التصنيفات
منوعات

هواتف الأزواج هل يقطع "التلصص" الشك؟

مع التطور المُذهل في التقنية ووسائل الاتصال المتعددة التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في حياتنا الاجتماعية، يكثر الحديث عن الهواتف الجوالة ومتابعة ما فيها، ولعل من أهم العلائق الاجتماعية التي تؤثر فيها هذه التقنية العلاقة الزوجية، التي تتأثر بشكل أو بآخر بقضية التلصص بين الأزواج، ولكل من الزوج والزوجة ذرائعه التي يتذرع بها ليواصل التجسس والتلصص على جوّال الآخر! فهل من حق الزوج التفتيش والاطلاع على أرقام زوجته ومكالماتها؟! وهل من حق الزوجة تفتيش جوال زوجها والاطلاع على أرقامه ومكالماته؟ وهل العلاقة الزوجية تُحتم عدم الخصوصية بين الأزواج؟ وكيف نعالج التلصّص بين الأزواج على الجوال؟

البداية كانت مع الأخت أم البراء التي تقول: "نعم عادي له أن يتابع مكالماتي ورسائلي؛ لأني أستخدم جوّاله شخصياً". أما الأخ أبو أحمد فيخالفها الرأي ويقول: "لا أرضى ذلك مني أو منها". وتتحدث منى فتقول: "إذا كان من باب الشك، وبدون علمي فلا وألف لا؛ فأنا أحب أن يترك زوجي مساحة لخصوصيتي".
يؤيدها الرأي ياسر فيؤكد أنه لا يرضى ذلك، ويعلل سبب الرفض بقوله: "لأن ذلك يجعل المرء يتبع أوهامه، ويُعزّز من شكوكه، ويلغي الثقة التي هي ركيزة من ركائز الحياة الزوجية، كما أن ذلك يلغي خصوصية الطرف الآخر، وربما اطلع أو اطلعت على سر مؤتمن عليه صاحب الجوال دون وجه حق، وإذا شعر أحد الزوجين بعدم جدارة الطرف الآخر فهناك حلول أخرى غير التفتيش والتلصّص والتجسّس".
والأخت الفيحاء تؤيد منى وياسر، وتؤكد أنها ترفض أن يتابع زوجها ما في جوالها وتقول: "أكيد ما راح أخليه يفتش فيه؛ لأني أعتبر فعله أولاً عدم وجود ثقة، وثانياً: عدم احترام لذاتي وخصوصياتي".

بشرط!

أما أم شموخ فتقول: "عادي جوالي أمامه، ولكنه لا يتابع ما فيه، لكن إن رغب فلا مانع عندي، وهو كذلك لا مانع عنده من أن أرى مكالماته ورسائله". وتؤيدها أفق فتقول: "عادي ليس عندي شيء أخاف منه".
أما شذى فتقول: "الأصل بيننا الثقة لذلك لا حاجة له بهذا! وهو يعتبره من خصوصياتي، وقد يحوي خصوصيات أخريات يرسلن عليه، لكن جوالي مفتوح ويمكنه رؤيته". ويشترط محمد لرضاه شرط فيقول: "طبعاً أرضى بشرط ألاّ يكون لغرض التفتيش وإنما الاطلاع والاستعمال".
أما أبو عبد الرحمن فيقول: "أنا لا أرضى أن أفتش جوال زوجتي، ولا هي أن تفتش جوالي؛ فلكل واحد خصوصياته؛ فالمرأة لها خصوصياتها من رسائل صديقاتها وأخواتها وغيرهم، ولا ينبغي للرجل مشاهدتها وكذلك المرأة، والتفتيش الخفي عن الآخر دليل عدم ثقة، وكذلك شك في الآخر، والاستئذان وطلب مشاهدة الرسائل والوسائط والفيديو وغيرها في جوال الطرف الآخر أفضل من اللف والدوران ومشاهدة الجوال خفية".

والأخت "كن مع الله" تشارك برأيها فتقول: "يختلف تفتيش الزوج لجوال زوجته إن كان التفتيش يدخل في الخصوصيات سواء كان مع الأهل أو الصديقات، كالرسائل والمكالمات، فلا أحب أن يكون، وغير ذلك فلا حرج". ولا تمانع الأخت "مع الله دوماً" موضحة أنها ترضى ذلك، وكذلك زوجها يرضى بهذا.

لا أرضى!

سألنا الكاتبة والأديبة ريم أبو عيد: هل ترضين أن يفتش زوجك جوالك؟ فأجابت: "بالطبع لا أرضى أن يفتش زوجي جوالي أو أي متعلق شخصي بي تماماً، كما لا أسمح لنفسي أن أقوم بتفتيش جواله أو أغراضه الشخصية؛ فالثقة المتبادلة هي أساس أي علاقة زوجية سليمة وانعدام الثقة بين الزوجين حتماً يؤدي إلى فشلها".
ومن جانبه يقول د.أسامة بن صالح حريري "عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى والمتخصص في مهارات الاتصال والعلاقات الزوجية: "نحن اليوم نعيش في مجتمع تكتنفه العديد من الأمواج، بل كأنها أمواج من الطوفان الجارف على هذا المجتمع. بل كأننا فرد سقط في بحر لم يستعد لسباحته والتعامل مع أمواجه، على الرغم من إتقان البعض للسباحة، ولكن تظل الأمواج أقوى من بعض السابحين، فكيف بمن لا يعرف السباحة أصلاً؟!

