وفى أحد الأيَّام وجدت زوجي مشغولَ البال، وعلى غير طبيعته، وحالُه غير الحال، ويمرُّ بحالة من القلق والتفكير، فظنت أنَّه مشغول بإحدى الصفقات؛ لأنَّه كان يعمل في أكبر الشركات، ولكنَّني لاحظتُ عليه بعض الأفعال والتصرُّفات التي يُحاوِل إن يخبِّئها عني، ولم يعد يفضفض لي كعادته ويحكي عمَّا يؤرقه ويشغله أو يشكو.
ودائمًا كنت أتساءَل: ما هي القصة؟ وما سبب تغيُّره وتحوُّله في سلوكه؟ رغم أنَّه لم يهضمني حقي أو يُعامِلني بسوء أو جفاء، أو حتى عصبية، لكنَّه كان كثيرَ التفكير والصمت الذي كان يقتلني ويؤرِّقني.
وفي أحد الأيام وجدته مغتمًّا، يريد أنْ يتحدث معي، وشعرت أنَّه مهتمٌّ؛ لأنَّه مهَّد له بأنْ أغلق باب الغرفة في هدوءٍ، وبدأ يتحدَّث إليَّ بعد سكوت.
قال: "زوجتي الحبيبة، أنت حبيبتي وصديقتي ورفيقة عمري، أنت رفيقة دربي وشريكة كفاحي، لكني… سأتزوَّج بأخرى، وهذا ليس بسبب تقصيرٍ منك، أو كرهًا لك، فربي يعلَم كم أنت عندي غالية، ولكنَّ هناك أسبابًا وظروفًا تضطرُّني إلى ذلك!".
فصُعِقت من حديثه العجيب، وكلامه وتفكيره المريب، وانفَجرتُ في وجهه كالبراكين الثائرة، ونظَرتُ إليه وأنا حائرة، وعلا صوتي على غير عادتي، وتفجَّرت الدموع كالشلاَّل الغزير من مقلتي، وأخذت أصيح وأعوي، وأتململ من حالي وأشكو: "أي أسباب تجعلك تتزوَّج بأخرى، طالما أنت تحبُّني؟! ما هذا الحديث الغريب؟! ولِمَ هذا الدَّهاء؟! وهل أنا طفلةٌ صغيرة تضحك عليَّ بعض الكلمات البلهاء؟!".
فلم يخرج عن هدوئه المعروف به، وحكمته في أفعاله وتصرُّفاته، وقال: سأتزوج من قريبةٍ لي مات عنها زوجُها، وأنا أشعر بميلٍ نحوها، وأحبِّذ الزواج بها، وأعدك أنَّني لن أهضم حقوقك، وأني سأعدل بينكما.
فانفجرتُ مرَّة أخرى فيه وأنا لا أتمالك شعوري ونفسي، وأخذت أساله: هل أنا قصَّرت في واجباتي نحوك؟ لقد حافَظتُ على مالك وشرفك وبيتك، أليس كذلك؟ فكان يجيبني: نعم.
فقلت له: إذا نوَيْتَ أنْ تفعل ذلك فيجب عليك أنْ تطلِّقني أولاً، وذهبت إلى بيت والدي، أنتظر ردَّه وجوابه، وهل سيعود إلى صوابه؟ فأرسل إليَّ وحضر ليعيدني، ولكنَّني رفَضتُ العودة إلا بشرط أنْ يترك هذه الفكرة، ويعود إلى عقله، ويثوب إلى رشده، لكنَّه رفض، فنصحني والدي بالرضا بما قسمه الله لي وقدره عليَّ، لكنَّني لم أتزحزح قِيدَ أنملة عن موقفي، فخيَّرتُه بين الطلاق بهدوء، أو ألجأ إلى المحكمة وأطلب الخلع؟ فوافَقَ وطلَّقني نزولاً على رغبتي وإلحاحي.
ومرَّت الأيام وتُوُفِّي والدي وهو متألِّم لحالي، وما صار إليه مآلي، ولم يتقدَّم لي أحدٌ؛ لأنَّ نظرة المجتمع لِمَن يتزوَّج زوجتين نظرة عقيمة جعلت الرجال يُفكِّرون بطريقةٍ سقيمة، ويبعدون عن الشرع مقابل إرضاء الناس والأعراف القديمة، إلاَّ مَن أراد أنْ يرتبط بي سِرًّا بغير علم زوجته، أو مَن كان يَطمَع بالشقَّة بعد وفاة والدي؛ لأنَّ زواجه بي لن يُكلِّفه شيئًا، أو إنسان ليس على أخلاقٍ حميدة، يُرِيد أنْ يتزوَّجني لأسبابٍ في ذهنه عديدة ليس منها العفاف، وإنما ليتركني بعد ذلك شريدة.
وشعرتُ أني أخطأتُ في حق نفسي، وأني قصرتُ بطلاقي من زوجي وتسرَّعتُ، وأودُّ أنْ أطرح مشكلة المطلَّقات وأنا واحدةٌ منهن، وما لهن من متطلَّبات، مادية ومعنوية وجسدية، وكيف نَتعامَل مع هذه القضية، وهي مشكلةٌ أصبحتْ كبيرة، بالفعل، وإنها لخطيرةٌ، حتى تقدم لي رجلٌ خلوق، على أدب وسمعة طيِّبة وصدوق، فقال: ستكونين أنت زوجتي الثانية، وأنا أحبُّ زوجتي الأولى وأم عيالي، لكنَّني قادرٌ على أنْ أعدِّد وأعدل بينكما، فلا تبالي، فَكِّري في الأمر، ويُسعِدني أنْ تجمع بيننا الأيام والليالي.
فقلت: إنَّ المرأة المؤمنة تستَشعرُ دائمًا الرضا عن القدر، وتمتَثِل قول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عجَبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤن؛ إنْ أصابَتْه سرَّاء شكَر فكان خيرًا له، وإنْ أصابَتْه ضرَّاء صبَر فكان خيرًا له)).
وقلت: والله هذه آخر فرصة تسنح لي، فقد ولَّت الأيام بعيدة، وصرت أنا وحيدة، وتذكَّرتُ والدي في مخيلتي، يَنظُر إلي ويقول: "أتُوافِقين يا ابنتي اليوم وترضين، ما كنت قد عارضت بالأمس وترفضين؟!".