في الواقع، أي خلل في نمو الطفل، لا يؤثر في الشكل فحسب، بل قد يخفي وراءه مشكلات خطيرة أحياناً تدعو إلى التدخل السريع. وتلعب عوامل عدة دوراً في تأخير نمو الطفل منها ما هو وراثي ومنها ما له علاقة بأمراض معينة، ومنها العوامل المتغيّرة المرتبطة بالتغذية أو بتناول أدوية معينة.
حقائق كثيرة ترتبط بنمو الطفل تحدثت عنها الطبيبة اللبنانية الاختصاصية بأمراض الغد الصماء عند الأطفال إليان خلّوف كلاس التي شدت على الاضطرابات الهرمونية الرئيسية المرتبطة بنمو الطفل مما يدعو إلى مراقبة معدلات النمو بدقة لكشف أي خلل يخفيه قصور النمو خلفه. وجاء حديث كلاس على أثر تشكيل لجنة توجيهية للإشراف على سير حملة الكشف المبكر عن قصور النمو المرضي لدى الأطفال اللبنانين بهدف حث الأهل على إخضاع أطفالهم للفحص الطبي المنتظم.
– على أي أساس يحدد نمو الطفل وما إذا كان ضمن المعدل الطبيعي أم لا؟
يحدد ما إذا كان نمو الطفل طبيعياً على أساس معدلات للنمو متعارف عليها، علماً أن معدلات النمو، في ما يتعلّق بطول القامة، تختلف بحسب سن الطفل. فخلال السنة الأولى، ينمو الطفل، من حيث طول القامة، بمعدل 24 سنتيمتراً. وفي السنة الثانية، يتراجع النمو إلى معدّل 11 سنتمتراً في السنة.
أما في العام الثالث فيبلغ معدّل النمو 8 سنتمترات في السنة. ومن سن الأربع سنوات حتى البلوغ، يجب ألا يقل معدّل النمو عن 5 سنتيمترات أو 6 في السنة. وتجدر الإشارة إلى أن تغييرات كثيرة تحصل في مرحلة البلوغ مما يؤدي إلى نمو مفاجئ بمعدل 9 سنتيمترات في السنة يبدأ في سن العشر سنوات لدى الفتيات وفي سن 12 سنة لدى الأولاد. وفي حوالي سن ال15 سنة لدى الفتيات و16 سنة لدى الأولاد يتوقف النمو بعد التغيرات التي تحصل في الجسم وبعد انتهاء نمو العظام.
– ما العوامل التي تسبب تأخيراً في نمو الطفل؟
ثمة عوامل ثابتة تؤثر في معدل النمو وأخرى متغيّرة يمكن التحكّم فيها. ومن العوامل الثابتة الوراثة التي تلعب دوراً مهماً في تحديد معدّل النمو. إضافةً إلى حسن سير وظائف الهيكل العظمي والغد الصماء.
أما بالنسبة إلى العوامل المتغيّرة فأهمها التغذية السليمة والأمراض المزمنة وتوفير بيئة تؤمن الرعاية والحنان للطفل. كما يمكن لعوامل معينة لها علاقة بالجنين والبيئة المحيطة بالحامل والحامل نفسها أن تلعب دوراًَ في إعاقة نمو الجنين في الرحم ثم بعد الولادة.
الأمراض المزمنة: منها ما يعيق النمو نظراً لتأثيرها على قدرة الجسم على امتصاص المكونات الغذائية اللازمة له. ومنها أمراض الكلى وأمراض الجهاز الهضمي وأمراض القلب وأمراض الرئة. كما أن الحصول على جرعات زائدة من بعض الأدوية أو تناولها لفترات طويلة قد يؤثر سلباً على النمو.
الأسباب الوراثية: يمكن أن يكون نمو الوالدين قد تأخر في مرحلة البلوغ ، وقد يتكرر ذلك مع أطفالهما. وبشكل عام، يراوح طول قامة الطفل عندما يصبح راشداً بين معدّل طول الوالدين وصولاً إلى طول الأب بالنسبة إلى الأولاد، وصولاً إلى طول الأم بالنسبة إلى الفتيات.
التغذية: أكثر مشكلات التغذية شيوعاً هي النظام الغذائي الذي يحتوي على مكونات غذائية غير مناسبة وعلى وحدات حرارية غير كافية أو تناول المجموعات الغذائية الخاطئة.
من جهة أخرى، تدخل ضمن هذا الإطار أيضاً الأمراض التي تحول دون امتصاص الجسم للمكونات الغذائية اللازمة له من الأمعاء مما يحول دون استعمالها لتحقيق النمو. ومن الأعراض التي تظهر في هذه الحالة الغثيان والتقيؤ والغازات والإسهال أو الإمساك ونحول الطفل بالنسبة إلى طوله والزيادة البسيطة في الوزن. علماً أنه في حال اتباع نظام غذائي خاص بإشراف الطبيب أو بعد العلاج يتحسّن النمو.
