السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أمةً في خضم الذُل تعتذر بأن الواقع المحتوم والقدرُ
بين يدي الكتاب
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أما بعد؛
فإنَّه في يوم 2 من ربيع الأول في سنة 897 هجرية، الموافق 2 يناير سنة 1492 ميلادية وقَّع أبو عبد الله محمد الصغير –آخر ملوك الأندلس من المسلمين- معاهدة الاستسلام، وذلك بعد قتل انتفاضة المسلمين التي قامت بين ربوع غرناطة –آخر معاقل المسلمين في الأندلس-، وخرج أبو عبد الله الصغير من مدينة غرناطة، ووقف علي تلٍ من التلال القريبة من قصر الحمراء –قصر الحكم في غرناطة- وهو يبكي وينتحب، فقالت له أمه عائشة الحرة: " أجل فلتبكِ كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال"، وخرج المسلمون بذلك من الأندلس خروجاً نهائياً بعد أن حكمت بالإسلام ثمانية قرون، غير أن الأيام تحمل معها مفاجآتٍ كثيرةٍ فتلك البلاد التي حُكمت بالإسلام هذه المدة الطويلة لا يعيش فيها الآن من المسلمين إلا حوالي مائة ألف مسلمٍ فقط، فهي من أقل بلاد العالم تعداداً للمسلمين، وهو درس لابد أن يفقهه المسلمون.
وكأني ألحظ دهشة تعلو الوجوه!!، لماذا الحديث عن الأندلس؟!، أليس موضوع الكتاب خاص بـ " فلسطين "؟!، نعم.. يدور حديثنا هنا عن فلسطين، ولكن العلاقة وثيقة جدا بين قضية فلسطين الحالية وبين الأندلس الماضية.. سبحان الله.. مع تباعد الزمان وتباعد المكان فإن العلاقة وثيقة بين الأندلس وبين فلسطين!!، ولعلنا ندرك ذلك من خلال هذه الملاحظة وهي في غاية الأهمية:
لماذا لم يعد للإسلام ذكر في هذه البلاد إلا آثاراً قليلةً، وبعض المساجد التي حولت إلى كنائس، بينما احتلت بلادٌ إسلاميةٌ كثيرةٌ غير بلاد الأندلس ومع ذلك لم يخرج منها الإسلام؟!، احتلت مصر، والجزائر، وسوريا، والسودان، وليبيا، والعراق، ومعظم بلاد العالم الإسلامي لكن هذه البلاد لازالت مسلمة بعد الاحتلال الطويل، أما أسبانيا والبرتغال –أو الأندلس- فالوضع فيها مختلف، لماذا؟! لأن الاحتلال الأسباني للممالك الإسلامية في الأندلس كان احتلالا استيطانيا إحلاليا سرطانيا، بمعني أن الأسبان ما كانوا يدخلون المدينة الإسلامية إلا ويقتلون أهلها جميعا، ويقومون بمذابح جماعيةٍ في كل مكان، أو يطردونهم خارج البلاد، وهكذا وبمرور الوقت يتحول سكان البلد المسلمون إلى شهداء أو لاجئين، ثم يأتون بالأسبان من كل مكان ليوطنوهم في هذه البلاد، وهكذا وبمرور الوقت أصبح سكان الأندلس كلهم من الأسبان وليسوا من المسلمين واختفي المسلمون بالكلية من ساحة الأندلس.
تري كيف كان حال المسلمين حول بلاد الأندلس في البلاد المجاورة، في تونس والجزائر والمغرب ومصر والشام؟، كيف كان حال المسلمين وقت سقوط الأندلس؟
كان المسلمون في فرقة شديدة وضعف، ومع ذلك فإنهم – ولا شك – فكروا مع هذا الضعف في استعادة بلاد الأندلس، ولكنهم لم يستطيعوا هذا لقلة حيلتهم، ومن المؤكد أن المسلمين الذين خرجوا من بلاد الأندلس عند السقوط فكروا يوما ما في العودة، ولكن لم يستطيعوا لضعف إمكانياتهم، وهكذا مرَّ شهرٌ أو شهران، وعامٌ أو عامان، وقرنٌ أو قرنان بل خمسة قرونٍ ، وضاعت الأندلس – أسبانيا والبرتغال – من ذاكرة المسلمين، فَمَنْ مِن المسلمين الآن يفكر في استعادة بلاد الأندلس؟ لا أحد، فالأندلس الآن عبارةٌ عن دولتين تربطهما مع كل بلاد المسلمين علاقات حميمة.
كان المؤرخون قديماً عندما يتحدثون عن الأندلس بعد سقوطها يقولون "أعادها الله للمسلمين"، مثلما يتحدث مؤرخ فيقول: " فتح طارق بن زياد رحمه الله بلاد الأندلس – أعادها الله للمسلمين – في سنة 92 من الهجرة"، ذلك لأنها كانت دائما في الذاكرة، أما مع تقادم العهد فقد اختفت الكلمة – كلمة أعادها الله للمسلمين – اختفت من أفواه المؤرخين.
ما أشبه اليوم بالبارحة فالأندلس تتكرر من جديد.. أين؟ في فلسطين!!. نعم في فلسطين!!؛ نفس طريقة الاحتلال الأسباني ، قتل أو طرد للمسلمين، تحويل الشعب إلى لاجئ وشهيد، هدمٌ للمباني والديار، وإقامة للمستوطنات اليهودية في كل مكان، عملية إحلالٍ منظَّمةٍ للشعب الفلسطيني بالشعب اليهودي؛ وإن تُرك الأمر علي حاله في تراجعٍ ودعةٍ من المسلمين فإن المصير سيكون واحدا، وستلقى فلسطين نفس مصير الأندلس. إذا تقادم العهد علي عملية الاستيطان والإحلال سيصبح المكان مع مرور الزمان اسمه إسرائيل، كما أصبحت الأندلس مع مرور الزمان اسمها أسبانيا والبرتغال. إذا تقادم العهد على الاحتلال فسيصبح هذا أمرًا واقعًا.. المسلمون منذ ثلاثين سنة مثلاً كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مطلقًا.. بل كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سطوا على أرضٍ ليست أرضهم فنهبوها واستوطنوها.. ثم مرت الأيام وقبل الرافضون القدماء من العرب بوجود إسرائيل على مساحة 78% من الأرض المحتلة وهي كل أرض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة.. ثم سيقبلون بعد ذلك بأن تحتل إسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى الـ78% الأصلية وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة..
ثم ستأتي مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بالكلية.. وساعتها قد يصرخ المسلمون يومًا أو يومين أو سنة أو سنتين أو قرنا أو قرنين.. ويتقادم العهد، وتصبح فلسطين إسرائيل.. ويرتبط المسلمون معها بما يرتبطون به الآن مع أسبانيا والبرتغال. إذا تقادم العهد علي احتلال فلسطين فقد يأتي زمان يزور فيه المسلمون المسجد الأقصى بتأشيرة سياحة من السفارة الإسرائيلية كما يزورون الآن مسجد قرطبة بتأشيرة سياحة من السفارة الأسبانية!!.
قضية فلسطين قضيةٌ من أخطر قضايا أمة الإسلام، بل لعلها الأخطر على الإطلاق. قضية فلسطين هي قضية أمةٍ، تذبح، وشعبٍ يباد، وأرضٍ تغتصب، وحرماتٍ تنتهك، وكرامةٍ تهان، ودينٍ يضيع.
ترى ماذا نفعل كأمة وكأفراد حتى لا تصبح فلسطين أندلسًا أخرى؟
أنا في هذا الكتاب لا أخاطب الحكومات والهيئات الرسمية..
أنا أخاطب عموم المسلمين الغيورين على القضية..
أخاطب الطبيب والمهندس والمحامي ورجل الأعمال..
أخاطب النجار والحداد والعامل والفلاح..
أخاطب أستاذ الجامعة كما أخاطب الطالب..
أخاطب العلماء كما أخاطب الرجل البسيط الذي لا يحسن القراءة والكتابة ولكن فقط.. يتألم.. لفلسطين.
أنا – أيها المسلمون- أخاطب عموم المسلمين الذين ليس في أيديهم قرار تسيير الجيوش، ولا قطع العلاقات، ولا غلق السفارات، ولا وقف التطبيع، ولا محاكمة شارون، ولا وحدةُ قادة المسلمين..
يقول الله عز وجل:
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [سورة البقرة: 286].
نحن في هذا الكتاب نحاول أن نضعَ أيدينا على هذا الوُسع.
أنا أريد منك ستة أدوار.. ستة واجبات، إذا فعلتها على الوجه الأكمل كنت ممن أدى حقَ فلسطين.. وكنت مساهمًا في تحريرها.. وكنت مستنفذًا لوسعك وطاقتك، ويوم القيامة تقول.. يا رب.. تألمت لفلسطين ففعلت كذا وكذا، وهذا ما كنت أملك.. مع العلم أنني في هذا الكتاب لا أخاطب إخواننا المجاهدين المرابطين في أرض فلسطين، فإن عليهم دورًا يسبق كل هذه الأدوار وهو الجهاد في سبيل الله.. فلا شيء يعدلُ الجهادَ ضد اليهود.. نسأل الله لهم الثبات والإخلاص..
الواجب الأول: فهم القضية فهمًا صحيحًا وتحريكها بين الناس بسرعة.
الواجب الثاني: قتل الهزيمة النفسية وبث الأمل في عودة اليقظة للأمة الإسلامية.
الواجب الثالث: بذل المال قدر المستطاع وتحفيزُ الناس عليه.
الواجب الرابع: المقاطعة الاقتصادية الشاملة والكاملة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي أو من أي دولة أو شركة تؤيد اليهود بسفور.
الواجب الخامس: الدعاء المستفيض اللحوح لله عز وجل.
الواجب السادس: إصلاح النفس والمجتمع.
مع هذه الواجبات نعيش في هذه الصفحات القادمة؛ ونسأل الله التوفيق..
الواجب الإيجابي الأول
تحريك القضية
لا يجب أن تموت قضية فلسطين أبداً أو تنسى!!
