آفات اللسان
آفاته كثيرة ومتنوعة، ولها في القلب حلاوة، ولها بواعث من الطبع، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت، فلنذكر أولاً فضيلة الصمت، ثم نتبعه الآفات مفصلة إن شاء الله تعالى.
اعلم: أن الصمت يجمع الهمة ويفرغ الفكر
قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لساني.
وقال أبو الدرداء: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم به.
وقال مخلد بن الحسين: ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة أريد أن أعتذر منها.
آفات الكلام:
الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعنى.
اعلم: أن من عرف قدر زمانه، وأنه رأس ماله، لم ينفقه إلا في فائدة، وهذه المعرفة توجب حبس اللسان عن الكلام فيما لا يعنى، لأنه من ترك الله تعالى واشتغل فيما لا يعنى، كان كمن قدر على أخذ جوهرة، فأخذ عوضها مدرة، وهذا خسران العمر.
قيل للقمان الحكيم: ما بلغ من حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيته، ولا أتكلم بما لا يعنيني.
وقد روى أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد درعاً، فجعل يتعجب مما رأى، فأراد أن يسأله عن ذلك، فمنعته حكمته فأمسك، فلما فرغ داود عليه السلام، قام ولبس الدرع ثم قال: نعم الدرع للحرب. فقال لقمان: الصمت حكمة وقليل فاعله.
"أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". وهذه الخصومة نعنى بها الخصومة بالباطل أو بغير علم، فأما من له حق فالأولى أن يصدف عن الخصومة، مهما أمكن لأنها، توغر الصدر، وتهيج الغضب الغضب،وتورث الحقد، وتخرج إلى تناول العرض.
الآفة الثالثة:
التقعر في الكلام، وذلك يكون بالتشدق وتكلف السجع.
الآفة الرابعة:
الفحش والسب والبذاء
اعلم: أن الفحش والبذاء هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأكثر ما يكون ذلك في ألفاظ الجماع وما يتعلق به، فإن أهل الخير يتحاشون عن تلك العبارات ويكنون عنها.ومن الآفات: الغناء وقد سبق فيه كلام في غير هذا الموضوع.
"يا ذا الأذنين"، وقال لآخر: "إنا حاملوك على ولد الناقة"،
وقال للعجوز: "إنه لا يدخل الجنة عجوز"
ثم قرأ: {إنا أنشأناهن ****** فجعلناهن أبكاراً}"يا ذا الأذنين"، وقال لآخر: "إنا حاملوك على ولد الناقة"،
وقال للعجوز: "إنه لا يدخل الجنة عجوز"
ثم قرأ: {إنا أنشأناهن ****** فجعلناهن أبكاراً}
[الواقعة:35-36] ،
وقال لأخرى: "زوجك الذى في عينيه بياض؟"
.فقد اتفق في مزاحه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أشياء:
أحدها: كونه حقاً
والثاني: كونه مع النساء والصبيان، ومن يحتاج إلى تأديبه من ضعفاء الرجال.
والثالث: كونه نادراً، فلا ينبغي أن يحتج به من يريد الدوام عليه، فان حكم النادر ليس كحكم الدائم،
ولو أن إنساناً دار مع الحبشة ليلاً ونهاراً ينظر إلي لعبهم واحتج بأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم وقف لعائشة وأذن لها أن تنظر إلى الحبشة، لكان غالطاً، لندور ذلك،
فالإفراط بالمزاح والمداومة عليه منهي عنه، لأنه يسقط الوقار، ويوجب الضغائن والأحقاد،
وأما اليسير كما تقدم، من نحو نوع مزاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن فيه انبساطاً وطيب نفس.
وفينا رسول الله يتلو كتابه ذا انشق معروف من الفجر ساطع
يبيت يجافى جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع
قالت: آمنت بالله وكذبت بصري.
وكان النخعى إذا طلب قال للجارية: قولي لهم: اطلبوه في المسجد.
الآفة الثامنة:
الغيبة، وقد ورد الكتاب العزيز بالنهى عنها، وشبه صاحبها بآكل الميتة.فى الحديث
: الآفة التاسعة:
من آفات اللسان النميمة، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يدخل الجنة قتات" وهو النمام .
واعلم: أن النميمة تطلق في الغالب على نقل قول إنسان في إنسان.
قال يحيى بن أبى كثير: يفسد النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر.وقد حكى أن رجلا ساوم بعبد، فقال مولاه: إني أبرأ منك من النميمة والكذب، فقال: نعم، أنت برئ منهما، فاشتراه.
فجعل يقول لمولاه إن امرأتك تبغي وتفعل، وإنها تريد أن تقتلك، ويقول للمرأة:
إن زوجك يريد أن يتزوج عليك ويتسرى، فان أردت أن أعطفه عليك، فلا يتزوج ولا يتسرى، فخذي الموسى واحلقي شعرة من حلقه إذا نام ، وقال للزوج: إنها تريد أن تقتلك إذا نمت. قال فذهب فتناوم لها، فجاءت بموسى لتحلق شعرة من حلقه، فأخذ بيدها فقتلها، فجاء أهلها فاستعدوا عليه فقتلوه.
الآفة العاشرة:
كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعادين، وينقل كلام كل واحد إلى الآخر، ويكلم كل واحد بكلام يوافقه، أو يعده أنه ينصره، او يثنى على الواحد في وجهه ويذمه عند الأخر.وفى الحديث: "إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه"