لقد زادت الحملات التى يمكن القول بأنها مسعورة ضد عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم رغم أن العالم خلال التاريخ الإنسانى قد شهد ديانات وأنبياء ورسل كثيرين قبل النبى محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الجانب الأخر فقد قامت أيديولوجيات مختلفة لفلسفات إنسانية نشأت عنها مذاهب تمثل لمناصريها الديانة ومن لا يعترف بها أو يناصرها فهو عدو. لقد شهد القرن العشرون صراعاً كبيراً بين الشيوعية الماركسية والرأسمالية وأنتهى هذا الصراع بإنهيار الإتحاد السوفيتي وإنحلال حلف وارسو. ومع ذلك لم نجد عداءاً ولا سباً لأى نبى من أنبياء الله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه مثلما تعرض له النبى محمد صلى الله عليه وسلم. أيضا لم يتعرض صاحب فلسفةٍ ما أو صاحب مذهبٍ ما أو نظريةٍ لهجومٍ شرسٍ مثلما تعرض له النبى محمد صلى الله عليه وسلم. وهنا يطفو فوق السطح سؤالاً ملحاً رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان وإنتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فلما كل هذا الكره ولماذا كل هذا الحقد مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم مات هل لأن المسلمين موجودون فاليهود موجودون والنصارى موجودون والبوذيون موجودون وكذلك الشيوعيون وأصحاب مذاهب عديدة مات أصحابها ولها أنصارها ومعتنقيها ولكن لم يتعرض أحد من كل هؤلاء لمثل هذا الهجوم بل أحياناً كثيرة يذكرون بالتقدير والإحترام.
إن الحقد الدفين والأذلى لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم والذى لن ينتهى إلى يوم الدين، إلا بقوة المؤمنين، هو نتاجٌ طبيعىٌ لصراعٍ أبديٍ مابين الإيمان بالله وعبادته وإقامة العدل على الأرض مهد خلافة الإنسان وبين الكفر بالله وشهوات الدنيا وحبها.
لقد بدأت القضية قبل خلقة آدم عليه السلام مابين حزب الملائكة المجبولة على طاعة الله سبحانه وتعالى وبين إبليس الذى هو من الجنِّ كما ورد بسورة الكهف " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)" والجن مكلفة بعبادة الله تماماً مثل الإنسان كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى فى القرآن العظيم " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " الآية 56 من سورة الطور من جانب وبين مولانا العظيم وسوف نناقش فى الكتاب هذا الموضوع باستفاضة.
إن المسلمين الأوائل كانوا يعرفون قدر محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا نعم النصير له لمعرفتهم التامة بحقيقة الأمر وقد كان الوصل بين الأرض والسماء موجوداً فقد شهدوا نزول القرآن و رأوا جبريل عليه السلام وكان بينهم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ولشدة إيمانهم فقد إستماتوا من أجل نصرة الله عز و جل ونبيه صلى الله عليه وسلم. لقد مدحهم الله من فوق سبع سماوات كما ورد فى سورة الأحزاب " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " الآية 23. لقد كان التواصل بين الأرض والسماء فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فى أوجه وكأن آدم لم يسكن الأرض وإنما هو بالسماء أو كأن السماء نزلت إلى الأرض. والأدلة كثيرة ألم تقاتل الملائكة يوم بدر إلى جوار المؤمنين كما ورد فى سورة آل عمران
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) " ، ألم يقود الله عز وجل المعركة وأعطى آوامره للملائكة كما ورد فى سورة الأنفال " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) " ، ألم يأتى القرآن مطابقاً لقول الصحابة كما حدث مع عمر بن الخطاب فى كثيرٍ من المواقف؟، ألم يرد الله على تساؤلات المؤمنين كما حدث مع أبى بكر؟، حتى فى أحزان المؤمنين كان التواصل متواجداً، ألم يعزى الله رسوله فى وفاة الصحابى سعد بن معاذ؟
الى اللقاء فى الجزء التالى
إن معسكرات الكفر لسانها واحد ومنطقها واحد ولا فرق بين اليهود وبين أئمة الكفر فى مكة فكلهم استكثروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء فى سورة الزخرف " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) " فقادهم كبرهم إلى الهلاك. إذا ما الفرق بين موقف هؤلاء وموقف إبليس اللعين فى الملأ الأعلى إنه نفس الموقف، إنه الكبر والله لا يحب المتكبرين.