وسبحان الله فقد حركها الله سبحانه وتعالى لنا؛ تذكرون أن قضيه فلسطين قد خمدت فتره من الزمان – حوالي سبع سنوات كاملة – بعد معاهدة أوسلو؛ لكن الله حركها بزيارة شارون للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر سنه 2000، وهو حدث – مع عظمه – أهون من أحداث سابقة كثيرة. هناك أحداث كثيرة جدا سبقت زيارة شارون للمسجد الأقصى لم يتحرك لها المسلمون هذا التحرك. حدث قتل للمسلمين.. حدث تدمير وتشريد.. حدثت مذابح مثل مذبحة صبرا وشاتيلا، ولكن تحركوا لزيارة شارون وهي أهون من قتل المسلمين. إذًا هذه الحركة للقضية فعلها سبحانه وتعالي، ولابد أن نشكر هذه النعمة – نعمة تحريك القضية – وشكر النعمة يكون باستمرار تحريك القضية.
أحذر أن يمر عليك يوم أو يومان دون أن تذكر فلسطين وتُذكَّر بها..
احمل هم القضية وتحرك..
في كل الدوائر تحرك..
في كل الأماكن تحرك..
في كل الأوقات تحرك..
تحت كل الظروف تحرك.
• تحدث عن فلسطين في دائرة بيتك.. مع أبيك وأمك.. مع إخوانك وأخواتك.. مع أولادك وأحفادك..
• تحدَّث عن فلسطين في دائرة الأقارب.. القريبة والبعيدة.. كل من تعرف من أهلك.. تحدث معهم..
• تحدث عن فلسطين في دائرة أصدقائك.. وفي دائرة العمل.. فلنترك جانبًا في هذه الأيام العصيبة الحديث عن المباريات والدوري والكأس والمسلسلات والأفلام.. والقيل والقال.. وفلان وعلان.. فلنتحدث عن فلسطين..
• حتى في الدوائر السطحية التي تلتقي بها قدرًا ودون ترتيب تحدث عن فلسطين.. منتظر في عيادة طبيب.. راكب في أتوبيس أو ميكروباص أو تاكسي.. تحدث عن فلسطين..
ثم فكر أن توسع دوائر التحريك:
• مقال في جريدة أو خطاب إلى بريد إحدى الصحف..
• مقال في مجلة حائط في مدرسة أو جامعة..
• كلمة بسيطة سريعة في مسجد أو في فصل أو في مدرج.. دقيقتين أو ثلاثة.. خبر عن عملية استشهادية أو سؤال الدعاء لأهل فلسطين.
• خطبة جمعة – لو تستطيع – أو تنصح الخطيب بذلك..
• اعمل صالون ثقافي في بيتك وادع أصدقائك وناقشوا القضية.. ولا مانع إن تدعو إلى اللقاء متحدثًا يدرك أبعاد القضية، يحاورهم ويشرح لهم..
• ابعث رسائل على الإنترنت لكل من تعرف من الأفراد والهيئات في كل بقاع العالم.. ابعث للمسلمين ولغير المسلمين.. اشرح القضية.. وضح فضائح اليهود.. اعمل رأي عام عالمي مضاد للإعلام اليهودي.. تحرك.. ليس هناك وقت..
• حتى المظاهرات السلمية تعتبر تحريكا للقضية.. لكن مع الأخذ في الاعتبار أن المظاهرة تكون بالضوابط الشرعية.. ليس فيها تكسير أو إفساد حتى للمحلات الأمريكية وغيرها.. فهي في عهدنا والمسلمون لا ينقضون العهود.. وليس فيها سباب.. فليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء.. وليس فيها اختلاط مخل بالآداب الإسلامية.. وليس فيها شعارات ضالة تؤخر القضية بدلاً من تقديمها..
هذا التحرك –يا أخي- لا بد أن يكون بسرعة..
فعلاً ليس هناك وقت..
مرور الوقت –دون عمل- ليس في مصلحة القضية..
– مع مرور الوقت يزداد عدد الشهداء، وتفقد الأمة أفرادها الواحد تلو الآخر..
– مع مرور الوقت تهدم المنازل، وتجرف الأراضي، ويُشتت الناس، ويتزايد عدد من لا مأوى لهم، وكل هذا يُكثِّر من أوراق الضغط اليهودي.
– مع مرور الوقت تزداد المستوطنات، وتزداد الهجرة اليهودية للأراضي الفلسطينيين، ويزداد الإحلال اليهودي للشعب الفلسطيني..
– مع مرور الوقت يتناقص الغذاء والكساء والدواء، وذلك لغلق كل الحدود والمعابر..
– مع مرور الوقت تتزايد الجرأة اليهودية على المسلمين فنسمع عن أشياء جديدة وبصورة متكررة:
• نسمع عن عملية اغتيال لأشخاص بعينهم..
• نسمع عن عمليات اختطاف لأفراد بعينهم من عقر دارهم..
• نسمع عن قصف بالمروحيات والأباتشي..
• نسمع عن اجتياح بالدبابات والجرافات..
• نسمع عن مذابح جماعية.. ونشاهد سكوتا عالميًا مخزيًا!!..
– مع مرور الوقت يحدث شيء خطير أسميه إلف المأساة..
يتعود المسلمون على منظر الدماء..
يتعودون على منظر الجرحى بالمئات والآلاف..
يتعودون على منظر الأمهات الثكالى..
يتعودون على منظر الأطفال الباكية المشردة..
يتعودون على مناظر الهدم والتجريف والظلم والإبادة..
يتعودون على كل ذلك فلا تتحرك القلوب كما كانت تتحرك، ولا تُذرف الدموع كما كانت تُذرف ولا تتأثر المشاعر كما كانت تتأثر.. إلف المأساة..
ثم أتدري كم ستعيش في هذه الأرض؟!.. الموت يأتي بغتة.. ومن مات قامت قيامته.. ولا شك أننا سنسأل عن هؤلاء الذي يقتلون صباح مساء على بعد أميال منا.. لا داعي أن نأخذ الموضوع ببساطة..
لكي تشعر بالمشكلة ضع نفسك مكانهم.. وليس ببعيد أن يبدل الله الأدوار عما قريب.. تخيل أنك تسير في الشارع ومعك ابنك 8 سنوات أو 10 سنوات، فجاء يهودي وأطلق رصاصة استقرت في قلبه أو في رأسه فسقط بين يديك، وأنت لا تملك له علاجًا، حتى مات أمام عينيك، فترفع رأسك فإذا بأكثر من مليار مسلم يشاهدون ولا يتحركون!!.. ماذا تفعل؟! ألا ترفع يدك إلى السماء وتدعو على من شاهد ولم يتحرك؟.. وتدعو على من سمع ولم يعقل؟
تخيل نفسك في هذا المقام!!
ألا تخشى من دعوة هؤلاء المظلومين على إخوان لهم في الدين، شاهدوا الأرواح تزهق، والأرض تُسرق، والشعب يُشتت، فتأسفوا قليلا، ثم سارت حياتُهم بصورة طبيعية كما كانت..
تحريك القضية وبسرعة واجب حتمي يحفظ القضية من الموت أو النسيان ولكن..
لابد أن يكون التحريك بالمفاهيم الصحيحة..
تحريك القضية بمفاهيم خاطئة قد يضر بها ويُعطل سيرها.. بل ويعجل بموتها..
لابد من تفريغ الوقت لفهم القضية فهما صحيحًا وتفهيمها لغيرنا..
أعداء الإسلام يدبرون مؤامرات لا حصر لها لهدم الإسلام وإبادة أهله.. لا يهدأون ولا يكلّون.. وعلى قدر هذا النشاط من أعداءنا يجب أن تكون حركتنا أو يزيد..
• مؤامرات سياسية عن طريق المفاوضات والسفارات والهيئات والأحلاف.
• مؤامرات عسكرية عن طريق الجيوش والصواريخ والطائرات والبوارج.
• مؤامرات اقتصادية عن طريق الحصار والقيود الاقتصادية والديون والعولمة.
• مؤامرات تفريقية للتفريق بين الشعوب الإسلامية وبين أفراد الشعب الواحد بل وبين أفراد الأسرة الواحدة.
• مؤامرات أخلاقية عن طريق إفساد أخلاق المسلمين بالإعلام والدش والإنترنت والتليفزيون والصحف الصفراء و البيضاء.
• ثم مؤامرات فكرية عن طريق تغيير أفكار المسلمين وتبديل المعايير الصحيحة وقلب الموازين العادلة.
وكل هذه المؤامرات خطير.. وكلها قاتل وفتاك..
لكن أشد هذه المؤامرة خطورة هي المؤامرة الفكرية..
المؤامرة الفكرية.. التي تقلب الحق باطلاً والباطل حقًا..
تخيل أن رجالاً عاشوا طويلاً ، وكافحوا وتعبوا وسهروا وبذلوا، من أجل أفكار ضالة، وعقائد منحرفة، وأهداف تافهة.. كل ذلك وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!!
كارثة!!.. المؤامرة الفكرية تقتلع الأمم من جذورها..
لا أمل في النجاة إن انحرفت أفكار الناس..
ومن انحرف ولو درجة، فلا يرجى له وصول..
كثيرٌ ممن يكافح من أجل فلسطين.. يكافح للدفاع عن أفكارٍ منحرفة، ومفاهيم خاطئة.. ولذا فهم يؤخرون أو يضيعون القضية..
تحريك القضية بالمفاهيم الصحيحة من أقوى الأسلحة في حرب التحرير..
هيا نختبر مفاهيمنا حول القضية..
المفهوم الأول:- لماذا نحرر فلسطين؟؟
ما هي الدوافع وراء الحركة وبذلِ المال والجهد والوقت والنفس؟
لماذا نتحمس لفلسطين؟
الناس في هذا الأمر ترفع شعاراتٍ مختلفة..
• هناك من يقول نحن نحرر فلسطين لأنها عربية ونحن عرب وبدافع القومية العربية لابد أن نحررها..
• هناك من يقول نحن نحررها من أجل أن بها القدس المدينة المباركة..
• هناك من يقول نحن نحررها من أجل الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين..
• هناك من يقول لحل مشكلة اللاجئين المشردين في بقاع الأرض..
• هناك من يقول لأنها إسلامية..
• وهناك من يقول لأجل كل ما سبق.. لأنها عربية ولأنها إسلامية ولأن بها القدس والأقصى ولحل مشكلة اللاجئين..