ويضيف: أقصد بالأمواج القنوات الفضائية وشبكات الإنترنت. هذه الأمواج كان من الممكن أن يتم استثمارها في تحريك سفينة المجتمع نحو آفاق بحار المعرفة ومحيطاتها، بدلاً من التقوقع في بيئة منغلقة تتحرك في مكانها؛ إذ ليس اللوم على أمواج التطوير والارتحال والتواصل مع العوالم المحيطة بنا والإبحار في محيطات المعرفة، بل اللوم يقع على الأفراد في عدم استعدادهم لخوض غمار البحار والمحيطات وغمار أمواجها.

وهم الفضائيات

ويوضح د. حريري أن العديد من الأزواج انجرف في أمواج الإثارة الجنسية، وتعدّد العلاقات، وتغيير الأذواق، بل ومع عدم وجود الحصانة الإيمانية، قد يجد بعض أفرادنا التنفير من هذا التحصين بسبب التطبيق السلبي لهذا الدين، والنتيجة أن ينجرف أحد الزوجين أو كلاهما في تطبيق ما يعيشه على القنوات الفضائية من مغريات قد لا يجدها الزوج مع زوجه، بل وقد يكون لمجرد التطبيق لما يتعرض له الفرد في القنوات والموقع، على الرغم من وجود البديل الصحيح للزوج، ولهذا فإن السؤال ليس عن الحق والواجب؛ فقد نقول بعدم الأحقية، ولكن عدم مراقبة الزوج لزوجه، سيكون دافعاً للمخطئ أن يستمرئ خطأه، دون رقيب أو عتيد، فلا بد من إطفاء النار في مهدها.
وإذا قلنا بالأحقية- يضيف د. حريري- فهذا سوف يدخل بالزوجين في عالم الشك والريبة والتجسس بين الأطراف، كما يحدث في العالم الغربي، وقد يصل بنا الأمر أن يستأجر الزوج أو الزوجة من يقوم بمراقبة وتصوير الآخر في حله وترحاله، فهل هذا ما نريد؟

مصارحة

ويتابع د.حريري مُبيناً الحل في التلصّص بين الأزواج على الجوالات بقوله: "إذاً الحل قد يتمثل في العديد من المحاولات:
أن "يضع" كل زوج نفسه في موقع الآخر: هل يرضى له ما يفعل؟ البعض قد يرضى. وهكذا سوف يصل الطرفان إلى حرب ضروس لا تُبقي ولا تذر. كما يجب أن تكون هناك "مصارحة" بين الزوجين في إشباع الآخر، مما يجعل كل طرف في رضا وكفاف عبر الآخر، وأن "يتجنب" الطرفان مواقع الشبهات والمثيرات التي تغري بمعسول وكاذب المغريات.
ويشير د.حريري كذلك إلى ضرورة أن يعرف كل طرف نتيجة ما يفعل على علاقته بربه، كأن يعرف الفرد بأن الزنا نتيجته الفقر في الدنيا، ناهيك عما في الآخرة من عذاب، بل الأهم في نتيجة الفعل المحرم على "قطع" العلاقة مع الله. هل "يستحق" منا الله أن نقابله بالمعصية، وهو يقابلنا بكرمه؟
وفي حالة وجود علاقات حتمية بين الجنسين بسبب كالوظيفة، فيجب أن تكون "الثقة" بين الطرفين، مع حتمية عدم تجاوز هذه العلاقة لمواضيع الوظيفة. وفي حالة وجود هذا التجاوز، فسوف يضطر أحد الطرفين إلى التلصص، ومن أجل أن يضمن الزوج عدم لجوء زوجه لهذا الأسلوب، عليه أن يكون حذراً في علاقته الحتمية مع الجنس الآخر، أو فلا يلومن إلاّ نفسه"!!

تمازج بحدود!

ومن جهة أخرى يلفت عبد الله الهذلول -خبير التفكير الإستراتيجي والباحث في المجال الأسري- إلى خطورة التلصص والتجسس مستشهداً بقوله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
ويعتبر "الهذلول" أن الشفافية والوضوح التام بين الأزواج تظل مطلباً ملحاً في هذا الزمان، الذي تعدّدت فيه أسباب ومسببات التواصل بين الناس، ويغيب عن الكثيرين، ويجهلون في أوقات أخرى ما هي حقوقهم، وما هي الالتزامات التي تتوجب عليهم.