إن المسئولون عن محمد صلى الله عليه وسلم هم أتباعه منذ بعثته إلى يوم الدين وذلك لأنهم ورثته فى الرسالة فقال الله عز وجل مادحاً إمة النبى صلى الله عليه وسلم " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) " وفى الآية يتضح إمتناع أكثر أهل الكتاب عن التصديق والإيمان لكبرهم. إذا نبينا هو خير خلق الله ونحن خير أمة أخرجت للناس، ولما كانت السيادة للعرب بإنتمائهم للإسلام فهم فوق سائر الأجناس وهذا لن يتقبله المتكبرين من جنود إبليس من شياطين الجنّ والإنس. وقد أوجز الله القول فى أهل الكتاب فى سورة البقرة " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)" فهم لا يستطيعون أن يسيطروا على شرف أعطاه الله الكريم لنا فلا سبيل أمامهم إلا أن يجعلونا مثلهم فيسقط هذا الشرف عنا فإما أن نتبعهم أو نقتل حتى ينسوا تلك القضية برمتها. وإذا كان هذا هو موقف أهل الكتاب فما بال الكافرين بالله مطلقاً. من الجانب الأخر هناك واجب على أمة النبى صلى الله عليه وسلم وهو إكمال الرسالة بالدعوة لدين الله وكيف يمكن أن يتم ذلك فى العصر الحالى الذى تكالبت فيه علينا الأمم؟ ونحن لجهلنا أو نسياننا لقدْرنا والشرف الذى أعطاه الله لنا وحبنا المتزايد للدنيا تخلينا عن هذا الدور العظيم. المشكلة لازالت قائمة ولو تخلينا عن واجبنا فنحن لازلنا نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذا نحن مسلمون ونحن الأحق بالإستخلاف على الأرض. وحتى يضيع هذا الشرف منا لابد أن ننسى لا إله إلا الله محمد رسول الله.
من هنا بدأت الحرب المعلنة والخفية فالمعارك الحربية والإقتصادية منذ بعثة النبى محمد صلى الله عليه وسلم ومن حصار مكة إلى حصار غزة ولن تنتهى. ولقد بدأت الحروب الإعلامية بالفضائيات والإنترنت وبدأت حروب خبيثة تحت مسميات كثيرة حتى بدأت بإدخال مصطلحات فى الدين بصورة خبيثة وأخيراً ما يسمونه بالقرآن الفرقان بغية إبدال قرآن ربنا به. لقد لعب أعداء الله دوراً أعتقد نجحوا فيه إلى حد بعيد. فقد أدخلوا أمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى خندق الدفاع عن النفس ليتخلوا عن الدعوة فخرج لنا مصطلح الإرهاب، وللعلم هذا المصطلح هو الاسم البديل للإسلام فى الغرب، فذهب المسلمون للدفاع عن أنفسهم فبدلا من المواجهة دخلوا خنادق الدفاع عن أنفسهم. واصبحوا للأسف أضحوكة فيضربون فى السر لأن ليس لهم إعلام ناضج يفضح المعتدين وإذا ما ردوا جُنِدَ إعلام كل الأرض لتصويرهم هم المعتدين ووصفهم بالإرهابيين. أصبح شغل المسلمين الشاغل هو إسقاط تهمة الإرهاب عنهم بينما تمارس عليهم كل أنواع الإرهاب.
