التصنيفات
منوعات

تحرير القول في حكم من سب الرب سبحانه وتعالى

تحرير القول في حكم من سب الرب سبحانه وتعالى

عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
طالب في مرحلة الدكتواره في الفقه
مستشار أسري في مركز واعي

ملخص البحث :
المسألة الأولى : حكم من سب الله .
المسألة الثانية : قتل من سب الله .
المسألة الثالثة : هل تقبل توبة من سب الله تعالى ؟!
المسألة الرابعة : الاستدلال بحديث أسامة .
المسألة الخامسة: الاستدلال بحديث أسامة .

الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد :
فإنّ مما يندى له جبين المؤمن، ويحزن له قلبه، وتدمع له عينه، جرأة فئامٌ من منافقي العصر في الهجوم على مقدسات الدين.
أناس خلت قلوبهم من الإيمان، وعشش في أنفسهم الشيطان، وظهرت منهم رائحة النفاق، وبان مايكنون في أنفسهم من بغض لأوامر الله تعالى ودينه وأهل الإيمان .
وآخر هذه الروائح المنتنة، والأفعال المشينة، والأمور المبكية، كلام خطته( يدٌ) على الإسلام حاقدة، ولجانب رب العزة – سبحانه وتعالى – متنقصة، فشل الله تلك الأيادي الآثمة، والأنامل المأجورة الفاسدة .
وحيث كثر الخوض في حكم أفعال هؤلاء، والاعتذار عنهم ولهم – مع فعلهم المشين، وخلقهم البغيض، والله لو وجهت المسبة اليوم لرجل من أهل الدنيا لقامت الدنيا على من قالها ولم تقعد، ولرأيت كتاب الصحف المأجورة، وأتباع الليبرالية المشؤمة، يتباكون، ويكتبون، وبالباطل يتواصون، حفظاً للجناب، ودعوة للمحاكمة والعتاب .
وهذه وقفة في بيان حكم من سب الله تعالى وتقدس، كتبتها أرجو أجرها، يوم لاينفع مالٌ ولابنون ألا من أتي الله بقلب سليم . الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة (ص: 309)

وقد جعلته في أربع مسائل :

المسألة الأولى : حكم من سب الله .
اتفق الفقهاء على أن من سب الله تعالى كفر, سواء كان مازحا أو جادا أو مستهزئا. وأن من سب الله، أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً؛ سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل، وقد قال تعالى : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }. والأدلة في هذا الباب كثيرة مشهورة .

قال الإمام إسحاق بن راهويه : " أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله – صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل: أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله ".

وهذا لم يخالف فيه إلا اتباع الجهم والصالحي، وهو قول المرجئة، فقد صرحوا بأن سب الله ورسوله ؛ وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا في الباطن ولكنه دليل في الظاهر على الكفر ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا له مؤمنا به فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطنا وظاهرا . [ مجموع الفتاوى ( ط: دار الوفاء – تحقيق أنور الباز ) (7/ 557) ].

قلت : وهذا القول هو قول يأخذ به اليوم أفراخ المعتزلة ( الليبراليون )، سواءً علموا بأصله أم لا ؟!!

المسألة الثانية : قتل من سب الله .
اتفق الفقهاء على أن المسلم إذا سب الله يقتل, لأنه بذلك كافرٌ مرتد, وأسوأ من الكافر , فإن الكافر يعظم الرب, ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا وقع السب لله من مسلم وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر مرتد، بل أسوأ من الكافر".[ الصارم المسلول ص115 ] .

المسألة الثالثة : هل تقبل توبة من سب الله تعالى ؟!
لاخلاف بين أهل السنة قاطبة في كفر ووجوب قتل من سب الله تعالى، ولكن الخلاف بينهم في قبول توبته.

