انتشرت الكثير من المعجزات المزعومة على الإنترنت لدرجة أنها أصبحت بمثابة "حقائق" وهذا ما دعاني للتنبيه على خطورة هذا الأمر ….
هناك الكثير من الأفكار التي نجدها على الإنترنت تحت اسم "الإعجاز العلمي" وفي حقيقة الأمر تحوي على كثير من المغالطات والأفكار غير الصحيحة مما يسيء إلى علم الإعجاز أكثر مما يفيد. وقد تناولنا في مقالة سابقة بعض "المعجزات المزيفة" مثل سماع رائد الفضاء الأمريكي الأذان على سطح القمر، وغير ذلك… ولكن هذه المرة وجدتُ معلومة انتشرت بشكل غريب تقول إن مكة هي مركز الجاذبية الأرضية!
الكعبة هي مركز جاذبية الأرض!
وتقول المعلومة أن أحد العلماء الأمريكيين وبعد جهود كبيرة ودراسات مستفيضة توصل إلى أن مركز جاذبية الأرض يقع في مكة المكرمة، ولكن المعلومة لم تذكر اسم العالم وما هي التجربة التي قام بها وكيف توصل إلى هذا الاكتشاف، بل بكل بساطة يذكرون الاكتشاف على أنه حقيقة علمية.
هناك خطأ علمي كبير في هذه المعلومة لأن الأرض لها حقل جاذبية ومركز هذا الحقل هو مركز الأرض، أو بعبارة أدق مركز ثقل الأرض، ومركز الأرض يقع في باطن الأرض، ولا يمكن أن يكون على سطحها. وكذلك أي كوكب أو نجم فإن مركز جاذبيته يقع في مركز ثقله أي في باطنه.
وبالطبع كلما طلب أحد الدليل العلمي على صدق هذا الخبر فإننا نسمع عبارات مثل: إن علماء الغرب الملحدين يخفون هذه المعلومات! ونحن لا ننكر أن الباحثين الأمريكيين يخفون الكثير من الحقائق العلمية، ولكن نسينا الهدف الأصلي من الإعجاز العلمي وهو إقناع غير المسلمين بحقيقة الإسلام الرائعة، فكيف نقنعهم بصدق المعجزة إذا لم يكن لدينا برهان علمي عليها؟
شعاع يضيء السماء يخرج من البيت العتيق!
وهناك معلومة أخرى أرسلها لي أحد الإخوة للتأكد منها تقول: لقد ظهر شعاع قوي من مكة المكرمة وأضاء السماء وقد التقطه القمر الصناعي الأمريكي وعرض الصورة على موقع وكالة ناسا ثم حذفها بعد أيام خوفاً من تأثيرها على غير المسلمين!!
وهذه المعلومة لا أساس لها أيها الأحبة، لأن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا لا تعرض أي صورة مباشرة بل تخضع للدراسة والتحليل وهذه العملية تأخذ بعض الوقت، وهناك صور كثيرة لم تعرضها الوكالة حتى الآن لأنها تعتبرها معلومات سرية. لذلك فإن مثل هذه الصورة لو كانت حقيقية لما عرضتها الوكالة من الأساس، ولكن هذه الصورة هي مجرد أكذوبة، والله تعالى لو أراد أن يضيء بيته الحرام بشعاع لرآه جميع الناس وليس بحاجة لمن يخفي هذه المعجزة.
مكة: هل تتوسط اليابسة؟
معلومة ثالثة أيضاً انتشرت بشكل كبير وهي أن مكة تتوسط اليابسة، وأن أحد علماء المسلمين اكتشف ذلك، ومن ثم علماء الغرب أثبتوا وتأكدوا من ذلك! وهذه المعلومة غير دقيقة، فقد تكون مكة تتوسط اليابسة، ولكن لم يثبت أحد من علماء الغرب هذه الفرضية. وحتى العالم المسلم الذي قام بالبحث لم يثبت ذلك لعلماء الغرب، بل لا زال بحثه في طور الفرضية.
ونقول إن هذا البحث يحتاج لقياسات عالمية دقيقة جداً ولا يكفي أن نضع فرجاراً ونمرره على خريطة العالم، بل هناك الكثير من القياسات مثل مساحة اليابسة وما هو التعريف العلمي لمركز اليابسة، ويجب أن نضع في اعتبارنا هذا السؤال: ماذا لو أثبت العلم أن مكة لا تتوسط اليابسة؟
مكة والتوقيت العالمي
وهناك معلومة أيضاً يقولون فيها إن التوقيت العالمي يجب أن يبدأ من مكة المكرمة وليس من غرينتش، لأن الشمال المغنطيسي والشمال الجغرافي متطابقان في مكة المكرمة وهي المدينة الوحيدة التي تتميز بهذا الأمر. وسبحان الله، كيف يضعون مثل هذه المعلومات التي تسيء للمعجزة أكثر مما تنفع، فالشمال المغنطيسي متحرك وليس ثابتاً، أي أننا لو وضعنا إبرة مغنطيسية اليوم لتوجهت باتجاه الشمال المغنطيسي، نفس الإبرة وقبل مئة سنة كان لها اتجاه آخر، وهكذا فإن الشمال المغنطيسي للأرض متغير!
