محمود شمردن
بسم الله الرحمن الرحيم
تعالت في الفترة الأخيرة التي أعقبت الثورات العربية أصوات المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية وأنها هي السفينة التي ستأخذنا إلى بر الأمان وتنجينا من حياة الضنك التي عشناها في ظل أنظمة لا تنتمي لأمتنا العربية والإسلامية في شيء.وفي المقابل ظهر أدعياء الديمقراطية والمتشدقين بحقوق الإنسان إذا كانت في صالحهم أما لو كانت عليهم وجدتهم يغيّرون جلودهم في لحظات سعياً وراء حطام الدنيا الزائل ويتركون ما هم خير لهم في الدارين من تمكين في الحياة وفوز بالجنة يوم القيامة.
عندما ترى أحدهم على إحدى القنوات الفضائية وكأنه يملك الحقيقة بيده ويصوِّر للكل أنه العالِم والمثقف والفقيه والخبير ولولا آراؤه وأفكاره وحوارا ته لغرق المجتمع وما عرف طريق النجاة والهداية وكأنه أحاط بكل شيء علماً؛سواء في النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدولية وينتهي إلى أن الواجب علينا أن نجعله في الصدارة ولا نحرك أو نتحرك إلا بعد الإذن منه ولسان حاله ينطق (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) و(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) فالويل لأمة حادت عن مشورته أو سارت عكسها حتى ولو كان المجتمع كله أجمع على أمر فلن يكون فيه صلاح إلا إذا باركه وصدَّق عليه.
والعجيب أنه هادىء ورزين ومبتسم ويتحاور بمنتهى اللطف وسعة الصدر ويتجمَّل أمام الآخرين
لقبوله بالرأي المخالف والمضاد لرأيه ويردد على مسامعنا بكل قوة :الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية,أما لو نُطقت أمامه كلمة شريعة أو إحدى مصطلحاتها أو ما يتعلق بها لرأيته كائناً آخر غير الذي كان يحدثنا ونحدثه ونخاطبه ويخاطبنا فماذا يفعل وقد شعر أن مصيبة حلت بجواره؟
وإذا ركَّزت أخي الحبيب على ملامحه وشكله وتعبيراته راعك ما ترى من غضب حاد وسرعة في النَفس وحدة في القول وغلظة ورفع صوت لا مبرر له ,بل يتعدى ذلك ليحجر على آرائنا ,فهل هذه هي الديمقراطية التي يعشقونها؟ وأين الإيمان بقبول الرأي الآخر وإن كان خلاف رأيك وهم لا يملون من ترديده وتكراره على مسامعنا صباح مساء؟
وكلما رأيت أحدهم على إحدى الشاشات وقد ذكَّروه بالشرع الحنيف أتذكر قول الحق تبارك وتعالى(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) يقول الشهيد سيد قطب-رحمه الله –عند تفسير هذه الآية:( فمن الناس من تشمئز قلوبهم وتنقبض نفوسهم كلما دعوا إلى الله وحده إلهاً ، وإلى شريعة الله وحدها قانوناً ، وإلى منهج الله وحده نظاماً . حتى إذا ذكرت المناهج الأرضية والنظم الأرضية والشرائع الأرضية هشوا وبشوا ورحبوا بالحديث ، وفتحوا صدورهم للأخذ والرد . هؤلاء هم بعينهم الذين يصور الله نموذجاً منهم في هذه الآية ، وهم بذاتهم في كل زمان ومكان . هم الممسوخو الفطرة ، المنحرفو الطبيعة ، الضالون المضلون ، مهما تنوعت البيئات والأزمنة ، ومهما تنوعت الأجناس والأقوام .) ويذكر الإمام ابن كثير-رحمه الله-في تفسيره لهذه الآية:( وقال مالك، عن زيد بن أسلم: استكبرت. كما قال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [الصافات:35]، أي: عن المتابعة والانقياد لها. فقلوبهم (5) لا تقبل الخير، ومن لم يقبل الخير يقبل الشر؛ ولهذا قال: { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي: من الأصنام والأنداد، قاله مجاهد، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي: يفرحون ويسرون) .
والله إنني أشفق عليهم وأسأل الله لي ولهم الهداية والتوفيق ,وأسألهم:لماذا كل هذا الخوف والهلع من الإسلام؟
هل الإسلام ظلمكم وأخذ أموالكم؟
هل تعاليم الإسلام لا تناسب عصرنا؟
ليتهم كتموا ذلك في أنفسهم ولكنهم يستعينون بالعدو ليحول بيننا وبين تطبيق شريعة الله تعالى في الأرض ونحن لا نتهمهم بالخيانة أو بالتآمر على الوطن والدين ولكن ذلك يطرح علامات استفهام كثيرة تجاه موقفهم من الشريعة, وهو يفعلون هذا؛ إما عن عمد أو غير قصد أو سوء تقدير للأمور ولكنه أمر يجعل الحليم حيران.
