التصنيفات
منوعات

التوسُّط في الحبّ. . حلٌّ ذكيّ

هل عِشْتَ هذا الإحساس من قبل أن تُحِبّ إنسانًا لدرجة العِشْق، وتنشغل به عن كل شيء، ثُمّ لا تجد منه في النهاية مقابل هذا الحبّ سوى المعاملة العادية أو حتى الجَفَاء والفتور؟
هل فَقَدْتَ عزيزًا لديك كنت لا تُطِيق فراقه فأحسَسْت أن الحياة لن تستمر من بعده أبدًا؟
هل غاب عنك شخص عزيز إلى قلبك إلى مكان بعيد فشعرت أنه أخذ معه النَّفَس الذي تَتَنَفَّسه فلا تشعر بالحياة؟
هذه بعض النماذج لصُوَر من الحياة يزداد فيها الحبّ فيَصِل إلى حدٍّ لا يمكن تصديقه؛ فلا يستطيع المرء أن يَعِيش حياته بدونه، والحبُّ إحساس جميل بين الزوجين لكنَّه قد تزداد حِدَّته فيصل إلى درجة إهمال باقي نواحي الحياة. إن هذه ليست دعوة لقِلَّة الحب بين الزوجين. . لا، بل هي دعوة إلى التوازن في الحبّ، وتغليفه بكافَّة الأمور الحياتية الأخرى، وبالواقع الذي يعيشه الزوجان، حتى تصل بهم سفينة الحياة الزوجية إلى شاطئ السعادة والأمان.

العاطفة والعقل

يقول د. شحاتة محروس (أستاذ علم النفس التربوي بجامعة حلوان): "إن وجود الحب ضروري بين الزوجين، وإلاّ لن تدوم الحياة ولن يَتَحَمَّل أحدهما الآخر، ولكن عندما تزيد درجة الحبّ من أيٍّ مِن الطرفيْنِ فإنه يَحْمِل معه أشياء أخرى؛ فتزداد الأنانية، وتزيد الغيرة، ويزيد الاهتمام والانشغال المبالغ فيه بالطرف الآخر، وقد يحدث هذا من ناحية الزوجة، والذي قد لا يرضي الزوج عندما يشعر أن زوجته تُحِيطُه بحبِّها طوال الوقت، ومن كافَّة النواحي، ولا تريده أن يتعامل مع الآخرين من أهل وأقارب وأصدقاء، وقد يصل الحبّ إلى درجة يَخْنِق كل طرف منهما الآخر؛ فالزوجة لا تستمتع بحياتها، والزوج لا يتصرَّف بطبيعته، وقد لا يُقابِل هذا السيل الجارف من الحبّ بدرجة مثله فتنقلب الأمور بينهما".
ويشير د. محروس إلى أن التوسُّط في الحب ليس معناه أن يفقد أحدهما حبه للآخر أو تقلّ درجته في أي وقت، ولكن لا يصل إلى أن يكون الحبُّ حبَّ سيطرةٍ وتحكُّم وامتلاك؛ "فالحبُّ المعتدل يشغل قلب الإنسان، ويجعل عقله يعمل في نفس الوقت؛ فلا يسيطر على جوارحه وكيانه كلِّه، فيمتنع عن العمل والتفكير والعطاء، ولا يحب أن يعتمد المرء في حياته على العاطفة وحدها؛ فقد يرى كل شيء جميلاً طالما يفكِّر بقلبه، فإذا ما هدَأَ الحبُّ بعد الزواج بمُدَّة يَبْدَأ في إعمال العقل، فيرى العيوب أوضح وأكبر، وهنا يجب أن يعلم كلا الزوجين كيف يحبُّ شريك حياته؛ فالحياة ليست سوى الزوج أو الزوجة فقط، بل إن الحياة مُتَشَعِّبة، والعلاقات بين الناس متعددة، وكلٌّ منهما يجب أن يُعْمِل العقل والقلب معًا؛ فالزوجة المتفرغة ـ مثلاً ـ يجب أن تشغل وقت فراغها فيما يُفِيد ويعود على بيتها بالخير، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مَغْبُون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»".
ويؤكد د. محروس أن التوسُّط مطلوب في كل شيء، والتوسط في الحب بين الزوجين يحقَّق لكل منهما الراحة العقلية والصحة النفسية؛ فلا تظهر الغيرة القاتلة والاهتمام أو التركيز المبالغ فيه، وبذلك تأخذ أمور أخرى من طاقة الحب التي عندنا.
وبالفعل قد نَجِد أن الزوج محبوب جدًّا جدًًّا وليس سعيدًا بالدرجة المقابلة؛ لأن الزوجة طول الوقت تنتظر مقابل هذا الحب، وعليه أن يدفع ثمنه، ويهيم بها عشقًا في كل الأوقات، وهذا من الصعب حدوثه في ظلّ كثرة المسؤوليات والضغوط الملقاة على عاتق الناس جميعًا؛ فلا يتسرع أحدهما، ولكن التوسُّط والاعتدال والتفكير بعقلانية وواقعية من شأنه أن يَجْعل الحياة أكثر سعادة.