نعم.. قد يكون لأجل كل ذلك تتحرك.. لكن اعلم أنك إن لم تحدد وجهة واحدة من كل هذه الأمور فقد تضل الطريق وتنحرف عن الهدف.. لا تفرق عليه الهموم.. ضع النقاط فوق الحروف اختر هدفًا واحدًا من كل هذه الأهداف:
– هل لأنها عربية؟
– أو لأنها إسلامية؟
– أو لأن بها القدس؟
– أو لأن بها الأقصى؟
– أو حلا لمشكلة اللاجئين؟
فكّر..
فكّر جيداً..
أنا أختار لأن فلسطين إسلامية..
ماذا تعني كلمة "فلسطين إسلامية"؟
في شرع الإسلام إذا حكم المسلمون بلدًا – فتحًا أو صلحًا – أصبحت هذه البلاد ملكًا للمسلمين "حكمًا أبديًا إلى يوم القيامة".
هناك باب كبير في الفقه اسمه باب الأرض المغنومة.. الأرض التي غنمها المسلمون يومًا من الأيام، صارت أرضًا إسلامية.. وعلى هذا اجتمع فقهاء المسلمين..
أرض فلسطين.. فتحت بالإسلام سنة 13هـ واكتمل الفتح سنة 18هـ..
وبذلك أصبحت الأرض بكاملها أرضًا إسلامية..
حق المسلمين في أرض فلسطين بدأ منذ هذا التاريخ..
نحن لا نتعلق بتوراة محرفة كاليهود.. نحن نتعلق بشرع محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد..
الأرض بكاملها إسلامية من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن ومن لبنان إلى رفح..
هذا هو شرع الإٍسلام..
والتفريط في شبر من فلسطين تفريط في الدين..
ترى كم من المكافحين من أجل القضية الآن يفهم هذا الأمر؟
ترى كم من الرجال يكافح من أجل إقامة دولة فلسطينية، فقط على الضفة الغربية وغزة ويترك 78% من الأرض الإسلامية لليهود؟
ترى كم من المفاوضين سيترك جزءاً من الدين، من أجل التعايش السلمي مع اللص الذي سرق الأرض؟!
مشكلة فكرية خطيرة..
أنا لا أعتقد أن أي عالم إسلامي يستطيع أن يتجرأ على الفتوى بأن مدينة يافا – المدينة الفلسطينية الجميلة – أصبحت مدينة إسرائيلية وليست إسلامية (مع العلم أن الحي الشمالي منها اسمه تل أبيب).
ولا أعتقد أيضاً أن أي عالم إسلامي يستطيع أن يتجرأ على الفتوى بأن مدينة حيفا لم تعد مدينة إسلامية، أو أن مدينة عكا – الثغر الإٍسلامي القديم – لم تعد ملكًا للمسلمين..
أي قصور في الفهم!!.. وأي انحراف في الفكر!!..
أصدر الأزهر الشريف في 1 يناير سنة 1956 فتوى بأنه لا يجوز التفريط في شبر من الأرض الفلسطينية، ثم ما لبثت الأيام أن دارت، واعترف المسلمون لليهود بـ78% من الأرض أو يزيد، والبقية تأتي..
ويترتب على فهم أن فلسطين بكاملها إسلامية حكم فقهي هام.. وهو أنه يتعين على أهل الأرض المسلمة المحتلة الجهاد من أجل تحريرها.. يتعين عليهم، أي يفرض عليهم كالصلاة المفروضة وكصيام رمضان..
من لم يجاهد من أهلها لتحريرها بكاملها أثم.. ولا خلاف بين العلماء في ذلك..
إذًا أهل فلسطين عليهم أن يجاهدوا حتى يحرروا فلسطين بكاملها، فإن لم يكف أهل فلسطين لذلك تعين الجهاد على الأقطار الإسلامية المجاورة، وهكذا، وإن شمل ذلك كل مسلمي الأرض..
قضية في منتهى الخطورة.. ليست أبداً قضية هامشية في حياتنا..
وبالطبع سيقول بعضهم إن هذا يتعارض مع الشرعية الدولية، وقوانين الأمم المتحدة، وحدود الدول المعترف بها، ومنها حدود دولة إسرائيل، وهكذا..
هنا يجب أن نقف وقفة ونسأل بصراحة.. ماذا تعني الشرعية الدولية؟!
هل الشرعية الدولية تحفظ للناس حقوقها؟ أم أنها فقط تضمن للقوى الاستمرار فيما يريد وإن كان ظلمًا؟
الحق أن الشرعية الدولية ما هي إلا شعار يختفي وراءه كثير من مجرمي الحرب وكثير من الشياطين..
يظلمون ويقتلون ويشردون وفق أهواء منحرفة ومصالح ذاتية.. هل هذه هي الشرعية الدولية؟!
الشرعية الدولية سمحت بموت نصف مليون طفل عراقي لنقص التطعيمات والألبان.. ما هذا!!، هل هؤلاء الذين يحكمون باسم الشرعية الدولية بشر؟، هل يتعاملون وفق مشاعر البشر؟، هل يقبل بشر –أي بشر- بوفاة طفلٍ واحد أمامه لنقص الغذاء أوالدواء وهو يتفرج ويشاهد بل ويستمتع؟ هل هذا بشر؟ فما بالك بوفاة نصف مليون طفل!!..
ماذا فعلت الشرعية الدولية في أفغانستان وماذا فعلت في كشمير وماذا فعلت في السودان وماذا فعلت في البوسنة وماذا فعلت في الصومال وماذا فعلت في لبنان؟
ثم ماذا فعلت الشرعية الدولية لإسرائيل في تعدياتها الصارخة في فلسطين؟
إذًا بوضوح.. الشرعية الدولية ليست قانونا عادلاً.. الشرعية الدولية قانون لا يعرف إلا.. القوة..
ولأن الله عز وجل يعلم الظلم الشديد الذي سينتهجه كثير من البشر.. ولأنه عز وجل يعلم أن الحق المجرد لا يقنع الكثيرين من الخلق، ولأنه يعلم أن الحق لابد أن يُحمى بقوة.. من أجل كل هذا شرع القوة – أو الجهاد – للدفاع عن الحقوق.
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 39-40].
إذًا فلسطين بكاملها إسلامية.. ولن يرضى بذلك اليهود ولا أعوانهم ولا الشرعية الدولية.. ولن يقتنع الأقوياء الظالمون إلا بقوة إسلامية عادلة..
لابد أن تعرف حقك.. وأن تعرف السبيل الصحيح إلى استرداده..
ثم يا أخي وقفه أخرى هامة: كيف ننتصر على أعداءنا؟..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنكم لا تنصرون على عدوكم بالعدد والعدة، وإنما تنصرون عليه بطاعتكم لربكم وبمعصيتهم له؛ فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد"..
نحن المسلمين لا ننتصر إلا بتأييد الله لنا.. وكل زعيم مسلم على مر التاريخ حاول أن يعتز بغير الإسلام لم يذقه الله إلا الذل.. وكل جيش مسلم حاول أن ينتصر بغير الإسلام هزمه الله..
وعلى النقيض تمامًا.. كل زعيمٍ أو جيشٍ تمسك بالإسلام انتصر ولو كان قليلاً ضعيفًا..
قواعد شرعية..
– {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 249].
– {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد: 7].
– {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ} [سورة آل عمران: 60].
من ذا الذي ينصركم من بعده؟؟.. أمريكا؟.. روسيا؟.. الاتحاد الأوروبي؟.. الأمم المتحدة؟.. الشرعية الدولية؟.. من؟ لا أحد..
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [سورة الذاريات: 50].
فهم القضية في ضوء شرع الله يضع النقاط فوق الحروف.. فلسطين بكاملها إسلامية.. والتفريط في شبر منها تفريط في الدين..
ولا مجال لقول أن الضفة الغربية وغزة مرحلة.. ثم يعقبها تحرير كامل.. أبدًا .. أنت بإقرارك لعدوك على 78% من الأرض تزده قوة.. وتزداد أنت ضعفًا.. يزداد هو تمسكا.. وتزداد أنت تفريطًا.. الحقوق –يا إخواني- لا تُجزأ..
ثم إننا تعاملنا مع اليهود وأعوان اليهود وعرفنا طريقتهم.. غدر وخيانة وغش وخداع..
كلما انسحبنا خطوة.. وضع اليهود أرجلهم فيها..
• اليهود قسمت لهم الأمم المتحدة 56% من الأرض سنة 1947 ظلمًا وعدوانا، وذلك في قرار التقسيم الجائر الظالم برقم 181.. هاج العرب وماجوا لكن…. اللهم لا اعتراض!!
• في سنة 1948 احتل اليهود 78% من الأرض.. يعني بزيادة 22% عن الأرض التي قسمتها لهم الأمم المتحدة الظالمة أصلاً.. هاج العرب وماجوا، لكن أيضاً اللهم لا اعتراض!!.. لكن قالوا يا ليتنا نعود لحدود الأمم المتحدة.. لكن اليهود كانوا قد وضعوا أقدامهم..
• في 5 يونيو 1967 احتلت الضفة الغربية وغزة.. هاج العرب وماجوا.. ثم قالوا نريد أن نرجع لحدود 4 يونيو 1967، ونوافق على أخذكم 78% من الأرض.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
• والآن يطالبون بعودة إسرائيل إلى حدود 27 سبتمبر سنة 2000، أي الحدود قبل الانتفاضة.. وهكذا.. وفي النهاية ماذا سنفعل؟! يبدو أنه اللهم لا اعتراض!!
إذًا لا تترك اليهودي يلبس عليك الحقائق.. فلسطين بكاملها إسلامية مهما تقادم الزمان على احتلالها..
لأجل هذا فإنه من الخطورة بمكان أن تقول نحن نحرر فلسطين لأجل القدس!**!
هذه تجزئة واضحة للقضية..
اليهود سيعظمون جدًا من شأن القدس ويتمسكون بها، فينشغل المسلمون بقضية القدس وينسون بقية الأرض، وتسمع من يقول نريد دولة فلسطينية في الضفة وغزة وعاصمتُها القدس!..
وفي النهاية قد يأتي اليهودي ويقول لك: سوف نتنازل لك تنازلاً غير مسبوق.. خذ القدس، واترك 78% من الأرض.. فتقبل وأنت تشعر بزهو الانتصار!!
