التصنيفات
منوعات

نعم أشعر بالأبوة ولكن لا أحس بأنني زوج!

نعم أشعر بالأبوة.. ولكن لا أحس بأنني زوج!

د.ابراهيم بن حسن الخضير

عودة الى الزواج، والذي أصبح الآن قضيةً اجتماعية حقيقية، لا تخص الأشخاص أو العائلات فقط ولكن تهم المجتمع بأسره. قضية الزواج تجاوزت الفتيان والفتيات اللاتي يدخلن كل عطلةٍ بالمئات وربما بالالاف الى عش الزوجية. مع المدنية والحداثة، طبعاً لا أقصد الحضارة أو الثقافة فهذان الأخيران يختلفان عن سابقيهما. يتوقع المرء منا بأن المشاكل سوف تكون أقل، والحياة الزوجية سوف تكون استقراراً، وأن الشباب والفتيات الذين يدخلون عش الزوجية في السنوات الأخيرة أكثر سعادةً وتفهماً. فالزواج لم يعد كما كان قبل بضعة عقود حيث، لم يكن هناك تعارف بين العريس والعروس، وانما الأهل كانوا هم الذين يختارون للفتى والفتاة. الآن حتى وان كان الاختيار عن طريق الأهل، لكن العروسين أو الفتى والفتاة اللذين سوف يتزوجان، لن يُقدما على الزواج الا بعد أن يعرف كلِ منهما الآخر. فوسائل التقنية الحديثة بدءاً من الهاتف المحمول وانتهاء بالشبكة العنكبوتية وما تُقدمه من أدق المعلومات من محادثات وصور مُتبادلة للطرفين!.

لكن هل أدت هذه التقنيات والتعرف بين زوجي المستقبل على تحسن واستمرارية الزواج؟ هل الأزواج والزوجات أصبحوا أكثر سعادة مع هذه التغيرات الاجتماعية؟.

هل استمرارية الزواج تعني نجاج هذا الزواج؟ أم هل الاستمرار في الزواج من أجل الأطفال هو أمرٌ أصبح منُتشراً وسائداً، حيث السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الحالات: ماالبديل لو انفصل الزوجان؟ هل سيُكرران نفس الغلطة؟.

قال لي رجل متزوج منذ سنواتٍ عديدة، جملة لا أستطيع نسيانها: "انني أشعر بالأبوة لكن لا أحس بأنني زوج!". هذا الرجل كنتُ أظن أنه يعيش حياة زوجية مُستقرة ملؤها السعادة، خاصةً بأنه درس في الخارج وعاش لسنواتٍ عديدة، درس الجامعة ثم دراساتٍ علُيا حتى حصل على الدكتوراه. وتعرف على الفتاة التي تزوجها لفترة غير طويلة، لكن حظه أفضل من غيره الذين لم يحظوا سوى بالرؤية الشرعية وبعضهم لم يحصل حتى على هذه الرؤية. خلال حياته في الخارج التي أمتدت لأكثر من ثماني سنوات، عاش تجارب عاطفية مع فتيات من جنسياتٍ مُتعددة ثم حين عاد كان يُريد الاستقرار والأسرة. أوكل أمر اختيار العروس لوالدته واخواته، مع اشتراطه بأن يتعرف على من يُريد أن يتزوجها بشكلٍ جيد. وكان له ما أراد. تزوج بفتاة تصغره بأكثر من عشر سنوات. ابنة عائلة ميسورة، جميلة، مُتعلمة. حين قضى معها بعض الوقت بعد عقد القران، شعر بأنها عروس جيدة. صحيح لم تكن حسب مواصفاته ولكن، من ذا الذي يجد مواصفاته في شريك العمر حتى ولو 50الى 60% فهذا أكثر من جيد. كانت هادئة، خجولة.

تزوج وسافر شهر العسل الى عدة دول أوروبية والولايات المتحدة وبعض الجزر الهادئة المشهورة بين المتزوجين حديثاً.

عادا من شهر العسل، واستقر بهما الحال في الرياض. عاد هو الى عمله، وكذلك عادت هي الى عملها، حيث كانت موظفة في احدى الادارات الحكومية. كانت الأمور تسير بشكلٍ جيد. منذ عقد القران وهو لا يشعر بأنه متزوج، وأفصح لبعضٍ من أصدقائه بما يشعر، فطمأنوه بأن هذا هو الحال في البداية وبعد ذلك يشعر بالمسؤوليات والالتزام والانتماء لهذه الأسرة الصغيرة التي بدأ في تكوينها هو وشريكة حياته. بعد فترة من الزواج، لم يتغير شعوره. يشعر تجاه زوجته بالاحترام والتقدير والامتنان لكنه لم يشعر بأنها شريكة حياته وزوجته. تمر به ذكريات العلاقات السابقة التي عاشها في الغربة عندما كان يدرس، ويحن الى المغامرة والجرأة في السلوك من قِبل شريكته، والذي يفتقده في زوجته المؤدبة الخجولة. في غمرة الحياة جاء الطفل الأول. كانت فرحته به لا توصف. شعر بمشاعر جميلة، يشعر بها لأول مرة.. شعور بأنه أصبح أباً، خاصةً وأنه تأخر في الزواج. ولكن ظل شعوره واحساسه بأنه مازال غير متزوج، وأن تعامله مع زوجته هو تعامل أصدقاء وليس تعامل زوج وزوجته. بعد سنوات كان لديه أربعة أطفال. ازدادت الأعباء والمسؤوليات المنزلية والعملية، ولكن مازال الشعور بأنه غير متزوج هو ما يحس به. لكن على الجانب الآخر كان يشعر بأبوةٍ جارفة لابنائه وبناته. يُغدق عليهم حناناً وعطفاً بشكلٍ مُبالغ فيه، وربما يعود ذلك الى أنه أنجب الأطفال وهو في سنٍ متأخرة، مُقارنةً بزملائه الذين تزوجوا مُبكرين. الزوجة كانت ترى تعامل الزوج مع الأبناء ولكن معها كان يحترمها ويُعاملها كصديق أو أخت وليس كزوجة. حاول أن يشرح لها الوضع وأنها شريكة حياته وأم أطفاله، فكان ردها: وماذا بعد؟ هل تُحبني؟. هذا هو السؤال الذي كان لا يحب أن يسمعه منها..!!. حاول بشتى الطرق الدبلوماسية أن يتهرب لكنها ابتسمت بحزن وهزت رأسها..!.

