* واليهود – كشعب من الشعوب – لا يخرجون عن هذه القاعدة ، ولكنهم يختلفون عن جميع الأمم بصفة ليست في كثير من أمم الأرض ، وذلك أن نشأة اليهود مضيئة ، وتاريخهم مظلم !!
أصولهم حميدة عريقة وفروعهم خبيثة فاسدة .
* وهذه الحقيقة العجيبة تحتاج إلى تفصيل وبيان ، وذلك أن نبى الله إبراهيم – عليه السلام – قد هاجر من العراق إلى الشام ، وهاجر معه نبى الله لوط – عليه السلام – وبعد دعوة لوط – عليه السلام – قومه إلى توحيد الله وترك فاحشة إتيان الذكران ، أرسل الله ملائكته لإهلاكهم بسبب إعراضهم ، فنزلت الملائكة – ضيوفا على إبراهيم – عليه السلام – وأخبروه بخبره وبشرت الملائكة سارة زوج إبراهيم – عليه السلام – بإسحاق والقصة معروفة ، قال تعالى : {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]ويعقوب عليه السلام هو الذي سماه الله في القرآن إسرائيل ، فبنو إسرائيل هم بنو يعقوب ، وعلى هذا فكل من انتهى نسب إلى نبي الله يعقوب فهو إسرائيلي من بنى إسرائيل وهذا نسب رفيع ، وشرف عريض دمره اليهود بأيديهم ، ونسفوه بإعراضهم وضلالهم !!
* نشأ يعقوب (إسرائيل)- عليه السلام – في فلسطين ، وأخبرنا القرآن عن قصة يوسف – عليه السلام – وإخوته ، وقد استغرقت أحداثها في تقديرات أهل العلم حوالي أربعين سنة ، وانتهت بقول يوسف – عليه السلام -: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف : 93]، وانتقلت عائلة إسرائيل بكاملها إلى مصر ، وأقمت بها ، ولم يبق في فلسطين أحد منهم مع الأخذ في الاعتبار أنهم كانوا في ذلك الوقت عائلة ( أسرة كبيرة ) ، وليست شعبا ، وأما سكان فلسطين الأصليون فهم الكنعانيون .
* وفى مصر دعا يوسف – عليه السلام – المصريين إلى التوحيد ، وزاد عدد بنى إسرائيل في مصر بمرور الزمن حتى وصل في تقدير المؤرخين إلى نصف مليون ، ويلاحظ هنا أن هذه هي الهجرة الثانية من فلسطين إلى مصر ، وأما الأولى فكانت من العراق إلى فلسطين في عهد إبراهيم – عليه السلام – وقد قام الفراعنة في مصر بإذلال الإسرائيليين واستبعادهم فترة طويلة من الزمن من بعد وفاة يوسف – عليه السلام – إلى أن نجاهم الله مع موسى – عليه السلام – وقد ذاقوا في هذه الفترة صنوفا من العذاب والذل والهوان ؛ فكان الفراعنة يذبحون أبناءهم !! ويستحيون نساءهم ويستبعدون الرجال ، حتى قيل : إن الفرعوني كان يركب الإسرائيلي كالحمار !!
* وبعد بعثة موسى – عليه السلام – وقعت أحداث ومواقف تحدث عنها القرآن الكريم نعرض هنا جانباً منها لما فيه من الدلالة القوية القاطعة على ما وصل إليه اليهود من فساد وانحراف وضلال مبين
* لما هدد فرعون موسى – عليه السلام – وبنى إسرائيل بالبطش والفتك ، قال موسى لقومه :{اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128].
* فكان جوابهم يعبر عن ذلة نفوسهم ، وهزيمة أرواحهم بسبب طول الذل والاضطهاد ، قالوا {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف:129]!أي : لا أمل فيما تدعو إليه ، فقد آذانا الفراعنة من قبل ومن بعد * وافق فرعون على طلب موسى – عليه السلام – أن يرسل معهم بنى إسرائيل لما رأى الآيات ، ثم رفض ، ثم وافق ، وقال :
{يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ} [الأعراف:134].
ثم غدر فرعون فلم يف بوعده ، فأوحى الله إلى موسى وهارون – عليهما السلام – : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين}[يونس : 87].
* واستجاب بنو إسرائيل لذلك الأمر ، وبنوا مع موسى – عليه السلام – بيوتا لهم في مكان منعزل بمصر بعيدا عن الفراعنة ، وتجمعوا فيه ، وأقاموا الصلاة ، وهم يبحثون ن أى مخرج ينجيهم من فرعون وقومه !!.
