م. عبد اللطيف البريجاوي
المسجد بيت الله سبحانه وتعالى ومكان العبادة, وموطن لالتقاء المسلمين في الحيّ الواحد أو البلدة الواحدة, ومن حرص الإسلام على بقاء هذا المكان سامياً في عيون المسلمين ليؤدي مهامّه العظيمة فقد وضع له آداباً عظيمة, وهذه الآداب العظيمة منها ما هو مخصّص لكل الصلوات ومنها ما هو مختصّ بيوم الجمعة فقط:
أهميّة الذوقيّات في المسجد:
للمسجد ذوقيّاته الخاصّة به, وهي عبارة عن سنن سنّها النبي صلى الله عليه وسلم وسنّته هي الحياة الحقيقية قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } (الأنفال24).
ومن هنا تأتي أهمية تطبيق هذه السنن:
• إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
• نيل الثواب العظيم على ذلك.
• زيادة الألفة بين المصلّين.
• تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج32).
ومن هذه الآداب:
1- اتخاذ الزينة (ستر العورة واللباس الجميل): {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف31)
والزينة اللباس قاله ابن عباس (ابن كثير).
" ولهذه الآية وما ورد في معناها أنّه يستحبّ التجمّل عند الصلاة، ولا سيّما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب لأنّه من الزينة والسواك, لأنّه من تمام ذلك. (ابن كثير الأعراف 31).
إضاءة:
قد يكون خلع اللباس نوع من اتّخاذ الزينة وخاصّة لمن كانت ثيابه متسخة وغير نظيفة أو جواربه متسخة, ولها رائحة كريهة؛ لذا فإنّ خلعها يدخل تحت باب الزينة المطلوبة في المسجد.
2- القدوم إلى المسجد بسكينة وتؤدة:
الصلاة في المسجد دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده للقائه ومقابلته, والمدعو يجب عليه أن يكون متزناً عليه من السكينة والوقار ما عليه, فهو سيقف بين يدي الله سبحاه وتعالى ولذلك وجّه النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند القدوم إلى المسجد فعن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ, وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " (متفق عليه)
عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَينَمَا نَحنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ جَلَبَةً فَقَالَ:" مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا استَعجَلنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فلا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا " (متفق عليه).
إضاءة:
إنّ بعض المصلّين يهرول في المسجد لإدراك ركعة مع الإمام, فإذا به يحدث جلبة تشوّش على الإمام و المصلين ويصل إلى الصف متعباً وهو يلهث فلا يعرف كم صلّى وماذا قرأ, وهو مع كل ذلك خالف السنة النبويّة الغراء.
3- الحفاظ على نظافة المسجد:
المسجد بيت الله سبحانه وتعالى, وأهمّ ما ينبغي للمسلم أن يفعله أن يعظّم هذا البيت تعظيماً لصاحبه, وأوّل أنواع هذا التعظيم أن ينظّف الإنسان المسجد أو على الأقل أن لا يرمي فيه أوساخه وأدرانه, وأن يلتقط وهو خارج من المسجد ما يجده في طريقه, وقد بوب البخاري رحمه الله باباً أسماه بَاب كَنْسِ المَسجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ والقَذَى والعِيدَانِ منه؛ أي: من المسجد.
وجعل الإسلام لتنظيف المسجد الأجر العظيم حتى لو أخرج الإنسان معه من المسجد القذاة الصغيرة, فعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حتَّى القذَاةُ يُخرِجُهَا الرَّجُلُ مِن المَسجِدِ ".(الترمذي 2840). القذاة:"هي ما يقع في العين من تراب أو تبن أو وسخ. (تحفة الأحوذي شرح الترمذيّ).
المكانة العظيمة:
وخادم المسجد في الإسلام ذو مكانة عظيمة ومحترمة, فهو ينظف بيت الله ويعمل عند الله سبحانه في بيته, ومن خطأ بعض الناس أنهم يصغّرون هذا الأمر العظيم وينظرون إليه نظرة دونيّة لكن النبي صلى الله عليه وسلم صحّح هذا المفهوم وصوَّب هذه الرؤية وجعل لخادم المسجد ومنظّفه مكانة عظيمة, فعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَو شَابّاً فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا أَو عَنهُ فَقَالُوا: مَاتَ قَالَ:" أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي" قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ فَقَالَ:" دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ" فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ ". (متفق عليه).
إضاءة:
تنظيف المسجد ليس وظيفة خادم المسجد فقط بل هي وظيفة كل روّاد المسجد وخاصّة أهل الحيّ، ويخطئ بعض الناس في تحميل خادم المسجد وحده مسؤولية ذلك, لذا لا بدّ أن يشارك كل وارد إلى المسجد في نظافة المسجد, أو على الأقل أن لا يحمل في حذائه وجواربه ما يتّسخ به المسجد.
ومما يلحق بنظافة المسجد أن يكون لأصحاب المهن ثوب خاصّ للعمل وآخر للصلاة, وخاصّة يوم الجمعة فعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى المِنبَرِ فِي يَومِ الجُمُعَةِ: " مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَو اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَومِ الجُمُعَةِ سِوَى ثَوبِ مِهنَتِهِ". (ابن ماجه 1085ومالك 223).
" هذا حضٌّ من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على التجمّل للجمعة في اللباس, كما حضّ على التطيب والغسل والسواك, لأنّ يوم الجمعة يوم عيد فكان التجمل مسنوناً فيه كالفطر والأضحى وقوله صلى الله عليه وسلم (لو اتخذ ثوبين لجمعته) دليل على أنّ ذلك أقلّ ما يكون من لبس الجمال وحسن الهيئة على عادتهم من الملابس في ذلك الوقت واتّخاذها للجمعة سوى الثياب التي يمتهنها في سائر أوقاته يفيد قصرها على يوم الجمعة وأن تكون الجمعة مخصوصة بلبسها, وأن تكون له ثياب غيرها يمتهنها ويباشر الأعمال فيها. (المنقى شرح الموطأ).
ومما يلحق بنظافة المسجد عدم البصاق فيه أو في أفنيته وساحاته وما في حكمها, فعن أَنَس بن مَالِكٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ:"التَّفْلُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ. وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا".(مسلم كتاب المساجد باب التفل في المسجد).
"وكفارتها دفنها" واختلف العلماء في المراد بدفنها, فالجمهور قالوا: المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته إن كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها وإلاّ فيخرجها."
كما " أن هذا القبح والذمّ لا يختص بصاحب النخاعة, بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها بدفن أو حكّ ونحوه".(فتح الباري كتاب المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد).
4- عدم تخطي رقاب الناس:
عَن سَهلِ بنِ مُعَاذِ بنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ عَن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ" (الترمذي471)
قال في تحفة الأحوذي:" قوله:(من تخطّى) أي تجاوز (رقاب الناس) أي: بالخطو عليها (يوم الجمعة) ظاهر التقييد بيوم الجمعة أنّ الكراهة مختصة به، ويحتمل أن يكون التقييد خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختصّ ذلك بالجمعة بل يكون سائر الصلوات في حكمها ويؤيدّ ذلك التعليل بالأذية وظاهر هذا التعليل أنّ ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (اتخذ جسراً إلى جهنم): قال العراقي: بمعنى أنّه يُجعل جسراً على طريق جهنم ليوطأ ويتخطى كما تخطى رقاب الناس ; فإنّ الجزاء من جنس العمل… ويجوز أن يكون للبناء للفاعل أي أنّه اتَخَذَ لنفسه جسراً يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك… والظاهر الراجح قول العراقيّ ويؤيّده لفظ مسند الفردوس: جعله الله يوم القيامة جسراً والله تعالى أعلم. وروى العراقيّ عن كعب الأحبار أنّه قال: لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطّى الرقاب، وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي, وهكذا أطلق النوويّ بالروضة، وقيد ذلك في شرح المهذب فقال: إذا لم يجد طريقاً إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطّي لم يكره لأنه ضرورة". (انتهى كلام المباركفوري).
