اتسم الشيخ محمد بن صالح بأخلاق رفيعة وتحلى بصفات العلماء الحميدة، فاجتهد في تقديم العلم لطلابه وتفسير ما صعب عليهم بأسلوب علمي سلس فقضى حياته في التدريس والتأليف والإفتاء، وإلقاء المحاضرات وعقد اللقاءات العلمية كما حضر العديد من المؤتمرات، وكان يجيب على أسئلة المستفسرين في الأحكام الدينية وأصول العقيدة سواء من خلال البرنامج الشهير "نور على الدرب" أو من خلال الرد على الاستفسارات الهاتفية، فهو عالم سخر جميع طاقاته وجهوده من أجل نشر العلوم الإسلامية.
ولد الشيخ محمد بن صالح في السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ، في مدينة عنيزة بالقصيم بالمملكة العربية السعودية.
كان أول شيء قام بتعلمه هو القرآن الكريم وذلك عندما بعثه والده إلى جده لأمه المعلم عبد الرحمن بن سليمان الدامغ لتلقي القرآن الكريم على يديه، ثم بدأ بعد ذلك في تعلم الكتابة والحساب وبعض النصوص الأدبية وذلك في مدرسة الأستاذ عبد العزيز بن صالح الدامغ، وفي سن الحادية عشر كان الشيخ محمد قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً في مدرسة المعلم علي بن عبد الله الشحيتان.
أقبل الشيخ محمد بعد ذلك على دراسة العلوم الشرعية فقام بدراسة عدد من العلوم الشرعية والعربية مثل التوحيد ،والفقه، والنحو على يد الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع وكان أحد الطلبة القدامى الكبار والذي أوكل إليهم الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي مهمة التدريس للطلبة المبتدئين في الجامع الكبير بعنيزة.
كان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي بالغ الأثر في حياة الشيخ محمد بن صالح باعتباره شيخه الأول حيث تلقى عنه العلم ونهل من كنوز معرفته أكثر من غيره، بالإضافة لتأثره بمنهجه وطريقة تدريسه كثيراً، فتلقى محمد بن صالح على يديه العديد من العلوم الشرعية مثل التفسير، الحديث، السيرة النبوية، التوحيد، الفقه, الأصول, الفرائض, النحو, وحفظ مختصرات المتون في هذه العلوم، بالإضافة للعلوم التي قام الشيخ محمد بتلقيها فلقد قام بالقراءة في علمي الفرائض والنحو والبلاغة.
قام بعد ذلك بالالتحاق بالمعهد العلمي في الرياض في عام 1372هـ ، ودرس به لمدة عامين، حيث تلقى العلم على يد نخبة من العلماء العظام.
ومن العلماء الذي تأثر بهم الشيخ محمد بن صالح أيضاً الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز هذا الشيخ العظيم الذي قرأ عليه من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية, كما انتفع به في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها.
عاد محمد بن صالح مرة أخرى لعنيزة حيث استمر يدرس عند معلمه الأول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وتابع دراسته منتسباً إلى كلية الشريعة والتي أصبحت جزء من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى تخرج منها ونال الشهادة العليا.
بدأ الشيخ محمد بن صالح العمل في مجال التدريس وهو ما يزال طالباً وذلك نظراً لذكائه وسرعة تحصيله العلمي فكانت البداية له كمُعلم في الجامع الكبير بعنيزة في عام 1370 هـ، ثم عند تخرجه من المعهد العلمي بالرياض عُين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة في عام 1374هـ، وعند وفاة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في عام 1376هـ، تولى الشيخ محمد بن صالح من بعده الإمامة بالجامع الكبير بعنيزة، وإمامة العيدين فيها, والتدريس في مكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع.
استمر الشيخ الجليل في التدريس للطلاب في مكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع الكبير وعندما زاد عدد الطلاب زيادة كبيرة بدأ في التدريس لهم في الجامع نفسه، ونظراً لعلمه الغزير توافد عليه الطلاب من العديد من الأماكن سواء من داخل المملكة أو من خارجها.
