التصنيفات
منوعات

عدم تحكيم العقل

هذه الآفة الشديدة ظهرت في هذا العصر ولا تزال تسبب مشاكل تزلزل الجبال فأغلى شيء خلقه الله في الإنسان وميَّز به الإنسان عن جميع مخلوقات الرحمن هو العقل والعقل هو الميزان الذي وضعه الله للإنسان يميز به بين الحَسَن والسيئ وبين الطيب والخبيث وبين المليح والقبيح وبين ما يُرضي الله وما يُغضب الله وبين ما فيه منافع للإنسان وما فيه مضار في الدنيا وخزي وندامة يوم لقاء الرحمن فيُميز به بين الأشياء كلها وأمر الله الإنسان المؤمن أن يُحَكِّم العقل المُتبع لصحيح الشرع والنقل في كل أمر من الأمور

الذي أتعب الناس في هذا الزمان عدم الخضوع لصوت العقل والتسليم لما يأمر به الهوى ولو كان يعلم علم اليقين أن في فعل ما يأمر به الهوى غضب الله وسخط الله وعقوبة معجلة في دنياه ونرى الآن أناساً يفاخرون ويباهون به يقول أحدهم: إني أفعل كذا مع أني أعلم أن هذا غير صواب إذاً لماذا تفعله؟ ألست إنسان أمرك الله أن تُحَكم العقل حتى تكون مكرماً؟{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} ولذلك في هذا الزمان مع كثرة الثقافات وتعدد من يجيدون اللغات وظهور كل المخترعات والمكتشفات قلَّ العقلاء الذين يُحَكِّمون العقل في تصرفاتهم وفي شئونهم

كان سلفنا الصالح من آبائنا وأجدادنا مع أن معظهم كانوا أميين يحكمون العقل في الأمور أو يرضون بما يحكم به صاحب العقل السديد والرأي الرشيد لكن أين من يسمع الآن لصاحب العقل الرشيد والرأي السديد؟ لو حكَّم الناس العقل أو رأى صاحب العقل ما حدثت مشكلات بيننا في هذا المجتمع نشكو أفراداً وجماعات ودول من قلة ذات اليد من الفقر ومن ضيق الموارد ومن تقتير الأرزاق هذه شكوى عامة من الكل لو فحصناها نجد أن الأسباب التي تؤدي إليها جميعها سببها الأول والرئيسي عدم تحكيم العقل في الرزق الذي يسوقه الله للإنسان إما أن يُبَذِّر فيما نهى الله فيه عن التبذير وإما يُنفق بسفه في أمور تستوجب غضب الله جلَّ في علاه وتجده يُقَتر غاية التقتير فيما حضه عليه العلي الكبير وفيما حثه عليه البشير النذير

انظر إلى الناس في المطاعم والمشارب والملابس أيتبعون السُنَّة التي هي وقاية وجُنَّة في قول الحبيب {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلا سَرَفٍ}[1] أيتبعون ذلك؟ كم من أولادنا من يستخدم ملابس العام الدراسي الماضي؟ أكنا نحن هكذا؟ هل ربانا آباؤنا على هذا؟ إذاً لماذا نصنع هذا؟ مهما اشتريت لابنك من أفخر أنواع الحقائب المدرسية هل يستعملها لمدة عامين؟ لا ، لِمَ؟ لأنك لم تعلمه الاقتصاد ولم تطبق المنهج القرآني {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}

الكمُّ الذي يُلقى من الأطعمة في بلدان المسلمين يكفي الجائعين في العالم كله أضعاف المرات أطعمة صالحة للآدميين تُلقى للجرذان والفئران وغيرها من الهوام والحشرات في القمامة أهذه أحوال المسلمين؟ كم من الخبز في هذا الوطن يُشترى ويُرمى علفاً للحيوانات؟ أأمرنا الله أن نصنع الخبز لنطعم به الحيوان؟ لماذا نعجنه ونخبزه وندخله النار ثم نرميه للحيوانات؟ أليس هذا إسراف نهى عنه الله وقال فيه {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}

مصاريفنا نحن وأولادنا على التليفونات المحمولة تكفي ميزانية دولة ومعظم أولادنا يستغلون هذه التليفونات في التفاهات هذا التليفون نحتاجه في الضرورة كتحديد ميعاد لمقابلة شخص وعند مقابلته أتحدث معه لكن أتحدث معه على التليفون نصف ساعة أو أكثر هل هذا يوافق عليه الطب والعلم والعقل والدين؟ لا هذا ولا ذاك

والذين تخرَّج أولادهم في الثانوية العامة وأبناء هذا الزمان تربوا على التواكل بالكلية على الأب والأم كأن لسان حالهم يقول: إن أبانا على كل شيء قدير يريد الشاب أن يدخل كلية – كما يقال – من كليات القمة لا يذاكر ولا يعبأ بالدروس ولا يسهر ولا يجتهد ويقول لنفسه ولغيره: أبي معه وإذا لم أُقبل في كلية حكومية سيُدخلني في جامعة خاصة وتجد معارك في الأُسر لا حد لها فيُصر الابن على دخول كلية معينة وهو غير مؤهل لها لا نفسياً ولا ذهنياً ولا علمياً ماذا يفعل الأب؟

هنا يجب أن نرجع لحكم الشرع والعقل بمَ كلفني الشرع نحو أولادي؟ أن أربيهم حسب وسعي وطاقتي لا أستدين لأربيهم ولا أكلف نفسي شططاً لأدخلهم جامعات خاصة إن كان في استطاعتي فبها ونعمت وإن لم يكن في استطاعتي أقول لا أستطيع غير هذا فهذا هو الذي أمرنا به الإسلام ومن فعل غير ذلك فقد ظلم نفسه لو دخلي يكفي بالكاد ضرورياتي وأريد أن أدخل ابني جامعة خاصة بمبلغ كبير فمن أين آتي بالمبلغ؟ إذا وجدت من يُسلفني هذا العام فمَن يُعطينيه العام التالي؟ ولماذا؟ كلها في النهاية شهادة أو رخصة للحصول على عمل وإذا نظرنا إلى أغنى أغنياء القاهرة نجدهم غير متعلمين لأن هذه أرزاق قال فيها الرجل الصالح

ولو أن أرزاق العباد على الحجى ،،،،،،، لماتت إذاً من جهلهن البهائم

الحجى هو العقل فالبهائم تتوكل على الله والفلاح يبحث عن الأرض ويزرعها ويرويها ليؤكلها وإذا مرضت يسهر طوال الليل بجانبها لأنها تتوكل على الله إذاً {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} لو استطعت أن أدخل ابني مدارس لغات بلا تعب ولا عناء ولا مد يد إلى حرام لا مانع لكن لو كلفت نفسي شططاً فأقبل الرشوة أو أغش حتى أدخل ابني مدارس اللغات ليكون كغيره في هذه الحالة أنا لم أُحَكم العقل ولا الشرع الذي أمر به الله

والمؤمن كيِّس فطن يمشي على قدر الرزق الذي قدَّره له الرزاق {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} إن كان في التعليم أو في الزواج أو في المسكن أو في المباني أو في السيارات في أي أمر من الأمور لو معي مبلغ من المال يأتيني بشقة حجرتين ولكني أردت شقة أكبر فأستدين لها ديناً أسدده على سنين فإن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار إذاً المؤمن مطالب بأن يمشي على قدر وسعه الذي قدَّره له الرزاق

نماذج بسيطة لكن الطامة العظمى فيما خرَّجته الأجهزة في بلدنا فقد ذكر جهاز الإحصاء أن ما يُنفقه المصريون على المُخَدرات في العام اثنان وعشرون مليار دولار وأنتم رأيتم الآن المُخَدرات صارت بين الشباب كالنار في الهشيم أين عقول الشباب؟ وليسوا أُميين الذي يُنفق في مواد التجميل للنساء في القاهرة فقط ثمانية مليارات جنيه هذه الأموال تُنفق فيما يغضب الله {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} لكن أين المليارات التي ننفقها فيما يُرضي الله؟ ويشكو الآباء والأبناء والبنات من عدم الاستطاعة المادية على الزواج فإذا بدى لهم الزاج ماذا يُنفقون؟ فيما لا فائدة فيه ولا طائل منه وكلها ديون ويخرج الشاب من زواجه مدين بكذا لماذا؟ للقاعة كذا وللفرقة كذا وللكوافير كذا وللسيارة التي تزفه كذا مبالغ كلها خرافية لا طائل لها

على سبيل المثال: امرأة تبيع الخضروات الورقية كالفجل والجرجير وتمد يدها وتأخذ من الناس ما يتصدقون به وعندها حِناء لابنتها فأنفقت في سرادق الحناء أربعة عشر ألف جنيه أين العقل في هذه الأمور؟ هل العقل يأمر المسلم عند الزواج أنه لا بد أن يشتري البانجُو والحَشيش ويصنع مكاناً هادئاً لرواده حتى يكون الزواج ناجحاً؟ أليس يحدث هذا في كل بلاد المسلمين وإذا تحدث رجل عاقل ماذا يصنعون معه؟ أقلها يستهزؤن به

فلم يعد الناس يحكمون العقل ولا يستمعون لصوت العقل ولذلك حدث ما نراه الآن من مشاكل لا تُعد ولا تُحد الخلاص منها كلها أن نرجع إلى هذا الجزء الإلهي الذي ركَّبه الله فينا فلا نمضي أمراً صغيراً أو كبيراً إلا إذا تفكرنا وتدبرنا ملياً وعرضنا ذاك على شرع الله فإن وافق العقل والشرع أمضيناه وإن لم يوافق العقل أو الشرع أبينا وإذا أردنا زيادة التأكيد نستشير أصحاب العقول وأصحاب البصائر فنعمل بقول الله{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} قيل في الجاهلية لعائلة كان عددها ألفاً وكان فيهم رجل واحد حكيم لكنهم لا يُصدرون أمراً إلا عن رأيه (إن بني فلان عددهم ألف وفيهم حكيمٌ واحدٌ لا يصدرون إلا عن رأيه فهم ألفُ حكيم) لكن أين من يتبع رأى الحكيم في هذا الزمن العقيم إذا كان من آفة العصر أن الناس لا يُحكمون العقول فإن من أعظم الآفات أن يكون بين القوم الحكيم ويرمون رأيه خلف ظهورهم ويمشون على أهوائهم فإن إتباع العقل المستضيء بنور الشرع فيه النجاة من كل مجاهل وفتن ومبكيات ومضحكات هذه الحياة
[1] مسند الإمام أحمد

http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…C9&id=92&cat=2

منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]

اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً

خليجية




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.