ليست قليلة الانتشار

هذه القصة، ربما تكون مُتكررة عند الكثير منا، فنحن نعيش في مجتمع تغيرت التوقعات فيه من الزواج. وهذا ما كررناه في مقالاتٍ سابقة. فما كان يتوقع الأباء والأجداد من زوجاتهم، وكذلك ما كانت تتوقعه الأمهات والجدات من أزواجهن تغير الآن بشكلٍ كبير جداً، مع التغيرات التي حصلت في المجتمع، وانفتاح المجتمع على العالم الخارجي والفضائيات التي لعبت دوراً لا يستطيع أحد أن يُنكره في تغيير صورة توقعات الزوج والزوجه من الزواج!.

المشكلة أن هذه المشكلة ليست قليلة الانتشار وليست حالاتٍ نادرة، بل هي كثيرة الحدوث، ليس في مجتمعنا وحده، ولكن حتى في المجتمعات الغربية، لذلك عندما كتبوا في الغرب عن انهيار مؤسسة الزواج، كان في كلامهم بعض من الصحة!. لكن ظروف مجتمعاتنا العربية والاسلامية مختلفة تماماً عما هو في الدول الغربية، وان أصبح الآن ما يحدث في السر والخفاء أمورا خطيرة تُنبئ بأن المجتمع بدأ يأخذ طريقه في السير نحو التفكك، على الرغم مما نراه من التشدد والمغالاة من البعض، لكن هناك شريحة لا يُستهان بها تعيش على النقيض.

مشكلة الزواج أنه علاقة مُعقدة، ومهما حاولت المجتمعات من اللحاق بالمستحدثات الاجتماعية، فان الأمور تسير بأسرع مما يستطيع المجتمع مجاراته واللحاق به. ان أغلب الزواجات قائمة على تربية الأبناء، بينما الأب في وادٍ والأم في وادٍ آخر الا من رحم ربي. وتعيش الأسرة حياة مُصطنعة يُمثل كل واحدٍ الدور المطلوب منه ظاهرياً لكن ما خفي فلا يعرفه الا الله والمقربون من الزوج أو الزوجة..!

اننا بحاجة ماسة لمؤسسات تعنى بدراسة الزواج والعلاقات الزوجية. مؤسسات جادة وعلمية بعيدة عن التنظير والمثاليات والمجتمع الفاضل. يجب على هذه المؤسسات أن تتعامل مع الواقع كما هو وأن لا يكون دور هذه المؤسسات حكماً ومُعاقباً ومؤنباً، بل هو الارشاد ومساعدة الفتيات والفتيان على المُتغيرات التي حدثت في مؤسسة الزواج.. هذه العلاقة الوثيقة والتي هي علاقة مُختلفة عن أي علاقة آخرى.! الزواج علاقة مشُاركة، ولعل أهم ما فيه، والذي يُسبب المشاكل الزوجية، وان تغلفت بأردية كثيرة هو العلاقة الحميمة "العلاقة الجنسية". فالشريك الذي لا يكون مُشبعاً في علاقته الزوجية من ناحية جنسية يعيش حياة تعيسة، حتى وان كان الشريك الآخر به كل الصفات الحميدة، وهذا الأمر أكثر أهمية عند الرجل. فالمرأة بطبيعتها تميل الى العاطفة والحب والحياة الأسرية، لكن الرجل يُمثل الجنس له عاملا أساسيا وضروريا في الزواج. فاذا لم يكن مُشبعاً وراضيا عن حياته الجنسية داخل مؤسسة الزواج فانه قد يبحث عن اشباع هذه الغزيزة سواء بزواج آخر أو بعلاقات عاطفية غير شرعية، والأخيرة لها مشاكلها التي لا يُستهان بها. لذلك يجب أن يتضافر الأهل مع المؤسسات الأهلية والحكومية في ايجاد مخرج للزواجات التي بدأت تنهار بسهولة، حتى وان استمرت فان ذلك لا يعني نجاحها ولكنها غالباً تستمر لأسباب أخرى مثل تربية الأطفال أو عدم رغبة الزوجة التخلي عن منزلها وخوفها من المستقبل، خاصةً اذا كان ليس لها مكان تلجأ اليه فيما لو خرجت من منزل الزوجية.

اننا نرى في عياداتنا النفسية مشاكل هي في واقع الأمر مشاكل زوجية وعائلية ولا تحتاج الى طبيب نفسي بقدر ما تحتاج الى مستشار مُتخصص في حل المشاكل الزوجية والأسرية. كما هو حال رفيقنا الذي يشعر بأنه أب ولكنه لم يحس اطلاقاً بأنه زوج..!!




سلمت يداااااك



مشكورة حياتي تسلمين



حبيبتى متلثمه بشماغ حبيبي

خليجية




يسلمو حبيبتى على الموضوع



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.