بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 8
( حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ *رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ *لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ )
حم : الحروف فى بداية السور ولها نفس الحكم الذى ذكرناه من قبل
الكتاب المبين : القرآن العظيم الواضح فى آياته وتفسيره
ليلة مباركة : ليلة القدر التى بورك فيها لمن أقامها بالطاعة والصلاة والعبادات الخالصة لله وحده
منذرين : معلمين الناس ما ينفعهم وما يضرهم وينذر من عصى بالعقاب
فيها يفرق كل أمر حكيم : فى ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ كل أمر يحدث خلال السنة إلى الملائكة الكتبة من آجال وأعمال وأرزاق وهى محكمة لا تبدل ولا تغير
وجميع ما يقدر هو بأمر الله وعلمه وإذنه
إنا كنا مرسلين : يقول تعالى : إنا أرسلنا إلى الناس رسولا يتلوا آياتنا عليهم ويذكيهم ويعلمهم دينهم
رحمة من ربك : والقرآن رحمة من الله للعالمين بتوضيح معالم الدين الذى يصون حياتهم ويوضح الحق والباطل
والله يسمع ويعلم كل شئ
فهو الذى يملك السموات والأرض وما عليهما وفيهما وما بينهما
وذلك إن كنتم متحققين من ذلك
فهو وحده القادر على أن يحيى الموتى ويميت الأحياء وبيده كل شئ
وهو ربكم ورب آبائكم ولا إله غيره
الآيات 9 ـ 16
( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ *فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ *يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ *رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ *أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ *ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ *إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ *يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ )
إن الكافرين جاءهم الحق ولكنهم يشكون فى صحته ولا يصدقون
فدعهم يلعبون حتى تأتيهم علامات الساعة بالدخان وتقوم القيامة من بعده ويعذبون
وقيل فى الدخان قولان وكلاهما من علامات القيامة :
1 ـ دخان واضح تراه كل عين
2 ـ هو خيال كالدخان يراه الناس فى أعينهم من شدة الجوع والجهد
وهذا الدخان يعم الناس جميعا ويغشى أعينهم ، ويقولن لبعضهم البعض هذا هو عذاب أليم
تدعوا الناس الله بأن يرفع عنهم العذاب ويعلنون إيمانهم
كيف لهم أن تذكروا الآن أنهم مؤمنون وقد أرسلنا لهم من قبل رسول واضح الحجج والبراهين فكذبوه وقالوا إنه مجنون ويعلمه بشر
ولو كشفنا عنكم العذاب ستعودون لما كنتم عليه من كفر وعناد
ويوم القيامة نبطش بهم وننتقم منهم .
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ *أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *وَأَنْ لّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ *وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ *وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ *فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ *فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ *وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ *كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ *كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ *فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ *وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ *مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ *وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ *وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاء مُّبِينٌ )
ومن قبل هؤلاء مشركى مكة اختبرنا مشركى قوم فرعون ( أقباط مصر )
فأرسلنا لهم موسى عليه السلام يطلب منهم أن يسلموا له بنوا إسرائيل ( أحفاد يعقوب عليه السلام ـ وإسرائيل هو اسمه الآخر )
وقال لهم موسى إنى رسول الله أمين على ما أبلغكم به
ولا تتكبروا عن اتباع آيات الله والإنقياد له والتسليم له
فإنى آتى لكم بآيات ومعجزات لأبرهن لكم على صدقى
و أعوذ بالله أن تشتمونى أو تقذفونى بالحجارةوإذا لم تؤمنوا بما أدعوكم إليه فاتركونى ولا تتعرضوا لى والأمر بيننا موكل لله حتى يأت بأمره
وما زادهم ذلك إلا علوا وعنادا فدعا موسى ربه أن هؤلاء القوم مجرمون فانقذنى وبنى إسرائيل منهم
فأمره الله أن يخرج ليلا هو ومن معه من بنى إسرائيل بدون إذن من فرعون لأن قوم فرعون قرروا إيذاءه وقتله
واتجه موسى ومن معه نحو البحر وتبعه قوم فرعون يريدونهم بالأذى والقتل
فلما وصلوا للبحر أمره الله أن يضرب بعصاه البحر فانفلق البحر إلى جزئين كل جانب كالجبل العظيم واستوت بينهما الأرض ومهدت للسير عليها
فطلب الله من موسى أن يترك البحر ( رهوا ) أى مفتوحا على حاله ويسير ومن معه
فتردد فرعون وجنوده من المضى وراءهم
فجاء جبريل عليه السلام على فرس ومر أمامهم فتأكدوا من إمكانية المرور
فزال خوفهم وتقدموا ، وفى منتصف البحر عندما نزله جميع الجنود أطبق الله البحر عليهم وغرق فرعون وجنوده جميعا .
وتركوا وراءهم كثير من الزروع والأنهار والآبار والخير الوفير والمساكن الأنيقة ونعم الله التى كانوا يتمتعون وينعمون بها وأموال كثيرة
وكذلك ورثها عنهم قوم آخرين
فلم تكن لهم أعمال صالحة لتبكى علي فقدهم السماء
ولم يكن الله ليتركهم بلا عذاب ولا يؤخرهم بسبب عنادهم وكفرهم وظلمهم
وهكذا نجى الله موسى وبنى إسرائيل من تعذيب فرعون وجنوده لهم وتسخيرهم فى الأعمال الشاقة المهينة
فقد كان فرعون جبار عنيد مسرف فى إهانتهم
فلقد أختار الله بنو إسرائيل على من عاشوا فى زمانهم وأرسل لهم آيات وحجج وبراهين ومعجزات اختبارا لمن اهتدى .
