مختارات من كلام أئمة الإسلام الأعلام الناصحين المخلصين وهي مما أجمع عليه الأئمة من كل مذهب
الحمد لله رب العالمين الذي هدانا للإسلام، ويسر لنا حج بيته الحرام ونصلي ونسلم على رسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فالذي أوصي به نفسي وإخوني حجاج بيت الله الحرام وكل مسلم:
الوصية الأولى: تقوى الله تعالى والاستقامة على الإيمان به سبحانه حتى نلقاه امتثالاً لأمره تعالى حيث يقول: استقيموا إليه واستغفروه [فصلت: 6] ويقول: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاتخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم [فصلت: 30-32] وامتثالاً لأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم -حيث يقول: «قل آمنت بالله ثم استقم» ومعنى الاستقامة على طاعة الله سبحانه: المحافظة على أداء أوامره والبعد عن محرماته عبادةً له سبحانه ابتغاء مرضاته.
الوصية الثانية: أن تأخذ معك لذويك وجيرانك وأهل بلدك هدية عظيمة واجب عليك أخذها والمحافظة عليها لتنتفع بها أنت أولاً ولتنفع بها غيرك ثانياً وليستمر هذا الانتفاع بها إلى يوم القيامة إن شاء الله.. هذه الهدية الكبرى المباركة هي العلم بمعنى (لاإله إلا الله) نفياً واثباتاً، والعلم بمعنى العبادة والعلم بمعنى شهادة أن محمداً رسول الله والعمل بهذا المعنى للشهادتين لكي ينجيك الله من النار لأن كثيراً من الناس ممن ينتسبون إلى الإسلام ويصلون ويصومون ويحجون ويقولون لاإله إلا الله، محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -لايعرفون – مع الأسف – معنى الشهادتين؛ لذا فإنهم يقعون في الشرك بالله الذي ينقضون به معناهما، ويبطلون به صلاتهم وصيامهم وحجهم ونطقهم بالشهادتين، حيث قد أخبر الله تعالى أن عمل المشرك حابط أي باطل وضائع، وذلك بقول الله تعالى: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون [الأنعام: 88] وقوله: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكون من الخاسرين [الزمر: 65].
وإليك أخي الحاج بيان معنى الشهادتين ومعنى العبادة فاحرص – وفقني الله وإياك – على فهم ذلك والعمل به والدعوة إليه: معنى (لا إله): نفي لجميع الآلهة التي تُعبد من دون الله (إلا الله): إثبات لألوهية الله رب العالمين وحده لاشريك له، ومعنى (إله): أي معبود فكل من دعا شيئاً إنساناً أو حجراً أو كوكباً أو جناً وطلب منه تفريج كربته أو رد غائبه أو إنزال المطر أو شفاء المريض أو الرزق أو الولد فقد عبده وجعله إلهاً وصار بهذا مشركاً بالله شركاً أكبر يخرجه من ملة الإسلام ولاينفعه حجه ولاصيامه وصلاته ونطقه بالشهادتين وكذا لو ذبح لصاحب القبر نبياً أو ولياً أو غيرهما أو للجن أو نذر له فإنه يكون بذلك مشركاً كافراً قد اتخذ هذا الذي ذبح له أو نذر له إلهاً مع الله وعبده بالذبح والنذر الذي لايكون إلا لله، ومعنى العبادة: الذل والخضوع وهي في الشرع أنواع منها الدعاء كما تقدم والذبح والنذر ومنها الصلاة والصوم والحج والتوبة والتوكل.. الخ، فاحذر أيها المسلم أن تعبد غير الله تعالى وأنت لاتشعر كما يفعل الجهال الذين يطوفون بالقبور ويستغيثون بأهلها عند قبورهم أو بعيداً عنها فترى أحدهم إذا ألمّت به ضائقة أو كرب صاح: يارسول الله، أو ياعلي، أو ياحسين، أو يابدوي، أو ياعبدالقادر، أو يافلان أو يافلانه وينسى الله سبحانه وهذا أعظم من شرك أهل الجاهلية لأن أهل الجاهلية شركهم في الرخاء أما في الشدة فيخلصون لله قال الله تعالى: فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [العنكبوت: 65] وأما معنى شهادة أن محمداً رسول الله فهو: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وأن لايعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها وهي القرآن والسنة ومع هذا تحبه صلى الله عليه وسلم فوق حبك لنفسك وأهلك ولدك والناس أجمعين حباً في الله تابعاً لمحبة الله ليس حباً مع الله لأن الحب مع الله شرك لما فيه من التسوية بين الخالق والمخلوق والحب في الله توحيد لأنه دون حب الله تابع له قال الله تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله [البقرة: 165]، ويتحقق معنى هذه الشهادة باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم -وذلك بتعلم سنته والاقتداء به والبعد عن الشرك لأن كل عبادة لم يشرعها الله في كتابه أو في سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -فهي بدعة وضلالة مردودة على صاحبها قال – صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال تعالى واصفاً المتبعين لأهوائهم ولطريقة آبائهم المخالفة لشرع الله أو المتبعين لما شرعه شيوخ الطوائف الضالة من الشركيات والبدع والتي منها التعلق بغير الله واعتقاد النفع والضر أو علم الغيب في المخلوق لكونه ولياً أو كذا قال الله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله [الشورى: 21] وقال سبحانه: اتخذوا احبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [التوبة: 31] وقال عن المقلدين التقليد الأعمى: إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون [الزخرف: 23].
