفر لي بين السجدتين ، والتشهد الأول ، والجلوس له .
وفي المسألة خلاف كبير بين من يقدم سجود السهو قبل السلام ومنهم من يؤخره بعد السلام من الصلاة , قال الحازمي في كتاب الاعتبار : طائفة رأت السجود كله بعد السلام ، وممن روي ذلك عنه من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ، ومن التابعين الحسن وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأهل الكوفة .
وقال الشافعي – رحمه الله تعالى – : الأصل هو السجود قبل السلام ، ورد بقية الأحاديث إليه . وقال مالك – رحمه الله تعالى – : إن كان السهو زيادة سجد بعد السلام ، وإن كان نقصا فقبله .
هذا بعض ما ذكر عن سجود السهو وهو أما زيادة في الصلاة أو نقصان أو شك بين ذلك , والسهو له ارتباط بالصلاة التي هي عامود الدين , فكثير من الناس يقع في السهو ولا يعرف كيف يجبر سهوه وربما يترك سجود السهو فينقص من أجر صلاته بمقدار ما ترك من أعمال الصلاة , فعلى المسلم تعلم أمور دينه حتى يحافظ على أجر صلاته ….. والحمد لله رب العالمين .
عالموضوع المفيد