الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد, فإن الأم المسلمة عليها مسؤولية كبيرة في تربية الفتاة ورعايتها وحفظها من كل سوء.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) متفق عليه. وقد ورد فضل عظيم في السنة لمن أحسن تربية الفتاة ورعاها حق الرعاية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من هذه البنات بشي فأحسن إليهن كن له سترا من النار) متفق عليه.
فإليك أختي أيتها الأم الكريمة تلكم الإضاءات:
والمتأمل في واقع الفتاة المسلمة يجد أن كثيرا من حالات انحراف الفتاة وخروجها عن جادة الاستقامة وتقصير الفتاة في بيت الزوجية وسوء معاملة الزوج وغير ذلك من المظاهر السيئة يرجع إلى سوء تربية الفتاة في البيت المسلم أو فقدها بالكلية مع عوامل أخرى لكن ليست في منزلة السبب الأول.
ومن هذا المنطلق أحبت تذكير الأم وتنبيهها على أصول وآداب مهمة ينبغي عليها أن تراعيها وتعتني بها في سبيل تربية الفتاة تربية إسلامية نقية.
فإليك أختي أيتها الأم الكريمة تلكم الإضاءات:
أولا: ربي الفتاة على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهما منذ الصغر واغرسي في قلبها معاني الإيمان وحسن التوكل واليقين ونشأيها على مراقبة الله في كل عمل تقوم به وليكن رضا الله هدفها الأكبر في حياتها واربطي كل حدث وتصرف بهذا الأصل العظيم فإن أمرتيها بطاعة الله ونهيتيها عن معصية الله فعللي ذلك بابتغاء رضوان الله ودخول الجنة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بذلك قال ابن عباس: ( كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : (يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي وصحه.
ثانيا: ربيها على خصلة الحياء ومعانيه الجميلة بالقول والفعل والقدوة والسلوك تارة بالنصيحة المباشرة وتارة بالموعظة وتارة بالقصة المشوقة. فالحياء خلق كريم يدعو إلى ترك كل ما يشين بالإنسان ويوقعه بالذم. فإذا أدبت الفتاة على الحياء وترك كل ما يخالفه حملها ذلك على كل فضيلة أما إذا نشأت على عدمه وكانت جريئة لا تراعي أدبا ولا عرفا حملها ذلك على كل سوء. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (الْحَياءُ لا يَأتي إِلاّ بِخَيْرٍ) متفق عليه. ومما يؤسف له أن كثيرا من فتيات اليوم قليلات الحياء يتصرفن كأنهن رجال في كلامهن وحركاتهن واهتماماتهن.
ثالثا: ربي الفتاة على لباس الحشمة والستر سواء داخل البيت أو خارجه ، فاحرصي على تعويد الفتاة في الصغر على اللباس الساتر الواسع عند المحارم وعوديها أيضا على لبس الحجاب عند خروجها ولا تتساهلي في ذلك بحجة أنها صغيرة فإن الفتاة تعتاد على ما نشأت عليه فإذا نشأت على الستر كان الحجاب من أيسر الأمور عليها إذا كبرت وإذا نشأت على خلاف ذلك كان الحجاب عسيرا عليها ، وليكن ذلك بالتدرج معها والرفق بها. واعلمي أن الفتاة تقتدي غالبا بأمها فكوني قدوة حسنة لها. ومما يؤسف له أن أهل الباطل يحرصون على تعويد الفتاة منذ الصغر على التهتك في اللباس وبعض أهل الإستقامة يتساهلون في هذا الباب ولا شك أن هذه الأمور لها أثر كبير في نفس الفتاة وتكوين شخصيتها.
رابعا: من الأمور المهمة أن تعدل الأم بين الفتاة وإخوتها الذكور في المعاملة في العطية والتود والإهتمام والحديث مما يؤثر على نفسية الفتاة ، فإن الفتاة إذا أعطيت حقوقها وسمع صوتها شعرت بالاستقرار وإن ظلمت ومنعت حقوقها وفضل عليها إخوتها شعرت بالحرمان وتألمت لذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) متفق عليه. وكذلك لا تسمحي لإخوتها بالاعتداء عليها و إهانتها وكوني لها دائما ظهرا تحتمي بها.
خامسا: مما يبني شخصية الفتاة ويقويها أن تعطي الأم الفتاة دورا في البيت وعملا مناسبا لإمكانياتها تقوم به وتشعر بالمسؤولية تجاهه كالطهي والتنظيف ورعاية الولد وغير ذلك مما يملأ وقتها وينمي قدراتها ويشرح صدرها ويشعرها بالسعادة وشعورها بالثقة. وينبه على أنه ينبغي على الأم أن ترفق بالفتاة إذا أخطأت أو قصرت في العمل الموكل لها ولا تعنف عليها خاصة في أول الأمر.
سادسا: مما يشعر الفتاة بالاستقرار أيضا أن تخصص الأم وقتا في اليوم لسماع حديث الفتاة ومعرفة أحوالها والتحاور معها ومناقشتها وتصحيح مفاهيمها وتوعية فكرها فإن الفتاة بحاجة ماسة إلى من يستمع لها ويحتويها ويعالج مشاكلها ويرعى اهتماماتها. ومما يؤسف له تقصير كثير من الأمهات العاملات بهذا الجانب مما يوجد فجوة كبيرة بين الفتاة وأمها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور الصغار ويوجههم.
