بسم الله الرحمن الرحيم
بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
[العنكبوت: 49]
طريقة إبداعية
لحفظ القرآن الكريم
تأليف عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
قرأت الكثير من الكتب والمقالات والأبحاث ….
وتأثَّرتُ بالكثير من الشخصيات والأحداث والظروف…
وتعلَّمتُ الكثير من الأشياء في حياتي…
ولكن الشيء الوحيد الذي غيَّر حياتي بالكامل هو:
حفظ القرآن الكريم ….
فكل ما أنا فيه اليوم من إبداع واكتشافات وكتابات وسعادة لا توصف وراحة فكرية لا تُقدَّر بثمن كان سببها حفظ القرآن…
ولذلك فإن أول وآخر نصيحة أنصحها وأتمنَّاها لكم أن تقوموا بهذه التجربة الرائعة … تجربة حفظ القرآن الكريم … فقد تكون قراءتكم لهذا الكتيب البسيط سبباً في إحداث تغيير كامل في حياتكم … فإذا قررتم فعل ذلك ونجَحتم فلا تنسوني من دعائكم…
أخي المؤمن … أختي المؤمنة
فيما يلي خطوات عملية في برنامج متكامل لحفظ القرآن الكريم من دون معلم، ومن خلال عدة دروس فقط سوف نعيش مع طريقة ممتعة وسهلة تساعدنا على الحفظ والتدبر وإعادة برمجة حياتنا على ضوء كتاب الله تعالى.
فمَن منا لا يتمنى أن يحفظ كتاب الله تعالى كاملاً؟ من منا لا يحلم بأن يكون القرآن العظيم رفيقه في حياته الدنيا؟ ومن منا لا يرضى بأن يكون القرآن نوراً له في ظلمات قبره؟ وهل يوجد مؤمن لا يقبل بأن يلقى الله تعالى وهو حافظ لكلام الله؟
الأمنيات كثيرة ولكن تحقيقها ليس بالأمر السهل، هكذا يظن بعض القراء، فالجميع قد مرّ بمحاولة لحفظ القرآن ولكنه سرعان ما نسي ما كان يحفظه، بل هنالك أشخاص عندما يقرأون القرآن لا يكادون يفهمون شيئاً منه.
ولكنني أطمئن الجميع بأن هذه الأفكار غير صحيحة، ومن خلال تجربتي الشخصية فقد وجدتُ بأن أسهل عمل يمكن أن يقوم به المرء هو حفظ آيات من كتاب الله تبارك وتعالى. وهذه ليست تجربتي فقط بل إن كل من حفظ كتاب الله وأتقن تلاوته وأحكامه يخبرك الحقيقة ذاتها.
ولكن إذا كان حفظ القرآن سهلاً لهذه الدرجة فلماذا يعاني كثير من المؤمنين من صعوبة الحفظ؟ وتجد آخرين يشكون سرعة النسيان فما هو الحل؟
قبل كل شيء يجب أن نتذكر قول الله تعالى عن القرآن: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 17]. هذه الآية تؤكد أن القرآن ميسر لكل من أحب أن يتذكر، وتيسير القرآن يشمل تلاوته وحفظه وفهمه وتدبره وعجائبه….
إذن الحقيقة الإلهية التي ينبغي علينا أن ندركها أولاً هي أن الله تعالى سييسر حفظ القرآن لمن نوى نية صادقة على ذلك، وسوف يهيئ له الله الظروف المناسبة لحفظ القرآن إذا عزم على حفظ القرآن وتوجه إلى الله بقلب سليم وطلب منه العون.
مشروع للدنيا والآخرة
في البداية عليك أن تخطط جيداً لهذا المشروع الذي سيغير حياتك بالكامل كما غير حياة من حفظ القرآن من قبلك. والتخطيط السليم لأي مشروع يقتضي منك دراسته جيداً، ودراسة فوائده ونتائجه، ودراسة أقصر طريق لتنفيذه. ومن دون ذلك سوف يكون المشروع غير مثمر، وهذا سبب فشل الكثيرين ممن يحاولون حفظ القرآن، ثم يجدون أنفسهم شيئاً فشيئاً يبتعدون عن القرآن ويصابون بنوع من الإحباط مما يؤدي إلى حدوث حاجز بينهم وبين القرآن.
ولذلك وبعد تفكير طويل في الأسباب الحقيقية التي تجعل عملية حفظ القرآن عملية صعبة للغاية بالنسبة لكثير من الناس وجدتُ بأن الهدف غير موجود لدى هؤلاء، ولذلك من السهل أن يتخلّوا عن حفظ القرآن، لأنهم لم يدركوا الفوائد الحقيقية في الدنيا والآخرة لهذا المشروع الكبير.
ولكن هنالك أسئلة لا بد من الإجابة عنها قبل أن تبدأ بحفظ هذا القرآن، وليكونَ مشروعك مثمراً إن شاء الله! فلكلّ إنسان منا مشاريعه الخاصة في حياته، وقد يكون أفضل عمل تقوم به هو حفظ كتاب الله تعالى.
لماذا أحفظ القرآن؟
هذا سؤال ينبغي عليك أن تتوجه به إلى نفسك، وينبغي أن تكون الإجابة واضحة في ذهنك، فلماذا تحفظ القرآن؟ وكلما كانت فوائد هذا العمل أكثر كلما كانت همَّتك أعلى واستطعت تحقيق الهدف بسهولة، فما هي فوائد حفظ القرآن الكريم؟ ينبغي أن تكون الصورة واضحة لديك أخي القارئ حتى تدرك أهمية الحفظ وفوائده والمنافع التي ستحصل عليها من حفظ القرآن.
فوائد حفظ القرآن الكريم
1- بما أن القرآن هو كلام الله تعالى فإنك عندما تحفظ هذا الكلام في صدرك سيكون ذلك أعظم عمل تقوم به على الإطلاق! لأن حفظ القرآن سيفتح لك أبواب الخير كلها! وتذكَّر أن المهمة الأساسية التي جاء من أجلها سيد البشر صلى الله عليه وسلم هي: القرآن!
2- إن حفظ القرآن يعني أنك تأخذ على كل حرف عشر حسنات! وإذا علمت مثلاً بأن عدد حروف أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر 42 حرفاً، وهذه السورة يمكن قراءتها في خمس ثوانٍ، وهذا يعني أنك كلما قرأتها سوف يزيد رصيدك عند الله تعالى 420 حسنة، وكل حسنة من هذه الحسنات خير من الدنيا وما فيها!! وتأمل كم من الحسنات ستأخذ عندما تقرأ القرآن كله والمؤلف من أكثر من ثلاث مئة ألف حرف!!!
وفكّر معي كم من الحسنات ستكسب عندما تحفظ هذا القرآن، وتكرره باستمرار، حتى يصبح جزءاً من حياتك!
3- القرآن يحوي علوم الدنيا والآخرة، ويحوي قصص الأولين والآخرين، ويحوي الكثير من الحقائق العلمية والكونية والطبية والتشريعية، ويحوي أيضاً كل الأحكام والقوانين والتشريعات التي تنظم حياة المؤمن وتجعله أكثر سعادة. هذا الكتاب العظيم هو الوحيد الذي يخبرك عن قصة حياتك منذ البداية، ويخبرك عن أهم لحظة في حياتك وهي لحظة الموت وما بعدها، ويخبرك بدقة تامة عن يوم القيامة والحياة التي ستكون فيها خالداً إما في الجنة وإما في النار، أعاذنا الله منها….. وهذا يعني أنك عندما تحفظ القرآن إنما تحفظ أكبر موسوعة على الإطلاق!
4- هذا القرآن والذي تحفظه وتحافظ عليه اليوم سيكون رفيقك لحظة الموت!! وسيكون المدافع عنك والشفيع لك يوم يتخلى عنك أقرب الناس إليك. يقول صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة)، وهل هنالك أجمل من لحظة تقابل فيها الله تعالى يوم القيامة وأنت حافظ لكلامه في صدرك؟!
5- عندما تحفظ القرآن سوف تمتلك قوة في أسلوبك بسبب بلاغة آيات القرآن، سوف تصبح أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين والتحمّل والصبر، سوف تكون في سعادة لا توصف، فحفظ القرآن ليس مجرد حفظ لقصيدة شعر أو لقصة وأغنية! بل إنك عندما تحفظ القرآن إنما تُحدث تغييراً في نظرتك لكل شيء من حولك، وسوف يكون سلوكك تابعاً لما تحفظ.
فقد سئلت سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خُلُقه القرآن)!! فإذا أردت أن تكون أخلاقك مثل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليك بحفظ القرآن.
6- القرآن شفاء للأمراض الجسدية والنفسية، فإذا كانت تلاوة الفاتحة على المريض تشفيه بإذن الله، فكيف بمن يحفظ كتاب الله كاملاً؟ سوف تتخلص من الوساوس الشيطانية، سوف تزداد مناعة جسمك للأمراض بسبب التحول الكبير الذي ستمر به أثناء حفظك للقرآن، وهذا الكلام ليس نظرياً بل هو عن تجربة عشتها أنا وغيري ممن حفظوا ولو أجزاء قليلة من كتاب الله تعالى.