ونقول لهم: ماذا استفادت البشرية من النظم الوضعية؟
هل حلت مشاكل الفقراء في العالم؟
هل ساد السلام والوئام بلاد الله الواسعة؟
هل حافظت هذه النظم على كرامة الإنسان؟وماذا عن سجن أبو غريب وجوانتنامو؟
ماذا قدَّمت الدول الكبرى للدول النامية والمتخلفة ؟هل ساعدتها في الاستفادة من ثروات بلادها وخيراتها؟
الواقع يصدمك ولا يفرحك وأنت ترى المآسي والمذابح التي ترتكبها الدول المتقدمة باسم الإنسانية وحقوق الإنسان في شرق البلاد وغربها وما يحدث في فلسطين وأفغانستان والشيشان والصومال وكشمير ليس عنا ببعيد!!!
وللأسف أن بعض هؤلاء يحافظون على بعض الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وحج وعمرة وكفالة أيتام ولا يجدون غضاضة في رفضهم لأحكام الإسلام أن تكون لها السيادة والتوجيه ليس إنكارا وجحودا وإنما عن جهل وعدم معرفة ونقول لهم : ألم تقرأوا هذه الآية في المصحف في شهر رمضان( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقوله تعالى(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
الخوف من أن يكون السبب لأنهم يريدون أن يطلقوا لأنفسهم الحرية لتفعل ما تشاء دون خوف من حساب أو عقاب لا في الدنيا ولا في الآخرة سواء في حياتهم الشخصية أو العائلية أو الاقتصادية وغيرها ويظنون أن الإسلام مقيد لهم وسيقف حجر عثرة ليحيوا حياة كالآتي يعيشها الرجل في بلاد الغرب حيث لا حدود على حريته فليفعل ما يشاء طالما لم يضر الآخرين!!!
ولو أنهم ولوا وجوههم تجاه بعض الدول القريبة منا والتي تقلد الأمور فيها من يُحسبون على النموذج الإسلامي مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا ودوره في النهوض بالاقتصاد التركي الذي كان متهالكاً وضعيفاً إلى أنه صار الآن من أقوى اقتصاديات العالم وهذا ما يعرفه القاصي والداني ,فهل يستطيع أحدكم إنكار فضل حزب العدالة هناك؟
لماذا تقدمت تركيا في ظل حكم هذا الحزب ولم تتقدم قبل ذلك؟
ألا يوجد اختلاف بين هذا الحزب وبين من سبقه من الأحزاب الأخرى العلمانية التي حكمت تركيا؟
ماذا قدَّمت العلمانية لتركيا؟هل جعلتها كحالها اليوم وهي تُحكم من أنصار التوجه الإسلامي ؟
هل عاب العالم الغربي على تركيا لأنها اختارت أصحاب المشروع الإسلامي؟
تاريخ الإسلام ناصع مضيء ليس فيه ما نخشى أن يظهر للدنيا ,فالعقلاء من الغربيين أنفسهن شهدوا لهذا التشريع بالسمو والعظمة وأنه وحده القادر على قيادة البشرية لبر الأمن والسلامة ,فالرأسمالية أفلست في عقر دارها ونحن نسمع كل يوم الأزمات التي تعاني منها أمريكا وتكاد تؤدي بها إلى الخروج غير المشرف من زعامة وصدارة العالم التي تفردت بها فترة من الزمن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ,والشيوعية قد أعلن موتها وتكفينها ودفنها في مزابل الأفكار البشرية وصار العالم ينتظر أهل الشريعة ليقودوا الدفة بعدما عجز الآخرون عن السير في الطريق الآمن !!!
إن المستقبل لهذا الدين العظيم ولأتباعه حيث يتحقق وعد الله تعالى لعباده الذين التزموا بمنهجه وساروا على نهجه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)
إخواني الكرام,الإسلام دين الفطرة وهو السبيل الوحيد للنجاة بالبشرية من حالة التشرذم والشقاق التي تعيشها إلى حالة الوفاق والعيش في سلام دائم مع النفس والكون والحياة من حولنا.
فهل بعد هذا تخافون من الإسلام؟!!!
بقلم الشيخ: محمود شمردن
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف