وعن عائشة رضي الله عنها بمعناه روي (فَأَسْلَمُ) بضم الميم أي: فأسلم أنا منه وصحح بعضهم هذه الرواية ورجحها وروي (فَأَسْلَمَ) بفتح الميم يعني: القرين أنه انتقل من حال كفره إلى الإسلام فصار لا يأمر إلا بخير كالمَلَكِ وهو ظاهر الحديث ورواه بعضهم (فَاستَسْلَمَ) فإذا كان حكم شيطانه وقرينه المسلط على بني آدم فكيف بِمَنْ بعد منه ولم يلزم صحبته ولا قدر على الدنو منه؟ وقد جاءت الآثار بتصدي الشيطان له في غير موطن رغبة في إطفاء نوره وإماتة نفسه وإدخال شُغُلٍ عليه إذ يئسوا من إغوائه فانقلبوا خاسرين كتعرضه له في الصلاة فأخذه النبي وأسره
ففي الصحاح: قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان عرض لي – قال عبد الرازق: في صورة هرٍّ فَشَدَّ عَلَىَّ يقطع الصلاة فأمكنني الله منه فذعتّه ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتي تصبحوا تنظرون فذكرت قول أخي سليمان {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} فردَّه الله خاسئا) وفي حديث أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وسلم (إن عدوَّ الله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهي – والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة – وذكر تعوّذه بالله منه ولعنه له وقال: ثم أردت أن آخذه) وذكر نحوه قال (لأصبح موثقًا يتلاعب به ولدان أهل المدينة)
وكذلك في حديثه في الإسراء وطلب عفريت له بشعلة نار فعلَّمه جبريل ما يتعوذ به منه – ذكره في الموطأ ولما لم يقدر على آذاه بمباشرته تسبب بالتوسط إلى عداه كقضيته مع قريش في الائتمار بقتل النبي وتصوره في صورة الشيخ النجدي ومرة أخري في غزوة يوم بدر في صورة سراقة بن مالك وهو قوله {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} ومرة ينذر بشأنه عند بيعة العقبة وكل هذا فقد كفاه أمره وعصمه ضُرَّه وشرَّه وقال صلى الله عليه وسلم حين لُدَّ في مرضه وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال (إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه عليَّ) فإن قيل: فما معني قوله تعالى{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ؟ فالجواب: أن المراد بهذا الخطاب أمته صلى الله عليه وسلم وهذا كغيره من الخطابات التي توجَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المراد بها أمته
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…82&id=91&cat=4
منقول من كتاب [الكمالات المحمدية]