وقد أثبتّ في بحث بعنوان: آفاق العلاج بالقرآن، وجود قوة شفائية غريبة في كل آية من آيات هذا الكتاب العظيم.
7- بمجرد أنك قررت أن تحفظ القرآن لن يبقى لديك أي وقت للفراغ أو الملل أو الإحساس بالقلق والاكتئاب أو الخوف. القرآن سوف يزيل كل الهموم والأحزان وتراكمات الماضي، حفظ القرآن هو بمثابة تفريغ للشحنات السالبة التي تملأ دماغك، ولذلك عندما تبدأ بهذا المشروع سوف تحس بأنك قد وُلدت من جديد.
ولكن ما الذي يحول بيننا وبين حفظ القرآن في قلوبنا؟ ولماذا يحاول كثير من الناس أن يحفظوا كتاب الله تعالى فلا يستطيعون؟ أحد أهم الأسباب حسب وجهة نظري هو مشكلة كبيرة يجب التغلب عليها، ولكن ما هي؟
ما هي أكبر مشكلة تواجهك في هذا المشروع؟
إن المشكلة الكبرى والتي ربما يجهلها كثيرون هي أن للقرآن أسلوباً فريداً لا يوجد في أي كتاب آخر، وهذا أمر طبيعي لأن كلام الله لا يمكن أن يكون مثل كلام البشر، فنحن تعودنا في البيئة التي عشنا فيها على كلام من حولنا من البشر، ولكن لابد أن نتعود على هذا الأسلوب الجديد تماماً، وهذا يعني أنك ستستغرق وقتاً لتألَف هذا الأسلوب، وذلك حتى تتفاعل كل خلية من خلايا جسدك مع كلام الله تعالى، يقول تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].
ويمكن أن أحدثكم عن شيء كان يحدث معي وهو في مرحلة متقدمة من حفظ القرآن كنتُ كلما سمعتُ القرآن تدمع عيني وأحس بلذة لا يمكن أن توصف أو تعادلها لذة أخرى.
أخي المؤمن … أختي المؤمنة: إن تجاوز هذه المرحلة هو الأهم في مشروع حفظ القرآن، ومعظم الذين يبدؤون بحفظ القرآن ثم يتركون هذا العمل لاحقاً ولا يستمرون فيه إنما سبب ذلك هو أنهم لم يألفوا أسلوب القرآن فتجدهم يحسون بصعوبة الحفظ ويحسون بضيق وثقل ولا يعلمون سبب ذلك.
إنك أخي القارئ إذا علمت كيف يتم تخزين المعلومات في دماغك، سوف تكون هذه العملية أسهل بكثير. فقد يمر شهر كامل حتى تحفظ صفحة واحدة في البداية، ولكنك بعد ستة أشهر سوف تحفظ هذه الصفحة خلال ساعتين!!!
وهذا كلام علمي لأن تخزين المعلومات في خلايا الدماغ يتم وفق نظام تراكمي متسارع، فالصفحة الأولى تحتاج زمناً طويلاً، والصفحة الثانية تحتاج زمناً أقل وهكذا حتى تصل إلى مرحلة يكون فيها الحفظ عملية ممتعة جداً وسهلة جداً. ولذلك يقول تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 17].
ميزات هذه الطريقة
أخي المؤمن! إن الطريقة الجديدة التي ستتعلمها معنا لها ميزات متعددة:
1- إنها طريقة عملية وسهلة جداً، ولا تحتاج لشيخ أو معلم أو مقرئ، بل تعتمد على التعليم الذاتي، وقد جربتها قبلك وآتت ثمارها.
2- إن حفظ القرآن بهذه الطريقة لا يعني مجرد الحفظ، بل ستوسع أفق المعلومات لديك، وقد تساعدك على استنباط بعض عجائب القرآن بنفسك.
3- هذه الطريقة لا تحتاج لوقت معين أو نظام محدد، بل تستطيع تطبيقها في أي وقت تشاء، وفي أي كيفية تكون فيها.
4- إن هذه التجربة التي ستعيشها، أي تجربة حفظ القرآن، ستكون أجمل تجربة في حياتك، وسوف تكتسب قدرات ليس على حفظ القرآن فقط، بل على حفظ أي معلومات تحتاجها في حياتك، ولا تعجب إذا قلت لك إن هذه الطريقة جعلتني أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المهمة في حياتي!
لقد جعلتني هذه الطريقة أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الصعبة، فهي بحق إعادة شاملة لبرمجة الدماغ ونزع كل ما هو سلبي، واستبداله بأشياء إيجابية.
كيف أبدأ بحفظ القرآن؟
إن أول خطوة على طريق حفظ القرآن بإتقان، هي أن تعتقد بأن هذا المشروع هو أهم مشروع في حياتك! وأن هذا المشروع لن يأخذ من وقتك شيئاً!!! لأن الله سيبارك لك في الوقت وسوف تجد بأن بقية أعمالك لن تتعطل، بل ستزدهر وتصبح أكثر تيسيراً من قبل، وهذا ما حدث معي قبلك.
إياك أن تظن بأن حفظ القرآن يحتاج لأي وقت، فمهما أمضيت من وقتك في قراءة القرآن وتدبره وحفظه، فلن ينقص الوقت لديك بل سيزداد. وسوف أضرب لك مثالاً لتقريب هذا الأمر.
إذا كان لديك وقت تخصصه للدراسة من أجل النجاح في الامتحان، وأخذت منه شيئاً في حفظ القرآن، فما هي النتيجة؟
النتيجة الظاهرية: سوف تتأثر دراستك سلبياً لأن عدد الساعات المخصص أصبح أقل، ولذلك لا يمكن إنجاز الدروس بشكل كامل، أي أن الدراسة ستتعطل، وقد تؤثر على نتيجة الامتحان النهائي في المدرسة أو الجامعة.
ولكن هل هذا حقيقي؟ بالطبع لا! لأن حفظ القرآن سيطور المدارك لديك ويوسع آفاق التفكير ويكسبك قدرة هائلة على الحفظ والفهم والاستيعاب أكثر بكثير من ذي قبل. وعندما تحفظ شيئاً من القرآن وتتقن هذا الحفظ سوف تلاحظ بأنك تستطيع حفظ دروسك خلال زمن أقل بكثير من الماضي، وهذا ما حدث معي تماماً.
فقراءة الصفحة من أي مقرر وفهمها كان يستغرق معك مثلاً نصف ساعة، ولكن بعد إتقانك للقرآن سوف تجد بأنك خلال نصف ساعة ستنجز ثلاث أو أربع صفحات وبكفاءة أعلى من السابق، أي أن أداءك الدراسي سيتحسن كثيراً بعد حفظ القرآن.
سوف يتحسن أداؤك أثناء الامتحان أيضاً، لأن حفظ القرآن يمنحك الاستقرار النفسي والذهني، ويمنحك الثقة بأن الله تعالى هو من سيحدد نتيجة امتحانك وليس جهدك وعملك. وهذا الاستقرار وهذه الثقة وهذا الاستقرار أثناء الامتحان هو نصف النجاح.
لنبدأ معاً هذا المشروع الرابح…
أرجو منك عزيزي القارئ أن تبدأ بسماع القرآن المرتل لأطول فترة ممكنة، ولكن لماذا هذه الخطوة؟ إن الحاجز كما أخبرتك والذي يقف عائقاً بينك وبين حفظ القرآن هو عدم استجابة دماغك لهذا القرآن بسبب الأسلوب المميز للقرآن والذي يعتبر غير مألوف بالنسبة إليك.
ويمكنك أن تسمع القرآن بواسطة جهاز الكمبيوتر، أو بواسطة التلفزيون أو بواسطة آلة التسجيل، وجميعها وسائل هيأها الله لنا لنستفيد منها وننتفع بسماع القرآن من خلالها. ويمكنك أن تركز في البداية على السور القصيرة في آخر المصحف وتستمع إليها عدة مرات كل يوم، وبخاصة بعد الاستيقاظ من النوم، وقبل النوم مباشرة.
وإذا كنت تستطيع أن تنام على صوت القرآن المرتل فهذا الأمر له أثر كبير في تخزين القرآن في عقلك الباطن! وهذا يؤدي إلى حفظ دائم لآيات القرآن، أي أن العقل الباطن لديك يخزن هذه الآيات وتستطيع أن تسترجعها في أي وقت تريد.
يجب أن تكرر سماع السورة ذاتها مرات عديدة، وذلك لتصبح مألوفة بالنسبة إليك، أما الكلمات التي تسمعها للمرة الأولى ولا تفهمها، فسوف تجد نفسك عندما تكرر سماع السورة أنها أصبحت مألوفة وقريبة لك، وكأنك تفهمها.
وقد تعجب أخي الحبيب إذا أخبرتك بأنني بعدما حفظت القرآن أصبح أجمل شيء عندي هو سماع القرآن المسجل بصوت عذب من أحد القراء. وقد تعجب أكثر إذا أخبرتك بأنني كنت أمضي معظم وقتي في سماع الأغاني بل كنت أعزف على بعض الآلات الموسيقية، ولكنني بعدما بدأت بسماع القرآن لفترات طويلة، لم يعد يطربني أي شيء إلا كلام الله تعالى!
