التصنيفات
منوعات

حكم قول لا تأسفن على غدر الزمان

حكم قول ( لا تأسفن على غدر الزمان )

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قيل :

1- لا تاسفن على غدر الزمان لطالما .. رقصت على جثث الأسود كلاب

2- لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها .. فالأسد أسدٌ والكلابُ كلابُ

3- تبقى الأسود مخيفةً في أسرها .. حتى وإن نبحت عليها كلابُ

انتشرت هذه الأبيات في الساحة وفي الانترنت انتشار النار في الهشيم :{ ولأسف فالكثير منا يردد هذه البيات دون تفكر ونظر فيما تحتوي !!
والبيت الأول فيها يصف الزمان بالغدر!! والزمان هو الدهر

وقد جاء في كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي – رحمه الله – " التوحيد " : ( باب من سب الدهر ، فقد آذى الله .
وقول الله تعالى : (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) .
في الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر ، وأنا الدهر أقلب اليل والنهار ) .
وفي رواية : لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) .

قال حفيده فضيلة الشيخ الوزير صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله ورعاه – شارحًا هذا الباب : ( الدهر : هو الزمان اليوم واليلة ، أسابيع الأشهر ، السنون ، العقود ، هذا هو الدهر ، وهذه الأزمنة مفعولة ، مفعول بها لا فاعلة ، فهي لا تفعل شيئًا ، وإنما هي مسخرة يسخرها الله – جل جلاله – وكل يعلم أن السنين لا تأتي بشيء ، وإنما الذي يفعل هو الله – جل وعلا – في هذه الأزمنة ؛ ولهذا صار سب هذه السنين سبًا لمن تصرف فيها ، وهو الله – جل جلاله – لهذا عقد هذا الباب بما يبين أن سب الدهر ينافي كمال التوحيد ، وأن سب الدهر يعود على الله – جل وعلا – بالإيذاء ؛ لأنه سب لمن تصرف في هذا الدهر .

فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة ، وهو أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز ، والتخلص منها واجب ، واستعمالها مناف لكمال التوحيد ، وهذا يحصل من الجهلة كثيرًا ، فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرهم ، سبوا ذلك الزمان ، ولعنوا ذلك اليوم ، أو لعنوا تلك السنة ، أو لعنوا ذلك الشهر ، ونحو ذلك من الألفاظ الوبيلة ، أو شتموا الزمان ، وهذا لا شك لا يتوجه إلى الزمن ؛ لأن الزمن شيء لا يفعل ، وإنما يفعل فيه ، وهو أذية لله – جل وعلا – .

باب : " من سب الدهر " السب يكون بأشياء ، والسب في أصله التنقص ، أو الشتم ، فيكون بتنقص الدهر ، أو يكون بلعنه ، أو بشتمه ، أو بنسبة النقائص إليه ، أو بنسبة الشر إليه ، ونحو ذلك ، وهذا كله من أنواع سبه ، والله – جل وعلا – هو الذي يقلب اليل والنهار .

قال : ( فقد آذى الله ) ولفظ ( آذى الله ) لأجل الحديث ، حديث أبى هريرة قال : ( يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ، أقلب اليل والنهار ) . فيه رعاية للفظ الحديث ، سب الدهر – كما ذكرنا – محرم ، وهو درجات ، وأعلاه لعن الدهر ؛ لأن توجه العن إلى الدهر أعظم أنواع المسبة ، وأعظم أنواع الإيذاء ، وليس من مسبة الدهر وصف السنين بالشدة ، ولا وصف اليوم بالسواد ، ولا وصف الأشهر بالنحس ، ونحو ذلك ؛ لأن هذا مقيد ، وهذا جاء في القرآن في نحو قوله – جل وعلا – : فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ .
" في أيام نحسات " وصف الله – جل وعلا – الأيام بأنها نحسات .

فالمقصود في أيام نحسات عليهم ، فوصف الأيام بالنحس ؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم ، ونحو ذلك قوله – جل وعلا – في سورة القمر : فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ .

يوم نحس ، أو يقول : يوم أسود ، أو سنة سوداء ، هذا ليس من سب الدهر ؛ لأن المقصود بهذا الوصف ما حصل فيها كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم ، وأما سبه أن ينسب الفعل إليه ، فيسب الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوءه ، فهذا هو الذي يكون أذية لله – جل وعلا – .

قال : وقول الله تعالى : وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ : هذه الآية ظاهرة في أن نسبة الأشياء إلى الدهر هذه من خصال المشركين أعداء التوحيد ، فنفهم منه أن خصلة الموحدين أن ينسبوا الأشياء إلى الله – جل وعلا – ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر ، بل الله – جل وعلا – هو الذي يحي ، ويميت .

قال في الصحيح ، عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ) .

قوله هنا : ( وأنا الدهر ) لا يعني : أن الدهر من أسماء الله – جل وعلا – ولكنه رتبه على ما قبله ، فقال : ( يسب الدهر ، وأنا الدهر ) ؛ لأن حقيقة الأمر أن الدهر لا يملك شيئًا ، ولا يفعل شيئًا ، فسب الدهر سب لله ؛ لأن الدهر يفعل الله – جل وعلا – فيه ، الزمان ظرف للأفعال ، وليس مستقلاً ؛ فلهذا لا يفعل ، ولا يحرم ، ولا يعطي ، ولا يكرم ، ولا يهلك ، وإنما الذي يفعل هذه الأشياء مالك الملك ، المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر الذي يجير ، ولا يجار عليه .

إذا فقوله : ( وأنا الدهر ) هذا فيه نفي نسبة الأشياء إلى الدهر ، وأن هذه الأشياء تنسب إلى الله – جل وعلا – فيرجع مسبة الدهر إلى مسبة الله – جل وعلا – ؛ لأن الدهر لا ملك له ، والله هو الفاعل قال : ( أقلب اليل والنهار ) ، واليل والنهار هما الدهر ، فالله – جل وعلا – هو الذي يقلبهما ، فليس لهما من الأمر شيء . نعم ) .

وسئل الإمام الفقيه محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى – عن حكم سب الدهر ، فأجاب قائلاً :
( سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون الوم : فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات والفظ صالح لمجرد الخبر .

القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا حيث نسب الحوادث إلى غير الله .

القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة : فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر ؛ لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافرًا ) . " فتاوى العقيدة " : (1/197) .

—–
منقول




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.