مكة: هل هي مركز الطاقة الكونية؟
معلومة أيضاً عن مكة المكرمة وهي أن مكة هي مركز الطاقة الكونية!!!! ومع أن الطاقة الكونية هي مجرد افتراض وليست حقيقة علمية، إلا أننا نجد من يقول إن مركزها هو في مكة المكرمة! وأقول يا أحبتي ما هو اسم العالم الذي أثبت ذلك وما هو البحث الذي قام به وكيف توصل إلى ذلك؟ وغالباً ليس هناك جواب، لأن طاقة الكون لم يتم التقاطها أو تسجيلها بل هي فرضية، ومع أنني لا أنكر أن تكون هذه المعلومة صحيحة فالله قادر على كل شيء، ولكن نريد البرهان العلمي لنتمكن من إقناع غير المسلمين.
مكة هي أول بقعة ظهرت من اليابسة!
وهذه معلومة أخرى سمعتها من أحد العلماء ولكن عرضها بدون دليل علمي، حيث قال: إن الأرض كانت مغطاة بالبحار بشكل كامل، ثم بدأت اليابسة بالظهور وأول ما ظهر من اليابسة هو مكة المكرمة. ولذلك اختارها الله لتكون أم القرى ويكون فيها أول بيت وُضع للناس!
ونحن لا ننكر هذه النظرية ولا نؤيدها ولو أنني أميل لتأييدها أكثر، ولكن وبما أنه لا يوجد إثبات علمي على ذلك، وهذه القضية لا زالت مجهولة فمن الأفضل أن ننتظر حتى يكشف الله سبحانه وتعالى عن بعض أسرار مكة علمياً، وأسأل الله تعالى أن يسخّر لهذا الأمر من يرضاه من عباده، إنه على كل شيء قدير.
نصائح
فنحن المسلمين لا نشك بأن مكة هي أفضل بقاع الأرض وأن البيت الحرام هو أقدس مكان على سطح الأرض، وأن المدينة المنورة كذلك لأنها ضمت جسد أعظم مخلوق عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم، ونؤمن أن المسجد الأقصى هو أرض مقدسة وهو أول قبلة للمسلمين، ونؤمن أن النبي دعا بالبركة لبلاد الشام واليمن، وأوصى بأهل مصر خيراً، ولسنا بحاجة لإثباتات علمية على ذلك!
ولكن عندما نخاطب غير المسلمين ونقول له إن أفضل بقاع الأرض هي مكة، فهذا الإنسان يحتاج لدليل علمي لنؤيد قولنا، فإذا ما جئناه بدليل علمي ثم ثبُت له خطأ هذا الدليل فقد يتعرض للشك والارتياب، ومن هنا أؤكد لإخوتي وأخواتي ضرورة التحري والتدقيق والبحث عن الدليل العلمي قبل المساهمة في نشر أي معلومة على الإنترنت.
إنني كمسلم أتوق لرؤية بيت الله وزيارة قبر رسوله الكريم، أعتقد أن خير البقاع هي مكة والمدينة، وأن مكة هي مركز العالم ومركز الجاذبية الإيمانية تجذب قلوب المؤمنين إليها، ومجرد النظر إلى الكعبة هو شفاء وعلاج وطمأنينة، ولكن يا أحبتي إن هذا الكلام لا يقنع ملحداً مرد على الإلحاد والنفاق، نريد أبحاثاً علمية مؤكدة لنخاطب بها غير المسلمين، فتكون حجَّتنا أقوى، ولذلك أمرنا ربنا أن نستخدم الحكمة في الدعوة، ومن الحكمة أن نكلم الغرب بلغة الحقائق العلمية اليقينية، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
إن الآية التي تتحدث عن مكة المكرمة لا تشير إلى مركزيتها من قريب ولا بعيد، لنتأمل هذا النص القرآني: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 96-97]. وهناك آية أخرى يقول فيها رب العزة: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى: 7]. هل ترون أي إشارة إلى مركزية مكة؟
إنني لا أرى في هذه الآيات إشارة إلى مركزية مكة، وبالنتيجة نجد أن معظم المعلومات التي يحاول أصحابها إطلاقها على مكة المكرمة واعتبارها معجزات ما هي إلا أخطاء علمية، ولذلك يجب الانتباه إلى خطورة هذا الأمر. فالمؤمن يتوجه بقلبه وعقله إلى الكعبة ويزورها مراراً وتكراراً ويشتاق لها ويحس بانجذاب فطري نحوها، وإنني واثق أن هناك الكثير من الأسرار العلمية في موضع مكة المكرمة، ولكن أين من يقوم ببحث علمي يقيني ويظهره ليبهر العالم كله؟
وخلاصة القول:
1- مكة هي مركز الجاذبية الأرضية: خطأ علمي.
2- مكة هي مركز اليابسة: فرضية قد تكون صحيحة وتحتاج لدليل علمي.
3- مكة هي مركز الطاقة الكونية: فرضية تحتاج لدليل.
4- مكة والتوقيت العالمي: حبذا لو اعتمد العالم كله على توقيت مكة! ولكن هناك خطأ علمي في تطابق الشمال المغنطيسي مع الشمال الجغرافي لمكة المكرمة.
5- مكة أول اليابسة ظهوراً: لا يوجد دليل علمي على ذلك.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
مقالات ملفَّقة في الإعجاز العلمي
هل اعترف علماء الغرب بأن مكة هي مركز اليابسة على الأرض؟