قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال "
وقال : " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق "
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 1 ـ 5
)الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا *قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا *مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا *وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا *مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا (
يحمدالله نفسه فى بدايات السور ليعلمنا كيف نحمده على نعمه وهنا يحمد نفسه على أنه أنزل القرآن الذى ليس به عوج ولا زيغ ولا ميل مستقيما على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لينذر من خالفوا القرآن وكذبوا به بأن لهم العقوبة الشديدة فى الدنيا والآخرة .
ويبشر الذين آمنوا به وصدقوا أعمالهم به بالأجر الحسن والمثوبة الجميلة ، ويظلون فى ثواب الله والجنة خالدين دوما
وينذر الكفار الذين ادعوا الولد لله والذين عبدوا الملائكة وقالوا إنها بنات الله مثل آبائهم ، بدون علم عندهم بذلك فهذه كلمة كبيرة فى حق الله وبشعة ولا دليل لهم عليها وهذا كذب وافتراء على الله
الآيات 6 ـ 8
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا *إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا *وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا )
باخع : مهلك
أسفا : غضب وحزن
آثارهم : فعلهم
الحديث : القرآن
زينة : حلة خضرة
صعيدا : الأرض القفراء التى ليس بها زرع ولا ماء
جرزا : لا تنبت ولا ينتفع بها
يعزى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ويسليه ويقول له لا تهلك نفسك فى الحزن عليهم بسبب عدم إيمانهم بالقرآن فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها
ويخبر تعالى أنه جعل الأرض حلوة خضرة مزينة ولكن زينتها زائلة فهى دار ابتلاء واختبار لينظر ما تعملون بها ومصير هذه الدنيا إلى الخراب والدمار ويصبح كل ما عليها خراب ويجازى كل بما عمل عليها
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بنى اسرائيل كانت النساء "
الآيات 9 ـ 12
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا *إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا *فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا *ثمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا )
طلب اليهود اختبار محمد صلى الله عليه وسلم فى نبوته وسألوه ما يعرف عن جماعة الكهف التى حدثت من عصور قديمة
فأخبره الله عز وجل
فقال : يا محمد … ( الآية 9 ) ليس أمر أهل الكهف عجيبا فى قدرة الله وسلطانه لأن خلق السموات والأرض وما فيهن آيات أعجب من ذلك
الكهف : هو غار فى جبل لجأ إليه فتية هربا من ظلم الحاكم ورغبته فى قتلهم بسبب توحيدهم لله ودعوتهم لعبادة الله الواحد
الرقيم : الكتاب من السماء
( الآية 10 ) : هؤلاء الفتية فروا بدينهم ولجئوا إلى الغار ودعوا الله أن يشملهم برحمته ولطفه ويجعل عاقبتهم الرشاد
( الآية 11 ) : ألقى الله عليهم نوما عدة سنين
( الآية 12 ) : ثم أيقظهم الله من نومهم بعد السنين الكثيرة ليعلم المختلفين فى أمرهم كم عدد ما لبثوا وليعلموا الغاية والهدف من ذلك
ثم يأت التفصيل فى الآيات بعد ذلك للقصة
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِه ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا )
ويبدأ هنا الله عز وجل فى شرح القصة
إنهم مجموعة من الشباب الذين هداهم الله لأنهم آمنوا بالله الواحد ولم يشركوا معه
وصبرهم الله على مخالفة عقائد أهل مدينتهم
وقيل فيهم أنهم كانوا من أبناء أمراء وملوك الروم العابدون للأصنام وكان ملكهم عنيد جبار ( دقيانوس ) وكان لهم عيدا يذبحون فيه للطواغيت وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم ونظروا ما يفعل آباءهم فاستنكروا ذلك لأن الأصنام لا تضر ولا تنفع