* ثم أوحى الله إلى موسى – عليه السلام – : {أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُون} [الشعراء:52]، فأمره بالهجرة من مصر ومعه بنو إسرائيل، ونجا الله موسى – عليه السلام – وقومه ، وهى أحداث مشهورة معروفة ذكرها القرآن بالتفصيل والبيان .
* ومع أن نجاة بنى إسرائيل وإخراجهم من ذل العبودية والهوان يعد أعظم نعمة بعد الإيمان بالله ، إلا أن بنى إسرائيل لم يشكروا نعمة الله ، وأتوا بأمر لا ينقضي منه العجب !! فما أن نجوا ، ودخلوا أرض سيناء , ومروا بأهل قرية يعكفون على أصنام لهم ، حتى قالوا : {يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] !! فهم يكفرون بالله ، وهم مغمورون بنعمة النجاة .
* وبعد فترة يسيرة قصيرة تركهم موسى – عليه السلام – وذهب لميقات ربه يتلقى وحي الله . عند جبل الطور ، واستخلف عليهم أخاه هارون – عليه السلام – وقال له :
{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف:142].
فقام رجل إسرائيلي يقال له : السامري يجمع حلى النساء ، وصنع منها عجلا ذهبيا له خوار ، وقال لهم : {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:88] ! ودعاهم إلى عبادته فعبدوه إلا قليلا منهم ! ولما نهاهم هارون – عليه السلام – عن الشرك قالوا له : {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه:91] !! يعنى : سنظل نعبد العجل إلى أن يعود موسى من رحلته ، فإن أقرنا عبدنا ، وإن نهانا انتهينا!!.
* وعاد موسى – عليه السلام – فوجد قومه قد أشركوا فأحرق العجل وألقاه في البحر ، ووبخ السامري وعاقبه وعنف قومه ، ثم اختار موسى من قومه سبعين رجلا من خلاصة العلماء والمشايخ ، وذهب بهم إلى ميقات ربهم ليعتذروا عن شركم قومهم ، ويطلبوا التوبة لهم ، ولما وصلوا إلى جبل الطور وأظلهم الغمام ، وبدأ موسى – عليه السلام – يناجى ربه ، قالوا : {أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً} [النساء:153] !! فأخذتهم الرجفة فماتوا جميعا ، ثم دعا موسى – عليه السلام -ربه فأحياهم وعاد بهم إلى قومه ، ومعه حكم الله : {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ}[البقرة:54]!!.
* إن علماء بنى إسرائيل يشكون في صدق نبيهم فكيف بعامتهم وجهالهم !!.
* وأنزل الله التوراة على موسى – عليه السلام – فيها هدى ونور وأمر موسى – قومه أن يأخذوا التوراة قراءةً وفهماً وتطبيقاً وامتثالاً ، فأبوا وتمردوا وادعوا العجز وعدم القدرة !!فرفع الله جبل الطور فوق رءوسهم تهديدا وتخويفا ، فنظروا فإذا الجبل قد ارتفع حتى صار فوقهم في موضع السحاب ، وعند هذا فقط أذعنوا لأمر الله ، وأعطوا العهد والميثاق على التمسك بالتوراة ، قال الله عز وجل {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:63].
* وبعد فترة قصيرة من الزمن نقضوا عهدهم مع الله ، فأنزل الله عليهم اللعنة ، قال تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ} [المائدة :13]، إن هؤلاء القوم قد فسدت طباعهم أيام اضطهاد الفراعنة لهم حتى أصبحوا لا يذعنون إلا للقوة ، ولا يستجيبون للحق إلا إذا شعروا بضعف وخوف !! وهذه الحقيقة تراها ماثلة اليوم في زماننا ، بل وفى كل زمان قبلنا !!
* وإن أرض فلسطين أرض مقدسة ، وقد حاول موسى – عليه السلام – وبذل جهدا عظيما في إقناع اليهود بدخول فلسطين ، فلم يستطع ، وأصر اليهود إصراراً قوياً على عدم دخول فلسطين أو الاقتراب منها ، وهذا له أسباب ونتائج سوف تكون في حديثنا بإذن الله فقد وقف الحديث بنا عند رفض اليهود القاطع لدخول الأرض المقدسة (فلسطين) ، قال الله عز وجل : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20)يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسرين} [المائدة:20-21].
وكان المانع لليهود من دخول فلسطين التي كانت يسكنها العمالقة في ذلك الوقت هو الضعف والخوف ! فإنهم قوم جبناء ، لا تردعهم إلا القوة ، ولا يحملهم على الحق إلا السيف ، ولذلك قالوا :{يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:22] !! وحاول موسى – عليه السلام – جاهدا ، ولكن اليهود – كعادتهم دائما – تمردوا على نبيهم ، وقالوا له :{فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24].