الى اللقاء فى الجزء القادم
وقبل أن نعود بالأحداث إلى بدايتها فى السماء لابد من إلقاء الضوء على عمود نسب النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ذكر ابن إسحاق ومن بعده ابن هشام أن النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تارخ بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل ابن إبراهيم عليه السلام ابن تارخ ( و هو آزر ) بن تاخور ابن شارخ (شاروخ) بن أرغو ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك ابن متوشلخ بن اخنوخ و هو إدريس عليه السلام ابن يرد بن مهلائيل بن قنين (قينان) بن يافت بن شيث بن آدم عليه السلام.
ويجب الإشارة إلى أنه أختلفت الآراء فى نسب النبى بعد عدنان ولقد إمتنع البعض من رفع نسب النبى صلى الله عليه وسلم على عدنان
بل قد منع بعضهم الرفع في النسب على عدنان تمسكاً بأنه ليس في ما وراء عدنان إلى آدم طريق صحيح كما صرح به النووي . قال القضاعي في عيون المعارف في أخبار الخلائف وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجاوزوا معد بن عدنان كذب النسابون ثم قرأ :
{ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً }
ولو شاء أن يعلمه علمه ، وذكر التوزي في شرح الشقراطيسة : أنه صلى الله عليه وسلم كرر : كذب النسابون مرتين أو ثلاثاً ، قال : والصحيح أنه قول ابن مسعود . ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إنما ننسب إلى عدنان وما فوق ذلك لا ندري ما هو ، وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : ما وجدنا أحداً يعرف ما فوق عدنان وإسماعيل إلا تخرصا ، ويحكى عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل برفع نسبه إلى آدم عليه السلام فكره ذلك . فقيل له فإلى إسماعيل : فأنكر ذلك . وقال : ومن يخبر به؟! والذي عليه البخاري وغيره من العلماء ، موافقه ابن إسحاق على رفع النسب .
أهم قرار فى تاريخ الكون
ما قبل القرار:
إن مبلغ علمنا عن خلق الله هو ما ورد فى كتاب الله و سنة رسوله ومن بعدهما جاء العلم والتكنولوجيا ليوضحا لنا ما جاء مجملاً فى قول الله ورسوله. لقد ترك الله لنا معرفة تفاصيل الأشياء بمعرفتنا حتى نستغلها بما يتمشى مع منطقنا وقدراتنا وهذا فى جوهره أساس الاستخلاف ورفع الله عنا الحرج بقوله عز و جل " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ " سورة البقرة الآية 286. وقد قسم العلماء المخلوقات إلى ثلاثة أقسام رئيسية هى الحيوان والنبات والجماد، وتفاوت حجم هذه المخلوقات مابين الكبير جداً الذى لانستطيع بإمكانياتنا تحديد حجمه كالكون مثلاً و الصغير جداً كالفيروسات وما هو أصغر من الفيروسات. فعلى سبيل المثال إن نيتروناً واحداً إذا إخترق ذرة فوسفور وزنها الذرى 30 فيحولها الى الفوسفور 31 المشع والإشعاع طاقة تنتج عن إصابة ذرة مستقرة بنيترون ( هو بمثابة فيروس) فتمرض الذرة وترتفع حرارتها فتخرج فى صورة إشعاعات. وفى الحقيقة هناك تفصيلات أكثر تعقيداً من ذلك ولكن لا مجال للخوض فيها هنا.
أما عالم الملائكة والجنّ وكذلك الروح فمبلغ علم الإنسان أن الملائكة مخلوقات نورانية وأن الجنّ خلق من النار ومصدر معلومات البشر عن خلقتهم هو الله ورسله وذلك لأختلاف طبيعة الإنسان عن طبيعة الملائكة وعن طبيعة الجنّ. فالإنسان غير مهيأ ليرى الملائكة أو الجنّ وذلك لثبات خلقته فلا يستطيع أن يتغير أو يتشكل، ولكن الملائكة و الجنّ يمكنهم التشكل فى الصورة التى توافق طبيعة الإنسان وبالتالى يستطيع أن يراهما. ولكن لا تستطيع الملائكة أن تبقى مطمئنة على الأرض إلا إذا إكتسبت طبيعة البشر ولبسوا لبسهم حتى تتمشى طبيعتهم مع الوسط الذى سيعيشون فيه وهو الأرض والذى توافق طبيعة الإنسان. وقد جاء ذكر ذلك فى القرآن فى الآيتين الثامنة والتاسعة من صورة الأنعام " وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) "
أما الجان فقد سبقت الإنسان فى الخلقة وقد خلقت من النار كما جاء ذكرها فى سورة الحجر " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) " .
