فبعد كل صلاة في الحرم المكي كان هناك وقت..
وبعد كل صلاة كانت عيناي تتوقف علي مشهد
الطيور التي تحوم وتحلق فوق رءوس الآلاف
في صحن الكعبة
حاولت أن أضبط طائرا واحدا يطير فوق سقف الكعبة..
عيناي مثبتتان علي كل طائر…
وأنا أتابع جناحيه وهو يقترب من حدود
سقف الكعبة…
خلاص…
هذه المرة سوف يمر فوقها..
ثم فجأة..
وقبل أن يدخل سماء سقفها
أراه يستدير بجناحيه ويبتعد
يمينا أو يسارا أو أي اتجاه
إلا أن يمر فوق الكعبة…
كأن هناك جدارا خفيا عاليا يراه الطائر وحده
ولا يستطيع اختراقه
أو أن هناك شعاعا من نوع خاص ضد الاقتراب والاختراق…!
سألت نفسي في إحدي المرات
لماذا لا يقوم أحد المصورين بتثبيت كاميرا
سينما أو فيديو علي مدي24 ساعة ليسجل
حركة الطيور فوق الكعبة
وليثبت أن هناك قوة خفية تحول بين
حريتها في المرور فوق الكعبة المشرفة..
سبحانك يا ربي…
علمت الطير ما لم نعلم وأريته ما لا نراه
وسيرته بمشيئتك وحدك..
سبحانك يا الله…
منذ سنوات بعيدة قبل أن أزور الكعبة كانت
في خيالي صورة مختلفة عن الكعبة
فقد تصورتها بناء ضخما كبيرا…
أليست قبلة المسلمين من كل أنحاء الدنيا؟
إذن فلابد أنها بناء عملاق…
ثم كانت المفاجأة في أول لقاء لي معها
صغر حجمها وبساطة الشكل الهندسي الذي بنيت به..
لكن الغريب أنني في كل مرة كنت أعود إليها
كانت تكبر في عيني
وتكبر وتكبر
حتي أصبحت أكبر من أي بناء آخر في كل الدنيا.
ومازالت عيناي علي جدرانها..
افكاري تحلق وتطير…
ومثل كل الطيور في الصحن المليء
بآلاف المصلين والطائفين والخاشعين
أقترب من جدرانها
ثم أدور بأجنحتي مرتدا واركع ساجدا…
لقد تساوينا جميعا..
طيور السماء وطيور الأفكار…
وأمام جدرانها المتواضعة
خررنا راكعين ساجدين…
سجد الطير بطريقة عدم الاقتراب والمرور
وسجد المؤمن مستعذبا التوسل إليه..
طويت الصحف ورفعت الأقلام…
وأنت سبحانك العظيم الأكبر..
يا الله.