يارب .. نسألك النجاح والتوفيق
جلست سمية في غرفتها غارقة في بحر من التفكير، حتى أنها لم تشعر بأمها حين دخلت عليها الغرفة!.
سألتها أمها: ما الذي سرقك منا اليوم يا سمية؟ ومنعكِ عن الخروج من غرفتك طوال اليوم؟
وأراكِ شاردة الذهن كأن شيئا ألم بكِ؟
ردت سمية بيأس: نعم أمي أصابني إجهاد ذهني وإحباط شديد.
الأم بإشفاق: مم يا حبيبتي؟!
قالت سمية: اقترب موعد الاختبار النهائي، وتفلت مني كل ما كنت أحفظه، وصرت لا أقوى على الحفظ فمواد الحفظ كثيرة رغم أني كنت قوية الحفظ لا أدري ما أصابني؟
أشعر أن كل الأبواب قد سدت في وجهي!
ردت الأم مستغربة: كل الأبواب !!!
أتعلمين يا صغيرتي أن أهم باب لم تطرقيه بعد.. إنه باب لا يغلق أبداً.
ردت سمية:حاولت وذاكرت ولكن لم تزل مشكلتي كما هي، وأجد صعوبة شديدة في الحفظ يا أمي.
أنا يئست.. جربت كل شيء.. يبدو أني سأرسب هذا العام!!
ردت الأم: ولكني يا حلوتي لم أكمل كلامي لأخبركِ عن الباب الذي غفلتِ عنه وأخبرتكِ أنه لا يغلق أبدا.
الابنة : ما هو أمي أخبريني.
فردت الأم: إنه باب الله.
فإننا ندرس ونحفظ ولكن يبقى التوفيق من الله. نعم تيسر لكِ كل شي لتحفظي، ولكن إرادة الله حالت دون ذلك
وهنا عليك عزيزتي بالدعاء وتقوى الله.
وتذكري قوله تعالى
}أمن يجيب المضطر إذا دعاه {وقوله سبحانه: }واتقوا الله ويعلمكم الله{.
ألم تعلمي أن العقل بيد الله هو الذي يفهمنا ويعلمنا ويعيننا على الحفظ والتذكر، تقربي إلى الله بالطاعات والدعوات وابتعدي عن الغيبة والنميمة والنظر فيما حرم الله وعن سائر المعاصي.
ذكرتني يا بنتي بشكواك هذه بالإمام الشافعي يرحمه الله؛ فقد حصل لكِ مثلما حصل له من قبل.
سمية: وماذا حصل للإما الشافعي؟
ذهب لشيخه (وكيع) يشكو له صعوبة الحفظ، وتشت الذهن رغم أنه كان قوي الحفظ، فقال له تب من ذنوبك وأكثر من الاستغفار
فأنشد الشافعي يقول:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي.
فأخلصي يا بنيتي توبتك لله وتقربي إليه وتسلحي بالدعاء ولن يخذلكِ الله أبدا
وتركتها الأم وخرجت من الغرفة.
وجلست سمية تفكر لماذا لم تصل إلى هذا الحل من قبل.. همت بالوضوء والصلاة، وأخذت تلح بالدعاء وقالت في نفسها: "نعم عليّ أولا أن أتوقف عن متابعة المسلسلات وسماع الأغاني، كما أنه يجب عليّ بعد ذلك أن أتجه إلى الله بالدعاء وألح عليه"
ومرت على تلك اليلة عشر ليال
ومازالت الصعوبات تواجهها في الحفظ
فذهبت إلى الأم تبكي، وتشكو عدم حل مشكلتها وكأنها تتهم أمها أنها أعطتها الحل غير المناسب لها، فأجابتها أمها صغيرتي لا تيأسي من رحمة الله فإنك أخذت بكل الأسباب، وتأكدي أن الله لن يخذلك أبدا
فأني أرى أنك ابتعدت عن الكثير من المعاصي، ولتعلمي صغيرتي أن الدعاء له شروط ومن شروطه
عدم الاستعجال في الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: ]يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي[، كما لابد أن تعلمي أمراً مهماً يتعلق للدعاء، ألا وهو أن الدعاء بين ثلاث حالات:
الأولى: أن يستجيب الله لصاحبه في الدنيا.
الثانية: أن الله يدفع بهذا الدعاء بلاءً قد كان يقع على هذا الداع؛ فالدعاء صاعد والبلاء نازل فيتعالجان – أي يتصارعان، فمن رحمة الله بعبده أن يصرع الدعاء البلاء، فلا يقع على هذا العبد هذا البلاء بسبب دعائه.
الثالثة: أن الله يدخر لهذا العبد تلك الدعوة في الآخرة، ويعوضه عن ذلك خير عوض، وحينها يتمنى العبد أن لو لم يستجب الله له في الدنيا بكل دعوة دعا بها؛ لما عاين من الخير العظيم، والفضل الكبير، إذاً فليطمئن قلبك وأحسني الظن بربك.
شعرت سمية بطمأنينة وسكينة من كلام أمها، وذهبت إلى غرفتها وأغلقت الباب وأخذت تبحث بذهن صافٍ فيه توكل على الله عز وجل.
كيف لها أن تحفظ؟ وما الطرق التي سوف تساعدها في الحفظ؟
فوجدت لو أنها قامت قبل صلاة الفجر بقليل وصلت ركعتين قيام ليل، ثم صلت صلاة الفجر فهي بذلك ستكون أخذت قسطا من الراحة لنفسها ونعمت بهدوء هذا الوقت وغنمت بالبركة.
لقوله صلى الله عليه وسلم: (بورك لأمتي في بكورها).
كما أنها وجدت أن عقلها في هذه الفترة يكون على درجة عالية من النشاط، مما جعلها تفهم وتستوعب دروسها، فانتقلت بعدها لمرحلة الحفظ وهكذا سهلت عليها المواد التي تذاكرها.
ولا ننسى أنها غلفت هذا كله بالجوء إلى الله عز وجل، ودعته دعاء صادقا موقنة بالإجابة، فتح الله عليها ولم يضيع أجرها.