ولكن هنالك حديث شريف يجب أن تتعلمه وهو قول الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه)، بعدما سمعتُ هذا الحديث قررتُ أن أترك كل وسائل اللهو عن ذكر الله، فعوضني الله بالقرآن، فهل تترك يا أخي ما يلهيك عن ذكر الله وتسأل الله تعالى أن يبدلك خيراً منه؟!
ما هي الخطوة الثانية؟
يمكنني أن أخبرك عزيزي القارئ بأن القرآن قد غير حياتي بالكامل، فلماذا لا تغير حياتك وتقرر منذ هذه اللحظة أن تقوم بهذا المشروع الرابح وتبدأ بأول خطوة نحو حفظ القرآن وهي اتخاذ القرار بذلك؟
هنالك بعض التساؤلات التي تخطر ببال كثير ممن يرغبون بحفظ القرآن، ولا بد من الإجابة عنها قبل البدء بالخطوة التالية في حفظ القرآن الكريم.
ومن هذه الأسئلة: كيف يكون سماع القرآن المرتل، وهل نستمع لسورة كاملة مرات عديدة في اليوم؟ وما هي الأوقات المناسبة لسماع القرآن؟
كيف يكون سماع القرآن المرتل؟
اعلم أخي المؤمن أن جميع الأوقات مناسبة لسماع القرآن، فالمؤمن يذكر الله في جميع حالاته، واقفاً وجالساً وعلى جنبه وقبل أن ينام وعند الاستيقاظ، وعندما يكون في عمله، وعندما يمشي في الشارع، بل وعندما يكون بين أصدقائه وأهله، المؤمن يذكر الله في كل الأوقات، وكذلك سماع القرآن ليس له وقت، إنما ينبغي على من يود الحفظ أن يستمع إلى القرآن المرتل قدر المستطاع. يقول تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 191].
هل نستمع لسورة كاملة مرات عديدة في اليوم؟
وأنا أفضل أن أكرر سماع السورة ذاتها مرات عديدة كل يوم حتى تصبح ألفاظها مألوفة للسامع. فمثلاً إذا أردت أن تحفظ سورة النمل فيجب عليك أن تستمع لهذه السورة بصوت أحد القراء عدة مرات كل يوم، ولعدة أيام. وبالتالي ستصبح عملية الحفظ بعد ذلك سهلة جداً، وقد اتبعتُ هذه الطريقة وآتت ثمارها وقد حفظتُ القرآن من دون أن أبذل جهداً كبيراً لأنني كنتُ أستمتع بسماع القرآن.
ما هو الزمن المثالي لحفظ القرآن كاملاً؟
ينبغي أن نعلم بأن الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام قد حفظ القرآن في 23 سنة!!! وهي المدة التي نزل خلالها القرآن. ومن خلال الأحاديث النبوية الشريفة فإنه لا يوجد زمن محدد للحفظ، بل يمكنك أخي القارئ أن تحفظ ما ييسره الله لك من كتابه، وتنوي نية صادقة أن تتم حفظه.
لا تيأس إذا لم تتوافر الظروف المناسبة للحفظ، أنت فقط اسأل الله تعالى أن يهيئ لك الظروف المناسبة وسوف يستجيب الله لدعائك، فقد تتمكن من حفظه في أشهر وقد تستغرق سنوات، ولكن المدة التي أجدها مناسبة لمن أحب أن يضع برنامجاً زمنياً هي سنتان.
فإن الإنسان العادي يمكنه أن يدرّب نفسه على أسلوب القرآن من خلال سماعه وتأمل آياته ومعانيها ومحاولة الخشوع وفهم معاني الآيات التي يستمع إليها، ثم تثبيت الحفظ من المصحف مباشرة، ومن خلال هذا الأسلوب أي أسلوب الاستماع إلى السورة مرات عديدة ثم قراءة هذه السورة من المصحف وتكرارها حتى يتم تثبيتها في الذاكرة، في هذا الأسلوب يمكن أن يحفظ الإنسان العادي في الشهر الأول 10 صفحات، فهو الشهر الأصعب بين أشهر الحفظ الـ 24 ثم في الشهر الثاني يتحسن الأداء فتجد أنك أخي القارئ تحفظ 15 صفحة، وفي الشهر الثالث يصبح أسلوب القرآن مألوفاً بالنسبة لك فتحفظ 20 صفحة، وهكذا خلال سنتين تجد نفسك حافظاً لكتاب الله تعالى بكل سهولة ويسر.
سألني أحد القراء كم استغرقتَ في حفظ القرآن؟
بالنسبة لتجربتي في حفظ القرآن وكم استغرقتُ من زمن لحفظ كتاب الله تعالى أقول بأنني لم أفكر أبداً أثناء حفظي لكتاب الله تعالى بالزمن أو كم حفظتُ، بل كل همِّي كان إرضاء الله عز وجل، وكنتُ أقول دائماً إنني أريد الأجر الكبير من الله والقرب منه سبحانه، وكنتُ أعلم بأن المؤمن قد يحفظ سورة (قل هو الله أحد) ويكون عند الله في أعلى الدرجات بسبب إخلاصه وصدقه مع ربه، وهذا ما يجعل المؤمن أكثر حفظاً لكتاب الله لأن الله يعينه على الحفظ.
وريما سمعنا بقصة ذلك الصحابي الجليل الذي كان يقرأ بـ (قل هو الله أحد) في كل صلاة، فقال له النبي الأعظم ما الذي حملك على ذلك، فقال إني أحب هذه السورة لأن فيها صفة الرحمن، فأخبره النبي الكريم أن الله يحبه أيضاً!
أما الذي يريد حفظ القرآن ليفتخر به ويحصل على شهادة أو إجازة يظهرها للناس، فهذا ولو حفظ القرآن فإن ثوابه سيكون قليلاً، وربما جميعنا يعلم ذلك الرجل الذي أول من تسعّر به النار يوم القيامة، وهو رجل حفظ القرآن وقرأه ليقال عنه قارئ ويفتخر بحفظه أمام الناس ولا يريد وجه الله تعالى، فهذا أخذ الأجر في الدنيا، وليس له في الآخرة من شيء.
إذن أخي الكريم وأختي الكريمة أقول دائماً: إن القليل من الحفظ مع الإخلاص خير من الكثير من الحفظ من دون إخلاص.
كيف أحفظ سورة من القرآن؟
تعتمد الطريقة الجديدة في الحفظ على ثلاثة مراحل:
1- مرحلة سماع القرآن المرتل.
2- مرحلة التفهم والتدبر والتعمق في الكلام الذي نسمعه.
3- مرحلة تثبيت الحفظ من المصحف.
تناولنا فيما سبق أهمية سماع القرآن، والاستماع إلى القرآن له الأثر الأكبر في الحفظ الطويل الأمد. وهذه الطريقة ليست جديدة أو مبتكرة بل هي طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!
فقد كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يحفظ القرآن بسماعه من جبريل عليه السلام، إذن المرحلة الأولى هي الاستماع وتكرار هذه العملية.
مرحلة تفهم وتدبر والتعمق في الكلام الذي نسمعه
المرحلة الثانية وهي مرحلة مهمة جداً في تسهيل عملية الحفظ وجعلها عملية مشوقة وممتعة، فعندما تتدبر ما سمعته من آيات القرآن وتفهم هذه الآيات بشكل جيد، فإن ذلك سيرسخ هذه الآيات في ذاكرتك لوقت أطول، وسوف تكتشف أشياء جديدة في دلالات الآيات.
ولكن كيف نتدبر القرآن؟ والله تعالى يقول: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]. إن الذي يتأمل هذه الآية يدرك على الفور أن كل من لا يتدبّر القرآن فهو مقفل القلب، وكأن هنالك أقفالاً على قلبه المغلق أمام كلام الله تعالى، نسأل الله تعالى ألا نكون منهم.
إن أفضل طريقة لتثبيت الحفظ هي أن تفهم ما قرأته، وسوف أضرب لك مثلاً على ذلك. في سورة النبأ كنتُ غالباً ما أنسى ترتيب الآيات في المقطع الأول من السورة وهو قوله تعالى في أول 16 آية من هذه السورة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [النبأ: 1-16].
فقد كنتُ أقرأ هذا المقطع من السورة عن ظهر قلب ثم إذا وصلتُ إلى قوله تعالى:
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
كنتُ أخطئ في تسلسل هذه الآيات بسبب تشابهها، ولكن عندما تعمقت في المعنى اللغوي لها أدركتُ أن هنالك تسلسلاً علمياً دقيقاً لهذه الآيات!
فنجد أن النوم يُذكر أولاً ثم الليل ثم النهار، لماذا؟ لأن النوم من الممكن أن يكون في النهار أو في الليل، فالإنسان ينام في الليل وقد ينام في النهار، وهو آية عظيمة من آيات الله ونعمة كبيرة، ثم تأتي بعدها نعمة الليل ثم نعمة النهار، وقد تقدم ذكر الليل على النهار لأن الليل هو الأصل، وغالباً في القرآن يأتي الليل أولاً، أي يأتي ذكر الليل قبل ذكر النهار، وهكذا أصبح ترتيب الآيات الثلاث كما يلي: النوم – الليل – النهار، وأصبحتُ لا أخطئ أبداً في تلاوة هذه الآيات وذلك بسب ربط معنى هذه الآيات بالحقائق العلمية.
