بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من وسائل مقاومة الشيطان ذكر الله،وهو أعظم الأسلحة المفيدة في مواجهة الشيطان وكيده،حيث يتصاغر عدو الله ويخنس ويندحر
ذليلاً أمام قذائف الذكر،ولو لم يكن للعبد من الذكر إلا هذه الفائدة،وهي العصمة من الشيطان،لكفى بها أن لا يفتر لسانه من
ذكر الله تعالى،وأما إذا غفل العبد عن ذكر الله التقم الشيطان قلبه وافترسه، وألقى إليه الوساوس التي هي مبادئ الشر كله، قال
تعالى(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناّ فهو له قرين)الزخرف،أي،أن من غفل عن ذكر الله يرسل الله عليه شيطاناّ يكون
له قريناّ،إن نصوص الكتاب والسنة جاءت بأذكار يتحصّن بها الإنسان من كيد الشيطان،فمن هذه التحصينات الاستعاذة،وهي
الإلتجاء والاعتصام والاستجارة بالله من شر الشيطان الرجيم،فالشيطان الرجيم لا يقدر على دفعه وكفّه عن الإنسان إلا الله
تعالى الذي خلقه،وهو المطّلع عليه، ويراه في جميع أحواله،ولأهمية الاستعاذة في حياة المسلم في حربه مع
الشيطان،فمن ذلك الاستعاذة بالله من وسوسة الشيطان في الصلاة، وعند رؤية الحلم المزعج، وعند دخول الخلاء، وعند ثورة الغضب،
وعند دخول المسجد، وكذلك يستعاذ بالله تعالى من الشيطان عند تشكيكه للإنسان بربه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه،قال،قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم(يأتي الشيطان أحدكم فيقول،من خلق كذا،من خلق كذا،حتى يقول،من خلق ربك،فإذا بلغه فليستعذ
بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم،ومن صور الاستعاذة بالله من شر الشيطان في الصباح وفي المساء،فعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال،أن أبا بكر رضي الله عنه قال،يا رسول الله، مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت،قال(قل،اللهم فاطر السموات
والأرض،عالم الغيب والشهادة،رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت،أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه)رواه
البخاري،إن المسلم الذي يداوم على الاستعاذة في أحواله كلها بلا شك أنه سيُحفظ من الشيطان سائر يومه،ومن طرق الوقاية من
الشيطان،البسملة،من أقوى الأسلحة للوقاية من شرور الشيطان، ولها صور ومناسبات كثيرة، منها ذكر البسملة في صباح كل يوم
ومسائه، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما من عبد يقول صباح كل يوم ومساء كل
ليلة،بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء)أخرجه
الترمذي وقال،حديث حسن صحيح،وكذلك البسملة عند الخروج من البيت وقاية من الشيطان،والبسملة عند الأكل تمنع مشاركة
الشيطان فيه،ومن صور البسملة الدعاء عند جماع الرجل أهله،فعن ابن عباس رضي الله عنه،أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال(لو أن
أحدكم إذا أتى أهله قال،بسم الله،اللهم جنبنا الشيطان،وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره)أخرجه البخاري
ومسلم،ومن مناسبات البسملة ذكر اسم الله عند غلق الأبواب،فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه،قال،قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم(إذا كان جنح الليل،أو أمسيتم،فكفّوا صبيانكم،فإن الشياطين تنتشر حينئذ،فإذا ذهب ساعة من الليل فحلّوهم،فأغلقوا
الأبواب،واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباّ مغلقاّ) الحديث،أخرجه البخاري،ومما يقاوم به الشيطان قراءة آية الكرسي
عند النوم، فإن من قرأها عند نومه لن يزال معه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح،وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة
تحفظ الإنسان وتبعد الشيطان،وكذلك سورة الإخلاص والفلق والناس من أعظم ما يُقاوِم به الإنسان شر الشيطان ووساوسه، فقد
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم،الصحابي عبد الله بن خبيب رضي الله عنه،وقال له(اقرأ،قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي
وحين تصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء)أخرجه الترمذي وقال،حديث حسن صحيح،ومن أقوى الأسلحة للتصدّي لكيد
الشيطان الإخلاص،فالإخلاص هو الحاجز المنيع بين الشيطان والإنسان،وهو أحد الأسلحة الربانية والعلاجات الوقائية للمسلم في
حربه الشرسة مع عدوه الشيطان الرجيم،وهذه الحقيقة الثابتة أقر بها الشيطان نفسه واعترف بها في قوله(رب بما أغويتني لأَزينن
لهم في الأَرض ولأغوينهم أَجمعين،إِلا عبادك منهم المخلصين)الحجر،فبين أن سلطان الشيطان وإغواءه إنما هو لغير
المخلصين،فالقلب إن لم يكن خالصاّ لله متوجهاّ إليه تملكه الشيطان واستحوذ عليه،ومن الوقاية من كيد الشيطان لزوم الجماعة،
فالالتزام بالجماعة أحد الحصون المنيعة ضد مكائد الشطان، ولذلك حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم،على لزوم الجماعة فقال(عليكم
بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد،من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة)الحديث صححه
الألباني،وعدم الاستعانة بالسحرة والكهنة والمشعوذين، فمن لجأ إليهم صار ولياّ للشيطان،قال تعالى(ومن يتخذ الشيطان ولياّ من
دون الله فقد خسر خسراناّ مبيناّ)النساء،ومن صور موالاة الشيطان والتشبه به الأكل والشرب والأخذ والعطاء بالشمال، فعن أبي
هريرة رضي الله عنه،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال(ليأكل أحدكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، وليعط بيمينه،فإن
الشيطان يأكل بشماله،ويشرب بشماله،ويعطي بشماله،ويأخذ بشماله)حديث صححه المنذري في الترغيب والترهيب،ومن صور
التشبه بالشيطان العجلة،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الأَناة من الله،والعجلة من الشيطان)والحديث حسنه الترمذي، حيث إن
الشيطان يروج شره على الإنسان عند الاستعجال من حيث لا يدري،والتبذير،قال تعالى(إِن المبذرين كانوا إِخوان الشياطين)
الإسراء،والكبر،فالكبر هو سبب شقاء إبليس وخروجه من الجنة،وسيدخل بسببه النار، ولذلك من تحلى بهذه الصفة فليعلم
أنها من التشبه بالشيطان وموالاته،والشيطان من أعظم ما يدخل على الإنسان عن طريق الكبر،فعلينا غيظ الشيطان وإرغامه
بالتوبة،إن التوبة الصادقة حصن منيع للإنسان ضد مكائد الشيطان في صراعه الدائم، وإنها علاج وقائي ومباشر لكل الأمراض
والمصائب التي يصيب بها الشيطان الإنسان، فإن التائب قد لجأ إلى ربه تعالى ومولاه واحتمى بحماه، وكفى بالله حافظاّ وعاصماّ(ومن
يعتصم بالله فقد هدي إِلى صراط مستقيم)آل عمران،
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعصمنا من الشيطان الرجيم، وأن لا يجعل له إلينا سبيلاً.