وتختلف علاقة الملائكة بالإنسان وذلك لعدم إطمئنان الملائكة للعيش على الأرض إن أرادت ذلك وتقتصر علاقة الملائكة بالإنسان فى الغالب على تلبيغ الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما ورد فى سورة فاطر " الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)" وقد بينت الآية الكريمة أن الملائكة لها أجنحة. و تقوم الملائكة بحفظ الإنسان وكتابة عمله كما ورد فى مسند أحمد عن عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع وإسحق يعني الأزرق قالا حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الحفظة الذين يحفظونه اكتبوا لعبدي مثل ما كان يعمل وهو صحيح ما دام محبوسا في وثاقي قال عبد الله قال أبي وقال إسحق اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة. وقد نزلت وقاتلت إلى جانب المؤمنين كما ورد بسورة الأنفال " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)"ولا تستطيع الملائكة أن تعمل من نفسها ولكن يفعلون ما يؤمرون كما ذكر الله عز وجل فى سورة النحل" وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) ". وهناك أعمال كثيرة أوكلها الله للملائكة ويقومون بها ولايفرطون.
أما الجآنّ فكما نعلم فقد خُلقوا قبل الإنسان من النار كما جاء ذكر ذلك فى القرآن العظيم فى سورة الحجر " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) "وقد استعمروا الأرض ويتشاركون مع البشر فى التكليف لقول الله عزّ وجل " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) " ورغم إختلاف الجنِّ عن الإنس فى أصل الخلقة فهناك تشبهات كثيرة فى السلوك فالجنّ يعمل بالصناعة لقول الله عز وجل فى سورة سبأ " يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) " وتتزاوج الجن ولهم مساكن ويحاسبون مثل الإنس ويدخلون الجنة والنار. والكافر من الجن يسمى شيطان ويستطيع أن يأمر ويوسوس وينزغ ويمس ويفتن الناس إلا من عصم ربى وقد جاء ذكر ذلك فى مواطن كثيرة من القرآن العظيم. ولكن لم يأتى ذكر أن الجنّ قد بعث فيها رسولا يوحى إليه ولكن جاء قول ربنا فى سورة الأنعام " يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) " وقد جمع الله الجنّ والإنس فى الخطاب بقوله ألم يأتكم رسل منكم حتى يُغْنِى رسل الإنس، لأنهم خلفاء الله فى الأرض، عن رسل الجنّ.