كذلك كنتُ أخطئ في ترتيب هذه الآيات أيضاً:
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
فكنتُ أحياناً لا أعرف ما هي الآية التي سأقرؤها أولاً وما هي الآية التالية، ولكن عندما تعمقتُ في الدلالات العلمية لهذه الآيات أصبحت سهلة الحفظ ولم أعد أخطئ في ترتيبها.
فالآية الأولى (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) هذه الآية تتحدث عن خلق السموات السبع فهي شديدة البناء ومحكمة، ثم يأتي الحديث عن السراج الوهاج وهو الشمس، لأن الشمس قد ثبُت يقيناً أنها عبارة عن فرن نووي ملتهب يحرق الوقود النووي ويبث الحرارة والضوء تماماً مثل السراج الذي كان القدماء يستخدمونه في الإضاءة.
ثم يأتي ذكر المعصرات وهي الغيوم حيث ينزل الله منها المطر الغزير، وهنا توجد لفتة علمية رائعة، فالشمس هي التي تبخر ماء البحر أولاً ثم يتكثف هذا الماء على شكل غيوم وينزل المطر، ولذلك ذكر الله الشمس أولاً ثم المطر ثانياً: (سِرَاجًا وَهَّاجًا) ثم (مَاءً ثَجَّاجًا) وهذا الترتيب مطابق للواقع العلمي، ولذلك لم يعد هنالك أي احتمال للخطأ في ترتيب هذه الآيات، كذلك فإن هذا الفهم العميق للآيات يسَّر لنا الحفظ وعدم النسيان.
ولذلك يمكنني أن أقول لكم إخوتي وأخواتي: إن أفضل أسلوب لحفظ القرآن وعدم نسيانه وتثبيته هو أن نفهم هذه الآيات بعمق أكبر، وكلما فهمنا الآيات أكثر ازددنا إيماناً بهذه الآيات وازددنا حفظاً لها.
مرحلة تثبيت الحفظ من المصحف
أما المرحلة الثالثة فهي تثبيت الحفظ من المصحف، فبعدما استمعنا إلى السورة العديد من المرات وأصبحت مألوفة بالنسبة لنا، وبعدما فهمنا معاني كلماتها من خلال ما تيسر من تفاسير أو سؤال العلماء، نقوم الآن بقراءة هذه السورة كما يلي:
1- نقوم أولاً بقراءة هذه السورة كاملة ثلاث أو أربع مرات.
2- ثم نقوم بتجزيء هذه السورة لمقاطع، وكل مقطع يتألف من عدة آيات حسب المعنى اللغوي وارتباط المقاطع بعضها ببعض.
3- قراءة المقطع الأول عدة مرات حتى يتم حفظه، ثم قراءة المقطع الثاني كذلك عدة مرات حتى يُحفظ، ثم قراءة المقطع الثالث وتكراره عدة مرات حتى تشعر بأنك حفظته.
4- الآن يجب ربط هذه المقاطع، فتقرأ المقطعين الأول والثاني عدة مرات حتى الحفظ، ثم تقرأ المقطعين الثالث والرابع حتى الحفظ.
5- ثم تقرأ المقاطع الأربعة معاً وتحفظها وتثبتها.
6- وأخيراً تنتقل إلى المقطع الخامس وهكذا حتى تنتهي من حفظ السورة.
مثال عملي من سورة النمل
1- المرحلة الأولى: كما قلنا يجب علينا أن نستمع لسورة النمل كل يوم عدة مرات، وذلك لمدة لا تقل عن أسبوع مثلاً أو أكثر.
2- المرحلة الثانية: نحاول أن نفهم كل كلمة من كلمات هذه السورة. أي أننا ونحن نستمع لهذه السورة نحاول أن نعيش معها وأن نفكر في معانيها، في دلالاتها، في أهدافها، لماذا أنزلها الله، وما هي الحكمة من ذلك، وماذا استفدنا من الاستماع إليها… وهكذا.
3- المرحلة الثالثة تثبيت الحفظ من المصحف مباشرة.
سوف نعيش الآن في رحاب مقدمة سورة النمل، وقد سمّيت هذه السورة بالنمل لأنها السورة الوحيدة التي ذُكر فيها النمل في القرآن. وقبل تعلم كيفية الحفظ يجب أن نتعرف على قصة سيدنا سليمان من خلال هذه السورة بأسلوب ميسر.
قصة سليمان عليه السلام
لقد كان من ضمن جنود سليمان طائر اسمه «الهدهد»، وقد غاب هذا الطائر وذهب بعيداً وجاء سليمان عليه السلام ليسأل عنه فلم يجده فقال سوف أعذّبه عذاباً شديداً لأنه ذهب من غير أوامري، إلا إذا جاء هذا الهدهد بخبر أو معلومات مهمة وصحيحة.
ولم تمضِ إلا لحظات حتى عاد الهدهد وحضر أمام سليمان عليه السلام فقال الهدهد: لقد علمت أشياء جديدة لم تعلمها أنت أيها الملك. فقال الملك سليمان: ما هي هذه المعلومات الجديدة التي لا أعلمها؟
فقال الهدهد لقد ذهبتُ إلى مدينة سبأ، ووجدت هناك قوماً يسجدون للشمس ولا يؤمنون بالله. وعندهم ملكة لها عرش عظيم مزيّن بالذهب والفضة والجواهر. ثم يتابع الهدهد قوله إن هؤلاء الكفار لا يسجدون لله تعالى، والله عزّ وجلّ هو الذي يعلم أسرار السماوات والأرض ويعلم كل شيء.
فيقول سليمان عليه السلام سوف ننظر في قولك هذا، ولكن يجب عليك أن تعود إليهم وتحمل رسالة معك، وهذه الرسالة سوف أدعوهم فيها للإيمان بالله تعالى وأن يتركوا عبادة الشمس.
ذهب الهدهد إلى سبأ حاملاً رسالة الملك سليمان عليه السلام، وعندما وصل إلى قصر الملكة ألقى هذه الرسالة بالقرب منه، فجاء أحد الجنود وأخذ الرسالة وأعطاها للملكة. جمعت الملكة الوزراء وقالت لهم: لقد جاءني كتاب من الملك سليمان، إنه كتاب كريم ويبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، ويطلب منا أن نسلم ونترك آلهتنا الشمس. فماذا تنصحونني أن أفعل؟
ويقول الوزراء: إننا أقوياء ولن يستطيع الملك سليمان أن يتغلّب علينا. تقول لهم الملكة: إن هذا الملك قوي جداً ويستطيع أن يتغلب علينا، والملوك عندما يدخلون قرية فإنهم يخرِّبونها ويذلّون أهلها. ولذلك فإنني أرى أن نرسل له هدية عسى أن يقتنع ويكفّ عن الهجوم علينا.
لقد أرسلت الملكة الهدية والتي هي عبارة عن الجواهر والذهب وأشياء ثمينة جداً، ولكن الهدهد سمع قول الملكة ورجع إلى سليمان وأبلغه بذلك وقال: إن الملكة سترسل إليك هدية.
وعندما جاءت الهدية لسليمان، رفض الهدية، وقال: أتعطونني مالاً؟ لقد أعطاني الله أشياء أفضل مما عندكم، إنكم أنتم تفرحون بالهدية أما أنا فلا أفرح إلا بهدية الله تعالى وكَرَمه ورحمته.
ثم قال سليمان عليه السلام: ارجع إليهم فسوف نأتيهم بجنود لا يستطيعون مقاومتهم، وسوف نخرجهم من قريتهم وهم أذلّة. ويرجع الجنود بالهدية إلى ملكتهم ويخبرونها بما حدث ويقولون إن الملك سليمان سوف يرسل إلينا جنوداً ليخرجونا من قريتنا، فماذا تأمريننا أن نفعل؟ وكيف نتصرّف في هذا الموقف؟
لقد كانت هذه الملكة حكيمة وذكية جداً، وأدركت أن هذا الملك ليس كبقية الملوك، ولا يطمع بالمال، بل هو يدعو للإيمان بالله دون مقابل ودون أجر، ولذلك فلا بدّ أنه صادق. وإنني سأذهب إلى هذا الملك للتفاهم معه.
وتذهب الملكة مع بعض جنودها باتجاه الملك سليمان عليه السلام. ثم اجتمع سليمان بوزرائه ورجاله وكان مجلسه يحوي بعض العفاريت من الجنّ، وهم قد سخَّرهم الله لخدمته، وهذا عطاء من الله لسيدنا سليمان لم يعطه لأحدٍ من بعده.
قال لهم سليمان: إنني أريد منكم أن تحضروا لي عرش هذه الملكة، لأنهم سوف يأتون مسلمين، فمن يستطيع منكم أن يحضر هذا العرش قبل أن يأتوا؟ فيقول عفريت من الجنّ: أنا أستطيع أن أحضر لك هذا العرش وذلك قبل أن تغادر هذا المجلس. وأنا أمين وقوي ومطيع لك أيها الملك.