فأخذ كل واحد منهم يبعد عن أهله واجتمعوا معا على عبادة الله خالق السموات والأرض وتنكروا للأصنام وجمعهم الإيمان
وقالوا لبعضهم البعض ما دار فى نفوسهم وأصروا أن لا يعبدون إلا الله واتخذوا لأنفسهم معبدا ليتعبدون فيه وصاروا يد واحدة
علم بأمرهم قومهم ووشوا بهم عند الملك فأحضرهم وقالوا الحق وأنهم لن يعبدوا إلا الله لأن غير ذلك باطلا
شططا : باطل
وقالوا هؤلاء قومنا اتخذوا آلهة باطلة فهل عندهم دليل واضح على ذلك
فالظالمون هم المفترون الكذب على الله
تهددهم الملك وتوعدهم وترك لهم الفرصة فى الرجوع عن عقيدتهم
وكان رحمة من الله فتمكنوا من الهرب
وقال بعضهم البعض : لنفارق القوم ونفارق ما يعبدون من دون الله ونذهب إلى الكهف يستركم الله من قومكم ويجركم من قومكم
ولعل الله يهيئ لكم مما أنتم فيه أمرا يرفق بكم ( مرفقا )
وبحث الملك ولم يعثر عليهم وأخفى الله أعينهم عنهم وناموا فى الكهف سنوات طوال
الآية 17
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا )
يخبر الله تعالى أن عند طلوع الشمس تطلع على باب الكهف ( وهذا يدل على أن باب الكهف كان من ناحية الشمال ) ولكن المعجزة أنها تتقلص ( تزاور ) يمينا كى لا تحرقهم حرارتها
وعند الغروب ترتفع وتمر بالباب وأيضا المعجزة أن الله يأمرها ( تقرضهم ) فتميل بهدوئها نحو الباب وتدخل الكهف لتدفئهم وقيل تتركهم
والمعنى العام أن الشمس أمرها الله أن تميل يمينا ويسارا لتدخل بهدوء ورفق وتبعد حرارتها الحارقة عنهم
وهم فى فجوة منه : متسع بالداخل
وهذا كله من أمر الله الذى ساعدهم على الهرب إلى الكهف المناسب صحيا المتسع الذى تدخله الشمس بغير إحراق وفتحة بابه فى جهة تدخل منها الشمس والهواء وتبقى بذلك على أبدانهم وهم نيام
والله هو الذى هدى هؤلاء من بين قومهم حيث رأى فيهم خيرا ومن أضل فلا هادى له من بعد الله
الآية 18
( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا )
الوصيد : الباب
ويوضح الله حالهم فقد ضرب على آذانهم فناموا ولكن الناظر لهم يرى أعينهم مفتوحة كأنهم يقظة حتى لا يسرع إلى أعينهم البلى فبقيت مفتوحة للهواء
ويقلب الله أجسامهم يمينا ويسارا لأن فى التقلب حماية للجسد من التقرحات والبلى أيضا
وهذا الكلب الذى يمد قدميه على الباب لحراستهم وقد ميز هذا الكلب عن باقى نوعه كرامة لهم
فمن يصاحب المؤمن يكرم لكرمه
فالكلب المعروف بنجاسته وبعد الملائكة عن المكان الذى يتواجد فيه أصبح مكرما وأصابه النوم مثلهم
وألقى الله عليهم المهابة لئلا يقترب منهم أحد فالناظر لهم يتملكه الرعب ويبتعد
حتى يقضى الله الحكمة من رقدتهم
الآيات 19 ، 20
(وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا )
وكذلك بعثناهم : كما أرقدناهم بعثناهم لم يفقدوا من أشعارهم وأبشارهم وأبدانهم شيئا
وذلك بعد 309 سنة
فسأل بعضهم بعضا كم نمتم ؟
فقد ناموا صباحا واستيقظوا مساء
فقال أحدهم لقد نمنا يوما أو جزء من اليوم
قال آخر الله أعلم كم نمتم
فقالوا ليس مهم كم لبثنا إنما الأهم نريد الطعام ، فاختاروا من يذهب بنقودكم ويشترى ما خف حمله من الطعام الحلال الطيب
أزكى : حلالا طيبا
وليتلطف : يكون خفيفا لا يشعر به أحد
فإن القوم إن وجدوكم يرجموكم أو يعيدوكم فى دينهم ولو حدث ذلك لخسرتم الدنيا والآخرة
(وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا )
وكذلك أعثرنا : أطلعنا عليهم الناس وهم على حالهم هذا
ليعلم الناس أن وعد الله حق وأن القيامة لا شك فيها وأن الله يحي الموتى
وقيل أنه عندما أراد أحدهم الخروج ليحضر الطعام ذهب المدينة ( دقسوس ) وكان يظن أنها على حالها ولم يبعد عنها إلا يوما واحدا وكانت فى الحقيقة قد تبدلت ثلاثة قرون وتغيرت معالم البلاد والناس وطبيعة النقود والمعاملات فلم يعرف أحد فجعل يتحير فى نفسه وظن أن به جنون فذهب إلى رجل ليشترى ويتعجل الخروج من المدينة وأعطاه ما معه من نقود فأنكرها الرجل وأخذ يتدافعها لجيرانه فى السوق ويقولون لعله وجد كنز وإلا فمن أين له هذه النقود القديمة ؟