سابعا: من الأمور المهمة جدا وتشكل خطرا في حياة الفتاة وتحدد مصيرها التواصل بين الأم والفتاة عاطفيا. فينبغي على الأم أن تغدق على الفتاة حنانا وحبا ومشاعر فياضة لتسد فراغها العاطفي وتوجه عاطفتها إلى الإتجاه الصحيح وتحميها من الطريق الخطأ ويكون ذلك عن طريق القبلة وإظهار التحفي بها وإطلاق عبارات المدح والإطراء والثناء على أعمالها ولو يسيرة فالأم الذكية هي التي تستغل الحدث المناسب وتوظفه في صالح ذلك ولا تسرف في العقوبة وإهمال الأم لذلك يجعل العلاقة بينها وبين فتاتها فاترة غير فعالة.
ثامنا: كما أن مبدأ العقاب والحزم له أثر طيب في تصحيح مسيرة الفتاة وتقويم سلوكها ويشترط لذلك أن يكون العقاب في مكانه المناسب عندما تخطأ الفتاة خطأ فادحا له ضر ويشترط أيضا أن يكون مناسبا لوضع الفتاة وأن يكون متنوعا يستعمل فيه جميع الأساليب من الحرمان والتوبيخ والتهديد وغيره. وينبغي على الأم أن تقل من الضرب ولا تلجأ إليه إلا في الحالات الخاصة التي لا تعالج إلا بالضرب كترك الصلاة وارتكاب محرم. وإذا ضربت فلتق الوجه والأماكن الحساسة ولا تضرب ضربا مبرحا. والأمهات في هذا الباب صنفان مخطئان فصنف ترك التأديب مطلقا ولو فرطت الفتاة بدينها وارتكبت أخطاء عظيمة وصنف أسرف في استعمال العقاب وبالغ فيه بقسوة وظلم وكلا السلوكين خاطئ مخالف للشرع والخلق فالسلوك الأول يؤدي إلى ضياع الفتاة وتمردها والسلوك الثاني يؤدي إلى تضر الفتاة ويولد لديها شعور الكراهية والحقد على الأم.
تاسعا: ينبغي على الأم أن تربي فتاتها على محبة القرار في الدار وعدم الخروج إلا لحاجة وإذا قاربت البلوغ وجهتها إلى عدم رؤية الرجال وعدم مخاطبتهم إلا لأمر عارض. فتنمي في نفسها الحياء والستر وعظم الإحتجاب عن الرجال وخطورة الإختلاط وسوء مغبته كما نهى الشرع الحكيم عن وسائل الفتنة وأسباب الشر. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال). وتسلك الأم في سبيل تحقيق هذا الخلق وسائل متنوعة فلا تجعل الفتاة تخرج مع الرجال و لا تخلو بهم ولا تسافر معهم ولا تخالطهم في شيء من الدنيا ولو كانوا أقارب. وقد تساهل بعض الأمهات في هذا الأمر فتراهم يعاملن الفتاة في ذلك كالولد بحجة التمشي مع الواقع أو ادعاء الثقة وحسن الظن بها. فالأم المؤمنة حقا هي التي تغار على فتاتها وتبذل كل ما تملك من الدنيا في سبيل عفاف ابنتها والحفاظ على عرضها.
عاشرا: من وسائل إصلاح الفتاة وحفظها إشغالها برامج نافعة وإدخالها في أنشطة دينية تحفظ كتاب الله وتدارس السنة وتعلم الأخلاق الفاضلة وتعلم المهارات العصرية والتقنيات الحديثة من لغة وحاسوب وغير ذلك. ولترغبها الأم بذلك بالحوافز والجوائز وإظهار الشكر والثناء عليها أمام العائلة. ومع ذلك ينبغي على الأم أن تتابع أنشطتها وتقوم مستواها وتكل نجاحاتها. فإن الفتاة إذا انشغلت بالمفيد وصرفت همتها في تحصيل معالي الأمور لم تفكر أبدا في سفاسف الأمور ولم تشغل نفسها بالسيئات. فإن الفساد غالبا ينشأ مع الفراغ وضعف الهمة وصحبة السقطة من الناس.
وأخيرا أنبه على قضية مهمة غاب فهمها على بعض الأمهات وإن كن صالحات ألا وهي مفهوم الثقة بين الأم والفتاة. فالكثير يسئن فهم هذا المبدأ ويعطين الفتاة حرية مطلقة في استخدام وسائل الإتصال والخروج والعلاقات وغير ذلك من التصرفات. وهذا فهم خاطئ وخطير ربما يوقع الفتاة في ورطة كبيرة وفتنة مدلهمة لا يمكنها الخروج منها. والصواب أن الفتاة مهما كانت عاقلة وصالحة واعية ينبغي الحذر عليها وعدم إعطائها حق التصرف المطلق بل تعطى شيئا من الحرية التي تناسب عمرها ومرحلتها الفكرية والسلوكية مع متابعتها وإشعارها بذلك والإطلاع على طبيعة علاقاتها بالآخرين ومعرفة صديقاتها.
أسأل الله أن يوفق أمهات المسلمين في تربية فتياتهن على أكمل وجه وأحسن حال وأن يهدي فتياتهن للعفة والطهارة وحسن الطاعة وأن يجعل عملهن في رضا الرحمن.
خالد سعود البليهد
مشكوره يا قلبي
على الطرح الرائع
دمتي بخير
تقبلي مروري