ثم يقول أحد المؤمنين الذين أعطاهم الله تعالى علماً من عنده، وكان هذا المؤمن يقرأ الزبور وهو الكتاب الذي أنزله الله على داود وسليمان، وقد تعلّم علوماً كثيرة.
يقول هذا الرجل الصالح: أنا أستطيع أن أحضر لك هذا العرش في طرفة عين!!! ويقوم هذا الرجل المؤمن بإحضار العرش من سبأ، ولم يكد سليمان عليه السلام يغمض عينيه حتى رأى العرش أمامه! فسارع إلى شكر الله تعالى على ما أعطاه من نِعَم. وهذا هو المؤمن الحقيقي، كلما منّ الله عليه بنعمة فإنه يسرع ويشكر الله تعالى ويحمده على نعمه.
وبعد ذلك قال سليمان عليه السلام لجنوده خذوا هذا العرش وغيّروا فيه بعض الأشياء كي لا تعرفه ملكة سبأ عندما تأتي. وذلك لنتأكد هل تستطيع التعرف على عرشها أم أنها لا تستطيع ذلك. ففعلوا ذلك وقاموا بتغيير شكل العرش. وهذا يدلّ على أن الله تعالى يختبر المؤمن دائماً، ليرى هل يؤثر ذلك على إيمانه أم أنه سيزداد إيماناً.
ولما جاءت ملكة سبأ وهي بلقيس دخلت إلى مملكة سليمان وقابلت الملك سليمان عليه السلام، فأخذها وعرض علها العرش والذي هو عرشها، وقال لها: هل هذا هو عرشكِ؟ تقول ملكة سبأ: لا أعرف، كأنه مثل العرش الذي أملكه لأنه يشبهه كثيراً.
لقد استغربت بلقيس من هذا المشهد، وتساءلت كثيراً عن سرّ وجود هذا العرش، ولكنها أُعجبت بمُلك سليمان وكيف أتى بعرشها من سبأ، أو كيف استطاع أن يصنع مثله!!
وعلى الرغم من ذلك حاولت أن تعلن إسلامها، ولكنها تردّدت لأنها كانت كافرة وكانت تسجد للشمس وهذا ما منعها من الإيمان بالله تعالى. وقد أدرك سيدنا سليمان عليه السلام ذلك.
ولذلك فقد أخذها الملك سليمان عليه السلام إلى بناء ضخم في داخله ساحة رائعة مصنوعة من الزجاج، فقالت إن هذه بحيرة من الماء! فأخبرها سليمان عليه السلام بأن هذه عبارة عن صرح مصنوع من الزجاج الشفاف وأن الله تعالى قد سخّر له من يصنع له هذه التُّحف والعجائب.
وهنا وأمام هذا الموقف وقفت الملكة بلقيس واقتنعت بالإسلام، فأعلنت إسلامها أمام سليمان، وفرح سليمان بهذه النهاية لامرأة كانت كافرة!!
التطبيق العملي للحفظ
والآن لنكتب الجزء الأول من هذه السورة (من الآية 1 وحتى الآية 44) ونقوم بتجزئته إلى سبعة مقاطع يبدأ المقطع الأول بالحديث عن القرآن وعن صفات المؤمنين، وهو بمثابة مقدمة للسورة.
ثم يأتي المقطع الثاني حيث يحدثنا الله تعالى عن قصة سيدنا موسى باختصار عندما ناداه الله في الوادي المقدس وأعطاه معجزات ليذهب بها إلى فرعون ويدعوه إلى الإيمان بالله تعالى، ولكن فرعون رفض دعوة موسى واتهمه بالسحر، ولذلك أخذه الله فأغرقه في البحر، ونصر سيدنا موسى ومن آمن معه.
والآن لنكتب هذه المقاطع:
المقطع الأول:
مقدمة السورة والحديث عن القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
المقطع الثاني:
الحديث عن قصة موسى عليه السلام
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
المقطع الثالث:
الحديث عن قصة سليمان عليه السلام والنمل
وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
المقطع الرابع:
سليمان والطير
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
المقطع الخامس:
سليمان والملكة بلقيس
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
المقطع السادس:
سليمان والعرش
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
المقطع السابع:
نهاية القصة
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
يمكن للقارئ الكريم اتباع الخطوات السابقة من حفظ المقاطع مقطعاً مقطعاً، ثم ربطها وحفظها مقطعين مقطعين وهكذا نفعل مع بقية سور القرآن.
ولا تنسوا أن تحاولوا فهم معاني الآيات ولماذا جاءت هذه الكلمة في هذا الموضع ولم تأت في موضع آخر، كذلك الرجوع إلى التفاسير وكتب قصص الأنبياء…
نصائح ذهبية
– اختر أفضل أوقاتك لحفظ القرآن، ولا تجعل هذا المشروع على هامش حياتك، لأن القرآن لن يعطيك شيئاً إذا لم تقدم له كل شيء!
– اعلم أن المهمة الكبرى للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام كانت حفظ القرآن وتبليغه لأمته، فأفضل عمل يمكن أن تقوم به هو حفظ القرآن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه). يجب أن تنوي حفظ القرآن وتعليمه للآخرين.
– حاول أن تقرأ أي بحث أو مقالة لها علاقة بالقرآن، مثل أبحاث الإعجاز العلمي، فإن هذه العملية تقوي ارتباطك بالقرآن.
– حاول دائماً أن تبحث عن معنى أي كلمة تسمعها ولا تفهم معناها من خلال تفسير أو موقع إنترنت أو السؤال لأحد العلماء. إن هذه العملية ستزيد رصيدك من المعلومات بشكل كبير مع الزمن.
تساؤلات…
تردنا الكثير من التساؤلات حول حفظ القرآن الكريم والصعوبات التي يعاني منها كثيرون في بداية حفظهم لكتاب الله تعالى، ولذلك تجدهم يتركون الحفظ بعد فترة. وسوف نجيب عن بعض هذه التساؤلات، ونؤكد بأن الطريقة المثالية للحفظ هي أن تلجأ إلى الله بقلب صادق ونيَّة خالصة وسوف يختار لك الله الطريقة المناسبة.
هل تعتبر هذه الطريقة هي المثالية؟
لكل إنسان طريقة تعود عليها، فقد سألت أحد حفاظ القرآن عن الطريقة التي حفظ بها فأخبرني على الفور أنه إذا لم يوجد من يقرأ أمامه فإنه لا يحفظ شيئاً، وهنالك شخص آخر يحفظ من خلال تصوير الآيات في ذاكرته بفتح القرآن والنظر إليه طويلاً، وشخص ثالث تعود أن يحفظ القرآن بالتكرار، فهو يكرر الآية مئات المرات حتى يحفظها… وهكذا لكل طريقة تعود عليها، فما هي الطريقة المثالية.
يجب عليك أن تعتقد أنه لا توجد طريقة واحدة أو أن طريقتك هي الأفضل لأنك تعودت عليها، يجب عليك أن تجرب الطرق الأخرى وتستفيد منها. وأنا من خلال هذه الدروس أقدم لإخوتي القراء طريقة الحفظ السمعي بواسطة الاستماع إلى التلاوات المرتلة المسجلة، ولهذه الطريقة ميزات ذكرنا بعضاً منها، أهمها أنها لا تحتاج لمعلم أو لمكان أو زمان، أي هي طريقة مفتوحة.
ولذلك في البداية قد لا يألف بعض القراء هذه الطريقة، ولكن بعد فترة سيجدون لذة وحلاوة عظيمة بل سيتفاعلون مع الاستماع إلى القرآن حتى يجدون أنفسهم يبكون من خشية الله كلما استمعوا إلى القرآن. لذلك حاول أن تندمج مع كلمات القرآن وتعيش معها وتتصور الأحداث كما تسمعها.
هل تحتاج طريقة حفظ القرآن إلى معلم أو شيخ؟
يمكنني أن أخبرك أخي الحبيب بتجربتي في الحفظ، والتي كانت من دون أي معلم، كنتُ أعتمد على سماع القرآن فقط، وهذا كان يسهل عملية الحفظ، إذ أنني بهذا الأسلوب لم أتقيد بموعد أو مكان محدد للحفظ، بل كانت جميع الأوقات والأمكنة مفتوحة، وهذا ما ساعدني على استغلال كل دقيقة من وقتي.
ولكن هنالك اعتقاد عند كثير أو جميع العلماء يؤكدون فيه على ضرورة وجود شيخ للحفظ، وأنك لن تستطيع أن تحفظ شيئاً من دون شيخ، أو أنك لن تستطيع أن تتقن أحكام التجويد إذا لم يسمعها منك أحد ويصححها لك.