الذاتية والموضوعية

وفي هذا الإطار يوضِّح د. أحمد مجدي حجازي (عميد كلية العلوم الاجتماعية جامعة 6 أكتوبر)، أن مسألة الوسطية في الحبِّ أو الحبّ الجارف يرتبط بثقافة مُعَيَّنة، وظروف اجتماعية خاصة لكل من الزوجين، "فالحياة لا تستمر فقط بالشعور والإحساس، بل لابد أن تقوم على أساس عقلاني وإطار واقعي؛ فالإنسان عندما يقابل شخصًا يُعجَب به، ويشعر أنه ارتبط به مع الزمن، وتحوَّل الإعجاب إلى حبٍّ فلم يَنْبَنِ فقط على أسباب ذاتية أو عاطفية، إنما قام على عوامل موضوعية؛ لوجود تقارب بين التفكير وأسلوب الشخصية وغيرها من الأمور.
وفي ضوء العوامل الموضوعية أو الذاتية في الحبّ، كلما زادت العوامل الذاتية أو العاطفية قد يصل إلى درجة من الفشل؛ لأن الحبّ القائم فقط على العاطفة يجد فيه المتعة، ولكن قد يَفْقِدها في لحظة ما إذا ما تغيَّر سلوك أي من الطرفين، أو تبدَّل إحساسه وشعوره تجاه الطرف الآخر".
فالوسطية هنا معناها ارتباط شخص بآخر ارتباطاً قائماً على عوامل موضوعية وليس عاطفية فقط". . ويضيف د. حجازي: "مثال على ذلك لابدّ من وجود درجة من التكافؤ في التعليم وفي المستوى الاجتماعي، ثم تأتِي العاطفة بناء على ذلك؛ فيكون هناك توازن في العلاقة والارتباط".
وكما يحدث الفشل بين حديثي الزواج من الشباب، والذي قام على أساس الرغبة في الحب الجارف، ولكن بعد الوقوف على أرض الواقع ومعرفة طباع وتفكير كل منهما لم يقدر على الاستمرار، فهو قد يكون ردَّ فعلٍ تجاه أزمات الواقع؛ فالتوسُّط هنا هو عدم إغفال العقل في التعامل مع الطرف الآخر، ومعرفة طباعه، وأسلوب حياته، وطريقة تفكيره، ومحاولة إسعاد كل طرف للآخر بما يُحِبُّه، وتقديره في كل الأحوال، وتَحَمُّله في السرّاء والضرّاء، والتماس الأعذار له، وكل هذا يؤدي إلى دوامٍ واستمرارٍ للحياة السعيدة بين الزوجين.

الحبُّ في الإسلام

يُبَيِّن د. جاد مخلوف (أستاذ اللغة العربية بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر) أن الحب الحقيقي الذي يستمرّ هو "الحب المَبْنِيّ على الاحترام والتقدير لكل طرف من الآخر"، أما الحب القائم على الرغبة والشهوة فقط فسينتهي سريعًا مستشهدًا بمقولة: ( والشوق ينطفئ بمجرد اللقاء). والحب الذي مدحه الإسلام والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الحبّ الذي يقوم على أساس الدين، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وبهذا يكتمل الإيمان. والحب له درجات واتجاهات متعددة، فحبّ العبد لله يكون بلا حدود، وحب لذات لله ـ عز وجل ـ؛ لأنَّه الذي أوجده من العدم، وهداه للدين القَيِّم، وأنعم عليه بنِعَم عظيمة لا تُعَدّ ولا تُحصى، ونحب رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ لأنَّه أخرجنا من الظلمات إلى النور، وحب الله ورسوله يُقَدَّم على كل شيء، ويتمثل في الطاعة (. . إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ)، ومن بعد ذلك يأتي الحب بين الناس، والذي يقوم على أساس الدين.
فالحبُّ بين الزوجين ليس معناه الشهوة أو الرغبة فقط، بل معناه الرحمة والصبر عليه، وليس كفّ الأذى عنه فقط، بل تَحَمُّل أذاه في أوقات ضعفه أو مرضه أو حزنه؛ لأن هذا مُتَوَقَّع منه، ويَجِب أن يَتَحَمَّله.
والحبّ الحقيقي يجعل المرء يغضّ الطرف عن عيوب حبيبه، فلا يُضَخِّمها أو يذلَّه بها، « لا يَفْرُك مؤمن مؤمنة، إن يكره منها خُلُقاً رضِي آخر».
ويؤكّد د. جاد أن التوسُّط مطلوب في كل الأمور، وكذلك وكما قال تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، فالحب الذي دعا إليه الإسلام هو الحب المُغَلَّف بالمقاييس الشرعية، وهو الذي أشعر معه بالسعادة مهما زادت درجته بين الزوجين.
:0149:




خليجية



سلامي لك



مشكوورة يا قلبي



خليجية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.