ولابد في البداية من الإشارة إلى أمر مهم :

الأمر الأول : أن الكلام في قبول التوبة هو في الظاهر، وأما في الباطن، فأهل العلم نحن لا ينازعون في صحة توبته و مغفرة الله له مطلقا فإن ذلك إلى الله .
وإنما الكلام في : هل هذه التوبة مسقطة للحد عنه ؟! [شرح الزركشي على مختصر الخرقي (6/ 244) ] .
فالبحث هنا في حكم سقوط الحد عن الساب بالتوبة، ورفع القتل عنه بهذه التوبة، بمعنى هل هذه التوبة مسقطة للحد عنه ؟!
وقبل بيان كلام أهل العلم في هذه المسألة لابد من الإشارة إلى أن المرتدين قسمان:
قسم تقبل توبتهم، وقسم لا تقبل.

القسم الأول : لا تقبل توبتهم وهم من عظمت ردته أوتكررت أوفعل أشياء منكرة عظيمة في الردة، فإن توبته لا تقبل، ومن ذلك المنافق فإنه لا تقبل توبته.
قال ابن القيم كما في الحدود والتعزيرات عند ابن القيم (ص: 447) :
وأيضاً فإن من سبّ الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً: فجزاؤه القتل حداً.والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقاً.
ولا ريب أن محاربة هذا الزنديق لله ولرسوله وإفساده في الأرض أعظم محاربة وإفساداً فكيف تأتي الشريعة بقتل من صال على عشرة دراهم لذمي أو على بدنه، ولا تقبل توبته، ولا تأتي بقتل من دأبه الصول على كتاب الله وسنة رسوله والطعن في دينه وتقبل توبته بعد القدرة عليه) . فالزنديق: محارب لله ورسوله ساع في الأرض فساداً على الناس في أديانهم فلا تقبل توبته بعد القدرة عليه والله أعلم.
وهناك من أهل العلم من أختار توبة من هذه حاله : إن توبته مقبولة ولو عظمت ردته ولو سب الله أو رسوله أو كتابه ولو نافق، لكن يحتاج إلى تأن ونظر: هل هذا الرجل يبقى مستقيما أو لا؟

القسم الثاني : من سب الله تعالى ولم تكن حاله كحال الزنادقة، والمنافقين، وهذا اختلف الفقهاء في قبول توبته وهل هذه التوبة مسقطة للحد عنه ؟!:
أختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول : أنها لا تقبل توبة من سب الله، وهو المشهور عند الحنابلة ، بل يقتل كافرًا، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ويدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين؛ وذلك لعظم ذنبه جدا، مما يدل على فساد عقيدته . ونحن وإن قبلنا إسلامه و توبته فلا بد و أن نقيم عليه الحد تطهيرا له و هذا جواب من يقتله حدا محضا مع الحكم بصحة إسلامه
القول الثاني : أنها تقبل توبة من سب الله، إذا علمنا صدق توبته إلى الله ، وأقر على نفسه بالخطأ ، ووصف الله – تعالى – بما يستحق من صفات التعظيم ، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة كقوله – تعالى -، وهذا قول الجمهور من الحنفية، والمالكيه، والشافعية، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة كقوله – تعالى -: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " . [مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 293) المغني لابن قدامة (9/ 28) تحقيق الروض 10/ 466، الصارم المسلول ].
القول الثالث : التفصيل هو: أنه إن تاب قبل القدرة عليه فتقبل توبته ويحقن دمه. وأما بعد القدرة عليه فلا يستتاب بل يقتل من غير استتابة وإن تاب بعد القدرة عليه فلا تحقن دمه.
وقد بيّن ابن القيم رحمه الله تعالى أن هذا هو الرواية الثانية عن أبي يوسف والرواية الثالثة عن الإمام أحمد. وحكاه الحافظ عن مالك وبعض الشافعية.[ أعلام الموقعين 3/144 ].
جاء في فتاوى نور على الدرب لابن باز (4/ 151) : " من أعظم الناس فسادا في الأرض، فلا تقبل توبته بعد القدرة عليه، بل يجب تنفيذ حكم الله فيه، وهو القتل حتى لا يتجرأ الناس على سب الدين، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم ".