والحق الذي يجب اعتقاده والعمل به هو أنه لايعلم الغيب الا الله سبحانه ولا ينفع و يضر ويعطي ويمنع الا الله وحده ولايتوكل العبد الا على الله وحده ولا يتوب الا إلى الله وحده ولا يرجو ولا يخاف خوف السر الا الله وحده ولا يطلب الشفاعة الا من الله وحده لأنها لله سبحانه كما قال تعالى: قل لله الشفاعة جميعا [الزمر: 44] ولا يشفع أحد من الشافعين الا بإذنه كما قال الله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه [البقرة: 255] فالموحد يطلبها من الله فيقول: اللهم شفع فيّ رسولك – صلى الله عليه وسلم -اللهم شفع فيّ عبادك الصالحين، أما الذي ينادي النبي أو الولي ويطلب منه الشفاعة أو يتخذه واسطة عند الله فهو مشرك كأهل الجاهلية والنبي – صلى الله عليه وسلم -والولي حقاً برئ منه، أما الذي يجيز الاستعانة بالاموات والغائبين وطلب شفاعتهم ويقول إن هذا توسل وليس بشرك فهو مشرك طاغوت يجب الحذر منه ولو كان عالماً لأنه من علماء السوء الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [التوبة: 31] أما التوسل المشروع الذي أمر الله به سبحانه في قوله: وابتغوا إليه الوسيلة [المائدة: 35] ونحو ذلك، فهو التوسل إلى الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا مثل: ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث إغفر لي ذنبي.. الخ والتوسل إلى الله سبحانه بالاعمال الصالحة كتوسل الثلاثة الذين أوا إلى الغار بصالح أعمالهم حتى فرّج الله عنهم، ولابأس أن تطلب من الحي الحاضر أن يدعو الله سبحانه لك، أما الميت فلا يجوز أن يطلب منه شيء البته ولو كان نبياً أو ولياً وهو بريء ممن يدعوه قال الله تعالى: ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لايسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ماستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشركم ولاينبئك مثل خبير [فاطر: 13-14] وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» وما يدَّعيه بعض من ينتسب إلى العلم من المشركين والمبتدعين الضالين أن المستغيث بغير الله سبحانه من الأنبياء والأولياء الأموات والغائبين ويعتقد فيهم أنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون ويقضون الحاجات.. يدعي أنه إذا كان يعتقد أن الله سبحانه جعل لهم ذلك مستدلاً بما جعله لهم في حال الحياة من المعجزات والكرامات فليس ذلك شركاً وإنما هو توسلاً واستشفاعاً مشروعاً، وإنما الشرك أن يعتقد أن هذا النبي أو الولي الميت أو الغائب أو الحاضر الحي يعلم الغيب ويدبر الكون ويقضي الحاجات التي لايقضيها إلا الله بدون إذن الله سبحانه.. والجواب على هذه الشبهة الملعونة والضلال المبين والافتراء على الله عز وجل أن الله سبحانه لم يجعل هذه الأمور إلا له وحده ومئات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدل على ذلك منها قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً [الإسراء: 56-57] وأما مايحصل في حال الحياة من المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء فهو دليل على الرسول وتفريج كربة أو إجابة مضطر للولي وذلك ينتهي بموتهم. والله المستعان.
الوصية الثالثة: التي أوصيك بها ونفسي أيها الحاج الكريم أن نعود إلى أوطاننا إن شاء الله تعالى بحال أحسن من حالنا التي غادرناها بها وذلك بتصحيح ما في اعتقادنا من أخطاء لكي نعبد الله سبحانه مخلصين له الدين وبالمحافظة على الصلوات الخمس الرجال مع الجماعة في المساجد والنساء في البيوت ونؤدي كل ما أمرنا الله به ونتهي عن كل ما نهى الله عنه ونأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ونصل أرحامنا ونصح لمن ولاه الله أمرنا ونحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا ونجتهد في تحسين أخلاقنا ونهى نساءنا عن التبرج والاختلاط والخلوة بالرجال فإن ذلك منكر عظيم توعد الله من يفعله بالعقوبة والعذاب، سائلين الله سبحانه الثبات على الحق وحسن الخاتمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
اللهم اجزِ كل من أعاد طبعها وكل من ترجمها ونشرها خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.