وبعد إلقاء الضوء على خلق الله قبل الإنسان ومعرفتنا بأن كل خلق الله بإستثناء الجن قد جبلت أن تعبد الله طواعية وتنفذ أوامره عز وجل دون إعتراض كما ورد فى سورة فصلت ننتقل إلى خلقة الإنسان كما وردت فى القرآن الكريم
والى اللقاء فى الجزء القادم
لقد جاء ذكر خلقة الإنسان فى كتاب الله العزيز محدداً أصل ومراحل تكوين آدم عليه السلام فقال ربنا أصل خلقة الإنسان من تراب كما ورد فى سورة آل عمران " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) " وكذلك جاء ذكر أن الأنسان خلق من تراب أيضاً فى سورة الحج " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) " ولكن جاءت آيات القرآن العظيم توضح المراحل التى مرّ بها الإنسان قبل نفخة الروح فيه فجاءت الأية الحادية عشرة من سورة الصافات " فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ " لتوضح أن التراب قد إختلط بماء كثير ليتحول إلى طين لازب أى رهوٌ فى قوامه ثم مع الوقت تماسك قوامه ليصبح طيناً كما ورد فى سورة ص " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) " ومع الوقت تخمر الطين نتيجة البلل و التحلل إلى حمأٍ مسنون كما ورد فى سورة الحجر " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) " ثم تحول أخيراً نتيجةً لتبخر الماء من الطين بعد تحلل الطين إلى متجانس قوام لدن وهو الصلصال الذى يسهل تشكيله دون تميعه والذى لا يحتوى غالباً على أجزاء غير متجانسة فى قوامها ولا تركيبها ولا يكون بها حبيبات صلبة تختلف عن بقية الصلصال فى خصائصها الطبيعية والكيميائية. ونظراً لأن ربنا لم يذكر فى كتابه تركيب أخر لمادة خلق الإنسان وبما أن الصلصال هو أخر مراحل تحولات التراب المبلل بعد الطين اللازب والطين فالأرحج أن الإنسان تشكل على هيئته من هذا الصلصال. والمادة التى بلل بها التراب هى الماء الذى هو أصل كل شئ حى لقول الله عز وجل فى سورة الأنبياء " أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) ". وبعدما وضح لنا ربنا الحكيم أصل خلقة آدم أبو البشر ومراحل تشكله وبعد نفخة الروح فيه من قبل مولنا العظيم حيث شابه تناسل الإنسان سائر الكائنات الحية الأخرى يحث تتحد مشيجتان واحدة مذكرة وأخرى مؤنثة لتكونان خلية مخصبة (علقة) ثم مضغة (زيجوت) كما ورد فى الأية الخامسة من سورة الحج ثم خلق ربنا من المضغة عظاماً ثم كسى العظام لحماً كما جاء فى سورة المؤمنون " ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) " ويجب هنا التنبه إلى الفرق مابين الفعلين خَلَقَ وخَلَّقَ فكلمة خلق تعنى محصلة التخليق وتصف تمام الخلقة أم التخليق فهو خلق الشئ من عناصره الأولية فقال ربنا عز وجل فى سورة الحج " خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ " وهنا وصف لكل مرحلة إجمالاً وقد سردنا مراحل تخليق الإنسان من تراب فيما سبق ولكن فى نفس الآية من سورة الحج قال ربنا عن المضغة " مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " وهنا مصدر مخلّقة هو خلّق أى تكون من عناصره الأولية وهى الأمشاج المذكرة والمؤنثة ومن ثم يمكن القول أن المضغة المخلقة هى الناتجة من تلقيح مشيجة مذكرة (حيوان منوى) لمشيجة مؤنثة (بويضة). أما المضغة الغير مخلقة فليست كما قيل أنها السقط ( الجنين الذى ينزل قبل تشكله) لأنه وإن كان الجنين سقطاً فإنه أيضاً مخلق من المشيجتين المذكرة والمؤنثة. وبتتبع مراحل نمو الجنين البشرى فهناك عدة إحتمالات أشهرها أن تضع الأنثى وليداً واحداَ نتيجة تخصيب حيوان منوى لبويضة واحدة وقد يحدث أن تبوض الأنثى أكثر من بويضة ويخصب كل بويضة حيوان منوى فتلد المرأة عدة أولاد قد يكونون إناثاً أو ذكوراً أو خليطاً من الذكران والإناث ويسمى توأم وكل هؤلاء أصلهم مضغة مخلقة. هناك حالة يتم تخصيب البويضة الواحدة بحيوان منوى واحد فتتكون العلقة ثم تنقسم العلقة لتعطى مضغتين تكون واحدة منهما فقط مخلقة من مشيجة مذكرة ومشيجة مؤنثة وأما الثانية فهى ناتجة عن إنقسام حدث بعد عملية التخليق فتكون مضغة غير مخلقة وهو ما يسمى بالتوأم السيامى حيث تضع الأنثى فردين من نفس الجنس ولهما نفس الشبه حتى إن الإنسان الذى يراهما لأول مرة لا يستطيع أن يفرق بينهما وهذا من الإعجاز العلمى فى القرآن العظيم وصدق ربنا العظيم حين قال فى سورة فصلت " سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ".