فتوجه موسى – عليه السلام – إلى ربه قائلاً : {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:25]، والقوم الفاسقون هم بنو إسرائيل ، الذين نجاهم الله من فرعون وقومه ، وأراد أن يعزهم بطاعته فأذلوا أنفسهم بمعصيته ، فأنزل الله عليهم هذه العقوبة القاتلة ، وهى من جنس عملهم ، قال الله – عز وجل : {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:26]، وهذا يعنى أن الله حرم على اليهود دخول فلسطين لمدة أربعين سنة ، ظلوا خلالهم تائهين في صحراء سيناء لا يخرجون منها , ولا يدخلون غيرها !!.
وقبل انقضاء مدة العقوبة الربانية كان موسى وهاون – عليهما السلام – قد ماتا ، وانتقلا إلى الرفيق الأعلى ، وتولى يوشع بن نون خلافة بنى إسرائيل ، وانتهت مدة العقوبة ، فقاد قومه لقتال العمالقة حتى هزمهم وأخرجهم من فلسطين ، وامتن الله عليهم بقوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137].
وبعد فترة من الزمن عاد اليهود إلى الفسق والفجور ، والسرف والترف ، فسلط الله عليهم أهل باب ( من العراق )بقيادة بختنصر، فسلبوا ونهبوا وقتلوا وخربوا بيت المقدس ، وأحرقوا التوراة ومزقوها، وأخذوا التابوت إلى بلادهم ، وهو صندوق فيه بقايا مما ترك آل موسى وآل هارون .
واستمر احتلال الباليين لفلسطين مئات السنين ، عاش خلالها اليهود في ذل وشقاء ، وتعاسة وبلاء واضطهاد واستبعاد ، لا يقل كثيرا عما لاقاه آباؤهم على أيدى الفراعنة فى مصر !!.
وتعاقبت أجيال على هذا الاحتلال حتى نشأ جيل يرغب فى الحرية ، ويحب القتال فى سبيل الله ، وذهب هذا الملأ من بنى إسرائيل إلى نبيهم فى ذلك الوقت ، وقالوا له :
{ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [البقرة:246] يعنى عين لنا قائدا نقاتل خلفه ، ونجاهد تحت رايته ، فقال لهم نبيهم : {هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} [البقرة:246] ، يعنى : أخشى أن يكتب عليهم القتال فلا تطيقوه ولا تصبروا عليه ، وذلك لما يعلمه عن قومه بنى إسرائيل من جبن وخوف ، وهلع وضعف ! فقالوا له : {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} [البقرة:246] ، وقال لهم نبيهم : {إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة : 246] ، وبمجرد سماعهم لهذا الاسم اعترضوا اعتراضا شديدا على هذا الاختيار، مع أنهم طلبوا من نبيهم أن يختار لهم ، ثم رفضوا اختياره !! قائلين : {أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ} [البقرة:247] !!وبصعوبة بالغة استطاع نبيهم أن يقنعهم بأن كثرة المال ليست مقياساً لاختيار القيادة الراشدة كما تعتقدون، وذكر لهم ثلاثة أمور كانت وراء اختيار طالوت :
– الأول : اصطفاء الله :{أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ} [البقرة:247].
– الثانى : بسطة العلم والجسم : {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْم} [البقرة:247].
– الثالث : آيه من آيات الله (معجزة) سوف تقع أمامكم فتكون علامة ظاهرة على أن الله قد اختار طالوت ملكا عليكم، وهذه الآية هى: عودة التابوت (الصندوق) الذى اغتصبه أهل بابل ، قال تعالى : {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ} [البقرة:248].
وأخيراً وافق بنو إسرائيل على قيادة طالوت لهم ، فسار بهم إلى عدوهم ، وفى الطريق أراد أن يختبر المجاهدين ، فقال لهم : {إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249] ، والعجب أن هؤلاء المجاهدين اليهود لم يكن لديهم قدر من الإيمان والعزيمة يكفى لعبور هذا النهر بغير شرب : {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [البقرة:249] ، وهذا القليل الذى لم يشرب لم يتمالك نفسه من الخوف والرعب بمجرد أن رأى العدو ! فصاح أكثرهم : {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة:249] !! وجالوت هو قائد قوات العدو ، وبقيت فئة أقل من القليل تنادى على هؤلاء الذين هزمتهم نفوسهم قبل أن يهزمهم عدوهم : {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] ، وقبل القتال بدأت المبارزة ، فكانت نتيجتها : {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوت} [البقرة:251]وداود أحد المقاتلين من بنى إسرائيل ، وشاء الله وقدر لحكمة بالغة يعلمها أن تقوم مملكة بنى إسرائيل ، فى عهد سليمان – عليه السلام – استجابة لدعائه : {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ص:35].