وأقول بأن هذا الكلام صحيح وغير صحيح! صحيح في أن المؤمن بحاجة للقدوة الحسنة ولمن يصحح له أخطاءه، وغير صحيح في أن أجعل اعتمادي كله على الشيخ! فإذا كان وجود شيخ حافظ لكتاب الله تعالى أمر سهل فهذا شيء طيب، ولكن إذا كانت ظروف الذي يريد أن يحفظ القرآن غير مناسبة لاتباع حلقات التحفيظ فهل يترك القرآن وينساه؟
لذلك أنت يمكنك أن تعتمد على الله أولاً ثم على نفسك في الحفظ ومحاولة تقليد ما تسمعه من الأشرطة، بل وتحاول أن تسجل صوتك وأنت تقرأ القرآن بترتيل ثم تستمع إليه وتحاول أن تكتشف أخطاءك بنفسك.
ثم كلما وجدت ظرفاً مناسباً للالتقاء بشيخ حافظ فيمكنك أن تعرض عليه شيئاً مما حفظته وتطلب منه أن يصحح لك الأخطاء التجويدية، أما الأخطاء اللغوية فهذا الأمر يجب ألا يحدث، لأنك عندما تستمع لصوت قارئ القرآن من شريط مسجل فأنت تستمع إلى القراءة الصحيحة وينبغي عليك أن تصغي جيداً وتلتقط كل ذبذبة صوتيه وتحاول أن تقلدها.
ولذلك ومن هنا ندرك معنى قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]. أي يجب عليك أن تدقق وتفكر بكل حرف ينطقه القارئ، ويفضل أن تسخر كل أحاسيسك ومشاعرك وتتفاعل مع القرآن ومع المعاني القرآنية.
كيف يمكن أن تفيدنا البرمجة اللغوية العصبية فى حفظ القرآن الكريم؟
يمكن أن نستفيد من علوم العصر ونسخّر ما اكتشفه علماء الغرب لخدمة كتاب الله تعالى، فهم يستخدمون قوة التركيز والتحكم بالذات للنجاح في جمع المال والشهرة، ونحن نستخدم قوة التركيز في فهم القرآن وحفظه والنجاح في رضا الله تعالى وجمع الحسنات!
علماء البرمجة العصبية يؤكدون على أهمية الإصرار على الوصول إلى الهدف، وأن تجعل هذا الهدف في كل حياتك وتعطيه كل وقتك حتى تحققه، وأنت أخي الحبيب يمكنك أن تجعل القرآن هو هدفك في الدنيا والآخرة.
تخيل نفسك وأنت قد حفظت القرآن، وسوف تعيش حياتك كلها مع كتاب الله تعالى، فهو الشفاء، وهو الدواء وهو الطمأنينة وهو القوة، وتخيل أنك تلقى الله تعالى وأنت حافظ لكلامه أليس هذا شيئاً عظيماً ….وهكذا يمكنك أن تبرمج دماغك وحياتك لحفظ كتاب الله تعالى.
ما هي الكتب التي يمكن أن تكون مفيدة في حفظ القرآن؟
إن الكتب المتوافرة حالياً هي عبارة عن طرق وتجارب يقترحها أصحابها من أجل تسهيل الحفظ، ولكن لا يوجد كتاب يجعلك تحفظ، إنما هي الإرادة والنية الصادقة والتي هي أهم من أي كتاب.
نصائح
– حاول أن تحفظ كل يوم ولو القليل من القرآن، لا تهجر القرآن.
– اقرأ ما حفظته في الصلاة، وكرر ذلك فسوف تجد متعة في أن تكون صلاتك طويلة.
– حاول أن تفكر بمعاني الآيات التي حفظتها قبل أن تنام، وحين تستيقظ من النوم، لأن العقل الباطن في هذين الوقتين يكون متصلاً مع العقل الظاهر. وسوف تتحول أحلامك وأنت نائم إلى أحلام جميلة وسوف تشاهد نفسك تتلو القرآن، فهل هنالك أروع من ذلك؟!
– اعتقد بشدة أنك تستطيع أن تحفظ القرآن، وسوف تحفظ القرآن بإذن الله تعالى.
كيف تعمل ذاكرة الإنسان؟
سوف ننتقل إلى فقرة مهمة حول آلية عمل الذاكرة لنتمكن من خلال هذه المعلومة من السيطرة على ذاكرتنا وجعلها خاضعة للإرادة وهذه الطريقة ستقضي على النسيان نهائياً.
ربما يكون أكثر الأجزاء تعقيداً في جسم الإنسان ذلك الدماغ المسؤول عن التذكر واسترجاع المعلومات، وهذه نعمة من الله تعالى ينبغي علينا أن نقدرها ونعتني بها. يمكن النظر إلى الذاكرة على أنها عبارة عن كمبيوتر يحتاج للعناية والصيانة والتغذية اللازمة.
هنالك أمر مهم ألا وهو أن نراعي طريقة التخزين للمعلومات، لكي تكون سهلة الاسترجاع. فإذا اقترن التخزين بالفهم يكون أكثر فعالية أثناء الاسترجاع. ولذلك لا بد من فهم ما نحفظه، وذلك من خلال التفاسير المتيسرة.
أيضاً فإن تأمل الآيات أثناء حفظها يزيد في فعالية تخزينها واسترجاعها. وإذا علمنا بأن الذاكرة تقوم بالحفظ من خلال ربط المعلومات بعضها ببعض، إذن فعلينا أن نربط الآيات بالتدبر والفهم ونوسع خيالنا.
فمثلاً عندما أريد أن أحفظ سورة يوسف عليه السلام يجب أن أهيئ نفسي فأتعرف على هذه القصة أولاً وأحاول معرفة الحكمة من وجودها في القرآن، ولماذا أنزلها الله على حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم، وما هي العِبَر التي نستنتجها من هذه القصة، وبذلك نكون قد هيَّأنا الذاكرة للعمل والتخزين بشكل جيد، تماماً كما نهيئ الكمبيوتر ليكون صالحاً للاستعمال.
ما هي طريقة المراجعة الصحيحة لما قد تم حفظه من قبل، أي كيف يمكن استرجاع أشياء نظن أننا قد نسيناها؟
يجب أن نعلم بأن العقل الباطن للإنسان هو نعمة كبرى أنعم الله بها علينا، ولكن بشرط أن نستغله في الخير وفي مرضاة الله تعالى. كذلك يجب أن نعلم أن كل الأشياء التي نحفظها فإنها تنطبع في هذا العقل الباطن، وتبقى موجودة لفترات طويلة جداً.
وهكذا نستطيع أن نستنتج أن الاعتناء بالعقل الباطن وتدريبه باستمرار يؤدي إلى الاستفادة من قدراته في الحفظ، لأن العقل الظاهر سريع النسيان. وتكون الاستفادة من العقل الباطن عندما نتدرب على الاتصال به، وأفضل الأوقات لذلك في الليل، وقبل النوم، ولذلك ذكر تعالى الليل بعد ذكر القول الثقيل وهو القرآن فقال: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) [المزمل: 5-6]. أي أن الليل هو الوقت المثالي للتدبر والتفكر وتثبيت الحفظ.
لذلك لا بد من الاستيقاظ ولو لساعة أو نصف ساعة في الليل ومراجعة ما حفظته من القرآن وستكون النتيجة مبهرة، ويمكنني أن أخبرك عزيزي القارئ أنني قد حفظت سوراً وراجعتها بهذه الطريقة، وقد تمضي سنوات أو أشهر بسبب انشغالي بعلوم الإعجاز، ثم أسترجع هذه السور فأجدني أتذكرها وكأنني حفظتها البارحة!
هنالك سؤال يتعلق بنهايات الآيات، حيث تختلط هذه النهايات على كثير من الإخوة الذين يودون حفظ القرآن، فما هي الطريقة التي تضمن عدم الخلط بين هذه النهايات، أي كيف نميز نهاية آية عن غيرها؟
يجب ربط معنى نهاية كل آية بمعنى الآية ذاتها، فعلى سبيل المثال وفي قوله تعالى:
1- (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 38-40].
هذا نص كريم يتألف من 3 آيات، وكل آية لها نهاية تختلف عن الأخرى، فكيف نضمن أن يكون حفظنا صحيحاً ولا نخطئ؟ يجب علينا أن نتأمل هذا النص الكريم ونتأمل كل آية وما تعنيه، ونتساءل لماذا انتهت الآية الأولى بقوله (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، والثانية بقوله (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والثالثة بقوله (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وكيف نميز بينها؟
1- الآية الأولى تتحدث عن عقوبة السارق: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ولذلك فمن الطبيعي أن تنتهي بعبارة تدل على أن الله عزيز والعزّة تعني القوة والتكبر والقدرة، فالله قادر على معاقبة كل من يعصي أمره، وهو حكيم لا يظلم أحداً، والحكمة تتطلب أن تُقطع يد السارق، وليس كما يدّعي أعداء الإسلام أن ديننا هو دين العنف. ولذلك وبما أن هذه الآية تتحدث عن السرقة وعقوبتها، فكان من الضروري أن تنتهي بقوله تعالى (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
2- الآية الثانية تتحدث عن التوبة من هذه الذنوب (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ)، فمن تاب من السرقة وأصلح فسوف يغفر له الله ويرحمه، ولذلك انتهت الآية بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وتأمل معي أن الله لم يقل (والله غفور رحيم) بل قال: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي استخدم وسيلة تأكيد هي (إن) للتأكيد على رحمة الله ومغفرته، ولكي لا نفقد الأمل من رحمة الله ومغفرته، فأكد لنا الله هذه الحقيقة أي حقيقة المغفرة بكلمة (إن) التي تستخدم للتأكيد..