ظل الشيخ محمد بن صالح مدرساً في المعهد العلمي في الفترة ما بين (1374هـ – 1398هـ) أي ما يقارب الربع قرن، ثم قام بعد ذلك بالانتقال للتدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم التابعة لجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية حيث ظل يعمل كأستاذ فيها حتى وفاته.
كما قام بالتدريس أيضاً في كل من المسجد الحرام والمسجد النبوي في المواسم الدينية مثل الحج ورمضان وفي فترة الأجازات الصيفية وذلك منذ عام 1402هـ.
عرف عن الشيخ محمد اجتهاده في التدريس لطلابه الذين يفدون عليه من كل الأماكن لتلقي العلم منه والاستزادة من المعرفة في العديد من الأمور الدينية، فقضى أكثر من خمسين عاماً في نشر العلم والتدريس، فقدم دروس في الوعظ والإرشاد وقام بإلقاء المحاضرات والدعوة لله سبحانه وتعالى، وصدر له العديد من الكتب والرسائل والمحاضرات والفتاوى بالإضافة للخطب واللقاءات والمقالات.
كما صدر له تسجيلات صوتية لمحاضرات وخطب وبرامج إذاعية ودروس علمية في تفسير القرآن وشرح للحديث الشريف والسيرة النبوية والمتون والمنظومات في العلوم الشرعية والنحوية.
شغل الشيخ محمد بن صالح عضوية العديد من الهيئات نذكر منها :
هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من عام 1407هـ وحتى وفاته، المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في العامين الدراسيين 1398 – 1400هـ، مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم ورئيسًا لقسم العقيدة فيها، لجنة الخطط والمناهج للمعاهد العلمية, وقام بتأليف عددًا من الكتب المقررة بها، ولجنة التوعية في موسم الحج من عام 1392هـ وحتى وفاته حيث كان يلقي دروسًا ومحاضرات في مكة والمشاعر, ويفتي في المسائل والأحكام الشرعية.
كما قام برئاسة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة منذ تأسيسها عام 1405هـ وحتى وفاته.
بذل الشيخ محمد بن صالح الكثير من الجهد من أجل خدمة العلم والإسلام فقام بإلقاء العديد من المحاضرات سواء محاضرات عادية أو عبر الهاتف على تجمعات إسلامية في جهات مختلفة من العالم، وعمل على الرد على أسئلة السائلين حول أحكام الدين وأصوله عقيدة وشريعة، وذلك عبر البرامج الإذاعية من المملكة العربية السعودية والتي يعد من أشهرها برنامج "نور على الدرب"، عرف عن الشيخ الجليل اهتمامه بطلابه وسعيه من أجل إرشادهم للسلوك العلمي السليم وقيامه بالإجابة على أسئلتهم المختلفة.
قام الشيخ محمد بتأليف العديد من الكتب الهامة في كافة المجالات الإسلامية مثل التفسير والفقه والتوحيد والفرائض والحديث وغيرها حيث قدم للمكتبة الإسلامية ثروة من الكتب القيمة والتي يرجع إليها الكثيرين من الطلاب والباحثين والراغبين في المعرفة نذكر من هذه الكتب.
شيخ بهذه المكانة العلمية التي يتمتع بها محمد بن صالح يستحق التكريم وبالفعل تم منحه جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام وذلك في عام 1414هـ ومن الأسباب التي دفعت اللجنة لمنحه الجائزة هي تحليه بأخلاق العلماء الأفاضل والعمل لمصلحة المسلمين, والنصح لخاصتهم وعامتهم، وانتفاع الكثيرين بعلمه، وا تباعه أسلوبًا متميزًا في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, إلقاؤه للعديد من المحاضرات النافعة، ومشاركته في العديد من المؤتمرات.
توفى العالم والشيخ الجليل ابن عثميين في الخامس عشر من شهر شوال عام 1421م في مدينة جدة، وصلي عليه في المسجد الحرام ودفن بمكة المكرمة، رحم الله هذا الشيخ العالم الذي أفاد العديد من علمه وسعى دائما من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، وترك لنا تراث من كتبه ومحاضراته وتسجيلاته الصوتية لكي ننتفع بها، رحم الله رجلاً ترك لنا علم ينتفع به.