ومن ذلك ما رواه النسائي عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ بُسْرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ –يوم الجمعة – فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيْ اجلِسْ فقَد آذَيتَ ".(النسائي1382).
إضاءة:
بعض الناس يحبّ أن يكون في الصف الأوّل دائماً وبعضهم يحبّ أن يرى الخطيب وهو يخطب, ومع ذلك يأتي الواحد منهم متأخّراً ثمّ يتخطّى رقاب الناس, وللأسف فإنّ الرجل يأتي ليحصد الحسنات فإذا به ُيجعل جسراً على جهنم يطؤه الناس, فلا بدّ لهذا الرجل أن يجتهد ويبكر قليلاً إلى المسجد حتى يتسنّى له ما يريد.
5- الاغتسال يوم الجمعة والمسّ من الطيب:
من السنن المهمّة في الحياة الاجتماعية للأمّة أنّ الإسلام أوجب غسل الجمعة على كل محتلم ومن ذلك من الفوائد مالا يحصى فالمسلم سيلاقي إخوانه ويزور المسجد, فلا ينبغي أن تكون رائحته كريهة وجسمه وسخاً فينفر منه الناس ويمجّونه قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اغتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغسِلُوا رُؤوسَكُمْ وَإِن لَم تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِن الطِّيبِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي. (البخاري853).
وجعل لذلك ثواباً عظيماً فعن َأَبِي هُرَيرَةَ قَال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَن اغتَسَلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِن أَحسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِن طِيبٍ إِن كَانَ عِندَهُ, ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَلَم يَتَخَطَّ أَعنَاقَ النَّاسِ, ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِن صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا". (أبوداود290)
إضاءة:
بعض الناس منذ سنوات يجهل أنّ الاستحمام يوم الجمعة واجب على كل محتلم, وهو يغتسل غير يوم الجمعة وينظّم حياته بطريقة بعيدة عن هدي الإسلام, ويقول: إنّ الغسل غير يوم الجمعة لا يؤثر المهم أنّ تحصل النّظافة, وهو بذلك إن لم يخسر شيئاً في ظنّه فإنّه يخسر تطبيق السنّة, وكفى بذلك خسراناً.
6- تجنب الروائح الكريهة عند القدوم إلى المسجد:
ومن المحسّنات الاجتماعيّة والتي ربطها الإسلام بالسنّة النبويّة أن يقدم الإنسان إلى المسجد متطيّباً حرصاً منه على مقابلة العدد الوافر من المسلمين برائحة ذكية, لأنّ الرائحة الجميلة للإنسان تعكس اهتمامه بالمكان الذي يذهب إليه كما أنها تعبر عن نفسية متفائلة ومرحة ومقبلة على الآخرين بحبّ وشوق, ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بالطيب وتنفيره من كل رائحة كريه حتى ولو كانت طعاماً فعن جَابِر، قالَ: قالَ رَسولُ الله: "مَنْ أَكَلَ مِن هَذِهِ قال أوَّلَ مَرَّةٍ الثوم ثُم قَالَ الثومَ والبَصَلَ والكُرَّاثَ، فلا يَقْرَبْنَا في مساجدنا ".(الترمذي كتاب الأطعمة باب ماجاء في كراهة أكل الثوم).
إضاءات:
– من المستحبّ أن توضع زجاجة عطر على باب المسجد ليتعطّر منها أصحاب المهن التي لها رائحة كريهة (الجزّار مثلاً).
– بعض روائح العطر الثقيل تؤذي المصلّين أكثر من رائحة الثوم والبصل.
– من المستحب أن يوضع عند باب المسجد نوع من البرانس أو القمصان التي يمكن أن يلبسها من اضطر لدخول المسجد وثيابه متسخة فيلبسها فوق ثيابه.
