الكل يعرف أن المغرب التربوي يعيش منعطفا تاريخيا ووجوديا حاسما في مساره المجتمعي والإصلاحي الحالي.وإن ربح الرهانات الكبيرة المطروحة في الإصلاح التعليمي الجديد(البرنامج الاستعجالي) لإخراج التعليم من أزمته، لن يتحقق إلا بمقاربة ومعالجة كل الاشكالايات والاختلالات العمودية والأفقية المرتبطة بكل عناصر المنظومة ككل( المنهاج،البنيات التحتية واللوجستيكية والخدماتية،الموارد البشرية،التلميذ….).
وإن كنا نسجل المجهود المالي الكبير المبدول من طرف الدولة مؤخرا،وإيجابيات بعض التدخلات الإصلاحية الأخيرة،فإننا نسجل كذلك بعض القصور في عدة مستويات من التدخل،ومنها تلك التي تخص أطر التدبير الإداري( نقصد هنا أساسا مديري الابتدائي)؛حيث رغم الأدوار القيادية والتدبيرية والحاسمة التي يقوم بها مديرو الابتدائي في سلك تعليمي يعتبر هو الآخر أساسيا وحاسما في تحقيق فعالية وجودة باقي الأسلاك التعليمية الأخرى،فإن هذه الفئة من اطر الوزارة تعرف عدة مشاكل وصعوبات لم يتم بعد الحسم فيها بالشكل الكافي،ولم تصلها موجات الإصلاح بعد،وبشكل ملموس. بل يمكننا أن نتحدث عن إهمال أو عدم إنصاف فيما يتعلق بالأوضاع المهنية والاجتماعية لمديري التعليم الابتدائي، التي تتميز مؤخرا بكثرة المهام وجسامتها،وبمعاناة حقيقية مع عدة أوضاع مهنية وتدبيرية سلبية. لنلامس هذه المهام و الأوضاع عن قرب،لتتضح لنا بالملموس جسامة دور المدير في سيرورة المدرسة الابتدائية، وخطورة المشاكل التي يتخبط فيها.
مهام مديري التعليم الابتدائي
في مرسوم رقم 2.02.376 الصادر في 6 جمادى الأولى 1443(17 يونيو 2022) بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي(المادة 11)،تتحدد مهام المدير في:
– -الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة،ومراقبة العاملين بها في إطار
احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمناشير المصلحية الجاري بها العمل.
-رئاسة مجالس المؤسسة(…)واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتطبيق مقرراتها.
– العمل على ضمان حسن سير الدراسة والنظام في المؤسسة،وتوفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات.
– اقتراح توفير وسائل العمل الضرورية لتدبير شؤون المؤسسة على الاكاديمية الجهوية للتربية والتكوين.
– إعداد برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة والعمل على تنفيذه بعد دراسته من قبل مجلس التدبير وعرضه على مدير الاكاديمية قصد المصادقة عليه.
– إبرام اتفاقيات الشراكة
– تمثيل المؤسسة محليا إزاء السلطات المحلية والهيئات المنتخبة.
– وضع تقرير عام سنوي حول نشاط وسير المؤسسة وعرضه على مجلس التدبير.
