.
الرياض: هيام الزير
عن بداية القصة تقول عائشة: فقدت عائلتي في الحرم الشريف، في لحظات ما زلت أذكرها جيداً، عندما ابتعدت يدي عن يد أبي، نتيجة لتدافع المعتمرين، وأخذت بالبكاء عندما شعرت بأني وحيدة، وأن أبي تاه عن نظري وسط الزحام، حينها أسرع إلي رجل وأخذني بعيداً، وحاول البحث معي عن عائلتي، لكن دون جدوى، فهدأت قليلاً عندما وجدت نفسي في منزله، وقدمني لزوجته التي لم تنجب، وقال لها إن هذه الطفلة تائهة عن أسرتها، وقر الزوجان اعتباري ابنتهما، كنت أبكي باستمرار وأطلب بإصرار العودة للبحث عن أسرتي.
أنسوني أهلي
وتواصل عائشة: أفراد هذه العائلة أحبوني كثيراً، وجعلوني ابنة لهم، وكانوا يخشون أن تعثر علي عائلتي الحقيقية، فكان الرجل يقوم أحياناً بتهديدي عندما أبكي، أو أطلب العودة إلى الحرم الشريف للبحث عن أهلي، حتى أنه كان يحلق شعري لإخفاء ملامحي، وبمرور الوقت نسيت أني لست ابنتهم.
< ماذا حدث بعد ذلك؟
كبرت، وبدأت أستوعب ما حدث، واستسلمت لواقعي المرير، ومع أني عشت بعيداً عن أهلي، لم أفقد الأمل يوماً من الأيام في العودة إليهم، لكني لا أتذكر أي شيء عن حياتي السابقة.
< ماذا تتذكرين عن حياتك القديمة؟
كل الذي أتذكره هو المكان المزدحم الذي تهت به.
< وماذا عن قصة زواجك؟
ما ان بلغت الرابعة عشرة حتى قام الرجل الذي رباني بتزويجي من رجل يزيد عمره على الستين عاماً، وله أبناء وأحفاد في مثل عمري.. ولم أكن أعلم ما هو الزواج، وما معنى أن أرفض أو أقبل بهذا الزواج.. لكني وافقت وتزوجت هذا الرجل، الذي دفع مهري لأبي، الذي لم يمنحني منه شيئاً، وإنما استفاد هو منه، وانتقلت إلى بيت زوجي، الذي كان متزوجاً بزوجتين قبلي، وقد واجهت مشاكل عديدة معه من ضرب وإهانة، بالإضافة إلى معاملتي كخادمة له ولزوجاته. وقد انتهى زواجي بالطلاق بعد أن أثمر بطفلتين وابن هم أجمل ما في حياتي.
الزواج مرة ثانية وثالثة
وفور انتهاء العدة أرادني الرجل الذي رباني أن أتزوج رجلاً تقدم لخطبتي.. وهو متزوج من ثلاث غيري، فلما اعترضت بأني لا أريد تكرار التجربة الأولى، قال لي: إنه من الطبيعي أن يتزوجني رجل متزوج ما دام لدي أبناء. ولكني أخبرته بأني أريد أن أبقى بلا زواج لتربية أبنائي، خاصة أنهم ما زالوا صغاراً، لكنه أصر على زواجي، معللاً ذلك بأنه سيطمئن علي أكثر وأنا في ظل رجل يحميني ويحمي أبنائي من تقلبات الأيام، وهكذا تزوجت للمرة الثانية، وزوجي هذه المرة يقل عمره عن الأربعين، ويبدو شاباً متفائلاً وسيماً، ولهذا أحبته حين رأيته، وتوسمت أن تكون حياتي هذه المرة أسعد حالاً من المرة الأولى.. وأبدى زوجي حباً وحناناً لأبنائي، وعشت في غاية السعادة، وبعدها لاحظت أن زوجي بدأ يتخلى عن واجبه في نفقات البيت، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ ان زوجي كان يحضر إلى بيتي مرة في الأسبوع، ويوزع بقية الأسبوع على بقية الزوجات، وكنت أتخيل أنه سيأتي إلي مشتاقاً ولهاناً لرؤيتي، كما كان يفعل في بداية زواجنا.. غير أنه كان يأتي مرهقاً من العمل ومن مسؤولياته تجاه بقية زوجاته، فكان يقضي أكثر الوقت نائماً، ويصحو لنقضي معاً ساعات بسيطة، ثم ينصرف في اليوم التالي ولا أراه إلا بعد أسبوع، وتكررت تجربة زواجي الفاشلة مع زوجي الثاني، بعد أن أنجبت منه ابنتين، وهذا لم يمنعني من طلب الطلاق منه وكأن الشقاء هو مصيري.
< هل كررت محاولة الزواج مرة أخرى؟
تزوجت من رجل باكستاني الجنسية، يعمل سائق تاكسي، شملني بعطفه وحبه لأولادي.
< هل فقدت الأمل في البحث عن عائلتك؟
لا، بل ظل الأمل يراودني بعدما مات الرجل الذي رباني، حينها شعرت برغبة شديدة في البحث عن أسرتي، فأصبحت أذهب بشكل يومي إلى الحرم الشريف، وأجلس هناك إلى أن تغيب الشمس لعلني أجدهم في حرم المسجد.