7- تغير الجلسة حال النعاس:
قد يحضر الواحد منا صلاة الجمعة وهو متعب, فما إن يجلس ليستمع إلى خطبة الجمعة حتى يستسلم للنوم ويشعر بكلام الخطيب يقوده بهدوء إلى النوم ويسلمه إليه, فيضيّع عليه الفائدة المنوطة بصلاة الجمعة؛ ولذلك حمّل الإسلام مسؤولية الاستفادة من صلاة الجمعة في مثل هذه الحالات للمرء نفسه حيث أمره أن يغير جلسته ويتحوّل من مكانه إن هو أصابه نعاس فعَن ابنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُم يَومَ الجُمُعَةِ فَليَتَحَوَّلْ مِن مَجلِسِهِ".(الترمذي484).
إضاءة:
من التقوى أن لا يطلب المصلّي من المسجد ما لا يجده في بيته كأن يعلو صوت الواحد منّا من أجل الماء الساخن في المسجد في فصل الشتاء وهو لا يتوضّأ به في بيته, أو أن يعلو صوته في المسجد لأنّ جهاز التبريد (المكيّف) لا يعمل وهو لا يملك في بيته جهازاً للتبريد.
8- الخروج من المسجد:
للخروج من المسجد أيضاً آدابٌ راقيّة وسنن تنظيميّة فالمسلم بعد أن أدى العبادة المطلوبة منه لا بد أن يتحلى بآثار هذه العبادة في تحسين ذوقه والارتقاء به إلى السنّة الصحيحة, فالسنّة الصحيحة هي الكمال الذوقيّ بعينه. ومن هذه الآداب ألاّ يسرع بالخروج من المسجد قبل النساء حتى لا يشكل ازدحاماً أو اختلاطاً لا يرضاه الإسلام.
كيفية الخروج من المسجد:
إذا اجتمع نساء ورجال في المسجد فإن خروج الطرفين في وقت واحد يحدث نوعاً من الاختلاط غير المحمود, ولذلك وجّه الإسلام أن تخرج النساء أوّلاً ثمّ بعد ذلك يخرج الرجال فعن أُمّ سلمَةَ زوجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت:"إن النساءَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كنَّ إذا سَلَّمنَ منَ المكتوبةِ قُمنَ وَثَبَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَن صلَّى مِن الرجالِ ما شاءَ اللهُ، فإذا قامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قامَ الرجالُ". (البخاري كتاب الأذان باب انتظار الناس قيام الإمام).
قال ابن حجر في الفتح:" وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين، والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت، ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط أن لا يستحبّ هذا المكث، وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة ” أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".(فتح الباري كتاب الأذان باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام).
ومن الآداب الأخرى أن يدعو بدعاء الخروج من المسجد فعَن أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".(مسلم كتاب صلاة المسافرين باب ما يقول إذا دخل المسجد). و" قال الطيبي: لعلّ السرّ في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أنّ من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته. فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل. (عون المعبود كتاب الصلاة باب ما يقول عند دخوله المسجد).
إضاءات:
– بعض الناس يحدث زحمة عند الخروج من المسجد لا سبب لها, فهو ليس منشغلاً ولا مستعجلاً ولكنّه يهرب من المسجد بسرعة ولو تعبد الله بالانتظار قليلاً لأخذ ثواب الاعتكاف وثواب دفع الأذى عن المسلمين.
– وآخرون من المسلمين يحدثون جلبة غريبة عند الخروج من المسجد وخاصّة عندما يرمي أحدهم حذاءه على الأرض, فيزعج جاره ويحدث غباراً يسد أنوف المصلين,كما أنّه يشوش على من بقي في المسجد مصلّياً.
9- آداب المرأة إذا خرجت إلى المسجد:
أباح الإسلام للمرأة أن تخرج إلى المسجد وتصلّي فيه, ولم يشترط لذلك شرطاً سوى عدم الفتنة وإذن الزوج, وقد أفرد الإمام مسلم باباً أسماه باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة.(مسلم كتاب المساجد).
" ويلحق بالطيب ما في معناه؛ لأنّ سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال".(فتح الباري كتاب الأذان باب انتظار الناس قيام الإمام).
المرجع كتاب ذوقيات إسلامية للمؤلف م.عبد اللطيف البريجاوي
و جزاك كل الخير