الى لقاء قادم باذنن الله وكيف يكلم الله خلقه
لقد حدد الله سبحانه وتعالى طريق كلامه مع خلقه فى سورة الشورى " وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) " ومن سياق الأية الكريمة نجد أن الله إذا أراد أن يكلم أحداً من خلقه فإما يوحى له وحياً كما كان مع أم موسى كما ورد فى سورة القصص " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) " ويكون الوحى للأنبياء وغيرهم من الصالحين من البشر. ويوحى الله لكل خلقه كيف ما يشاء سبحانه ووقتما يشاء فأوحى إلى النحل كما جاء فى سورة النحل " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) "، وأوحى إلى السماء كما جاء فى سورة فصلت " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) " وكذلك أوحى الله إلى الأرض كما جاء فى سورة الزلزلة " بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) " ومن ثم فمن الوارد أن يوحى الله عز وجل للصالح من الجن.
وقد يكلم الله خلقه من وراء حجاب كما كان مع موسى عليه السلام والذى جاء ذكره فى سورة النساء " وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) ".
وإما أن يكلم الله أحد من البشر بواسطة رسول من الملائكة، فيأتى رسول ربنا من الملائكة، جبريل عليه السلام، إلى النبى الأكرم صلى الله عليه وسلم للتبليغ وعلى رسول الإنس الدعوة للجنّ والإنس على حد سواء فيسمعه طائفة من الجنّ فيكلفهم الرسول من الإنس فيؤمنون بالنبى فيأمرهم بتبليغ قومهم كما ورد فى سورة الأحقاف " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) " . وهنا نخلص إلى أن الملائكة هم رسل التبليغ من الله لرسله من الإنس المكلفين بالدعوة وأن صالح الجنّ هم رسل تبليغ لقومهم ونذر وأن المؤمنين من الإنس هم الدعاة إلى الله من بعد نبيهم.
ما هى الأمانة؟
لقد عرض الله عز و جل الأمانة على خلقه كما جاء فى سورة الأحزاب " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)" وقد رفضت السماوات والأرض والجبال تحمل الأمانة وأشفقن منها فما هى حقيقة هذه الأمانة؟
لقدقيل كثيراً عن المقصود بالأمانة وأنقل بعض ماجاء فى تفسير بن كثير رحمه الله ومنه قول العوفي عن ابن عباس: يعني بالأمانة الطاعة و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الأمانة الفرائض, عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك, وأشفقوا منها من غير معصية, ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} يعني غراً بأمر الله.وكذلك ما ذكره بن كثير رحمه الله عن
ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} قال: عرضت على آدم, فقال: خذها بما فيها, فإن أطعت غفرت لك, وإن عصيت عذبتك, قال: قبلت فما كان إلا مقدار ما بين العصر إلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الخطيئة. وهناك الكثير من الأراء التى تتفق مع وجهات النظر السابقة ولكن ما لفت نظرى هو قول ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السكوني, حدثنا بقية, حدثنا عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير رضي الله عنه, وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء فأرسلوا به, فمنهم رسول الله, ومنهم نبي , ومنهم نبي رسول, ونزل القرآن وهو كلام الله, وأنزلت العجمية والعربية, فعلموا أمر القرآن, وعلموا أمر السنن بألسنتهم, ولم يدع الله تعالى شيئاً من أمره مما يأتون وما يجتنبون وهي الحجج عليهم إلا بينه لهم, فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن والقبيح, ثم الأمانة أول شيء يرفع ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس, ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم وتبقى الكتب, فعالم يعمل وجاهل يعرفها وينكرها ولا يحملها, حتى وصل إليّ وإلى أمتي, ولا يهلك على الله إلا هالك, ولا يغفله إلا تارك, فالحذر أيها الناس, وإياكم والوسواس الخناس, فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملاً» هذا حديث غريب جداً, وله شواهد من وجوه أخرى.