الأسباب الخلقية: الأسباب الخلقية تظهر عند ولادة الطفل وتسبب قصوراً في نموّه. فإما أن يكون ثمة بطء في النمو في الرحم أو خلل في الهيكل العظمي أو تغيرات معينة في الصبغيات. أما بطء النمو فينتج عن عدوى معينة تلتقطها الأم في الحمل أو عن التدخين أو عن تعاطي المخدرات خلال الحمل.
الأسباب النفسية والإجتماعية: يعاني الأطفال الذين يعيشون في أجواء عائلية مضطربة ينقصها الحب والعاطفة والتماسك، إجهاداً شديداً مما قد يساهم في زيادة قصور النمو لديهم. لكن قد يتحسّن النمو عند حل المشاكل.
– كيف يعرف الأهل ما إذا كانت ثمة مشكلة في نمو الطفل؟
قد يكون عدم نمو الطفل ضمن المعاير المحددة بمثابة إنذار للأهل باحتمال وجود خلل ما يحتاج إلى تقويم طبي. كما قد يكون ذلك مؤشراً لقصور في هرمون النمو لدى الطفل.
– على أي أساس يحدد الطبيب ما إذا كان الطفل ينمو بشكل طبيعي؟
يسجّل طبيب الأطفال عادةً القياسات على رسوم بيانية تبيّن ما إذا كان الطفل ينمو بمعدل طبيعي على أساس الطول والوزن المسجلين على الرسم بحسب سن الطفل وجنسه. وتقسّم الحدود الطبيعية إلى رتب مئوية. فعلى سبيل المثال، إذا بلغ الطفل الرتبة المئوية العاشرة فهذا يعني أن طوله يتعدّى طول 10 في المئة من الأطفال الذين هم في سنّه ومن جنسه، فيما هو أقصر من 90 في المئة من الاطفال الذين هم بالمواصفات نفسها.
وإذا كانت رتبة الطفل أدنى من 5 في المئة أو أعلى من 95 في المئة، أو إذا لم تكن ضمن الحدود المعينة للطول الذي قد يبلغه مقارنةً بوالديهن، فمن الطبيعي أن يشتبه الطبيب باحتمال وجود مشكلة فيخضع الطفل لبعض الفحوص.
كذلك إذا كان ينمو في السابق بنسبة مئوية معينة ثم بدأ نموّه في مرحلة معينة ينحرف صعوداً أو نزولاً باتجاه منحنى مئوي آخر، فتجرى أيضاً بعض الفحوص للتأكد من السبب.
– هل يقاس طول الطفل شهرياً؟
يقاس طول الرضيع مرةً كل ثلاثة أشهر أو ستة. وعندما يتعدّى سن السنتين، يقاس طول قامته على الأقل مرةً في السنة إلى أن تبلغ قامته طول الراشد. علماً أنه من الضروري، مقارنة طول قامته بحسب المعدلات المحلية والحرص على مراقبة نموه ضمن الحدود الطبيعية المخصصة لسنّه وجنسه.
كما أنه لا بد من مراقبة النمو باستمرار لأن التوقّف المفاجئ للنمو قد يشير إلى احتمال إصابة الطفل بمشكلات غير ظاهرة.
– ما الدور الذي يلعبه هرمون النمو لدى الطفل؟
هرمون النمو بالغ الأهمية للطفل ولصحته. قلائل هم الذين يدركون أن تأثير هرمون النمو لا يقتصر على طول القامة بل له تأثيرات عدة. فالطفل الذي يعاني نقصاً في هرمون النمو يعاني مشكلات خطيرة مرتبطة بصحة القلب وقدرة الرئتين وكثافة العظام وجهاز المناعة وغيرها من المشكلات التي لا تقل خطورة.
لذلك من المهم كشف النقص في هرمون النمو لدى الطفل في مرحلة مبكرة لتجنب الأضرار الدائمة التي قد تنتج عنه والإعاقات .
كذلك النقص قد يؤدي إلى خسارة الطفل سنتمترات من طول قامته بشكل دائم بحيث لا يمكن تعويضها لاحقاً. ويؤثر هرمون النمو على نمو العظام وعلى عملية أيض الغلوكوز والدهون وإنتاج البروتين لتغذية نمو الخلايا الجديدة.
مع الإشارة إلى أن الأطفال الذين يعانون قصوراً في هرمون النمو يتعرضون لبطء مفاجئ في النمو وقد يصبح وزنهم زائداً بالنسبة إلى طولهم. كما توحي ملامح وجوههم بأنهم أصغر سناً من سنّهم الحقيقية، فيما تبدو أجسامهم متناسقة.