قلت : ونخلص من هذا إلى أن من سب الله ورسوله، ثم قدر عليه وقامت الحجة عليه، فإن الحاكم الشرعي يحكم بردته وقتله، أما لو تاب قبل ذلك، قبل أن نعلم، وجاء إلينا تائبا نادما، يخبر عن توبته فإن الصحيح أنه تقبل توبته والحمد لله ".

المسألة الرابعة : هل يستتاب قبل أن يقتل؟
في ذلك خلاف بين العلماء على ثلاثة أقوال وهي روايات في المذهب:
القول الأول: لا يستتابون بل يقتلون؛ لأن النصوص الواردة عامة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه»، ولم يقل: «فاستتيبوه».
القول الثاني: أنهم يستتابون ثلاثة أيام، واستدلوا بأثر عن عمر رضي الله عنه أنه ذكر له رجل ارتد فقتل، فقال لهم: «فهلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني» .
القول الثالث: أن هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم، وهذا لا ينافي ما قاله عمر، ولا يخالف الأدلة، وهذا القول هو الصحيح. [ الإنصاف (27/114 ـ 118)، الإقناع (4/291). الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/ 38) ] .
يقول شيخنا ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – والصحيح في الاستتابة: " أنها ترجع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى من المصلحة استتابته استتابه، وإلا فلا، لعموم قوله : "مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقتُلُوهُ" ولأن الاستتابة وردت عن الصحابة رضي الله عنهم.

وهذا يختلف فقد يكون هذا الرجل الكافر أعلن كفره واستهتر فلا ينبغي أن نستتيبه، وقد يكون أخفى كفره وتاب إلى الله ورأينا منه محبة التوبة، فلكل مقام مقال. "

وقال ابن قدامة في المغني لابن قدامة (9/ 28) : "وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام، حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك، فإنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالتوبة فممن سب الله تعالى أولى".

المسألة الخامسة : الاستدلال بحديث أسامة .

لا يمكن أن نقيس حال المسلم على المرتد بحديث أسامة، فبين الحالتين فرق، يقول شيخ الإسلام : "وأما إسلام الحربي و المرتد و نحوهما ـ عند معاينة القتل ـ فإنما جاز لأنا إنما نقاتلهم لآن يسلموا و لا طريق إلى الإسلام إلا ما يقولونه بألسنتهم فوجب قبول ذلك منهم و إن كانوا في الباطن كاذبين و إلا لوجب قتل كل كافر أسلم أو لم يسلم و لا تكون المقاتلة حتى يسلموا بل يكون القتال دائما و هذا باطل ثم إنه قد يسلم الآن كارها ثم إن الله يحبب إليه الإيمان و يزينه في قلبه كذلك أكثر من يسلم لرغبته في المال و نحوه أو لرهبته من السيف و نحوه و لا دليل يدل على فساد الإسلام إلا كونه مكرها عليه بحق و هذا لا يلتفت إليه والفرق بين الكف عن من أظهر الإسلام وبين من وقع في الردة من وجوه من أهمها :

أن الإسلام إنما قبل منهم حيث لم يثبت عنهم خلافه و كانوا ينكرون أنهم تكلموا بخلافه فأما أن البينة تقوم عند رسول الله عليه الصلاة و السلام على كفر رجل بعينه فيكف عنه فهذا لم يقع قط إلا أن يكون في بادئ الأمر " .

المسألة السادسة:

التعريض بالسب كالسب، صرح بذلك كثير من العلماء، نقل حنبل: من عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل مسلما كان أو كافرا. [ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 10 / 333، نهاية المحتاج 8 / 20 ].




جزاكى الله خيرا



شكرلك



جزاكي الله خير



شكرلك



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.