ويتغافل أقوام عن الخصوصيات بين الأزواج، وقد يعتبر البعض أن رفع الكلفة مطلوب حتى في أخص الخصوصيات الدقيقة.
ويستدرك قائلاً: التمازج والتعاضد ورفع الكلفة بين الزوجين المرأة والرجل مطلب منشود وضروري بينهما، إلاّ أنه لا يتعدى مراحل الخطوط التي تُسمّى بالحمراء، إلاّ بعد الاستئذان والمشاورة بينهما، حيث يظل الاتفاق والتوافق ضروري ليتقاسم الجميع المسؤوليات بينهما في بعض الأمور التي لا تخلّ بالشرع والقوامة، مثل الأسئلة للاطمئنان وتصحيح الزلل وإزالة الشكوك العالقة في الخواطر.
ويُضيف أ.الهذلول قائلاً: "إن قامت الزوجة خير قيام على شؤون زوجها ووفت ما عليها من واجبات ومتطلبات بيتية وتربوية ودينية، وما تعارف الناس عليه، ولم تخلّ بالآداب الزوجية، ولم تتواصل مع غير محارمها إلاّ للضرورة المعروفة، فإنني أجزم بعدم أحقية الزوج بتتبعها في خصوصياتها ومكالماتها ووقتها، بشرط -كما قلنا- عدم تأثر الوضع البيتي بذلك".

المسالك الملتوية

ويؤكد الهذلول على أهمية التواد والحرص بين الزوجين بقوله: "يظل التوادّ والشفقة والحرص المتوازن هو ديدن الزوجات الكريمات، وهذا بسبب كثرة المغريات العصرية للزوج، وقد يؤدي كثرة الإلحاح والمتابعة غير الحميدة بالزوج إلى سلوك مسالك ملتوية لتلبية رغباته والتنفيس عما بداخله تارة أخرى، إن لم توفه الزوجة حقه من التواصل وتبادل الرسائل الحلوة والجميلة التي تملأ الفراغ العاطفي الذي قد يعيشه الزوج.
ويضيف: "لا أعتقد أن التفتيش هو الحل الوحيد والقطعي في هذا الجانب، بل يظل حيلة العاجز الكسول، الذي لا يرغب بالحلول الجذرية والناجعة، وإذا نظرنا إلى مبدأ القوامة التي حددها الشارع الحكيم، فالحق للزوج بشرط اللين والرفق والشفقة، ويفضل المصارحة والمكاشفة، وهنا نلفت إلى أن الفراغ الوقتي الذي يتركه أحد الزوجين للآخر هو المسبب لكل هذه المشاكل".

الشك يدعو للتلصص!

وتُشارك د.ليلى عبد الرشيد عطار "أستاذ مشارك التربية الإسلامية – بكلية التربية – جامعة الملك عبد العزيز بجدة"، موضحة أن الأصل في العلاقة الزوجية هو الاحترام والتقـدير وحسن الظن، حتى يُبنى البيت الآمن الصالح الذي ينمو ويترعرع فيه الأطفال في جو تربوي هـادئ، وحتى تستـقيم شخصياتهم، وقـد أقـرت الشـريعة الإسلامية الحـقـوق والـواجبات بين الزوجين حتى تؤكـد وتضبط هـذه العلاقة وتحميها من الدمار والخراب.
وتضيف: التلصص والتجسس والتفتيش بين الزوجين – له أسـبابه من أحـد الطرفين أو كليهما، مثل ظهـور بعض التصرفات أو السلوكيات التي تثير الطرف الآخر وتدخل الشك والريبة لديه، مما يدفعه إلى البحث في أغراضه وجواله وأوراقه حتى تصل إلى الحقيقة التي تقطع الشك في النفس، لذلك لا يحق لأي من الطرفين التلصص والتفتيش على الآخر للمحافظة على العلاقة الزوجية من التشتت والتفكك الأسـري.

وتلفت إلى ضرورة الاقتداء برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسـلم- لـدفع الشك والشبهة عن نفسـه عندما قالت السيدة صفية رضي الله عنها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي، حتى إذا بلغ باب المسجد مر رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسـرعا، فقال:- على رسلكما، إنها صفية بنت حيي، فقالا:- سبحان الله يا رسـول الله، فقال:- إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شـراً".
وتُضيف د.العطار مشددةً على حسن الظن بين الزوجين بقولها: "لذلك مطلوب من الزوجين إظهار السلوك الحسن، والبعد عما يثير أحدهما على الآخر، ويبتعدا عن العناد وتبادل الاتهامات التي تغرس العداوة والبغضاء بينهما، وتغليب مخافة الله -عز وجل- من عقابه في الدنيا والآخرة؛ حفاظاً على العلاقة الزوجية والأولاد من التشتت والتفرق، وانتهاج سلوك الصراحة والوضوح والصدق بينهما حتى يتجاوزا هذه المحنة؛ لأن نهاية هذه التصرفات غـرس الشك الذي يعجل بإنهاء الحـياة الزوجية بينهما".