3- أما في الآية الثالثة فإننا نجد حديثاً عن ملك الله وقدرته على العذاب والمغفرة (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، ولذلك كان من الضروري أن تنتهي هذه الآية بعبارة تدل على قدرة الله وملكوته وأنه لا يعجزه شيء في مُلكه، ولذلك انتهت الآية الكريمة بقوله جل وعلا: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
لذلك يمكنني أن أخبرك أخي القارئ بأن قليلاً من التأمل يوفر عليك كثيراً من الوقت، وسوف تحصل على نتائج مبهرة في حفظ كتاب الله تبارك وتعالى.
كيف يمكن الإلمام بأحكام التجويد وتطبيقها وإتقانها دون الحاجة إلى معلم؟
إن سماع القرآن أفضل وسيلة لإتقان أحكام التجويد، والسماع لا يكفي بل يجب الإصغاء والإنصات، ولذلك لم يقل تعالى (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) فقط، بل قال: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]، والإنصات نوع من أنواع التدبر والتأمل في طريقة لفظ الكلمات كما نسمعها ونحاول تقليد ما نسمع ونكرر الآيات مع المقرئ الذي نسمع صوته من خلال آلة التسجيل أو الكمبيوتر أو التلفزيون.
ولا يمنع الأمر أن نلجأ كل فترة وكلما سمحت الظروف لأحد الحفاظ الذين يتقنون أحكام التجويد ونسمعه شيئاً من القرآن ليصحح لنا ما نقرأه، ويجب أن نعلم أنه لا يمكننا الاستغناء نهائياً عن مشايخنا وعلمائنا، بل لا بد من الرجوع إليهم ولو كل حين.
ما هي الطريقة المثلى لمراجعة ما تم حفظه من سور وأجزاء؟
إن الطريقة المثلى للمراجعة هي أن تقرأ ما حفظته في الصلاة، ولا زلت أتذكر تلك الليالي التي كنتُ أقف فيها بين يدي الحق سبحانه وتعالى، وأقرأ في ركعة واحدة سورة طويلة نسبياً مثل سورة الإسراء أو يوسف أو الكهف، وقد كنتُ أجد لذّة شديدة في هذه الصلاة المطولة لا أجدها في أي شيء آخر، ولا يمكن لي أن أصف لكم سعادتي عندما أصلي صلاة طويلة.
ولذلك فإنني أنصح كل شاب وفتاة أن يتذوّقوا متعة الصلاة الطويلة وأن يقرأوا سورة كاملة من السور الطويلة التي حفظوها في ركعة أو ركعتين، وربما تكون الأمور صعبة في البداية، ولكن بعد ذلك ستكون هذه الصلاة في الليل من أجمل اللحظات التي يمر بها المؤمن.
وهنا نتذكر قول الله تبارك وتعالى يأمر حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بقيام الليل والإطالة في الركعات: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 79].
مثال
إذا أردت أن تحفظ أي سورة من سور القرآن فلابد أن تفهمها وتستخرج منها العبر والمواعظ ثم تبدأ بالحفظ لتجد نفسك تحفظ هذه السورة بسهولة.
يقول سبحانه وتعالى في محكم الذكر: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: الآية 111].
فعلى سبيل المثال إذا أردت أن تحفظ سورة يوسف ينبغي عليك أن تكرر سماعها مرات كثيرة وتتأمل أحداث القصة وتعيش معها بكل إحساسك وعواطفك وتتفاعل مع كلماتها، لتصبح عملية الحفظ عملية ممتعة وسهلة.
وأتذكر جيداً كيف كانت هذه السورة بداية رحلتي في حفظ كتاب الله تعالى. فمن أهم الأشياء وحتى تجد متعة حقيقية في الحفظ، هو أن تبدأ بحفظ ما تحب وما يلفت انتباهك دون التقيد بترتيب محدد، فالهدف هو رضاء الله تعالى وإتقان حفظ القرآن، أو شيء من القرآن، وليس الهدف أن تحفظ القرآن بالتسلسل فحسب، بل إنك لأن تحفظ سورة واحدة بتدبر تريد بها وجه الله، خير لك من أن تحفظ القرآن كاملاً فقط من أجل الحفظ أو ليقول الناس إنك من حفظة القرآن!
ولذلك كان هذا منهجي في الحفظ، وكانت النتيجة أن ما أحفظه يستمر طويلاً ولو لم أراجعه! فقد كنتُ أترك كل شيء وأجلس مع كتاب الله تعالى لأحفظ وأجد لذة عظيمة في ترتيل القرآن والاستمتاع بمعانيه التي تأخذ بالألباب.
سوف أحدثك عزيزي القارئ عن أحدث طريقة مكتشفة للتعلم أثناء النوم، وإذا تذكرنا أن أحدنا يمضي ثلث عمره في النوم ندرك أهمية هذا الموضوع، لنقرأ ونستفيد..
قصة مع القرآن
لقد كنتُ في فترة من الفترات أستمع إلى القرآن وأنا نائم، وذلك من خلال آلة التسجيل التي أتركها تعمل وأستمع إلى صوت أحد المقرئين وأنام. وبعد فترة بدأتُ ألاحظ أن عملية الحفظ قد أصبحت أسهل بكثير، بل وبعد عدة سنوات لاحظتُ أن ما حفظته من القرآن قد تثبت في ذاكرتي، وقد تمضي سنوات لا أراجع سورة محددة ثم أجد نفسي أحفظها على الرغم من عدم المراجعة!!
وقد وجدتُ تفسيراً لهذه الظاهرة، وهو أن الحفظ أثناء النوم يترك انطباعا وتأثيراً أكبر بكثير من الحفظ أثناء اليقظة، ولذلك جعل الله النوم آية من آياته العظمى. وعلينا أن نغتنم الوقت لأن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يؤكد على أهمية الوقت بالنسبة للمؤمن.
حقيقة علمية مذهلة
إذا نام أحدنا بمعدل 8 ساعات كل يوم، فهذا يعني أنه يمضي ثلث عمره في النوم، بل إن أكثر شيء نصرف فيه الوقت هو النوم! ولكن هل يعني أن النوم لا فائدة منه؟ أم أنه آية من آيات الله تعالى عندما قال: (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [الروم: 23].
إذن النوم سواء كان في الليل أو في النهار فهو آية أي معجزة من معجزات الله التي ينبغي علينا أن نتفكر فيها. وانظر معي كيف ختمت الآية بكلمة: (يَسْمَعُونَ) وكأن هنالك علاقة بين حاسة السمع وبين عملية النوم، وهذا ما أثبته العلماء بالصورة الحيةَّ!
فقد قام أحد العلماء بمراقبة أشخاص أثناء نومهم، وقام بتصوير دماغ كل منهم بطريقة المسح بالرنين المغنطيسي، وقد وجد أن الدماغ ينشط أثناء النوم! ثم قام بقراءة بعض المعلومات على هؤلاء النائمين، وكانت المفاجأة أنه وجد استجابة من الدماغ لما يقرأه، إذن عملية التعلم تحدث مع العلم أن الإنسان نائم، ولكن ما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة الغريبة؟
بل إن الأبحاث الجديدة على الدماغ وفي علم النوم بينت أن الدماغ لا يهدأ حتى وهو نائم، بل إن الدماغ يقوم بتثبيت المعلومات التي تعلمها في النهار يثبتها أثناء النوم، فسبحان الله!
وقد وجدتُ فوائد كثيرة لاستماع القرآن وخصوصاً أثناء النوم، وسوف أقتطع جزءاً من مقالة لي بعنوان: العلاج بالاستماع إلى القرآن:
إن السماع المتكرر للآيات يعطي الفوائد التالية والمؤكدة:
بينت الصور الملتقطة للدماغ أثناء النوم، أن الدماغ يقوم بنشاطات العلم والتذكر وتثبيت الحفظ أثناء النوم، ولذلك يقوم العلماء اليوم بابتكار طريقة جديدة للحفظ أثناء النوم، فهل نسبقهم ونستفيد من هذه الطريقة التي سخرها الله لنا في حفظ القرآن؟ مصدر المعلومة: جامعة هارفارد الأمريكية.
– زيادة في مناعة الجسم.
– زيادة في القدرة على الإبداع.
– زيادة القدرة على التركيز.
– علاج أمراض مزمنة ومستعصية.
– تغيير ملموس في السلوك والقدرة على التعامل مع الآخرين وكسب ثقتهم.
– الهدوء النفسي وعلاج التوتر العصبي.
– علاج الانفعالات والغضب وسرعة التهور.
– القدرة على اتخاذ القرارات السليمة.
– سوف تنسى أي شيء له علاقة بالخوف أو التردد أو القلق.
– تطوير الشخصية والحصول على شخصية أقوى.
– علاج لكثير من الأمراض العادية مثل التحسس والرشح والزكام والصداع.
– تحسن القدرة على النطق وسرعة الكلام.
– وقاية من أمراض خبيثة كالسرطان وغيره.
– تغير في العادات السيئة مثل الإفراط في الطعام وترك الدخان.
هنالك بعض التساؤلات التي يطرحها بعض الإخوة ممن يقومون بحفظ كتاب الله تعالى بالاعتماد على هذه الطريقة الإبداعية، ولا بد من الإجابة عنها.
كيف نتأمل بلاغة القرآن؟
لا يوجد أجمل من اللحظات التي يعيش فيها المؤمن مع القرآن حفظاً وتأملاً وتدبراً. ومن عظمة القرآن أنه يساعدك على تقوية لغتك العربية بمجرد التكرار والحفظ، بل إن تكرار قراءة القرآن والاستماع إليه تكسب الإنسان الكثير من النواحي اللغوية والبلاغية.
ولكن عندما كانت تعترضني بعض الكلمات الصعبة كنت ألجأ إلى بعض التفاسير الميسرة، أو بعض معاجم اللغة مما أجده سهل الوصول إليه. وكنتُ أتأمل آية من القرآن لمدة ساعة مثلاً، وأحاول أن أفكر فيها وفي كلماتها ودلالاتها وتجدني أكتسب معاني جديدة بمجرد التأمل، ولذلك يقول تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن) [النساء: 82].
هل نستعين بكتب الفقه؟
إن الاستعانة بالمراجع والكتب ضرورية، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، فأي كتاب تعثر عليه في التفسير أو الفقه أو اللغة أو القصص القرآني أو أي كتاب له علاقة بالقرآن وبخاصة علوم الإعجاز، كلها ضرورية ونافعة ولكن بشرط أن نخلص النية لله تعالى وأن يكون هدفك من حفظ القرآن هو وجه الله تعالى، وليس ليقال عنك إنك حافظ للقرآن!
ولذلك أكثر من قراءة الأبحاث القرآنية العلمية وأكثر من الاستماع لقصص القرآن وتفاسيره وأحكامه، وأي شيء له علاقة بكتاب الله تبارك وتعالى.
ما هي الأمور التي تعين على الحفظ؟
هنالك شيء مهم يعين الإنسان على حفظ القرآن وقد يغفل عنه معظم الناس ألا وهو أن تنظر إلى القرآن على أنه أهم شيء في الوجود. ويمكنك أن تختبر نفسك حول ذلك بطريقة بسيطة: هل أنت مستعد أن تترك عملاً يدر عليك أرباحاً طائلة من أجل أن تحفظ القرآن؟ هل أنت مستعد أن تترك أصدقاءك ومن تحبهم من أجل أن تحفظ القرآن، وهل أنت مستعد أن تفرغ أحسن وقت عندك لحفظ القرآن؟
إذا كنتَ تتخيل أنك تستطيع ذلك فإن هذا له أثر قوي جداً على نجاح حفظك للقرآن. وإذا كنتَ لا تتخيل نفسك تفعل ذلك فمعنى هذا أنك بحاجة لمزيد من التعلق والحب للقرآن، طبعاً القرآن يأمرنا بالعمل وصلة الرحم وفعل الخيرات للآخرين، ولكن أين تضع القرآن في حياتك في أي مرتبة، هل المال والعمل والأصدقاء أولاً أو القرآن، هذا ما ينبغي عليك أن تفكر فيه.
وأخيراً … ماذا بعد …
أحبتي في الله! هذه الطريقة ليست كل شيء، إنما هنالك الكثير من الأفكار الإبداعية التي نجدها في كتب تحفيظ القرآن الكريم، ولكن ما قصدته من هذه الطريقة هي إيصال تجربتي في الحفظ لأنني لمست الفوائد الكبيرة التي قدمتها هذه الطريقة.
ويمكنني أن أخبركم إن مشكلة صعوبة الحفظ هي مشكلة نفسية ولا علاقة لك أو للقرآن بها، فقط تهيَّأ نفسياً للحفظ وستجد أن الحفظ هو أسهل شيء تقوم به.
وأذكّركم بأن المؤمن الذي يتأثر بقراءة القرآن وتفيض عيناه من الدمع، فهذا سوف يظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، نسأل الله تعالى أن نكون من هذا النوع.
أدعو الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا هذا العلم وأن يجعل فيه الخير والنفع والهداية لكل من يطلع عليه إنه على كل شيء قدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…
________________________
لمزيد من المقالات والأبحاث والكتب المجانية نرجو زيارة الموقع الإلكتروني للمؤلف:
www.kaheel7.com
السيرة الذاتية للمؤلف
المهندس عبد الدائم الكحيل هو باحث إسلامي متخصص في العلوم الهندسية وعلوم التربية والدراسات القرآنية، وهو مكتشف المنظومة السباعية في القرآن الكريم. وهو من مواليد مدينة حمص بسورية عام 1966 ومتزوج ولديه ولدان فراس وعلاء.
اللغات:
يجيد اللغة العربية واللغة الانكليزية، بالإضافة إلى قليل من الفرنسية.
النشاط الفكري:
– يحفظ القرآن الكريم، ولديه عدد من الدراسات الخاصة في علم النفس، والطب النبوي، والتفسير والبلاغة.
– شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العالمية، منها المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في الكويت عام 2022، والندوة الثانية للإعجاز بدبي عام 2022، والتي أقامتها جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وندوة الإعجاز العلمي بالمغرب عام 2022.
– صدر له كتاب إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم، وتتجلى أهمية هذا الكتاب باعتباره أول كتاب في الإعجاز العددي تصدره هيئة علمية محكمة هي جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، بعد عرض الكتاب على لجان متعددة متخصصة في علوم اللغة والشريعة والرياضيات، وقد وُزِّعت 4000 نسخة من هذا الكتاب على كبار العلماء في العالمين العربي والإسلامي وتلقت جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عدداً كبيراً من بطاقات الثناء والترحيب بهذا العمل الكبير.
– شارك في فيلم عن الإعجاز العددي نال أفضل فيلم إسلامي في مهرجان الجزيرة عام 2022.
– لديه عدد كبير من الأبحاث والاكتشافات العلمية في مجالي القرآن والسنة، وقد ترجم قسم من أبحاثه إلى عدد من اللغات أهمها الانكليزية والفرنسية والألمانية.
– لديه عدد كبير من الحوارات الصحفية منشورة على صحف عربية أهمها: الشرق الأوسط والخليج الإماراتية والبيان والراية القطرية وغيرها.
الأهداف:
يهدف الباحث عبد الدائم الكحيل من خلال دراساته العلمية إلى الدعوة إلى الله تعالى بأسلوب الحوار العلمي بعيداً عن التعصب، وبلغة العلم والاكتشافات العلمية. ويهدف كذلك إلى تقديم البراهين المادية العلمية على أن القرآن لا يتناقض مع الحقائق العلمية اليقينية، وإظهار الصورة الصحيحة للإسلام.
الأعمال المنشورة:
لديه العديد من الكتب في مجال الدراسات القرآنية منها:
1- روائع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
2- الله يتجلى في آياته.
3- أسرار الكون بين العلم والقرآن.
4- معجزة السبع المثاني.
5- أسرار (الم) في القرآن الكريم.
6- حقائق تكشف أسرار القصة القرآنية.
7- معجزة القرن الحادي والعشرين.
8- معجزة (قل هو الله أحد).
9- معجزة القرآن في عصر المعلوماتية.
10- معجزة (بسم الله الرحمن الرحيم).
11- الإعجاز القَصَصي في القرآن الكريم.
12- البرق: بين العلم والإيمان.
13- آفاق الإعجاز الرقمي في القرآن.
14- سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة.
15- سلسلة "معجزة الرقم سبعة في القرآن الكريم".
16- أسرار إعجاز القرآن: 70 حقيقة تشهد على صدق القرآن.
17- إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم.
أهم الكتب المترجمة:
1- الإعجاز العددي بالانكليزية.
2- الإعجاز العلمي بالفرنسية.
ولديه العديد من الكتب تحت الطبع منها:
1- أسرار العلاج بالقرآن بين العلم والإيمان.
2- البرمجة اللغوية العصبية: بين العلم والإيمان.
3- النسيج الكوني: رؤية علمية قرآنية.
4- آيات مبهرة تتجلى في كتاب الله.
5- الماء: بين العلم والإيمان.
التواصل والتعارف:
يرحب الباحث الكحيل بالتواصل مع القراء والعلماء والمهتمين، ويرحب بأي فكرة أو سؤال أو اقتراح، ومن طبيعته أنه يحب أن يكون قريباً من قرّائه، للتواصل من خلال العناوين التالية:
رقم الجوال: 00963955652879
البريد الإلكتروني: kaheel7@.com
الموقع الإلكتروني: www.kaheel7.com
أحبتي في الله …
هذا الكتيب مجاني ويمكن لمن أحب طباعته وتوزيعه أو نشره عبر الإنترنت بالطريقة التي ترونها مناسبة لوجه الله تعالى، ونرجو من الجميع الدعاء لنا بالتيسير، لنشر المزيد من الكتيبات النافعة حول علوم القرآن.
أخوكم عبد الدائم الكحيل
جعله الله في ميزان حسناتك