فأخذ يكشف عن أمره أنه ترك البلدة من عشية الأمس وكان فيها دقيانوس الملك ، فقالت الناس إنه مجنون وحملوه إلى الوالى فأخبر بأمره وهو أيضا متحير فصحبهم إلى الكهف وطلب منهم أن يسبقهم ليخبر زملاءه كى لا يخافوا
ودخل وتأخر بالداخل فدخل الناس عليهم فوجدوه : وقيل فى ذلك أمران
1 ــ دخلوا وجدوهم ناموا ثانية
2 ــ دخلوا وكان الملك ( يندوسيس ) مسلما وتحدث معهم وفرحوا به ثم ناموا ثانية
( فقالواابنوا عليهم بنيانا ) سدوا عليهم الباب ببناء واتركوهم على حالهم
( قال الذين غلبوا على أمرهم …) قال أصحاب النفوذ والسلطة نبنى عليهم مسجدا
وبالطبع هذا باطل وشرك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبياءهم وصالحيهم مساجد "
الآية 22
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا )
يقول سبحانه وتعالى :
اختلف الناس فى عددهم ثلاثة أم أربعة وهذا خطأ لأنهم يقولون ما لم يتيقنوا منه
(رجما بالغيب ) والبعض قال خمسة أو سته أو سبعة ومعهم كلبهم وهذا هو الأحرى لأن الله سكت على هذا العدد ولم يضعفه مثل الذى قبله
ثم يقول الأفضل فى ذلك أن الله يعلم عددهم ولا يعلم إلا قليل من الناس
( فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) : فلا تجادل فى ذلك الأمر وكن سهلا لينا لأن ليس منه فائدة
( ولا تستفت منهم أحدا ) : ولا تسأل أحد فهم لا علم لهم به فلا تسأل أحد
( رجما بالغيب ) بدون استناد إلى كلام صحيح
الآيات 23 ، 24
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )
هنا يعلمنا الله عز وجل بالأدب مع الله فى الحديث عن المستقبل أن يرد المشيئة إلى الله ولا يقول سأفعل ذلك ولكن يقول سأفعل إذا شاء وأراد الله لى أن أفعل لأن كل أمر هو بيد الله وحده ولا يعلم الغيب إلا الله
وإذا نسينا فعلينا أن نذكر المشيئة عند التذكر ، لأن النسيان من الشيطان
( وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا ) : تعنى إذا طلبت شيئا فاسأل عنه الله يوفقك للصواب
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
وهنا لنا وقفة مع قصة لنبى الله سليمان عليه وعلى نبينا السلام إذ قال لأطوفن الليلة على سبعين إمرأة ـ من زوجاته الألف ـ تلد كل إمرأة منهن غلاما يقاتل فى سبيل الله فقال له الملك قل إن شاء الله فلم يقل
فطاف بهن جميعا ( دخل بهن ) فلم تلد منهن إلا إمرأة واحدة نصف إنسان
وقال رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لو قال : إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته " وفى رواية " ولقاتلوا فى سبيل الله فرسانا أجمعين "
دركا لحاجته : أدرك ما طلب
وفى هذا الشأن آيات فى كتاب الله وسوف نعرض لتفسيرها إن شاء الله
الآيات 25 ، 26
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
يخبر الله تعالى عن مقدار ما لبثوا وناموا حتى بعثهم أنه 309 سنة هلالية أى 300 سنة شمسية ولهذا قال وأزدادوا تسعا لأن فرق السنة الميلادية من الهلالية ثلاثة سنوات
وإذا سئلت عن مدة نومهم قل هذا العدد وأن التوفيق لهذا العلم هو من عند الله فلا يعلمه إلا عالم غيب السموات والأرض
إنه السميع البصير لهم
فلا أحد أسمع بهم ولا أبصر من الله الذى ليس له وزير ولا شريك ولا مشير
الآيات 27 ، 28
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا * وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )
يأمرنا الله بتلاوة الكتاب الكريم المقدس ( القرآن) فلن يقدر أحد على تبديله ولا تغييره كما حدث من قبل فى التوراة التى غير فيها اليهود والإنجيل الذى حرفه النصارى
وكتاب الله القرآن لن تجد غيره ملجأ ( ملتحدا )
وكان أشراف قريش طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحدهم فى يوم مخالف ليوم جلوسه مع الضعفاء والمساكين والعبيد من مؤمنى قريش