ثم مرحلة جديدة، عندما يجد ضعفًا أكثر في المسلمين يقول: لا تأخذ القدس كلها.. ولكن خذ القدس الشرقية واترك لنا القدس الغربية!.. هذا هو العدل.. فيبتسم بعض العرب في بلاهة ويقولون: آه.. هذا صحيح.. والله عندكم حق!! لا تفريط في القدس الشرقية!! سبحان الله!!
لأجل هذا الحذر.. الحذر.. أن تكون حملاتك الدفاعية عن فلسطين تحت شعار القدس.. اجعلها دائماً تحت شعار فلسطين.. تقول فلسطين إسلامية ولا تقول القدس إسلامية، تقول فلسطين لنا ولا تقول القدس لنا.. تقول لا تفريط في فلسطين ولا تقول لا تفريط في القدس وهكذا..
الأخطر من هذا الذي سبق أن تقول نحن نحرر فلسطين من أجل الأقصى!!
سيأتي اليهود بعد جدال طويل وعقيم يقولون لك: إذًا خذ الأقصى واترك فلسطين!.
وفي مرحلة أخرى خذ الأقصى ما عدا فقط أحد الجدران، بحجة أنه حائط المبكى وبقايا الهيكل.
وفي مرحلة أخرى حفريات تحت الأقصى بحثا عن هيكل سليمان عليه السلام..
وهذا كله شاهدناه بأعيننا..
ثم هل الأقصى كبناء أغلى أم دماء المسلمين؟
روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمةً منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرًا" [ضعيف ابن ماجه، ضعفه الألباني]..
لذلك كان غريباً أن الأمة تثور وتنتفض لزيارة شارون للأقصى –وهو أمر قبيح ولا شك- ولا تثور ثورة مماثلة أو أشد لذبح ثلاثة آلاف فلسطيني مسلم على يد الموارنة واليهود في صبرا وشاتيلا!!
لابد أن نرتب أولوياتنا..
الإسلام ليس دنيا معقدًا .. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك..
• الأولوية الأولى: الأرض بكاملها لأنها دين والتفريط فيها تفريط في الدين، ويُضحي بكل شيء من أجل الدين..
• الأولوية الثانية: الدماء.. دماء المسلمين لها حرمة عظيمة، لكن تبذل للدفاع عن الدين.
•الأولية الثالثة: المقدسات والمباني والديار والأموال.. وكل ذلك هام، لكن لا يضحي من أجله بالأرض أبدًا..
ثم نقطة أخرى: البلاد الإسلامية التي ليس فيها حرمٌ ولا قبلة ولا كعبةٌ ولا أقصى، هل يتركها المسلمون؟ هل لا تغلي الدماء في عروقنا لنهب الشيشان أو كشمير أو البوسنة أو العراق أو السودان؟!!، إياك يا أخي وتمييع القضايا.. وإياك وتفريعات اليهود..
حدد الهدف .. وستصل إن شاء الله..
وأخطر من كل ما سبق أن تقول نحرر فلسطين لكونها عربية!!..
لو فعلنا ذلك لضاعت أسباب النصر تمامًا..
بدلاً من التمسك بكتاب الله وقانون الله وشرع الله، نتمسك بما أسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوى الجاهلية!!.. نعم.. دعوى الجاهلية!!. لما تقاتل بعض الصحابة تعصبا للنسب والقبيلة، قال لهم: «ما بال دعوى الجاهلية؟!»، قالوا: "يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار". فقال: «دعوها، فإنها منتنة» [رواه مسلم].
أيترك المسلمون الدين المحكم، ويرفعون شعار أبي كان عربيًا، فأنا على طريقته مهما كان؟!!
إذا ضاعت النيات الصالحة أحبطت الأعمال وإن عظمت!!..
المناداة بتحرير فلسطين لكونها عربية دعوى الجاهلية..
لماذا عربية؟، لأن قبائل كنعان العربية الوثنية كانت تعيش فيها قبل اليهود.. هذه حجتهم .. ما أحقرها من حجة!!** أتتشرف بالانتماء إلى قبائل كنعان الوثنية؟.. فقط لأنها عربية؟!..
أيهما أشرف لك إذًا؟. أن تنتمي إلى أبي جهل وأبي لهب والوليد بن المغيرة وغيرهم من الأشراف العرب القرشيين، أم تنتمي إلى بلال وسلمان وصلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد وقطز ومحمد الفاتح؟ كل هؤلاء ليسوا عربا!!
أتعرف أن البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ليسوا عربا؟!
ثم هل كانت جذور مصر عربية حتى تصبح دولة عربية؟، من هذا المنطلق مصر ليست دولة عربية.. هل كانت جذور ليبيا أو تونس أو الجزائر أو المغرب عربية؟، أبدًا.. لا أحد يعرف هل كان جدنا الأكبر عربياً أو بربرياً أو قبطياً أو حتى يهودياً!!..
كل هذه الأصول لا تفرق شيئًا: اعملى فاطمة فإني لا أغني عنك من الله شيئًا..
الرابط الوحيد الصحيح للمسلمين هو عقيدة الإسلام، وإذا ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله..
ثم إنه بدعوى القومية هذه -بجرة قلم كما يقولون- مسحت من حساباتك مليار مسلم قد يكونون أشد حماسة للإسلام من العرب أنفسهم..
هكذا ببساطة تحذف:
• 200 مليون أندونيسي..
• 100 مليون باكستاني..
• 100 مليون بنجلاديش..
• 120 مليون نيجيري..
• 100 مليون هندي..
• 85 مليون صيني..
• 80 مليون تركي..
• وغيرهم وغيرهم ..
وسع مداركك يا أخي.. وانظر ماذا أراد الله لك وتبتغي غيره..
تخيل أمة إسلامية كالجسد الواحد.. فيها تكنولوجيا ماليزيا وأندونيسيا، وفيها بترول الخليج والقوقاز، وفيها مزارع السودان وتونس، وفيها مناجم أفريقيا، ويورانيوم كازاخستان، ونووية باكستان، وصواريخ إيران، وفيها قناة السويس وباب المندب ومضيق البسفور، وفيها طاقة بشرية هائلة..
تخيل وحدة بين هذه الأمة على أساس العقيدة.. تخيل أمة كهذه شرعها القرآن والسنة، وسبيلها الجهاد في سبيل الله..
أمة مهولة.. عندما يفكر الغرب في ذلك يصيبهم الهلع والرعب والفزع، فيسرعون إلى وأد أي توجه إسلامي في أي قطر في الأرض، صغير كان أو كبير، غني كان أو فقير..
يدركون قوة غفل عنها أهلها.. قوة العقيدة.. وقوة الاعتزاز بمنهج الله الحكيم..
يقول اليهودي شيمون بيريز في مؤتمر انتخابي: "لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهرًا سيفه، ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه"!!.. القضية في ذهنه في منتهى الوضوح..
إذ!ا خلاصة هذا المفهوم الذي يجب أن نتحرك به سريعًا وسط الأمة.. أن فلسطين بكاملها إسلامية لا نرضى بحلول جزئية كالضفة الغربية وغزة ولو أخذنا القدس ولو أخذنا الأقصى..
كما أننا لا نحرر فلسطين لكونها عربية، فانتمائنا للعقيدة أقوى وأشد من انتمائنا لآبائنا وقبائلنا..
مفهوم آخر في غاية الأهمية:
كيف تحرر فلسطين؟
أو من الممكن أن يسأل بطريقة أخرى: هل لابد من الانتفاضة وفقد هذا الكم الهائل من الدماء؟ أو هل من الممكن أن تحرر عن طريق المفاوضات والطرف الدبلوماسية والأمم المتحدة؟
والحقيقة أن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم إلا عن طريق المقاومة، ولذا فأنا أريد أن أرسخ هنا مفهوم وجوب استمرار الانتفاضة.
لماذا يجب أن تستمر الانتفاضة؟
• أولاً: لأن هذا هو الطريق الشرعي الوحيد لتحرير فلسطين في مثل هذا الموقف.. وبصفة عامة فإن الشعوب لا تحرر إلا بالدماء والتضحيات والبذل والعطاء. ومن المستحيل أن يأخذ المظلومون حقوقهم من الجبابرة والطواغيت حول طاولة مفاوضات.
– لو قعد الليبيون ألف سنة مع الإيطاليين حول طاولة مفاوضات ما خرج الطليان من أرضهم..
– ولو قعد الجزائريون ألف سنة مع الفرنسيين حول طاولة مفاوضات ما خرج الفرنسيون من أرضهم..
– بل لو قعد الفيتناميون ألف سنة مع الأمريكان حول طاولة مفاوضات ما خرج الأمريكان من أرضهم.. سنة من سنن الله في الأرض..
لماذا ستشذ فلسطين عن القاعدة؟!
هل اليهود أعظم أمانة وأوفى عهدًا من الطليان والفرنسيين والأمريكان ولذلك نعلق كثيرًا على زعمائهم؟!
وليس معنى هذا أننا ضد السلام.. أبداً.. نعرف الآية الكريمة التي أخرجها بعض العلماء للترويج للسلام مهما كان الثمن: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه} [سورة الأنفال: 61].. لكن العلماء الأفاضل نسوا أن الآية التي قبلها هي: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].. كما نسي العلماء الأفاضل أيضا أن بعد هذه الآية بثلاث آيات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَال} [سورة الأنفال: 65].
ولا أدري كيف انتزعوها انتزاعًا من المصحف على طريقة ولا تقربوا الصلاة..
نحن لسنا ضد السلام.. لكن السلام الذي نريده هو السلام المبني على رد كامل الحقوق لأصحابها.. سلام الأقوياء الشرفاء و ليس سلام الضعفاء الأذلاء.. لا نعطي سلامًا مقابل جزء من الأرض وكأنهم يتفضلون به علينا.. نعطي السلام بعد أن نأخذ الأرض بكاملها ونعطيه لمن عاش معنا على أرضنا موفياً بعهده ومرتبطًا بقانوننا ودستورنا.
ثم إليك هذه النصيحة الصادقة:
لا تعاهد اليهود – وبالذات اليهود- إلا إذا كنت أقوى منهم..