بالإضافة الى هذه المهام العامة الواردة في المرسوم السالف الذكر،نجد مهاما أخرى على أرض الواقع والتدبير اليومي(لم ترد في المرسوم،أو لم يتم التدقيق فيها أكثر)،والتي استقيناها من بعض المعطيات التي جمعناها من خلال المعاينة أو من خلال بعض المديرين أنفسهم ،ومنها:رئاسة جمعية دعم مدرسة النجاح والسهر على تنفيذ مقرراتها، إنجاز مشروع المؤسسة وتنفيذه،وعقد الصفقات والشركات، نقل المراسلات الإدارية والتجهيزات المدرسية والمطعم،السهر على اقتناء الكتب المدرسية وتوزيعها(مبادرة مليون محفظة)، تتبع وتدبير العمليات الخاصة بجيل مدرسة النجاح،الإشراف على تأسيس الأندية وتفعيلها،انجاز التقارير والإحصائيات،التواصل مع الآباء والشركاء،السهر على إنجاز الأنشطة الموازية،معالجة الملفات المستعصية والمراسلات التي تهم التلاميذ او أطر المدرسة ،معالجة مشاكل الاكتظاظ والفائض والخصاص،تسجيل وإعادة تسجيل التلاميذ،السهر على الامتحانات المدرسية وتوثيقها،تزويد المدرسين بالوسائل التعليمية،تنفيذ مختلف المذكرات الكثيرة(التي بدأت تتهاطل على المديرين مؤخرا وبغزارة وفي مدد زمنية قياسية) والعمل على الاطلاع عليها من طرف المدرسين، السهر على التعليم غير النظامي ومحو الأمية ، السهر على تنفيذ برنامج "تيسير"،حضور الاجتماعات الرسمية ،السهر على تنفيذ برامج البرنامج الاستعجالي …
كل هذه المهام الكثيرة والمرهقة وغيرها،والتي دفعت الكثير من المديرين إلى تقديم استقالتهم وجعلت الأطر الأخرى تنفر من المشاركة في مباريات الالتحاق بالإدارة التربوية، جعلت التدبير الإداري في المدرسة الابتدائية يعيش عدة اختلالات وصعوبات،ويؤثر في أحايين كثيرة على السير العادي للمؤسسات، واختزلت دور المدير فيما هو تقني محض على حساب ما هو تربوي ،و جعلت مديري الابتدائي في وضعية مهنية وصحية واجتماعية جد متأزمة:الإرهاق،العمل لساعات غير محدودة وغير رسمية في أحايين كثيرة في المدرسة والبيت على حساب مسؤولياتهم الأسرية،استنزاف إمكانياتهم المالية(الإنفاق من جيوبهم أحيانا)…
بعض مطالب المديرين لإثارة انتباه الوزارة
كل ما سبق من كثرة المهام، جعل المديرين ينتفضون بشكل فردي أو جماعي من خلال جمعيتهم (الجمعية الوطنية لمديرات ومديري التعليم الابتدائي بالمغرب)، لإثارة انتباه الوزارة للاهتمام بظروفهم الإدارية والمادية والمعنوية،وإيجاد الحلول الناجعة لتجاوز وضعيتهم المهنية المتأزمة وغير السليمة.ومن أهم مطالب مديري التعليم الابتدائي:
إحداث إطار مدير بكل إجراءاته وقواعده القانونية وتخويله صلاحيات واضحة،تعيين طاقم إداري متفرغ يساعد المدير في مهامه،تجهيز الإدارة بالوثائق الضرورية(تم مؤخرا تزويد المديرين بالهواتف والحواسب وهذا شيء ايجابي يحسب للوزارة)،الاستفادة من التكوين الإداري المستمر،توفير وسائل او ضمانات للتنقل (على غرار المفتشين و اطر المصالح الوزارية)،الاستفادة من التامين المدرسي،الحد من تعسفات بعض رؤساء المكاتب والمصالح وبعض المفتشين،تحديد ساعات العمل،توفير السكن الوظيفي،الرفع من التعويضات،إحداث تعويض عن العمل بالوسط القروي،التعويض عن التربية غير النظامية ومحو الأمية وبرنامج تيسير،توحيد التعويض عن الامتحانات الاشهادية ومشاريع البرنامج الاستعجالي…(المزيد من مطالب السادة المديرين توجد في الملف المطلبي لجمعية مديري التعليم الابتدائي).
في الأخير،نتمنى أن تعمل الوزارة الوصية على الانتباه إلى مشاكل وعوائق العمل الإداري، وإلى معاناة وقضايا هذه الفئة التي تحترق في صمت على هامش أضواء الإصلاح، و إلى باقي إداريي الأسلاك التعليمية الأخرى عامة، والاستجابة إلى المطالب المعقولة والعادلة للمديرين.لأن ذلك من شانه أن يرفع من مستوى الفعالية والتعبئة والمشاركة المواطنة لدى هذه الفئة،ومن الرقي بجودة وفعالية الإدارة التربوية،وانخراطها الكامل والمسؤول في ربح رهانات إصلاح المدرسة المغربية التي تعتبر الرافعة الأساسية لتنمية وتقدم وطننا.
تسلمي
تقبلي مروووري