فأنزل الله القرآن يقول له :
أصبر على الجلوس مع هؤلاء ولا تعرض عنهم ولا تطع الأشراف فيما طلبوا ولا تتجاوز عنهم لغيرهم فهؤلاء الفقراء يدعون الله دوما يطلبون مرضاته أما هؤلاء الأشراف قد أغفل الله قلوبهم عن الحق واتبعوا أهواءهم ورغبات أنفسهم فى الشر والتعالى والتكبر واعلم أن أمرهم تفريط وضياع
الآية 29
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا )
يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم : يا محمد قل للناس هذا الذى جئت لكم به هو الحق من ربكم ، ومن أراد الإيمان فليؤمن ومن أراد الكفر فليكفر فقد أعد الله للكافرين نار الجحيم يصلاها وتحيط بهم أسوارها ( سرادقها )
وإن استغاثوا ليروون عطشهم يؤتى لهم بماء كالزيت المغلى الذى يشوى الوجوه وقيل كالصديد والدم ( المهل ) وهذا أسوأ شراب وساءت النار منزلا لهم
الآية 30 ، 31
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )
وهنا يذكر الله تعالى المؤمنين الذين صدقوا بالله ورسله واليوم الآخر وعملوا صالحا بأن لهم الجنة بكل ما فيها من نعيم ومتع توضحها الآية وهى نعم الجزاء على أعمالهم الصالحة
يحلون : ينعمون بالحلى
استبرق : الديباج الغليظ الذى به بريق
سندس : ثياب من الحرير الرقيقة
الأرائك : السرير
مرتفقا : منزلا ومقاما
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )
بعد أن نهى الله نبيه عن طاعة المشركين فيما طلبوه يقول له :
لا فائدة من التفاخر بالمال والأولاد فكل شخص مسئول بعمله فقط وقص عليهم هذه القصة لعلهم يعتبروا
كان هناك رجلين أحدهما رزقه الله ( جنتين ) بستانين من الأعناب وتحفها النخيل والأنهار وخلالهما أنواع الزروع المثمرة ( ولم تظلم منه شيئا ) لم تنقص شئ
فقال الرجل صاحب البساتين لصاحبه الفقير يتفاخر عليه ويقلل من شأنه :
أنا أكثر أموالا وأولادا منك ولن تنتهى أبدا هذه النعم التى أنعم بها
ودخل جنته وهو يتكبر ويظلم نفسه بغيها ويقول مغترا لما رأى فيها من ثمار هذه لا يمكن أن تبيد ولا تتلف وهذا من قلة إيمانه بالله وإعجابه بالدنيا الفانية وكفره بالآخرة وأنكر يوم القيامة وظن أنه لو عاد لربه سيجد خيرا منها عند الله الذى يحبه فلولا ما حبه ما أعطاه كل ذلك
الآيات 37 ـ 41
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا )
وهنا ينصح الرجل المؤمن صاحبه ويحاول أن يرده عن غيه فيقول له :
اتق الله الذى خلقك من تراب ثم من ماء مهين فجعل منك رجلا
فأنا لا أشرك بالله المعبود وحده
والأولى لك إذا دخلت بستانك ذكرت الله الذى رزقك إياها وتشكره على ما أعطاك وتقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله (ويجب علينا جميعا اتباع ذلك عند رؤية ما يثير إعجابنا ) فأنا كما ترى أقل منك مالا وولدا وربما لو شاء الله أعطانى خيرا مما أعطاك
ويرسل على جنتك مطر شديد يقلع الزرع ويتلف الأرض ( حسبانا من السماء )
فتصبح ( صعيدا زلقا ) طينا مزحلق لا ينبت الزرع
أو يصبح ماؤها ( غورا ) غائرا فى الأرض لا تقدر على الوصول إليه
الآيات 42 ـ 44
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا )
( وأحيط بثمره ) حدث لثمار هذا الرجل ما حذره منه المؤمن
وأصبح بعد تكبره وعناده يتحسر ويصفق كفيه أسفا على ما ضاع منه وما أنفق من مال على الزروع التى بادت وتدمرت وندم على ما فعل وقال ياليتنى كنت من الموحدين بالله
ولم تكن له عشيرة تعينه على ما أصابه ولو كان له ما استطاعوا نصره
ووبذلك يعود المؤمن والكافر إلى الله الولى لأمور العباد جميعا ، والحكم الحق هو لله وحده وعنده خير الثواب والأعمال ترجع إليه ويثيب عليها
الآيات 45 ـ 46
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا )
ويقول تعالى يامحمد اضرب للناس مثلا الحياة الدنيا فى زوالها وفنائها كمثل ماء أنزله الله من السماء فأنبت الزرع وشب الثمر واخضرت الأرض الحلوة ثم بعد ذلك كله أصبح ( هشيما ) يابسا ( تذروه الرياح ) تطير به وتفرقه الرياح يمينا وشمالا
