السؤال: أنا طالب في كلية الطب في إحدى الجامعات الإيطالية .. وعندي شهادة في برمجة الكمبيوتر وتصميم البرامج والمواقع … عرضت علي مؤخرا فرصة عمل أستطيع من خلالها تأمين مصاريف دراستي ومعيشتي في هذا البلد الأوروبي مرتفع التكاليف معيشيا ودراسيا … الشركة تعمل في بيع منتجات ومستحضرات الشعر والتجميل لصالونات الحلاقة الرجالية والكوافيرات النسائية… وتملك هذه الشركة برنامج كمبيوتر لتنظيم عمل صالونات الحلاقة والكوافير ما يعرف باسم software management حيث مهمة هذا البرنامج تنظيم عمل صالونات الحلاقة والكوافير من خلال مجموعة من الوظائف يقوم بها هذا البرنامج مثل إجراء حسابات يومية وشهرية للمبيعات … تنظيم الزبائن بحيث يسجل عدد المرات التي جاء الزبون لقص شعره وما هي المنتجات التي يشتريها … إلخ . عملي بهذه الشركة يقتصر على تحويل هذا البرنامج من تطبيق ويندوز إلى تطبيق ويب بحيث يصبح بإمكان الكوافير فتح البرنامج من خلال صفحات الإنترنت ومن بعد ذلك تطويره وإدخال وظائف جديدة عليه . ومن ثم الذهاب لكل كوافير أو صالون لإجراء عمليات تنصيب البرنامج الجديد بهيئته الجديدة وعمل تدريب على استخدام البرنامج بهيئته الجديدة .. وهناك مشاريع مستقبلية تريد أن تطورها الشركة مثل الدخول في التجارة الإلكترونية لبيع منتوجاتهم عبر الإنترنت فيما يعرف بـ E-commerce يعني لن يكون لي علاقة في بيع مستحضرات التجميل والشعر ولن أعمل في تلك الصالونات أو الكوافيير…كل عملي مربوط في مجال الحوسبة من برمجة وتنصيب للبرنامج وتعليم الزبائن على استخدامه . والبرنامج والكود الذي سأكتبه سيتم بيعه لصالونات الحلاقة والكوافير وأنا على علم أن هذه الصالونات والكوافير موجودة في إيطاليا ولا تراعي القواعد الشرعية في قص الشعر أو نتف الحواجب أو غير ذلك من أمور التجميل …. أعلم كذلك أن كل الزبائن لن يكونوا من المسلمات المحجبات بل من الكافرات المتبرجات ويأتين لقص شعرهم لزيادة تبرجهم…فهل علي إثم في كتابة هذا البرنامج الذي أعلم أن الشركة التي أعمل معها ستبيعه لتلك الصالونات والكوافير؟ مع العلم أني في حاجة لهذا العمل ومن الصعب أن أجد عملاً حلالاً في أوروبا من أجل مواصلة مسيرتي التعليمية ولكن أؤكد أنني بحاجة ماسة لهذا العمل ولست مضطرا لأني لا قدر الله إن أغلق باب الحلال في وجهي فبإذن الله سأعود إلى بلدي تاركا تعليمي .
الجواب
الحمد لله
أولا :
اعلم أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى ، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان .
قال الله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 .
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر وإزالته بقوله : (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49).
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَلْيُغَيِّرْهُ) هُوَ أَمْر إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة . وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة" انتهى .
وكون عملك في مجال البرمجة ولن تباشر البيع .. إلخ هذا لا يعفيك من المسؤولية ، فأنت وإن كنت لم تباشر العمل الحرام ، لكنك أعنت من يباشره ، ويدعو إليه ويروج له وينشره .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أريد أن أصمم موقعا لشركة أو أعمل برنامج كمبيوتر لها ، وأنا أعلم أن بعض أعمال هذه الشركة حلال ، وبعضها حرام .
فهل يجوز لي أن أفعل ذلك ، علما بأنني لن أباشر فعل الحرام بنفسي وإنما أقوم بتجهيز البرنامج أو أصمم الموقع فقط ، وهم يستعملونه في أعمالهم ؟
فأجاب :
"إذا كان الغالب على عمل الشركة الحرام فلا يجوز له أن يفعل ، وإذا كان الغالب عليها المباح ؛ فيجوز أن يفعل ، وإذا تساوى لا يفعل تغليبا لجانب الحظر" انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم : (11517) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"كل ما يستعمل على وجه محرم ، أو يغلب على الظن ذلك ، فإنه يحرم تصنيعه واستيراده وبيعه وترويجه بين المسلمين" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/109) .
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً :
ما حكم بيع أدوات التجميل الخاصة بالنساء ؟ علماً بأن غالبية من يستعملها من المتبرجات الفاجرات العاصيات لله ورسوله , واللاتي يستخدمن هذه الأشياء في التزين لغير أزواجهن والعياذ بالله ؟
فأجابت :
"إذا كان الأمر كما ذكر فلا يجوز له البيع عليهن إذا كان يعلم حالهن ؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان , وقد نهى الله تعالى عنه بقوله تعالى : (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة /2" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (13/105) .
ثانياً :
الإقامة في بلاد الكفر لا تجوز إلا عند الضرورة أو الحاجة الماسة ، وبشروط معينة .
وانظر هذه الشروط في جواب السؤال رقم (111934) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله محذراً من الإقامة في بلاد الكفر : "وأفيدك بأن الإقامة في بلد يظهر فيها الشرك والكفر , ودين النصارى وغيرهم من الكفرة لا تجوز , سواء كانت الإقامة بينهم للعمل أو للتجارة أو للدراسة , أو غير ذلك ; لقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) .
وهذه الإقامة لا تصدر عن قلب عرف حقيقة الإسلام والإيمان , وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين , ورضي بالله ربا , وبالإسلام دينا , وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .
فإن الرضا بذلك يتضمن من محبة الله , وإيثار مرضاته , والغيرة لدينه , والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة التامة والتباعد كل التباعد من الكفرة وبلادهم , بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة , لا يجتمع مع هذه المنكرات , وصح عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ، بايعني واشترط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين) أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي ، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث السابق , وهو قوله عليه الصلاة والسلام : (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) وقال عليه الصلاة والسلام : (لا يقبل الله عز وجل من مشرك عملا بعد ما أسلم ، أو يفارق المشركين) والمعنى حتى يفارق المشركين .
وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك , والتحذير منه , ووجوب الهجرة مع القدرة , اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة , فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله , وإخراج الناس من الظلمات إلى النور , وشرح محاسن الإسلام لهم , وقد دلت آية سورة براءة : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) على أن قصد أحد الأغراض الدنيوية ليس بعذر شرعي , بل فاعله فاسق متوعد بعدم الهداية إذا كانت هذه الأمور أو بعضها أحب إليه من الله ورسوله , ومن الجهاد في سبيل الله . وأي خير يبقى مع مشاهدة الشرك وغيره من المنكرات والسكوت عليها , بل وفعلها , كما حصل ذلك من بعض من ذكرت من المنتسبين للإسلام .
وإن زعم المقيم من المسلمين بينهم أن له أغراضا من الأغراض الدنيوية , كالدراسة , أو التجارة , أو التكسب , فذلك لا يزيده إلا مقتا " انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (9/403) .
فالنصيحة لك أن تعيد النظر والتفكير في إقامتك في بلد غربي ، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
والله أعلم
منقول
:sdgsdg:
:sdgsdg::sdgsdg:
:sdgsdg::sdgsdg::sdgsdg: