الآن وقد بلغ طفلك الثمانية أشهر، أصبح على الأرجح يجلس جيّداً من دون مساعدة، ويحبو أو يزحف أو يتنقّل جاراًّ قدميه (متنقّلاً على مؤخرته واضعاً يداً وراءه وساقاً أمامه ليدفع نفسه إلى الأمام)، وقد شرع يدفع نفسه للوقف متمسّكاً بالأثاث. إذا أوقفت طفلك بجانب الأريكة، سيتمكّن من المحافظة على هذه الوضعيّة متمسّكاً بقوّة بالأثاث.
وسائل التنقّل هذه التي اكتشفها طفلك مؤخراً تعني أنّه قد دخل عالم المطبّات والسقطات، وهو جزءٌ لا مفرّ منه في الطفولة. مع أنك ستشعرين بأن نبضات قلبك تكاد تتوقف في بعض الأحيان من شدّة الخوف، يجب أن تحاولي الاستمتاع بمشاهدة طفلك يكتشف قدراته وما يحيط به. إن كبح رغبتك الفطرية بحمايته ستسمح له بالنمو وبالتعلّم بنفسه. اجتهدي في جعل منزلك مكاناً آمناً للطفل. على سبيل المثال، عليك حماية الأغراض القابلة للكسر وإبقاء الأثاث المزعزع في غرفٍ لا يدخلها الطفل.
استخدام يديه
ها هو طفلك يبحث عن الأشياء التي وقعت أرضاً ويشير إليها بإصبعه، كما أنّه أصبح بارعاً في استخدام يديه لسحب قطعة من الطعام وضعها في قبضته، أو فتح يده وأصابعه عن قصدٍ لإيقاع شيء ما. بدأ يتقن على الأرجح التقاط الأشياء مستخدماً إصبعين فقط مثل الكماشة، وهي عمليةٌ دقيقة تقتضي مسك الأشياء الصغيرة بإبهام اليد والإصبعين الأولى والثانية.
تدفّق عاطفته
أصبحت مشاعر طفلك عند هذه المرحلة أكثر وضوحاً، فهو يؤدي خدعاً كإرسال القبلات لأشخاص يألفهم ويكرر الخطوة لو حظي بالتصفيق. خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيتعلّم طفلك تخمين الحالات النفسيّة والأمزجة وتقليدها وسيظهر أشكال التعاطف الأولى، فإذا رأى شخصاً يبكي مثلاً سيشرع بدوره في البكاء.
الاعتياد على الافتراق
في هذا العمر، يبدأ معظم الأطفال بإظهار علامات قلق الافتراق. فيُظهر طفلك خجله أو قلقه حين يحيطه الغرباء، وبالأخص حين يكون متعباً أو غاضباً أو عندما لا تكونين بالقرب منه، فيسيطر عليه الاضطراب. رغم أنّه من الصعب عليك رؤية طفلك حزيناً، إلاّ أنّه يجب أن تسمحي له باختبار هذا الأمر. عندما تتركينه لبعض الوقت ثمّ تعودين، مؤكدةً له أنّك ستعودين في كلّ مرّة، تساعدينه على تنمية الشعور بالثقة والقدرة على إقامة العلاقات مع الأشخاص الآخرين.
قبل أن تتركي طفلك، قبّليه وعانقيه وأخبريه بأنّك ستعودين. لو خاف أو انهار، خذي وقتاً إضافيّاً لتهدئته وطمأنته. من الصعب ألا تبكي بدورك حين يبدأ بالبكاء، ولكن فقد أعصابك سيزيد الأمر سوءاً، لذلك من الأفضل أن يتواجد شخصٌ آخر مألوف لديه (وليس جليسة أطفال جديدة) لتهدئته. لو كان طفلك يظهر قلقه من الافتراق عنك ليلاً، امضي وقتاً أطول في معانقته والقراءة له وإظهار عاطفتك له والغناء برقّة معه قبل أن تضعينه في سريره.
من ناحيةٍ أخرى، يجيد بعض الأطفال الافتراق عن أهلهم، أمّا بعضهم الآخر فلا يحتملون الأمر، وذلك يعتمد على طباعهم إذ يختلف كل طفلٍ عن الآخر كما يختلف حجم العاطفة التي يحتاجها كل طفلٍ. إن كان طفلك يحتاج كثيراً من التهدئة لا تتردّي في إعطائه إياّها ولا تقلقي لو طالت المسألة، فأنت أدرى من الآخرين بمشاعره وعليك إتباع حدسك.
اكتشاف الأشياء
يستكشف معظم الأطفال في هذا العمر الأشياء عبر هزّها، وضربها، وإسقاطها ورميها قبل أن يعودوا إلى أسلوبهم المحب والمعتاد بوضعها في فمهم. تتطوّر لدى طفلك فكرة إمكانية فعل أي شيء بغرضٍ ما، وسيذهله وجوده في مركز للأنشطة حيث تتوافر الكثير من الأشياء التي يمكن ضربها ودفعها ولفّها وعصرها ورجّها وإسقاطها وفتحها.
في هذه المرحلة، يحبّ الأطفال رؤية الأشياء تقع ليتمّ التقاطها (بالتأكيد أنت من يلتقطها) ثمّ رؤيتها تقع من جديد. لا يقوم طفلك بذلك بهدف إثارة غضبك، إنمّا حبّاً لهذا المشهد المثير الذي سيرغب في تكراره مراراً.
يستوعب طفلك الآن كيف تترابط الأشياء مع بعضها فيدرك على سبيل المثال، أنّه يمكن وضع الأشياء الصغيرة في الأشياء الأكبر، كما يجد بسهولة ما تخبّئين ويشير إلى الصورة المناسبة عندما تذكرين غرضاً ما. سيبدأ في الأشهر القليلة المقبلة باستخدام الأشياء حسب وظائفها، كتسريح شعره والشرب من الكوب والثرثرة على لعبة الهاتف.
تحسّن نَظَرِه
يشبه نظر طفلك حالياً نظر البالغين نقاوةً وعمقاً في الرؤية. مع أنه يرى الأشياء القريبة أفضل من البعيدة، فإنّها، بشكلٍ عام، تكفي ليتعرّف على الأشخاص والأشياء التي تحيط به في الغرفة.
هل ينمو طفلي بشكلٍ طبيعي؟
تذكّري أنّ كلّ طفل حالة فريدة، يجتاز المراحل الجسدية وفق نمطه الخاص. وما ندرجه هنا ليس سوى خطوطٍ عامة ترشدك إلى إمكانيات طفلك وما سينجزه عاجلاً أو آجلاً.