التصنيفات
منوعات

من سيرة الرسول الأعظم

من سيرة الرسول الأعظم

اذا تأمّلنا سيرة النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلّم ، وحياته الكريمة ، نرى أنّ نفس سيرته وسريرته وأخلاقه وآدابه وعشرته ورويّته ، تدلّ على أنّه آية إلهيّة عظمى ، وحجّة ربّانية كبرى ، وأهل لأن يكون رسولا من قِبَل الله ربّ العالمين ، وقدوة لأهل الدنيا أجمعين ، بل جامعيته تدلّ على أفضليته .
فقد كان صلوات الله عليه وآله ، أجود الخلق يداً ، وأجرأ الناس صدراً ، وأصدقهم لهجةً ، وأوفاهم ذمّةً ، وألينهم عريكةً ، وأكرمهم عشيرةً ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبّه ، ولقد كانت أمانته مقبولةً عند الجميع حتّى لقّب بالأمين .
وكان أخشى الناس لربّه ، وأتقاهم لخالقه ، وأعلمهم بالله ، وأقواهم في طاعة الله ، وأصبرهم على عبادته ، وأكثرهم حبّاً لله ، وأزهدهم فيما سواه .
وكان يقوم في صلاته حتّى تنشقّ بطون أقدامه من طول قنوته وقيامه ، وكان إذا قام إلى صلاته تتساقط دموعه إلى الأرض من صدره ، ويسمع من صدره
(1) بحار الأنوار : (ج16 ص402) .
264
أزيزٌ كأزيز المرجل (1).
وكان ذا خُلُق عظيم ، وإبتهال دائم ، وضراعة كثيرة ، وأدب فائق .
وكان أحلم الناس ، وأشجعهم ، وأعدلهم ، وأسخاهم ، بحيث لم يبق عنده دينار ولا درهم إلاّ أنفقه .
وكان أكثر الناس تواضعاً ، يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في أهله .
وكان أشدّ الناس حياءاً ، ولم يُثبت بصره في وجه أحد استحياءاً .
وكان يجيب دعوة الحرّ والعبد ، ويقبل الهديّة ويكافئ عليها ، ولا يأكل الصدقة ، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين .
وكان غضبه لربّه ولا يغضب لنفسه .
وكان يشيع الجنازة ، ويعود المرضى ، ويجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويكرم أهل الفضل ، ويتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم ، ويصل ذوي رحمه ، ولا يجفو على أحد ، ويقبل معذرة المعتذر ، ولا يقول إلاّ حقّاً ، ولا يتكلّم إلاّ صدقاً .
وكان ضحكه من غير قهقهة ، بل تبسّماً إلى أن تبدو نواجذه .
وكان لا يترفّع على عبيده ، ولا يحقّر مسكيناً ، ولا يهاب من ملك ، ولا يخاف منه .
ويبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة ، ويسلّم على الصبيان .
وكان لا يقوم ولا يقعد إلاّ بذكر الله تعالى ، وأكثر ما يجلس مستقبل القبلة ، ويجلس حيث انتهى المجلس ، ولم يُرَ قطّ مادّاً رجليه .
وكان يكرم من يدخل عليه حتّى ربّما بسط له ثوبه ، ويُؤْثر الداخل عليه
(1) المرجل : القدر ، يعني له صوت من خشية الله تعالى كصوت القدر حين غليانه .
265
بالوسادة ، ويعطي كلّ من جلس إليه نصيبه من وجهه ، ويقضي دَين كلّ ميّت فقير .
وكان دائم البُشر ليس بفظّ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح .
وكان يدعو أصحابه بكُناهم إكراماً لهم ، ولا يتنازع في الحديث .
وكان أفصح الناس منطقاً ، وأحلاهم كلاماً ، إذا نطق ليس بمهذار ، وإذا أوجز ليس في إيجازه إخلال ، أحسن الناس نغمة ، وأنفع الناس للناس .
وقد شرّف بسيادته على ولد آدم ، وكانت اُمّته التابعة له خير الاُمم .
وسيرته في جميع حياته سيرة علياء ، تكشف عن أنّ صاحبها متّصل بربّ السماء ، وأنّه أصلح من وُجد على وجه الأرض لأن يكون اُسوة وقدوة (1).
هذا مضافاً إلى أنّه تواترت السنّة ، واتّفقت الاُمّة على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من جميع الأنبياء الذين كانوا قبله ، وأنّ كلّ كرامة وفضيلة اُعطيت للأنبياء اُعطي هو أفضل منها ، كما إستفاضت الأخبار بنطقه بالحكمة والصواب هو وأولاده الطاهرين الأطياب ، من حين صغرهم ، وفي جميع حياتهم ، كما أفاده في حقّ اليقين (2).
