إن هذه الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء، فلا يسلم المؤمن في هذه الدار الدنيا من المصائب، فمن فيها لم يصب بمصيبة؟!
@المرء رهن مصائب لا تنقضي.. … ..حتى يوسد جسمه في رَمْسِهِ
فمؤجَّلٌ يلقى الردى في غيره.. … ..ومعجَّل يلقى الردى في نفسهِ@@
**تعريف الصبر***
الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به صاحبه من فعل ما لا يحسن، ولا يجمل.
وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك.
**فضيلة الصبر والصابرين:***
إن الله تعالى قد جعل للصابرين ما ليس لغيرهم؛ قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155- 157].
والمصيبة كل ما يؤذي الإنسان ويصيبه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: نعم العدلان، ونعمت العلاوة للصابرين. يقصد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الهدى.
وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
– كما فاز الصابرون بمعية الرحمن، (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46]، فهو معهم يثبت قلوبهم ويحوطهم بعنايته وتأيده.
– والصابرون هم أهل الإمامة في الدين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة:24].
– وهم أهل محبة الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].
– ثم هم يفوزون بالجنة و النجاة من النار: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:111].
– وما من مصيبة تصيب العبد إلاَّ كفر الله بها عنه.
وإليك أيها القارئ الكريم هذه الطائفة العطرة من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضيلة الصبر والصابرين:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه" أي يصيبه بلاء. [رواه البخاري ومالك]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مصيبة تصيب المؤمن إلاَّ كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشَاكُها". [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"[رواه البخاري وأبو داود].
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيكِ". فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألاَّ أتكشف، فدعا لها". [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الجنة ثم احتسبه إلاَّ الجنة". [رواه البخاري].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة". [رواه البخاري والترمذي].
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله خيرًا منها". فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
**السلف الصالح والصبر***
قال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلاَّ كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.
وقال يونس بن زيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم يصيبه المصيبة مثل قبل أن تصيبه.
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]. قال: صبروا على ما أمروا به، وصبروا عمَّا نهو عنه.
وقالوا: الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنا لله عز وجل إذا قضى قضاءً أحبَّ أن يُرضى به.
وقالت رابعة: إن الله عز وجل إذا قضى لأوليائه قضاءً لم يتسخَّطُوه.
وقال الحسن: من رضي بما قسم له وسعه وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه.
وقال بعضهم: من لم يرضى بالقضاء فليس لحمقه دواء.
وأصبح أعرابي وقد مات له أباعر – جمع بعير – كثيرة فقال:
@لاَ والذي أنا عبدٌ في عبادَته.. … ..لولا شمَاتَةُ أعداءٍ ذَوي إِحَنِ
ما سرَّني أنَّ إبليِ في مَبَارِكَها.. … ..وأنَّ شيئًا قضاه الله لم يكُنِ@@
**دوافع تعين على الصبر:***
هناك أمور كثيرة تعين على الصبر، وسنسردها سردًا بغير ذكرٍ لأدلتها خشية الإطالة، ومنها:
1- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر.
2- اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى.
3- تذكر كثرة نعم الله عليه.
4- العلم بأن الجزع وقلة الصبر لا ترد المصيبة.
5- استحضار الأجر والثواب، والتفكر في عاقبة الصبر.
6- العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه.
7- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون.
8- أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
9- مطالعة سير السابقين من الصالحين، ودراسة مواقفهم المباركة في الصبر ليأنس بهم.
نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين..
**للاستزادة:***
· عدة الصابرين؛ للإما ابن القيم رحمه الله.
· مواقف إيمانية؛ الشيخ. أحمد فريد.
· صلاح الأمة؛ الشيخ. سيد حسين عناني.
· الأخلاق الإسلامية؛ الشيخ. عبد الرحمن حنبكة الميداني.
تسلمي
اللهم اجعلنا من الصابرين اللهم امين