والله وحده القادر على هذا الحال
وكذلك الحياة الدنيا مال وبنون ونعيم ولكنه زائل لا يدوم
(والباقيات الصالحات ) وهى الصلوات الخمس وقول لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله وذكر الله وأعمال الخير هذه هى التى تعتق العبد من عذاب الله وهذه الأفضل له التمسك بها لينعم بجنات الآخرة الدائمة
الآيات 47ـ 49
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )
يخبر سبحانه عن أهوال يوم القيامة الجبال التى تذهب من أماكنها ( نسيّر ) والأرض التى تظهر ليس بها معلم لأحد ولا مكان يوارى أحد ولا تخفى خافية ( بارزة )
ويجمع الله الناس ولا يترك منهم أحدا ( لم نغادر )
ويعرض الناس على الله صفا
ثم يوبخ الله المكذبين ويقول لقد جئتم كما خلقناكم أول مرة أيها المكذبون
ووضع الكتاب : ونشرت صحف الأعمال
وهنا المجرمين خائفين ( مشفقين ) مما عملوا ويقولون حسرة وتعجبا ما هذا إن كتبنا لا تترك شيئا فعلناه كبيرا أو صغيرا إلا سجل بها
ووجدوا ما فعلوا قديما من خير أو شر واقع بين أيديهم
والله عادلا لا يظلم أحد
( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا )
يقرع الله الذين كفروا والذين عصوا ويؤنبهم كيف يتبعون ما يأمرهم به الشيطان وهو عدو لهم وعصا ربه عندما أمره بالسجود لآدم وأقسم على الله ليهلكن ذريته
هل من العقل أن تتبعوا الشيطان عدوكم هو وذريته من دون الله
هذا استبدال سيئ بئيس عجيب
الآية 51
(مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )
يقول تعالى وجل شأنه : هؤلاء الذين عبدتم من دونى لا يملكون شيئا ولا أشهدتهم خلق السموات والأرض وما كانوا موجودين أصلا
فالله وحده الذى خلق هذه الأشياء ودبرها وقدرها بلا شريك ولامعين ولا أعوانا ( عضدا )
الآيات 52 ، 53
(وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا *
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا )
ويوم القيامة يخاطب الله المشركين على رؤؤس الأشهاد يوبخهم ويقول هاتوا الذين ادعوتم أنهم شركاء لله فى خلقه وبالطبع لا يستجيب لهم منادى
ويجعل الله لهؤلاء المشركين ( موبقا ) مهلكا وقيل واد عميق يفرق بين المشركين والمؤمنين يوم القيامة
ولما عاين المشركون النار ورأوها يجئ بها يجرها سبعين ألف ملك من كل زمام ولها سبعين ألف زمام يتوقعون العذاب الذى يلقون فيها ولابد لهم منها ( لم يجدوا عنها مصرفا)
الآيات 54 ـ 55
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا )
يقول سبحانه لقد أوضحنا جميع الأمور فى القرآن ولكن الإنسان كثير الجدل والمماطلة والمعارضة
وهؤلاء الكفرة يكذبون بالحق الواضح البين بالرغم ما يشاهدون من أدلة وآيات واضحة وذلك لأنهم يريدون أن يروا ما توعدهم الله من عذاب عيانا فقد طلبوا من أنبيائهم أن يجعل السماء تسقط عليهم كسفا من العذاب
ولكن الله يرسل النبيين مبشرين ومنذرين قبل أن يوقع الله بالكافرين العذاب ولكن الكافرين يحاولون أن يضعفوا ( يدحضوا )الحق بالباطل وسخروا من آيات الله وكذبوا أشد تكذيب
الآيات 56 ـ 59
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا * وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلا * وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا )
يقول تعالى أن أظلم الخلق هم الذين ذكروا بآيات الله فأعرضوا ولم يلقوا لها بالا ولا طاعة ونسى عمله السيئ
هؤلاء يجعل الله على قلوبهم غشاوة وغطاء ( أكنة ) لئلا يفهموا القرآن ويجعل آذانهم صماء عن سماع كلمة الحق والرشاد ( فى آذانهم وقرا ) ومهما دعوا إلى الحق فلن يهتدوا .
ولكن الله يغفر ويرحم وربما هدى بعضهم إلى الرشاد ولكن من يستمر إلى يوم القيامة فله عذاب لا محالة
وهذه القرى والأقوام السابقة أهلكها الله بسبب كفرهم وعنادهم إلى أجل معلوم ووقت محدد
ولنبدأ الرحلة مع موسى عليه السلام