هذا ، بالإضافة إلى إنفراده ببعض الفضائل كعظيم سيرته ، وحقيقة سيره في معراجه إلى العوالم الملكوتيّة العُليا ، ممّا لم يكن له مثيل في ذلك ، وقد حاز أقرب قرب معنوي أسنى ، حتّى كان قاب قوسين أو أدنى .
وقد نطق بمعراجه القرآن الكريم ، والأحاديث المفيدة لليقين التي تلاحظها
(1) فلاحظها بالتفصيل في كتب سيرته ، وأحاديث صفته سلام الله عليه وآله ، مثل المجلّد السادس عشر من كتاب بحار الأنوار : (ص144 ـ 401 الأبواب 8 ـ 11) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص135) .
266
في بابه من الآثار (1).
بل جاء في حديث المزني عروجه إلى السماء مئة وعشرين مرّة كما تلاحظها في الخصال (2).
هذا ، مع خصائصه وما أعطاه الله تعالى وتفضّل به عليه وعلى أهل بيته ممّا تلاحظه في أحاديث البحار (3).
وجميع ذلك يُثبت أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اُسوة وقدوة ، وأنّه أفضل النبيّين والمرسلين .
الرابعة : عصمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
قد عرفت في بحث عصمة الأنبياء من النبوّة العامّة أنّ ممّا لا شكّ فيه ولا ريب يعتريه لزوم عصمة الأنبياء ونزاهتهم عن كلّ ذنب ومعصية ، بعمد أو سهو ، قبل النبوّة وبعدها ، للزوم أن يكون الواسطة بين الله وخلقه معصوماً حتّى يبلّغ ما أوحى إليه الله بصدق وأمانة ، ولا يصدر منه كذب ولا خيانة ، فيُسلب وثوق الاُمّة به وإعتماد الخلق عليه .
كما ويقبح أن يأمر الحكيم بإطاعة من يجوز عليه الخطأ ، فتنتفي فائدة البعثة ، ويسقط غرض الرسالة ، فيحتاج إلى من يسدّده ويمنعه عن الخطأ ، وهكذا متسلسلا .
فيلزم في كلّ شريعة إلهيّة أن يكون رسولها معصوماً حتّى يتمّ الوثوق به
(1) بحار الأنوار : (ج18 ص282 ب3 الأحاديث) .
(2) الخصال للصدوق : (ص600 ح3) .
(3) بحار الأنوار : (ج16 ص317 ب11 الأحاديث خصوصاً الحديث السابع) .
267
وتصحّ الإطاعة له ، خصوصاً الشريعة الإسلامية الباقية إلى يوم القيامة لِعظم أهميّتها ومزيّتها فمن اللازم الضروري أن يكون رسولها معصوماً عن جميع الخطايا ، بل يلزم أن يكون متّصفاً بالعصمة الكبرى التي سنذكرها ونبيّنها ..
وقد أفاد شيخنا المفيد (1) : « إنّ نبيّنا والأئمّة (عليهم السلام) من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب والمفترَض قبل حال إمامتهم وبعدها ، وأمّا الوصف لهم بالكمال في كلّ أحوالهم ، فإنّ المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججاً لله تعالى على خلقه ، وقد جاء الخبر بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة من ذرّيته كانوا حججاً لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم ، ولم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل ، وأنّهم يجرون مجرى عيسى ويحيى (عليهما السلام) ، في حصول الكمال لهم مع صغر السنّ وقبل بلوغ الحلم » .
وقد قامت البراهين ودلّت الأدلّة على مزيّة عصمة النبي الأكرم ونزاهته وسموّ شأنه وجلالته من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بما نذكره ونفصّله في مبحث الإمامة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، مضافاً إلى ما قدّمناه في بحث عصمة الأنبياء بالأدلّة الثلاثة .
ونكتفي هنا بذكر الإشارة فقط إلى عصمة نبيّنا الأكرم ، وتأويل ما يوهم خلاف ذلك ممّا عقد له العلاّمة المجلسي باباً في كتابه الشريف (2) ، ذكر فيه للعصمة آيات وأحاديث كثيرة ، نتبرّك بذكر واحدة من كلّ دليل من أدلّتها :




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.