لماذا؟
لأنهم حتمًا سيخالفون.. وحتما سينقضون العهد.. ولن تردعهم إلا القوة.. {أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [سورة البقرة: 100].
يحتجون أحيانا بعهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع اليهود.. لكن انظر إليهم كيف نقضوا عهدهم مع نبي! .. أفلا ينقضون عهدهم معنا؟! ثم انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نقضوا عهده.. انظر إليه كيف أجلاهم من بني قينقاع ومن بني النضير، وكيف ذبحهم في بني قريظة ، وكيف هزمهم ودك حصونهم في خيبر..
وهكذا، إن كنت لا تملك قوة فلا معنى للمعاهدة.. فلن تكون المعاهدة إلا تسكين للشعوب إلى مرحلة جديدة يُنقض فيها العهد لا محالة.
إذن الانتفاضة لابد أن تستمر وتؤيد بكل وسائل التأييد ، لأنها السبيل الوحيد للتحرير..
• ثانيا: أتحزنون على دماء الشهداء؟..
أتعتقدون أنهم لو رضوا بالذل والهوان والاستكانة والبيع لعاشوا أطول؟! أبدًا.. {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف: 34].
هل لو مكث محمد الدرة في بيته ولم يخرج، أتراه كان حيًا بين أظهرنا الآن؟! أبدًا.. كان سيموت لا محالة، وكان سيحزن عليه أبواه وأخوته وأقاربه وأصحابه على أقصى تقدير، أما باستشهاده فقد أحيا أمة من أندونيسيا إلى المغرب..
ثم – أيها الأحباب – إنها الشهادة..
روى مسلم وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرُها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة».
• ثالثًا: كم من الشهداء سقط في أرض فلسطين منذ بدأ الانتفاضة في عام ونصف؟
ما يقرب من ألفين؟
وهل هذا رقم يمثل شيئًا في مقاييس تغيير الأمم؟!..
في مذبحة صبرا وشاتيلا قتل من المسلمين ثلاثة آلاف أو يزيد في يوم واحد..
في ثورة عز الدين القسام البطل الإسلامي المشهور، وعبد القادر الحسيني المجاهد الفلسطيني المعروف، في هذه الثورة من سنة 1935 إلى 1939 استشهد من الفلسطينيين اثنا عشر ألف بطل، وحكم بالإعدام على مائة وستة وأربعين واعتقل خمسون ألفًا، وهُدم خمسة آلاف منزل..
الطريق – يا أحبابي – ما زال طويلاً..
– الجزائر دفعت مليون شهيد للتحرير من فرنسا..
– أفغانستان دفعت مليون شهيد للتحرير من روسيا..
– أهل فيتنام – وهم ما بين بوذي وشيوعي – لا يرجون جنة ولا يرهبون ناراً، ولا يرغبون في أجر ولا يؤمنون بآخرة أصلاً، هؤلاء دفعوا أربعة ملايين قتيل ليتحرروا من العدوان الأمريكي!!..
ثمن الحرية غالي وثمين !!
بل انظر إلى غير ذلك.. كل الأمثلة السابقة ماتت من أجل الجنة أو من أجل الحرية.. لكن انظر إلى الأعداد التي تموت في غير هدف..
– مائة ألف قتيل في زلزال الهند.
– ثمانون ألف قتيل مدني في هيروشيما ومثلهم في نجازاكي، نتيجة القنابل النووية المدمرة التي ألقتها الدولة المتحضرة.. أمريكا!!!
– نصف مليون قتيل في التصارع على الحكم في أنجولا..
– 2 مليون ماتوا في السودان من سنة 1983 إلى سنة 2001 نتيجة الحرب الأهلية والمجاعة والفيضانات.
– 22مليون قتيل للإيدز غير 37 مليون يحملون المرض وينتظرون الوفاة، مع العلم أن عمر الإيدز في الأرض هو عشرون عامًا فقط..
إذا كان كل هؤلاء يموتون بلا هدف، بل وقد يكون موتهم في مصائب أخلاقية كشذوذ أو تصارع على سلطة، أفلا يموت الفلسطينيون شهداء؟
ثم أليس للانتفاضة حسنات أخرى غير أنها السبيل الوحيد للتحرير؟
أبداً والله .. إن حسنات الانتفاضة لا تقدر بثمن..
أولاً: الأبعاد التربوية للانتفاضة..
الانتفاضة كسرت حاجز الخوف عن الفلسطينيين وأنتجت جيلاً لا يهاب الموت، وهي خطوة من أروع الخطوات في سبيل التحرير.. بل والله هي خطوة في سبيل سيادة العالم، لا سيادة فلسطين وحدها.. وإلا خبروني بالله عليكم، من ذا الذي يستطيع أن يقاتل شابًا في مقتبل العمر يحمل حزامًا ناسفًا حول وسطه، يحب الموت كما يحب أعداؤه الحياة!..
الشعب الفلسطيني أصبح قادرًا على التضحية بسهولة، وعلى الجهاد بتلقائية.. أحيانا تعيش الشعوب مئات السنين ولا تصل إلى ما وصل إليه أهل فلسطين من تضحية وجهاد..
ثانيًا: الانتفاضة ووضوح الرؤية:
الانتفاضة أوضحت الرؤية لدى عامة الفلسطينيين، بل ولدى عامة المسلمين.. عرف الجميع أن استجداء كرسي للتفاوض لا يقدم شيئًا، بل يؤخر الكثير.. وبات جميع المخلصين يدركون أن السلام ليس هو الخيار المناسب للطرح مع اليهود وأعوانهم..
ثالثًا: الانتفاضة وتوحيد الفصائل الفلسطينية المختلفة:
فأخيراً توحدت الفصائل الفلسطينية المختلفة تحت راية واحدة.. هذه نعمة لا تقدر، وثمرة من ثمرات الانتفاضة، أخيراً اجتمعت فصائل شتى، واتجاهات مختلفة، وأصبح هدفها واحداً وهو إخراج الصهاينة عن طريق الانتفاضة.. من كل الاتجاهات نجد الآن رجالاً يقاتلون ويستشهدون.
هذا الاتحاد سبيل واضح للنصر.. نسأل الله أن يحفظ وحدتَهم وأن يبارك فيها..
رابعًا: توحيد العالم الإسلامي بأسره تحت راية واحدة:
شاهدنا التحامًا في المشاعر بين المسلمين في أندونيسيا وماليزيا ومصر والمغرب والسودان وكل بلاد المسلمين.. شاهدناه في العرق كما شاهدناه في الكويت.. وسبحان الله.. قضية فلسطين من القضايا المجمعة لهذه الأمة، وكما كانت الأمة مفرقة قبل احتلال الصليبيين لفلسطين قديما، ثم جمعهم صلاح الدين الأيوبي بقضية فلسطين، فكانت حطين، وكان التحرير، فكذلك الانتفاضة ستجمع المسلمين إن شاء الله، وسيكون التحرير أن شاء الله..
خامسًا: ظهور السفور الأمريكي في تأييد إسرائيل:
أصبحت أمريكا لا تخفى عاطفتها، ولا تٌجمَّل سياستها، وهي رسالة لكل المسلمين.. وهكذا فإن الانتفاضة كشفت المستور، وهو مكشوف منذ زمن، لكن البعض يحتاج إلى زيادة إيضاح..
سادساً: أليس للانتفاضة آثار على المجتمع الصهيوني:
قد يظن البعض أن الآلة العسكرية الهائلة، والأموال اليهودية الغزيرة، لن تتأثر بالأحجار والبنادق القديمة والأحزمة الناسفة.. أبدًا.
تداعيات الانتفاضة على المستوى اليهودي في منتهى الخطورة.
{إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [سورة النساء: 104].
1- حالة مروعة من الرعب وعدم الأمن أصابت كل اليهود، بما فيهم كبار رجال الدولة.. نقل التلفزيون الإسرائيلي لقاءًا بين شارون وأحد وزرائه، والوزير يبكي لشارون لأنه يخاف أن يخرج من بيته.. هذا الوزير!!، والذي تحميه فرقة عسكرية!.. فكيف بعامة المحتلين؟!..
2- الهجرة المعاكسة من إسرائيل إلى خارجها تزايدت جدًا، وإذا كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين كانت سبباً في "تهويد فلسطين"، فإن الهجرة المعاكسة ستكون سبباً في "أسلمة فلسطين" إن شاء الله.
3- الاضطرابات الخطيرة في الجيش الإسرائيلي، ورفض الكثير من الجنود كما سمعنا جميعًا الامتثال لأوامر قادتهم خوفًا على حياتهم.. هذا ولا شك سيؤدي إلى خلخلة الجيش اليهودي.
4- الخسارة اليهودية الاقتصادية الفادحة..
– أكثر من 140 مليار دولار خسارة في السنة الأولى.
– السياحة ضربت تماما.. نسبة الأشغال في الفنادق لا تجاوز اثنين بالمائة!.
– خمسون بالمائة من دور السينما أغلق أبوابه تمامًا.
– كثير من المصانع اليهودية المعتمدة على العمال الفلسطينيين أغلقت أبوابها.
5- الخسارة الاقتصادية لم تقتصر علي الشركات اليهودية في حيز الأرض الفلسطينية المحتلة، بل إن الشركات اليهودية العالمية قوطعت من كثير من المسلمين.. حتى الدول الإسلامية التي ما زالت تحتفظ بعلاقات تطبيع مع إسرائيل قلصت جدا من حجم تعاملاتها مع اليهود، وهذا ولا شك سيؤثر سلبا علي إسرائيل.
6- وقف التطبيع: وارد جداً أن تقطع الدول العربية و الإسلامية التي تُطبع العلاقات مع اليهود علاقاتها بإسرائيل في هذا الجو المشحون والغضب الجماهيري المتزايد.. وإن حدث ذلك فلا شك أنه سيخنق اليهود. ومنذ قليل (إبريل 2022) قطعت دولة النيجر الإسلامية علاقاتها مع إسرائيل.. وأول الغيث قطرة..
7- العزلة اليهودية عن العالم بأسره.. فرق الرياضة تخشى الذهاب إلي إسرائيل، فرق المسارح والفن أيضا.. الوفود الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية قلصت جداً من زيارتها للمنطقة.