الآيات 34ـ 37
( إِنَّ هَؤُلاء لَيَقُولُونَ *إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ *فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )
إن المشركين يقولون نموت ولا بعث ولا حياة بعد الموت ولا قيامة
ويقولون للمؤمنين والرسل لو أنكم صادقين فعودوا بمن مات من آبائنا القدماء
إنهم لا خير فيهم لا هم ولا قوم تبّع ولا الذين سبقوهم من المشركين
جميعهم أهلكهم الله لأنهم كانوا مجرمين
كان أهل سبأ باليمن عربا من قبيلة حمير كلما ملك فيهم رجل سموه تُبّعا ، كما يقال كسرى لملك الفرس ، وقيصر لملك الروم ، وفرعون لملك مصر من الكفار ، والنجاشى لملك الحبشة .
وتبع المقصود بالقرآن هو ــ أسعد أبى كر ب الحميرى .
وهو من قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم " ، وقال " لاتسبوا أسعد الحميرى فإنه أول من كسى الكعبة ".
قدم أسعد الحميرى المدينة للإغارة عليها فلم يهج أهلها وترك بينهم إبنا له عليهم ، فقتلوه ــ فقدم إليها وهو مجمع على أن يخرج أهلها ويستأصلهم ، ويقطع أشجارها ،ودار بينه وبين أهلها قتالا فى الليل ، فجاءه حبران من أحبار اليهود فقالوا له لا تهدم المدينة فهى مهاجر نبى يخرج من هذا الحرم من قريش فى آخر الزمان تكون داره وقراره ، فانصرف تبعا عن المدينة.
وكان قومه يعبدون الأصنام فقالوا له :ألا ندلك على كنز من الزبرجد واللؤلؤ، والياقوت ، والذهب ، والفضة،غفل عنه الملوك من قبلك ؟ ،يريدون بذلك حثه على هدم الكعبة بحجة البحث عن الكنز .
قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده .
فسأل تبعا الحبران اليهوديان فقالا له : ما أراد القوم إلا إهلاكك وهلاك جندك
فقال : ماذا تأمرانى ؟
قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله من طواف ، وتعظيم وتكريم ، وتحلق رأسك وتذل له .
فسألهما لماذا لا يفعلان ذلك
قالا : إنه بيت أبينا إبراهيم و أهله منعانا منه
فصدق كلامهما وفعل مثلما نصحاه أن يفعل وأوصى بكسوة الكعبة وطاف ونحر ستة أيام .
ثم عاد تبعا إلى قومه ، باليمن ، فأبوا عليه ما فعل حتى يحاكموه إلى النار
وقد كان باليمن فى هذا الوقت نارا تخرج عليهم إذا اختلفوا ليتحاكموا إليها ،فخرجوا بأوثانهم وخرج تبعا والحبران بالتوراة وتقدموا إلى المكان الذى تخرج منه النار فخرجت عليهم فأكلت أوثانهم وأحرقتهم ،وقضى الله عليهم وخرج تبعا والحبران والتوراة لم تمسسهم النار ، ودخل أهل اليمن فى دين اليهودية .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ *مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ *إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ *يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ *إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )
ينزه الله نفسه عن أن يكون خلقه للسموات والأرض من العبث واللهو والباطل وإنما خلقهم بالحق
ويوم القيامة يفصل بين الكافرين والمؤمنين ويعذب من يستحق العذاب ويثيب من يستحق الإثابة
وفى هذا اليوم لا ينفع الظالمين ظلمهم ولا ينصرهم أحد
إلا من نفعه عمله الصالح فهو ينصره وينجيه من العذاب
والله ذو رحمة واسعة عزيز فى قدرته على رحمة عباده المستحقين لها
الآيات 43 ـ 50
(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الْحَمِيمِ *خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ *ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ *ذقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ *إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ )
أما المجرمين يدخلهم نار جهنم لهم فيها طعام من شجرة الزقوم فهى طعام الآثم الكافر تغلى فى البطون كالزيت المغلى من حرارتها
ويقال للملائكة خذوا هذا الكافر وألقوه فى الجحيم فسوقوه سحبا وادفعوه لتلقوا به ( فاعتلوه ) فى وسط ( سواء ) الجحيم
صبوا عليه من العذاب ( يضرب فوق رأسه فيسرى الألم فى جسده وبطنه وأمعائه حتى يتمزق من كعبيه )
ويقال له تهكما : ذق العذاب فأنت العزيز الكريم فى الدنيا كما ادعيت
فهذا الذى كنتم به تجادلون ( تمترون ) وتكذبون
الآيات 51 ـ 59
( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ *فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ *كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ *يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ *لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ *فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ *فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ)
أما الذين اتقوا ربهم فهم فى الجنة ( مقام أمين ) آمنين من الموت آمنين من الحزن والجزع والتعب آمنين من الشيطان ومن الفقر ومن الجوع
فهم فى فواكه وأطعمة لا تنتهى
لهم لبس من الحرير الرفيع
سندس : حرير طبيعى من أجوده
استبرق : حرير به لمعان وهو ما نسميه الستان
ويتكئون على السرر متقابلة الوجوه ( لا يجد ظهر غيره وإنما الوجوه متقابلة )
لهم من الزوجات الحسان لا يحيضون ولا يسأمون المعاشرة وحسنهن يزداد
كلما طلبوا فاكهة وجدوها ولا يموتون فالموت فى الحياة الدنيا فقط
ونجاهم الله من نار جهنم
وليس هناك أفضل من هذا الفوز والجزاء
إن هذا القرآن أنزلناه واضحا بلسانك العربى لتذكر به وتفهمهم وتعلمهم ليتذكروا
وانتظر والكفار ينتظرون
وستعلمون من هو المحق ومن فى الضلالة .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
تمت بحمد الله تعالى .