الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
(156)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
(157)
تلعب وتأكل وتكتب بأصابع قدميها..
توضأ وتصلي لله رب العالمين
الطالبة إيمان من قطاع غزة تحلم بأن تصبح معلّمة
______________________________ _____________
حانت ساعة المخاض وكان الطبيب المشرف عليها قد أخبرها مسبقاً بأنها
سترزق طفلة. كان المخاض صعباً، ولكن طفلتها خرجت بدون يدين
إلى الدنيا، ولم ترها إلا بعد أن أفاقت من آلام الولادة.
صدمت عندما شاهدت طفلتها بلا ذراعين، وبدأت تبكي وتقول كيف
ستكمل ابنتي حياتها؟ ومع تدرج سنوات عمر إيمان بدأت العائلة
تأقلم مع وضعها وبالصبر، استطاعت أن تجتاز المحنة
وأصبحت فتاة مميزة.
إيمان تبلغ الآن تسعة أعوام، وأصبحت قادرة على فعل كل شيء
بأصابع قدميها، ولا تحتاج إلى المساعدة من أحد إلا نادراً،
ولكن العائلة تبقى تراقبها من بعيد لعلّها تحتاج إلى شيء.
وكحال أغلب من يسكنون في قطاع غزة، ولدت إيمان
في بيت متواضع وفي ظلّ ظروف مادية صعبة، إلى جانب
أن والدة إيمان لا تفقه أي شيء في مجال التعامل مع حالة
ابنتها، وهي تعلم كم هي صعوبة الحياة على كل إنسان غزاوي،
وتساءل في داخلها كيف ستعيش ابنتي وهي تفتقر
إلى أهم الأطراف في جسمها؟
عندما كانت إيمان
في الشهر الرابع من عمرها أيقنت الأم أن الطفلة
وقد حرمت من ذراعيها، لا سبيل إلى تدبير أمورها
إلا باستخدام قدميها. وحدها، في رحلة عذاب
طويلة، راحت تدرّب الرضيعة على مواجهة
الحال، فكانت تضع قطعة البسكويت بين أصابع قدميها
وتجعلها تبكي جوعاً وتهرع إلى غرفة أخرى لتبكي هي
أيضاً إلى أن تهتدي الرضيعة إلى وسيلة تلهمها إياها
القدرة الإلهية في نقل البسكويت إلى فمها بقدميها
وكبرت الطفلة في أسرة تحترم حالتها، ولا تتعاملBR face="nturygohisz5ه كمعوقة، وقد أنجبت الأم بعدها شقيقتها
شروق، وهي طبيعية تماماً.
إيمان اليوم تعيش طفولة عادية، بل تتحمّل من المسؤوليات فوق م
ا تتحمله الصغيرات في سنّها اللواتي ولدن في بيوت يقوم على
خدمتها الخدم والحشم، وهي سعيدة لأنها تحديد المساعدة
لأمها كأي طفله نشيطة، ولا شيء يزعجها إلا كثرة أسئلة
الصغار عن يديها، وهي لا تملك إلا رداً واحداً:
هذه إرادة الله.
وتدرس إيمان في مدرسة المعوقين لتزيد مهارتها، فهي اليوم تقرأ
وتكتب باستخدام أصابع قدميها، وتخيط الثياب مستخدمه
الإبرة والخيط بمهارة فائقة، وتعزف قليلاً من الموسيقى
وتحب لعبة الأتاري، وتفوّق على أقرانها فيها، وتناول
طعامها وشرابها بصورة طبيعية، وتغسل الصحون
والأواني، والمشكلة الوحيدة التي تواجهها
هي ارتداء ملابسها.
وقد أنهت إيمان دراستها في الصف الثاني الابتدائي
لتجد نفسها إزاء وضع صعب، فلا يوجد نظام في الجمعيات
المتخصصة بهذه الحالات يتيح لها الاستمرار، مع أن الخطة
الحكومية تقضي بضرورة دمج المعاق في المجتمع، وإرسال
الأطفال إلي مدارس عادية. وإيمان تحديداً لا تستطيع الإقدام
على مثل هذه المجازفة، لأنها بغياب ذراعيها تفقد توازنها
إذا تعرضت لأي حركات غير محسوبة، وهي أمور قد
تحصل في مدرسة عادية وسط حماس الأطفال واندفاعهم.
تريد إيمان أن تتعلم أصول الفقه والدين وحفظ القرآن
وتحلم بأن تصبح معلمة، وبأن تملك جهاز كمبيوتر وتجد
من يعلّمها قواعده. لكن الكمبيوتر غالي الثمن وتعلّمه يحتاج
إلى ميزانية لا تتوافر لدى أسرتها، حيث يعمل والدها وشقيقها
كمال في التمديدات الصحية. ومع ذلك تبتسم إيمان، وهي توقن
بأن الله فوق كل شيء، وأن شيئاً ما سيحدث سيجعلها
تجتاز محنتها، وتحظى بفرصة تضمن مستقبلها.
وتقول والابتسامة لا تفارق وجهها: «أنا إنسانة من حقي أن
أعيش مثل أي طفلة، ومن حقي أن أتعلم ويكون لي وجود
في المجتمع، فأنا لا أعرف اليأس في حياتي. وقد عانيت
كثيراً حتى تمكنت من مساعدة نفسي، وقد وهبني الله
القدرة على أن أقوم بالدراسة والأكل منذ الصغر بقدمي
ودون مساعدة من أحد».
وعن تطلّعاتها تقول: «طموحي هو أن أصبح معلّمة لأني
أحب العلم كثيراً، وأكثر مادة أحبها هي الرياضيات». وبفخر
وفرحة نهضت لتأتي لنا بشهادة تكريم كطالبة مثالية منحتها
إياها إدارة مدرستها. وعن هواياتها التي تحب ممارستها قالت:
«أحب الكتابة ورياضة قفز الحبل واللعب على جهاز الكمبيوتر».
وحدثتنا والدة إيمان قائلة: «ابنتي تعتمد على نفسها في كل شيء
مثلاً في أكلها، وفى دراستها، فهي عندما تستيقظ من النوم تغسل
وجهها وتوضأ وتصلي