8- الانتفاضة فضحت جرائم اليهود على شاشات الفضائيات والإنترنت في العالم أجمع.. وقامت بالإعلام المضاد ضد الإعلام الصهيوني المضلل، ونتج عن ذلك إجماع العالم علي إدانة إسرائيل في الأمم المتحدة لولا فيتو أمريكي، وإجماع العالم علي اتهام إسرائيل بالعنصرية لولا انسحاب أمريكا أيضا..
إذًا الشرع والعقل والتاريخ والواقع.. كل هذا يؤكد أن الانتفاضة لابد أن تستمر.. وإنها الطريق الشرعي الوحيد لرد الحقوق إلي أصحابها.. فلابد أن تؤيد بكل الطاقة، ولابد أن نحرك هذا المفهوم بين عموم المسلمين وبسرعة.
** مفهوم آخر من المفاهيم الهامة التي يجب أن تحرك وتثار وسط جموع المسلمين:
مفهوم إسرائيل الكبرى..
إسرائيل الكبرى هو مشروع صهيوني حقيقي لا تخفيه إسرائيل بل تعلنه بسفور، والشواهد تدل على سعيهم لتطبيقه.
مشروع إسرائيل الكبرى يشمل فلسطين بكاملها – بما فيها الضفة الغربية وغزة طبعاً -بالإضافة إلي الأردن، لبنان، سوريا، العراق حتى دجلة أو الفرات، جنوب تركيا، مصر حتى الفرع الغربي من النيل – فرع رشيد – وشمال السعودية حتى المدينة المنورة، بل في بعض الخرائط حتى 122 كم جنوب المدينة المنورة!!، خيب الله ظنونهم وأفشل خططهم..
يستند هذا المشروع إلي توراتهم المحرفة حيث يقولون أن الرب قال ليعقوب علية السلام: "وهبتك يا إسرائيل ما بين دجلة والنيل"..
– أعلن هذا المشروع بن جوريون عند إعلان دولة إسرائيل سنة 1948.
– وذكره تيودور هرتزل المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل في مذكراته.
– وجاء كذلك في مذكرات روتشيلد المليونير اليهودي والممول الأساسي للمشروع الصهيوني.
– وذكره موشى ديان لما احتل اليهود القدس سنة 1967 قال: "الآن أصبح الطريق مفتوحاً إلي يثرب وإلي بابل!!"، خيب الله ظنه، ولما احتل اليهود سيناء قال: "الآن حررنا سيناء".
– مشروع إسرائيل الكبرى يرسمونه علي ظهر عملتهم الشيكل.
– وخريطة إسرائيل الكبرى مرسومة علي باب الكنيست.
– وحرب 67 ما كانت إلا حلقة في المشروع.
– وكذلك اجتياح لبنان في سنة 1982..
– أيضا لا شك أن حرب الخليج وتمركز القوات الأمريكية في هذه المنطقة من العوامل التي تسهل علي المشروع أن يطبق علي أرض الواقع..
– وأيضاً إضعاف الدول المحيطة بإسرائيل عسكريا، وربطها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بأمريكا الحليف الرئيسي لإسرائيل حلقات في المشروع الصهيوني البشع..
– الصداقة بين تركيا وإسرائيل.
– وتدمير القوة العسكرية العراقية.
كل هذه محطات لا تخفي علي عاقل ..
والمسلمون لا يفيقون إلا علي الكوارث..
دول المنطقة جميعا توقع علي معاهدة حظر أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي بينما إسرائيل تمتلك أعدادا ضخمة من الرؤوس النووية وتأبى أن توقع على هذه المعاهدة!!.. علامات استفهام خطيرة!! .. أنا لا أدري كيف نشعر بالأمن، ونفترض وفاء اليهود مع كل هذه الملابسات.. والله أنا أعتقد أنه إستراتيجيا وبلا أي عوامل أخوة أو شرع أو واجب ديني، فإنه لابد على البلاد الإسلامية المحيطة بفلسطين أن تؤيد الانتفاضة بكل ما تستطيعه وبسرعة.. أهل فلسطين هم خط الدفاع الأول لنا.. الدرع البشري الواقي للدول المحيطة.. إذا سقط هذا الخط الأول، فسيأتي الدور لا محالة علي غيرهم.. وهنا سيقول الضحايا أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض..
من شك في مشروع إسرائيل الكبرى، واستبعد أن تحتل إسرائيل كل هذه البلاد فعليه أن يراجع تاريخ نشأة إسرائيل داخل فلسطين.. راجع هذا التاريخ وستجد العجب العجاب.. كيف أن دولة قوية كإسرائيل قامت من لا شئ.. فإذا كانوا قد أنشئوا دولة من لا شيء، فهم على التوسع أقدر.. ولكم في حرب 1967 عبرة..
** مفهوم آخر في غاية الأهمية:
دراسة التاريخ:
من المستحيل أن تفهم القضية فهمًا صحيحًا ، ومن المستحيل أن تحركها تحريكًا إيجابيًا سليمًا، ومن المستحيل أن تقوم للمسمين حضارة قائمة قوية، بغير دراسة التاريخ والاعتبار به.. دراسة تاريخ نشأة إسرائيل داخل فلسطين الحبيبة تعتبر أمرًا حتميًا لمن أراد أن يساهم مساهمة حقيقة في حل هذه القضية.. أمرًا حتميًا بمعنى الكلمة..
طبعًا من المستحيل أن ألخص التاريخ كله في هذه العجالة، لكن أشير هنا إلى بعض النقاط بسرعة:
أولاً: التاريخ الإسلامي زُوِّر لنا بعناية، فشُوهت صور الأبطال وعظمت صورُ الخائنين.. التزوير كان عن طريق التعليم والإعلام أساسًا.. ولابد أن ينتبه المسلمون.. فلسطين لم تحتل إلا بعد إسقاط الخليفة العثماني الجبل السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، وإلغاء الخلافة العثمانية التي كانت تحمي فلسطين.. ومع ذلك فإن التعليم والإعلام صوَّر لنا الخلافة العثمانية الإسلامية على أنها احتلال تركي للأراضي العربية..
ثانيًا: نقطة أخرى في غاية الأهمية زورت في التاريخ. وهي قضية أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود.. وبالتالي فالذنب ذنبهم، ولا داعي لشغل الذهن بفلسطين!!
تعالوا بسرعة نراجع التاريخ..
– اليهود عند بدء حرب 1948 كانوا يملكون 5.7% فقط من أرض فلسطين!!..
– 2% أخذوها من الحكومة العلمانية التي قامت مكان الخلافة العثمانية، وهي حكومة مصطفى كمال أتاتورك زعيم حزب الاتحاد والترقي.. أخذوها عن طريق الرشوة من هذا العميل وأتباعه..
– 1.2% إهداء من حكومة الانتداب البريطاني بلا ثمن..
– 1.5% شراء من عائلات نصرانية سورية ولبنانية مثل عائلات سرسق والمطران وتيان كانت تعيش في فلسطين.
– يتبقى 1% فقط من الأرض هو الذي باعه الفلسطينيون فعلاً من أرضهم، وهؤلاء اعتبروا من الخائنين. أفتى بذلك فقهاء فلسطين مثل المفتي أمين الحسيني رحمه الله ، وذلك منذ عام 1922..
إذًا 1% فقط من الأرض الفلسطينية هو الذي بيع!!..
أما بقية الأرض فقد احتلت في حرب 1948 بالدبابات والآليات العسكرية وبالخيانة العربية المعروفة..
إذا كان الأمر كذلك فلماذا انتشرت هذه الإشاعةُ المفتراة.. طبعًا الصهاينة سعداء لنشرها ومستفيدون من أنا تثبت لهم حقًا في الأرض.. لكن المشكلة الكبرى أن العرب أيضًا كانوا سعداء بهذه الإشاعة وروجوا لها ومازال بعضهم يروج لها!!..
سبحان الله.. لماذا؟!
ذلك لأمر واضح هو إسكات الضمير وتسكين النفس وتطمين القلب.. الناس تريد أن تنشغل بأمورها الحياتية الكثيرة، وتريد أن تنسى قضية فلسطين، فالأسهل تقول.. باعوا الأرض، ومن ثم ننساهم دون أن يتألم الضمير.
وحتى لو باعوا أكثر من ذلك، وهل يملك أحدٌ في الدنيا – حتى الفلسطينيين أنفسهم – حق حكم الله للأرض فيبيعوه؟!، إن الحكم إلا لله..
ثالثًا: ملحوظة هامة في التاريخ..
إن أقدام اليهود لم توضع في فلسطين فقط بسبب الخيانة من الزعامات العربية، بل كانت الشعوبُ العربية نفسُها مغيبة..
كان الحكام الخائنون إفرازًا طبيعيًا للشعوب.. فليس من سنة الله أن يتولى حكم الصالحين رجلٌ فاسد، أو يتولى حكم الفاسدين رجلٌ صالح، كما تكونوا يول عليكم.. وهنا يبرز دور تربية الشعوب.. فإذا رُبي الشعب على الفهم الصحيح للإسلام بشموله وكماله ، فإنه يفرز زعيمًا صالحًا، وذلك مثل الفترة التي عمل فيها عز الدين القسام رحمه الله وجماعته على تربية الشعب، فأنتجت ثورة عظيمة، وقادةً عمالقة أمثال عبد القادر الحسيني رحمه الله.. أما الشعب الذي رُبي على الدعة والخضوع والميوعة والخلاعة، فإنه لا يتمعر وجهه في سبيل الله.. رأينا كيف بدل أتاتورك الدين وحرَّف فيه تحريفًا خطيرًا، ومع ذلك لم يعترض عليه شعبه، إما جهلاً وإما كسلاً وإما خوفًا وإما طمعًا.. والنتيجة انهيارٌ مروع..
رابعًا: من الملاحظ أن الوسيلة الرئيسية التي أسقطت الأمة الإسلامية في براثن الاستعمار الإنجليزي والفرنسي واليهودي وغيره كانت التفرقة بين المسلمين على أساس العنصر.. أي على أساس القوميات.. فهذا عربي (قومية عربية) وهذا تركي (قومية تركية) وهذا كردي (قومية كردية) وهذا بربري (قومية بربرية) وهكذا.. فعلى دعاة القومية أن ينتبهوا..
إذًا في هذه الجولة السريعة تحدثنا عن الواجب الأول الهام جدًا ناحية قضية فلسطين ألا هو تحريك القضية في كل الدوائر المتاحة وبسرعة وبالمفاهيم الصحيحة..
وانتقيت لكم بعضَ المفاهيم التي فصلّنا فيها هناك فأشرنا إليها هنا على عجالة.. هذه المفاهيم كانت:
1- مفهوم أن فلسطين بكاملها إسلامية ولذلك نحررها.. والرد على من أراد تجزئة القضية، أو القتال من أجل القدس أو الأقصى فقط ، وأيضًا الرد على من رفع شعار فلسطين عربية..
2- مفهوم وجوب استمرار الانتفاضة، وإنها الطريق الوحيد للتحرير.
3- مفهوم إسرائيل الكبرى وحقيقته..
4- مفهوم أهمية دراسة التاريخ الإسلامي بصفة عامة ، وتاريخ فلسطين الحديث بصفة خاصة، والتعليق على بعض النقاط فيه..
ومن المؤكد أن هناك مفاهيم أخرى كثيرة يجب أن تدرس بعناية وتفصيل ولا يتسع المجال هنا لدراستها، وأسأل الله أن ييسر لنا بسطها في مكان آخر.
الواجب الإيجابي الثاني نحو القضية
إحياء الأمل
الواجب الثاني هو قتل الانهزامية وعلاج الإحباط الذي دخل في نفوس المسلمين، أو قل رفع الروح المعنوية وبث الأمل في القيام من جديد.. واجب من أعظم الواجبات، ليس فقط ناحية قضية فلسطين ولكن ناحية أمة الإسلام بأسرها. وقد يعجب المرء أن تُحبط أمةٌ تملك شرعًا مثلَ شرع الإسلام، وتاريخًا مثل تاريخ الإسلام، ورجالاً مثل رجال الإسلام..
لكنَّها حقيقةٌ مشاهدة وواقعٌ لا ينكر!!..
لماذا أُحبط المسلمون؟!
أمورٌ كثيرة تفاعلت فأورثت هذا الإحباط في نفوس المسلمين..
– الواقع الذي عاشه المسلمون من هزائم كثيرة وانتصاراتٍ قليلة في خلال القرن العشرين بدءًا من سقوط الخلافة العثمانية وهزيمة 1948 و1956 (مع أنها صُورت على أنها نصر) وهزيمة 1967 والانتصار الذي لم يكتمل في 1973 واجتياح لبنان في 1982..
– الواقع الذي نعيشه من مذابح بشعة في فلسطين وكوسفو والبوسنة وكشمير والشيشان والعراق والصومال وغيرها..
– الواقع الذي نعيشه من ظلم وفسادٍ وإباحية وانهيار للاقتصاد واختلاسٍ بالمليارات وديون متراكمة وإفلاسات مشهرة، وفرقة وتناحر وتشاحن وبغضاء..
– هذا الواقع المر بالإضافة إلى تزوير التاريخ حتى خرج إلينا مسخًا مشوهًا يستحي منه الكثير ويتناساه الأكثر.
– بالإضافة إلى تزوير الواقع وتشويه صورة الإسلام ، وإلحاق كل الجرائم بالمتمسكين بدينهم ، ونفي كل مظهر من مظاهر الحضارة والرقي عنهم..
– هذا كله بالإضافة إلى تعظيم الغرب وتفخيمه حتى يصبح منتهى أحلام الشباب أن يلقوا بأوطانهم وأهلهم وراء ظهورهم وينطلقوا إلى الجنة: أمريكا وأوروبا كما يقولون!..
تفاعلت هذه الأمور وغيرُها حتى رسخّت الإحباط في نفوس الكثيرين من أمة الإسلام..
إلى هؤلاء الذين أحبطوا ويأسوا.. وإلى أولئك الذين يريدون أن يبثوا الأمل في قلوب القانطين.. أوجه هذه الكلمات:
أدركــوا حقائق عشـرة:
الحقيقة الأولى: لله سنن في الأرض لا تتغير ولا تتبدل..
منها {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [سورة آل عمران: 140].
فكما تعاني أمة الإسلام اليوم فقد كان هناك أيامٌ عانى فيها الآخرون ، بينما كانت أمة الإسلام في سلامة وعافية.. وستأتي أيام أخرى – لا محالة – ستعود فيها الدولةُ للمسلمين.. سنة ثابتة..
الحقيقة الثانية: هذه الأمة.. أمة الإسلام لها طبيعةٌ فريدة تميزها عن بقية الأمم.. هذه الطبيعة أنها أمةٌ باقيةٌ لا تموت.. قد تنقاد لغيرها فترة.. قد تضعف فترة.. لكنها أبدًا لا تموت.. هي ليست كأمم الفرس والرومان والفراعنة والإنجليز وحتى الأمريكان.. أبداً.. هي أمة لابد أن تبقى.. لأنها تحمل الكلمةَ الأخيرة من الله إلى خلقه..
من يقيم حجة الله على خلقه إذا ماتت أمة الإسلام؟، من يشهد على أهل الأرض إذا ذهب أهل الإسلام؟، من يعلم الناس الشرع والأخلاق إذا اندثرت هذه الأمة؟، من يُعرِّف الناس بربهم إذا فني رجال الإسلام؟
طبيعة هذه الأمة أنها باقية: بقاؤها هو خير الأرض وذهابها فناء الأرض.
الحقيقة الثالثة: أفهم حقيقة المعركة..
المعركة ليست بين المؤمنين والكافرين..
المعركة في حقيقتها بين الله عز وجل وبين من مرق عن دينه وشرعه من عباده الضعفاء.. هكذا.. المعركة بين الله وبين اليهود، بين الله وبين كل من حارب دينه..
إنهم يكيدون كيدًا وأكيد كيدًا..
ويمكرون ويمكر الله..
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى..
هكذا.. ما على المؤمنين إلا أن يتبعوا منهج الله ويثبتوا، وسيتولى الله الدفاعَ عنهم..
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الحج: 38].. (هو الذي يدافع)
{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [سورة محمد: 7]… (هو الذي ينصركم)
وعلى قدر عظمةِ الله، وجلالِ الله، وجبروت الله، قدّر المعركة..
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر: 67].
الحقيقة الرابعة: أفهم حقيقة البشرى في الكتاب والسنة..
{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الروم: 47].. والله.. لو لم تنزل من آيات البشرى سواها لكفت..
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سورة غافر: 51].
روى الإمام مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها».
وما لا يحصى من الآيات والأحاديث، ويكفي البشرى بفتح القسطنطينية ورومية.. فتحت القسطنطينية وستفتح رومية "روما" عاصمة إيطاليا لا محالة.. وما ينطق عن الهوى..
الحقيقة الخامسة: أفهم حقيقة التاريخ..
– ما نُصرنا في تاريخنا إلا بإعداد قليلة.. في بدر وفي اليمامة وفي القادسية وفي اليرموك وفي نهاوند وفي تستر وفي فتح الأندلس وغير ذلك كثير.
– وما سقطنا إلا وكان لنا قيام.. سقوط مروع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وردة الجزيرة العربية بكاملها، ثم قيامٌ مبهر، وعودة للدولة أقوى مما كانت، بل وفتح لفارس والروم، وكسر لشوكتي كسرى وقيصر. سقوط في عهد ملوك الطوائف في الأندلس، ثم قيام عظيم بدولة المرابطين المجاهدة.. سقوط مذري في يد الصليبين، واحتلال لبيت المقدس أكثر من تسعين سنة ، ثم قيام رائع للمسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ومن معه من الأبطال، فكانت حطين. سقوط في يد التتار، ثم قيام على يد المماليك وقطز رحمه الله..
بل سقوط كامل للأندلس، فقيام جليل للخلافة العثمانية.. فما غربت شمس الإسلام عن غرب أوروبا، إلا وأشرقت على شرقها..
هكذا ليس هناك سقوط للمسلمين إلا ومتبوع بقيام..
الحقيقة السادسة: أفهم حقيقة الواقع..
الواقع ليس هزائم فقط.. لاحظ الأربعين سنة الأخيرة.. لاحظ المساجدَ وكثرتها وزوارها وشبابها.. لاحظ الحج والعمرة.. لاحظ الحجاب.. لاحظ معارض الكتاب الإسلامي.. كل هذا في واقعنا..
ثم أليس في واقعنا نصر الأفغان على الروس في بضع سنين؟..
أليس في واقعنا فرار اليهود من لبنان؟
أليس في واقعنا تحرر الجمهوريات الإسلامية في روسيا بعد احتلال دام أكثر من ثلاثمائة عام؟
أليس في واقعنا جاليات مسلمة تتزايد في كل بلاد العالم، وفي كل قارات العالم؟
هذا واقعٌ نراه.. فلابد من إبرازه وإيضاحه..
الحقيقة السابعة: النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة..
إذا كنت ترى أن الظلم والاضطهاد قد تفاقم فاعلم أن النصر قد اقترب..
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ} (في هذه اللحظة التي بلغ فيها الألم إلى أقصاه، وبلغ فيها الصبر إلى نهايته.. في هذه اللحظة المجيدة يقول الله عز وجل: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214].
الحقيقة الثامنة: لا تستعجل النصر..
فرُب حكمة لا تدركها..
واعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله، وأن حكمة الله البالغة اقتضت أن يختبر عباده المؤمنين، وأن النصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر، وليس في انتظار النصر.
الحقيقة التاسعة: النصر لا يأتي إلا بيقين فيه..
يقين لا يساوره شك ، ولا تخالطه ريبة.. من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ.
الحقيقة العاشرة: الأجر لا يرتبط بالنصر ولكن بالعمل..
فكلما حَسُن عملك كلما عَظُم أجرُك، وكلما زاد جُهدُك كلما كمل ثوابك.. واعلم أنك إن لم تر النصر بعينيك، فسيراه أبناؤك وأحباؤك.
إذن كانت هذه حقائق عشرة، لو تدبرتها زال الإحباط من قلبك.. واستُبدِل بأملٍ في قيام ، وطموحٍ في سيادة..
كان هذا هو الواجبَ الثاني نحو قضية فلسطين.
الواجب الإيجابي الثالث
الجهاد بالمــال..