فآتاه الله سلطانا وملكا عظيما امتد بين المشارق والمغارب ، ومضت فترة من الزمن بعد عهد سليمان – عليه السلام – وعاد اليهود إلى سيرتهم الأولى ، فقتلوا الأنبياء! وأمروا بالمنكر ! ونهوا عن المعروف ! ولم يتركوا إثما إلا اقترفوه ، ولا ذنبا إلا فعلوه !فكتب الله عليهم الذل والهوان ، وسلط عليهم الروم يسومونهم سوء العذاب ، فتشرد اليهود ، وهاموا على وجوههم فى شتى بقاع الأرض يتقلبون فى جحيم الذل ، ويذوقون ألوانا من الشقاء والبلاد ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون !! وقد طبع ذلك الضياع فى قلوب اليهود حقدا رهيبا وحسدا لكى بنى آدم ، ورغبة جامحة فى الانتقام من العالم
بأسره !! واستعلاء على كل البشر لعله يعوضهم عما ضاع من كرامتهم ، ويستر ذل نفوسهم ، فقالوا : {نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]!!.
مع أنهم يعلمون علم اليقين أنه لا يوجد فى تاريخهم دليل واحد يشهد لهذه المقولة الكاذبة ، فلا هم أبناء ، ولا أحباء ، ولا شعب مختار؛ بل إن أصدق وصف لهم أنهم يقتسمون مع الشيطان ، غايته وهدفه !فالشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ، وهذا يعنى أن غايته التى يسعى إليها هى حرمان البشر من الجنة ، وغاية اليهود التى يسعون إليها هى حرمان العالم من الأمن والاستقرار ونظر اليهود حولهم فلم يجدوا لهم ملاذاً آمناً فى العالم يلجئون إليه فراراً من اضطهاد الروم النصارى لهم إلا جزيرة العرب ، فهاجروا إلى الجزيرة العربية ، حيث لم يكن للروم سلطان عليها ، وسكنوا يثرب وخيبر وغيرهما .
وكانت التوارة قد بشرت بظهور نبى جديد يخرج من جبال فاران (إشارة إلى مكة)، وتكون يثرب عاصمة ملكه ودار هجرته ؛ فسبق اليهود إليها طمعا فى أن يكون هذا النبى من بنى إسرائيل ، فينقذهم من ذل النصارى الروم ، وبعث الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، وعلم اليهود أنه من العرب ، وليس من بنى إسرائيل ، فتحرك الحقد فى قلوبهم ، وثار الحسد فى نفوسهم مع أنهم : {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ} [البقرة:146] !ونقض اليهود كل العهود والمواثيق ، التى أبرموها – كتابة – مع الله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتآمروا وغدروا وتحالفوا مع قريش ، وكادوا للمسلمين بالدسائس ، والمؤامرات – كشأنهم اليوم مع العرب – ولم تنفع معهم جميع محاولات الإصلاح ؛ لم يجيبوا داعى الله مع أنهم يعلمون على اليقين أن الإسلام هو دين الحق ، ولم يحافظوا على معاهدات السلام وحسن الجوار ، بل تنكروا لهم ونقضوها ، ولم يعيشوا يوما مع المسلمين فى الجزيرة العربية بغير غدر ولا خديعة ، ولم يصلح لهم سوى حل واحد فقط : هو الجلاء عن المدينة المنورة ، فأجلاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنها ، والعجيب أن طرد اليهود وجلاءهم كان هو الحل الوحيد المناسب على مر التاريخ مع اختلاف الزمان والمكان !!.
وقد تحدثت كتب السير والتاريخ عما فعله اليهود تفصيلا مع رسولنا – صلى الله عليه وسلم – ، والمتتبع لهذه الأحاديث سوف يرى بوضوح وجلاء أنه لا حل لمشكلة اليهود اليوم إلا بالجلاء !!فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وهو قدوتنا وأسوتنا لم يجد حلا لمشكلة اليهود – بعد الصبر والعناء – إلا بإخراجهم من المدينة المنورة ! ولم يجد الخلفاء رضى الله عنهم – من بعده – حلا لمشكلة اليهود إلا بإخراجهم من جزيرة العرب !!.
فاليهود داء ، والجلاء دواء ، والمعاهدات مسكنات !
فلا نامت أعين الجبناء ، والله من ورائهم محيط .
اللهم خلصنا منهم وحرر فلسطين اولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين
امين يارب العالمين
الموضوع تثقيفي جدا و مفيد
الله لا يحرمنا من مواضيعك المميزة يا غاليه
دمتي مبدعه