وهنا يخطر فى ذهنى سؤال: هل فعلا الأمانة هى مجرد أن يمتثل الإنسان لأوامر الله وإن أطاع أثابه الله وإن عصى عذبه الله؟ و ما الفرق إذا بين الجن والإنس إذا كان كلاهما مكلف بنفس التكليف أليس هذا بظلم للجن أن يُنكر تحملهم للأمانة مع الإنس؟
فحقيقة الأمر أنه ليس هناك فرق بين الجن والإنس إذا كانت الأمانة هى مجرد انها الطاعة ومن ثم فإن الأمانة قد تكون شئ غير ذلك. فبعد إشفاق السموات والأرض والجبال بنص القرآن ورفضهم تحمل الأمانة أصبح الأمر محصورا بين الجن والإنس. إن عمل مقارنة بسيطة ما بين الجن والإنس وعلاقتهم بالخالق عز وجل يتضح أن ما يفرق بينهم هو تميز الإنس عن الجن بالرسالة حيث أن رسل الله كلهم من الإنس ولم يأتى من الجن رسول أبدا وإلا جاء ذكره فى القرآن. والجن والإنس يعمران فى الأرض وسبقت الجن الإنس فى ذلك.
إن المتأمل فى ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم «إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء فأرسلوا به, فمنهم رسول الله, ومنهم نبي , ومنهم نبي رسول, ونزل القرآن وهو كلام الله ….. إلى أخر الحديث» يفهم أن المقصود بالأمانة هو الرسالة حتى لا يكون للجن أو الإنس حجة على الله عز وجل.
وبعد أن تحمل الإنسان الرسالة والتبليغ عن الله عز وجل إلى المكلفين من خلقه لابد من أن يجازى جزاء عاجلاً ويعرف وظيفته ودوره فى ملك الله.
لقد انتهت المسئلة عندما قبل آدم تحمل الأمانة ورفضها بقية خلقه و مهد ذلك لإعلان مسمى من يتحمل الأمانة وهو خليفة الله فى الأرض حيث أنها هى مستقر المكلفين من الثقلين الجن والإنس.
وبعد أن ظهرت مسئولية آدم بقبوله لتحمل الأمانة وإشفاق بقية الخلق كان لابد من أن يكون هناك إحتفال بتنصيب آدم وتكريمه لعظم المسئولية التى اختارها بظلمه لنفسه وجهله بتبعاتها كما جاء ذكرها بالقرآن.
لقد حان وقت تكريم آدم وذريته مكافأة له فقال ربنا فى كتابه العزيز " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) الإسراء " فسخر الله كل خلقه لخدمة الإنسان بإستثناء الشياطين، فيقول ربنا فى سورة إبراهيم " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) " وقال عز وجل فى سورة النحل " وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) ".
لقد هيئت الأرض حتى تكون موطنا للإنسان وحتى من قبل أن يعصى ربه حين نسى وأكل من الشجرة لقد كان نزول آدم من الجنة قدرا محسوما وليس كما يظن الناس أو كما يدعون أن حواء هى سبب شقائنا. ولكن ما حدث من نسيان أو عصيان آدم هو فى الحقيقة أول موقف يتحمل فيه آدم مسئولية نفسه وكذلك من بعده بنيه وأن يتعلم أن أى خطأ منه سيعود عليه بالشقاء. والأن وبعد أن أُعدت الأرض لمعيشة آدم جاء موعد تعيينه خليفة لله فى الأرض التى كانت لا تؤتمر الا بأمر خالقها هى ومن عليها. الأن أصبح بيد آدم أن يصنع بها ما يشاء سواء إصلاحا أو إفسادا وبالطبع فإن خيرها سيعود عليه فيها وإفساده لها سوف يعود عليه بالشر والموت وقد يؤدى إلى فناء الأرض نفسها. وفى نهاية الأمر سيحاسب آدم على حسن أو سوء إستخدامه لما مكنه الله فيه.
وللحديث بقية بإذن الله