ما أحوجَ أهلِ فلسطين للمال في هذه الأوقات.. حصار اقتصادي رهيب.. طرد من الأعمال.. إغلاق للمعابر.. تجريف للأراضي.. هدم للديار.. نقص في الغذاء والدواء والكساء والسلاح.. استشهاد للشباب، وعائلات لا حصر لها تفقد عائلها..
أخي في الله.. استمع جيدًا..
إن كنت تريد جهادًا في سبيل الله وقد حيل بينك وبينه، فأثبت صدقُك لله بجهاد المال.. من جهز غازيًا فقد غزا.
أخي لا تسوف.. سارع.. {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133].. أول صفة لهم: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} [سورة آل عمران: 134]..
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة المنافقون: 10-11]..
فكّــر يا أخي..
جنيه واحد لفلسطين يساوي عند الله سبعمائة جنيه أو يزيد.
ألف جنيه لفلسطين تساوي عند الله سبعمائة ألف جنيه أو يزيد.. لا تتردد.. ثم كن على يقين أنك ستُعوَّض.. {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة سبأ: 39].
«ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
أخي في الله.. اهزم الشيطان.
{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 268]..
والله يا أخي ستمر الأيام، وستذهب أنت، ويذهب المال، ويذهب أهل فلسطين، ولا يبقى شيء إلا ما عند الله، فآثروا ما يبقى ويدوم، على ما يفنى وينعدم..
اجعل بذل المال لفلسطين قضيةً ثابتة في حياتك، اقتطع نسبة ثابتة من دخلك الشهري أو اليومي أو الموسمي.. لا تنتظر حتى تتراكم الأموال فتكبر النسبة في عينيك، أولاً بأول تهزمُ الشيطان.. ولا تمتنع عن الإنفاق..
حفز الآخرين على الجهاد بالمال.. ربي أولادك على الإنفاق وإن كان قليلاً.. اشرح لهم بأسلوب مبسط أحوال أطفالِ فلسطين..
زكاة المال جائزة على أهل فلسطين.. بل هي محمودة.. ففيهم الفقير والمسكين والغارم والمجاهد في سبيل الله.
لا تمن بعطيتك ، ولا تتكبر بها، ولا ترائي، ولا تستقلن تبرعًا، فرب درهمٍ سبقَ ألف درهم..
واعلم يا أخي أن الله عز وجل قسّم الأعمال بين عباده وكان نصيبُك النصيب َ الأيسر، عليهم في فلسطين أن يدفعوا أرواحهم، وعليك أنت – في بيتك الآمن – أن تدفع مالك. فارض بما قسم الله لك من العمل، يرفع عنك من البلاء ما لا تُطيق.
الواجب الإيجابي الرابع
المقاطعة
وأقصد به المقاطعة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي أو لكل من يساعد اليهود، سواء كان دولة أو شركة.. وهو واجب هامٌ هامٌ هام.. ومؤثر إلى أبعد درجات التأثير وله من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ما لا يمكن حصره في هذه المساحة الضيقة..
وقد فصّلت في شرح جدوى المقاطعة في كتيب خاص بها، وذكرت فيه عشرة فوائد لها.. سواء على المستوى المحلي أو الإسلامي أو العالمي أو اليهودي.. وذكرت أنها لا محالة ستؤثر على الشركات التي يصفونها بأنها متعددة الجنسية، وأشرت إلى ضوابطنا الشرعية في المقاطعة.. والفرق بين مقاطعتنا لمنتجاتهم وحصارهم لبلادنا..
وعلقت على كثير من الشبهات التي تجول في أذهان الناس.. مثل من يقول أن الأيدي العاملة في هذه المصانع والشركات وطنية مائة بالمائة، وسيؤدي ذلك إلى تشريد الآلاف ومثل من يقول رأس المال الوطني سيخسر.. ومثل من يقول أن المقاطعة ستؤدي إلى كراهية الشعب الأمريكي لنا، ومثل من يقول أن الشركات الأمريكية ستنعش الاقتصاد الوطني، ومثل من يقول أننا لا نستطيع أن نعيش بدونهم، ومثل من يقول أنا لا أستطيع أن استغنى عن كذا أو كذا.. شبهات كثيرة جدًا تعرضت لها، وفصلّت في الرد عليها، وأذكر أيضًا أنني عرضت لبعض فنون المقاطعة وطرائقها.. ذكرت كل ذلك وغيره في كتيب المقاطعة، وأشعر أنه من المستحيل أن نفصل في هذه الأمور في هذه الوريقات، فأرجو أن تعودوا إلى كتيب المقاطعة..
الواجب الإيجابي الخامس
الدعاء
الدعاء لأهل فلسطين بالثبات والنصر، والدعاء على اليهود وأعوانهم بالهلكة والاستئصال..
والدعاء – يا إخواني – من أقوى أسلحة المؤمنين في حربهم مع الكافرين.. الدعاء ليس شيئًا سلبيًا.. كثيرٌ من الناس يعتقدون أن الدعاء أمرٌ مقابلٌ للأخذ بالأسباب..
أبدًا.. الدعاء يرفعه العمل الصالح.. إن ترك المؤمن الأسباب واكتفى بالدعاء فهو متواكل ولا يرجى له إجابة.. ولذلك جعلتُ الدعاء الوسيلة الخامسة حتى لا يعتمد المرء عليه وينسى بقية الواجبات..
الدعاء ليس أمرًا جانبيًا في قضية فلسطين.. ليس أمرًا اختياريًا إن شئنا فعلناه وإن شئنا تركناه.. أبدًا.. الدعاء ركن أساس من أركان النصر.. وسببٌ أكيد من أسباب التمكين.
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك الدعاء أبدًا، وما يأس منه قط، مهما تأخرت الإجابة، ومهما طال الطريق، ومهما عظم الخطب.. وكان أشدُ ما يكون دعاءًا ورجاءً وخشوعًا وابتهالاً عند مواقف الضيق والشدة.. يفزع إلى ربه، ويطلب عونَه، ويرجو مددَه وتأييدَه.. في بدر.. في أحد.. في الأحزاب.. في كل أيامه صلى الله عليه وسلم..
وفلسطين يا أخواني.. تحتاج إلى دعاء لا ينقطع ، وتحتاج إلى رجاءٍ لا يتوقف..
– من أدراك أن طائرة تقصف فَيُصدُ قصفُها بدعائك..
– من أدراك أن مخططًا يهوديًا يدبر في الظلام فيحبط بدعائك..
– من أدراك أن شابًا فلسطينيًا أطلق حجارةً أو رصاصة فأصابت هدفها بدعائك..
نريد دعاءً لحوحًا مستفيضًا متكررًا في كل يوم وليلة أكثر من مرة..
– دعاء في القنوت وفي السجود..
– دعاء فيه يقين في الإجابة..
– دعاء ليس فيه عجلة ولا يأس..
– دعاءٌ فيه حضور للقلب.. وتضرع وتذلل وانكسار لله عز وجل..
– دعاءٌ من رجال يتحرون المال الحلال ، ويتحرون الأوقات الفاضلة ، ويتحرون الأحوال الشريفة..
– دعاءٌ في جوف الليل وقبل الفجر..
– دعاءٌ يجتمع فيه أهل البيت وأهل العمل وأهل المسجد..
أخي الحبيب إن أردت أن تساعد المحصورين والمجاهدين والجوعى والجرحى.. فاستيقظ الليلة.. الليلة قبل الفجر بساعة أو بنصف ساعة وادع الله لهم.. أن يوحد صفَّهم، ويسددَ رميتَهم، ويقوي شوكتَهم، ويثبت أقدامَهم، ويُعلي راياتِهم، وينصرهم على أعداءهم، ويُمكنَ لهم في أرضهم، ويزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم..
والله لا محالة سيستجيب.. فقد وعد.. وقال ربكم ادعوني استجب لكم.
إذن تحدثنا حتى الآن عن خمس وسائل إيجابية لنصرة حبيبتنا فلسطين.. هذه الوسائل هي:
1- فهم القضية فهمًا صحيحًا وتحريكها بين الناس بسرعة.
2- قتل الهزيمة النفسية وبث الأمل في عودة اليقظة للأمة الإسلامية.
3- بذل المال قدر المستطاع وتحفيزُ الناس عليه.
4- المقاطعة الاقتصادية الشاملة والكاملة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي.
5- وأخيرًا الدعاء المستفيض اللحوح لله عز وجل..
كانت هذه وسائل خمسة.. ولا شك أن في أذهانكم وسائل أخرى، والأمر على إطلاقه بين المسلمين، كلٌ يدلي بدلوه.. وكل يساهم بطاقته..
لكن تبقى الوسيلة السادسة هي الوسيلة التي تشمل كلَ ما سبق.. وتبقى الوسيلة السادسة دافعةً لكل ما سبق من وسائل.. وإن لم تُفعل فليس هناك نجاحٌ لأيٍ من الوسائل السابقة..
الوسيلة الإيجابية السادسة
إصلاح النفس والمجتمع..
لابد أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التدهور لهذه الأمة الإسلامية التي تعودت أن تسود؟
ولماذا يسيطر 5.2مليون يهودي على بلد مبارك مقدس كفلسطين، مخرجين ألسنتهم لمليار وثلث مليار مسلم في الأرض؟
ولماذا لا يكترث زعماء الشرق والغرب وزعماء اليهود بأعدادنا؟
ولماذا لا تتحرك الحمية في قلوب بعضنا وقد انتهكت الحرمات ودُنست المقدسات وسالت الدماء؟
لابد أن الأمة قد وقعت في خطأ فادحٍ مهد الطريق لهذا الوضع.. فأمة الإسلام لا تهزم بقوة الكافرين ولكن تهزم بضعفها..
يلخص هذا الموقف حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان رضي الله عنه.. وفيه يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحداث وكأنه يراها رأي العين.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها».. (أي يدعو بعضُها البعض ليأكلوا من أمة المسلمين) قال قائل: "ومن قلةٍ نحن يومئذ؟"، قال: «بل أنت يومئذ كثير (مليار وثلث مليار) ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل.. ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم.. وليقذفن الله في قلوبكم الوهْن»..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحقوق محفوظه لموقع [ وذكر ]
[ انشروها لتوعية النـاس ]