يتمثل التكافؤ الموضوعي عموما في السن والوضع المهني والاقتصادي ومستوى التعليم. وتشكل هذه الثلاثية مقومات موضوعية لإمكانية إقامة علاقة زوجية متوازنة وقابلة للحياة. حيث يجد كل من الزوجين مكانة معقولة لا تكلفه أثمانا معنوية ونفسية أو حتى مادية باهظة. وإلا فإن احتمالات بروز الصراع والتناقضات تكون هي الغالبة. فالتكافؤ الموضوعي هو الذي يوفر مقومات التوافق والتفاهم.
إذا أخذنا السن مثلا من الهام جدا وجود حالة من التوازن العمري بين الزوجين حتى ينموان معا. وإلا فقد تنشأ حالات من التفاوت في الحاجات والمتطلبات والرؤى والتوجهات. من مثل ما يحدث بين زوج مسن وزوجة صغيرة السن. فبينما يكون الزوج قد وصل مرحلة تبدأ حاجته فيها إلى الاستقرار وتكمن نزواته. تكون الزوجة مازالت في مقتبل مرحلة الحيوية والانفتاح على الدنيا والحاجة إلى إرضاء حاجاتها العاطفية والجسدية. وبعد مرحلة البدايات وتنازلاتها وتحملها أو فرحتها تأتي مرحلة إعادة حسابات الربح والخسارة من الطرفين معا. وقد يبدو كل منهما في نظر الآخر معوقا لحياته أو عبثا عليه نظرا لتفاوت المتطلبات والاحتياجات.
وقد يفتح سجل صراع القوة والصراع على المكانة الذي يشكل ردود فعل للإحباطات المختلفة الناتجة عن عدم تناغم مستوى الحاجات ومتطلباتها. فسلطة الزوج الأكبر سنا والأكثر اقتدارا على الحياة والتي كانت غير منازعة من قبل زوجة تابعة قد يتسرب إليها الوهن تدريجيا وصولا إلى قلب الأدوار وقلب علاقات السلطة. يحدث ذلك تحديدا حين تنطفئ العلاقات العاطفية وحين ينضب الحوار والتفاعل والتجاوب والتلاقي.
وقد يعاني الأبناء من هذه الحالة التي لا يندر أن تدخل في وضعية التصدع الخفي الحرب الزوجية الباردة حيث يصبح الزوج المسن غير متوفر عاطفيا وذهنيا أو حتى صحيا بما يكفي للتفاعل النفسي النشط.كذلك هو الحال في التكافؤ التعليمي. فالمستوى التعليمي يحدد من حيث المبدأ أفق الرؤية ونوعية النظرة إلى الذات والوجود. كما يحدد نوع الاهتمامات والعلاقات.
ومن ابرز مكامن الصراع الزوجي تلك الحالات التي يرتبط فيها احدهما بآخر مدفوعا بنزوة أو رد فعل من نوع ما سواء كانت جنسية أو ردا على حالة إحباط وجودي. إلا أن النزوات كردود الفعل تظل عابرة ولو طال أمدها ويتعذر أن تكتب لها الحياة. بعد مرحلة الحماس سرعان ما تظهر التباينات على صعيد قضايا الحياة اليومية الصغيرة. إلا أن هذه قد تتجمع كي تتحول إلى تناقضات كبرى. وعندها يطل الشعور بالغبن أو الورطة برأسه وتتضاعف الخطورة إذا تلاقى التباين التعليمي مع التباين الاجتماعي هنا تطرح مسالة المكانة بكل حدتها بعد وقت ليس بطويل.
أما التكافؤ الاجتماعي – الاقتصادي فهو غني عن البحث حيث يشكل موضوعا مطروحا بشكل دائم حين النظر في تكوين الروابط الزوجية على أن المسالة هنا تظل قابلة للكثير من الاستثناءات إذا توفرت مقومات التكافؤ على الصعد الأخرى. وإذا تمتع الزوجان بالقدر الكافي من النضج والتوافق العاطفي والقدرة على إيجاد الحلول الملائمة للمشكلات وخصوصا إرادة إنجاح الارتباط الذي يوفر الرضاء النفسي والوجود للطرفين.
يشكل التكافؤ النفسي الذهني أحد مقومات نجاح الرباط الزوجي ولو انه يظل خفيا بالمقارنة مع بروز وعلنية التكافؤ الموضوعي.
نحن هنا بصدد العديد من الحالات التي قد يعوض فيها التكافؤ النفسي التباينات الموضوعية أو هو يفاقم من حدتها. نقتصر هنا على الإشارة إلى التكافؤ على مستوى نمط العلاقات أما التكافؤ في مستوى النضج النفسي فله كلام مستقل. الكثير من الروابط الزوجية تنخرط في صراع على المكانة لمن السيطرة على الآخر ولمن التحكم والمرجعية وتبرز هذه الصراعات حين يكون أحد الطرفين ميالا إلى التسلط العلني الصريح كما هو الحال عند بعض الرجال أو التحكم التملكي الخفي كما هو الحال عند بعض النساء بينما يحتاج الطرف الآخر إلى علاقة قائمة على الاستقلالية أو التكافؤ.
نخلص من ذلك إلى القول بأن الرباط الزوجي أبعد ما يكون عن الجمود والنمطية وخصوصا في الحياة المعاصرة. إنه حالة من التكون الدائم وتوازن وإعادة توازن دوريين وصولا إلى استقرار جديد من خلال إعادة تعريف الموقع العلائقي لكل من الزوجين في درجات مختلفة من التكامل
منقووووول