وجدتهم بالصدفة
< كيف التقيت مع عائلتك إذن؟
في أحد الأيام جلست عند صديقة لي تقيم بالقرب من الحرم، والتي كانت تشكو من خروج شقيقها المستمر من المنزل واختفائه لبضعة أيام، نتيجة تعرضه لأزمة نفسية، فأردت أن أخف عن صديقتي، فأخبرتها أن مصيبتها أقل بكثير من مصيبة الآخرين، ورويت لها قصة أسرتي التي تهت عنها منذ ثلاثين عاماً، ولم أكن أعلم أن هذا الحوار سيكون هو السبب في عودتي إلى أسرتي، فمن الصدفة أن هذه الصديقة هي أيضاً صديقة لأختي، وهذا ما جعلها تتذكر حوارها مع أختي الشقيقة. فقبل خمسة أعوام ذكرت لها أختي قصة مشابهة عن اختفاء أخت لها منذ ثلاثين عاماً، فأسرعت صديقتي إلى الهاتف واتصلت بشقيقتي وروت لها ما حدث، انفعلت وطلبت أختي من صديقتي التحقق من وجود جرح في حاجبي الأيسر، بالإضافة إلى علامة مميزة أخرى وهي تشوه كبير في الأذن.
وتضيف عائشة: كانت المفاجأة المثيرة عندما عثرت صديقتي على العلامات.
< وماذا فعلت بعد ذلك؟
أصبت بتوتر شديد، وتحدثت مع أختي عبر الهاتف، ورويت لها قصتي، وصفت لها علامات مميزة بوجهي.
< كيف كان القاء بينك وبين عائلتك؟
تحدد يوم القاء بيني وبين أختي وباقي الأسرة، وجاء الموعد المرتقب، وذهبت إليهم مع زوجي، وعند دخولي من باب المنزل ارتميت في حضن والدي الذي انهمر في بكاء عميق، وهو يقول: أخيراً عثرت على ابنتي الغائبة عن المنزل منذ ثلاثين عاماً، بعدما ظنت أني لن أراها أبداً.
< ما هو شعورك الآن؟
أخيراً ابتسمت لي الدنيا، عدت إلى أعز الناس، لدي شقيقاتي والدي وبيتي، استجاب الله لدعائي، فلم يشأ أن أظل بلا هوية، وأن أعيش باسم ليس اسمي، ومع أسرة ليست أسرتي، وأيضاً تصحت الأوضاع، حيث بدأت أسرتي باتخاذ الإجراءات الازمة لتصحيح اسمي.
مركز الأطفال التائهين في مكة
< أوضح الدكتور ناصر الخليفي، قائد مركز الأطفال التائهين في مكة المكرمة، كيفية إيصال الأطفال التائهين أثناء مناسك الحج والعمرة إلى ذويهم، بأن المركز يبدأ بالخطوة الأولى، وهي الاتصال بأولياء أمور الأطفال هاتفياً، إذا كان الطفل يعرف هاتف أو عنوان أهله، أو اسم الحملة، وفي بعض الأحيان يكون الهاتف والعنوان مكتوبين على سوار بمعصم الطفل، أما في حالة عدم وجود هذه المعلومات، يتم الإعلان عن الأطفال الموجودين بالمركز عن طريق نشر صورهم في الصحف المحلية، وعرضها في القنوات التلفزيونية السعودية وغيرها، إضافة إلى موقع المركز على الإنترنت، والذي تعرض من خلاله صورالأطفال التائهين.
وفي حال عدم الاستدلال على ذوي الأطفال، يتم تسليمهم للدور الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية لرعايتهم حتى يتم العثور على ذويهم.
واختم الدكتور الخليفي بقوله: في حالات كثيرة يحتجز بعض الحجاج الأطفال التائهين لديهم، إما لاحتساب الأجر عند البحث عن ذويهم، أو لأن الطفل المفقود من البلد نفسه الذي ينتمي إليه الحاج، وفي الوقت نفسه يتردد ذو المفقودين على المركز وفروعه المنتشرة في الأماكن المقدسة، باعتباره الجهة المسؤولة عن إرشاد الأطفال التائهين، وبالتالي فإن هذا التصرف من بعض الحجاج يتسبب في عرقلة جهود المركز وإرباك ذوي المفقود، وفي نهاية كل موسم حج يتبقى لدى المركز من ثلاثة إلى أربعة أطفال تائهين، حيث نقوم بإعلان أسماء وصورالأطفال في ساحات الحرمين المكي والنبوي، وفي الصحف والإذاعة والتلفزيون السعودي، ومقار السفارات والقنصليات الأجنبية في السعودية، فإن لم يثمر ذلك الجهد عن شيء نقوم بتسليم الأطفال التائهين الباقين إلى دار الأيتام عن طريق وزارة الحج وامارة منطقة مكة المكرمة، إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في تعمد بعض الحجاج للتخلص من أطفالهم في موسم الحج، لذا فإنه من الواجب على الآباء كتابة أسمائهم وأرقام هواتفهم أو عناوينهم على الأساور الموجودة على معاصم الأطفال، ليتم إيصالهم لذويهم في أسرع وقت ممكن، وهم بذلك يسدون معروفاً لأنفسهم قبل تسهيل العمل.
مشكوره ياقمر على القصه الراائعه
مشكورة حبيبتى على القصة الرائعة
تسلم ايديكي