فهذه الليلة من أهم ليالي الحياة الزوجية، والتي تتم فيها أكثر الانطباعات بين الزوجين في طريقة التعامل بينهما فيما بعد من أيام حياتهما.
وكم كانت هذه الليلة نذير بؤس، وبداية شقاء وعذاب لكثير من الأزواج والزوجات، وكم كانت عتبة حياة هنيئة لأزواج وزوجات آخرين.
والهدي النبوي المسنون في هذه الليلة هو أتم الهدى وأكمله، وكيف لا وهو هدي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه، فقال:{وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم:4]. ووصفت زوجه وحبه عائشة- رضي الله عنها- خلقه صلى الله عليه وسلم
فقا لت:" القرآن ".
أي كان خلقه- لا شك أن المرأة إذا ما فارقت بيت أهلها إلى بيت زوجها ليلة البناء بها تصيبها الرهبة، فإنها مقدمة على حياة جديدة في كنف شريك لم تعلم من طباعه شيئاً إلا القدر اليسير.
ولذلك كان من أهم ما يجب على الزوج في هذه الليلة أن تذهب هذه الرهبة، أو يقللها إلى أقل درجة ممكنة، وقد علمنا صلى الله عليه وسلم بهديه الشريف طريقة إذهاب هذه الرهبة أو تقليلها، وهي: (( السلام))
فعن أم سلمة- رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها؟ فأراد أن يدخل عليها، سلم .
فإن كان السلام يذهب بالشحناء والبغضاء من نفس الخالف، فمن باب أولى أن يذهب بالرهبه، والخوف من نفس الزوجة.
الدعاء للعروس عند البناء بها
وسيتحب للزوج أن يدعو لزوجته ليلة البناء بها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث من أراد الزواج على أن يأخذ بناصية زوجته، ويدعو لها بالدعاء المأثور:
" اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه "
صلى الله عليه وسلم- القرآن
وبعد أن تذهب الرهبة والخوف من نفس الزوجة بالسلام عليها والدعاء لها، فلابد للزوج أن يلاطفها، ويمازحها، ويداعبها، فالخجل سمة من سمات النساء وخلق من أخلاقهن، وهو في العروس البكر أكثر منه في الثيب: التي سبق لها الزواج، ولذلك كان للممازحة والملاطفة أثر كبير في تقليل درجة خجل العروس.
ولننظركيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاطف أزواجه عند البناء بهن.
عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: ((إنى قينت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعس لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم، فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت فشربت شيئاً)) .
ولذا: يستحب للزوج أن يقدم لأهله في ليلة البناء بها كوباً من اللبن أو العصير أو ما قام مقامهما، وأن يتجاذب معها أطراف الحديث، لكي يقلل من حيائها وخجلها، وأن لا يثب عليها وثب البعير على أنثاه، فإن المرأة يمنعها حياؤها وخجلها من الانصياع لزوجها في أول طلبه لها، فتتمنع عنه تدللا وخجلاً، فالواجب على الزوج أن لا يباغتها بما تحذر منه، وأن يداريها ويلاطفها حتى يبلغ مراده.
فإن أمكنته من نفسها، وطاعته، فعليه أن يسم الله سبحانه وتعالى عند غشيانها ويدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا".
فإنه إن قدر بينهما في ذلك ولد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبداً.
ويجب عليه أن لا يقوم عنها حتى تقضي منه وطرها ، كما قضى وطره، وأن لا يعجلها في ذلك
ويباح للرجل في جماع زوجته جسد امرأته كله- إلا الدبر- مقبلة أو مدبرة، لقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223].
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال:
إن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة، جاء ولدها أحول، فأنزل الله عز وجل:{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} .
فقال رسول الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج
وأما تحريم الدبر فالنصوص دالة عليه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر المتقدم-:
"مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج ".
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لا ينظر الله يوم القيامة إلى رجل أتى بهيمة أو امرأة في دبرها .
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه-: أن رجلاً قال له: آتي امرأتي أنى شئت، وحيث شئت، وكيف شئت؟ قال: نعم، فنظر له رجل فقال له: إنه يريد الدبر!
قال عبد الله: محاش النساء عليكم حرام .
وأما الاستمتاع بالإليتين، وجعل الذكر بينهما، فلا شيء فيه، وهو مباح كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
جواز التجرد من الثياب عند الجماع وحكم نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسة
وأما تجرد الزوجين عند الجماع فجائز، لما ورد عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة" .
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري )) (1/ 290):
" استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق: سليمان بن موسى، أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاء، فقال: سألت عائشة، فذكر هذا الحديث بمعناه، وهو نص في المسألة ". قلت: ويدل عليه أيضاً حديث معاوية بن حيدة- رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "
وأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم في أنه قال:
((إذا أتى أحدكم أهله، فليلقى على عجزه وعجزها شيئاً، ولا يتجردا تجرد العيرين)) . فمنكر، ولا يصح في المنع حديث.
ويستحب الوضوء لمن جامع امرأته، وأراد أن يعاودها قبل أن يغتسل: فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود، فليتوضأ))
ويجب على الزوجين الغسل بالتقاء الختانين، وإن كسلا فلم ينزلا، فعن أبى موسى الاشعري- رضى الله عنه- قال:
اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون:
لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرين: بل إذا خالط فقد وجب الغسل.
قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة، فأذن لى، فقلت لها: يا أماه- أو يا أم المؤمنين- إني
أريد أن أسألك عن شيء، وإني أستحيك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت:
على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل )).
وعن عائشة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟- وعائشة جالسة-.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل )).
ولنا في رسول الله اسوة حسنة في حياتنا الزوجية لتدوووووووووووم…
وَشُكْرَا لَطـــرَحُك الْهَادَف وَإِخْتِيارِك الْقَيِّم
رِزْقِك الْمَوْلَى الْجِنـــــــــــــة وَنَعِيْمَهَا
وَجَعَلـ مَا كُتِب فِي مَوَازِيّن حَســــنَاك